( الشرح ) : أما الحديث الأول فضعيف سبق بيانه وتضعيفه في باب ما ينقض الوضوء ويغني عنه ما سنذكره من الأحاديث الصحيحة في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله - تعالى .
أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في قصة ذي اليدين فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وأما حديث معاوية بن الحكم فرواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وأما [ ص: 9 ] حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص في البكاء في الصلاة فرواه nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي بلفظه وأبو داود بنحوه وفي إسناده ضعف ، وفي الصحيح ما يغني عنه ، وقوله : انصرف من اثنتين أي سلم في الصلاة الرباعية من ركعتين ناسيا ، وقوله : ذو اليدين قيل له ذلك ; لأنه كان في يديه طول ثبت ذلك في الصحيح واسمه الخرباق بن عمرو بكسر الخاء المعجمة وإسكان الراء وبالباء الموحدة ثم ألف ثم قاف .
وقوله : أقصرت ؟ هو بضم القاف وكسر الصاد وروي بفتح القاف وضم الصاد وكلاهما صحيح .
وقوله : بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بين أوقات كوني معه ، وقد سبق بسط شرح هذه اللفظة في باب صفة الصلاة في فصل القراءة .
قوله ( فحدقني القوم بأبصارهم ) هكذا وقع في المهذب حدقني بفتح الحاء والدال المهملتين ، والدال مخففة وكذا رويناه في مسند أبي عوانة وسنن nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي والذي في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وسنن أبي داود وغيرهما فرماني القوم بأبصارهم ، وهذا ظاهر .
وأما رواية ( حدقني ) فمشكلة ; لأنه لا يعرف في هذه الكتب المشهورة في اللغة حدق بمعنى نظر ونحوه إنما قالوا : حدق بالتشديد إذا نظر نظرا شديدا لكنه لازم غير متعد يقال : حدق إليه ولا يقال : حدقه ، وزعم جماعة من المتأخرين أن معنى حدقني رموني بأحداقهم وإنما يعرف حدقني بمعنى أصاب حدقتي .
وقال شيخنا أبو عبد الله بن مالك إمام العربية في زماننا بلا مدافعة : يصح حدقني مخففا بمعنى أصابني بحدقته ، كقولهم : عنته أصبته بالعين ، وركبه البعير أصابه بركبته ، قوله : وا ثكل أمياه هو بكسر الميم وبعدها ياء ، والثكل بضم الثاء المثلثة وإسكان الكاف وبفتحهما لغتان كالنجل والنجل حكاهما nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري وغيره ، وهو فقدان المرأة ولدها ، وامرأة ثكلى إذا فقدته وقوله ( بأبي وأمي ) أي أفديه بهما قوله ( ما كهرني ) أي ما انتهرني ، وفي هذا الحديث وحديث ذي اليدين جمل من الأحكام والقواعد ومهمات الفوائد ، وقد ذكرتها في شرح صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ( وأما أحكام الفصل ) فقال أصحابنا - رحمهم الله - : للمتكلم في الصلاة حالان ( إحداهما ) : أن يكون غير معذور فينظر إن نطق بحرف واحد لم تبطل صلاته ; لأنه ليس بكلام إلا أن يكون الحرف مفهما كقوله : ق أو ، ش أو ع [ ص: 10 ] بكسرهن فإنه تبطل صلاته بلا خلاف ; لأنه نطق بمفهم فأشبه الحروف ، وإن نطق بحرفين بطلت بلا خلاف ، سواء أفهم أم لا ; لأن الكلام يقع على الفهم وغيره .
هذا مذهب اللغويين والفقهاء والأصوليين ، وإن كان النحويون يقولون : لا يكون إلا مفهما .
ولو نطق بحرف ومدة بعده فثلاثة أوجه حكاها الرافعي " أصحها " : تبطل ; لأنه كحرفين " الثاني " : لا لأنه حرف " الثالث " قاله إمام الحرمين : إن أتبعه بصوت غفل وهو الذي لا تقطع فيه بحيث لا يقع على صورة المد لم تبطل ، وإن أتبعه بحقيقة المد بطلت قال : لأن المد يكون ألفا أو واوا أو ياء وهي وإن كانت إشباعا للحركات الثلاث فهي معدودة حروفا ، وأما الضحك والبكاء والأنين والتأوه والنفخ ونحوها فإن بان منه حرفان بطلت صلاته وإلا فلا ، وسواء بكى للدنيا أو للآخرة .
وأما التنحنح فحاصل المنقول فيه ثلاثة أوجه : الصحيح الذي قطع به المصنف والأكثرون : إن بان منه حرفان بطلت صلاته ، وإلا فلا .
( والثاني ) : لا تبطل - وإن بان منه حرفان قال الرافعي : وحكي هذا عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ( والثالث ) : إن كان فمه مطبقا لم تبطل مطلقا وإلا فإن بان حرفان بطلت وإلا فلا .
وبهذا قطع المتولي وحيث أبطلنا بالتنحنح فهو إن كان مختارا بلا حاجة فإن كان مغلوبا لم تبطل قطعا ، ولو تعذرت قراءة الفاتحة إلا بالتنحنح فيتنحنح ولا يضره ; لأنه معذور ، وإن أمكنته القراءة وتعذر الجهر إلا بالتنحنح فليس بعذر على أصح الوجهين ; لأنه ليس بواجب ، ولو تنحنح إمامه وظهر منه حرفان فوجهان حكاهما nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين والمتولي والبغوي وغيرهم ( أحدهما ) : يلزمه مفارقته ; لأنه فعل ما يبطل الصلاة ظاهرا ( وأصحهما ) : أن له الدوام على متابعته ; لأن الأصل بقاء صلاته ( والظاهر ) : أنه معذور والله أعلم .
وإن كان كثيرا فوجهان مشهوران ( الصحيح ) منهما باتفاق الأصحاب : تبطل صلاته ، وهو المنصوص في nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي كما ذكر المصنف ، وهو ظاهر نصه أيضا في غير nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي ( والثاني ) : لا تبطل ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي ، والرجوع في القلة والكثرة إلى العرف ، هذا هو الصحيح المنصوص في الأم وبه قطع الجمهور .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب فيه قولا آخر عن نصه في الإملاء أن حد طول الفصل هنا أن يمضي قدر ركعة ووجهان عن nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة أنه قدر الصلاة .
وأما قياس المصنف عدم البطلان على أكل الصائم كثيرا فهو جار على طريقته وطريقة غيره من العراقيين في أن أكل الناسي لا يفطره وإن كثر وجها واحدا وعند الخراسانيين وجهان سنوضحهما في كتاب الصيام إن شاء الله - تعالى .
قال أصحابنا : وإنما يكون الجهل بتحريم الكلام عذرا في قريب العهد بالإسلام فأما من طال عهده في الإسلام فتبطل به صلاته لتقصيره في التعلم .
ولو علم تحريم الكلام ، ولم يعلم كونه مبطلا للصلاة بطلت بلا خلاف لتقصيره وعصيانه ، كما لو علم تحريم القتل والزنا والشرب والسرقة والقذف وأشباهها وجهل العقوبة فإنه يعاقب ولا يعذر بلا خلاف ، ولو جهل كون التنحنح مبطلا ، وهو طويل عهد بالإسلام ، فهل يعذر ؟ وجهان ( أحدهما ) : لا لتقصيره في التعلم ( وأصحهما ) : يعذر ; لأنه يخفى على العوام مع علمهم بتحريم الكلام ، ولو علم أن جنس الكلام محرم ولم يعلم أن ما أتى به محرم فوجهان الأصح : يعذر ولا تبطل ، أما إذا أكره على الكلام ففي بطلان صلاته قولان حكاهما الرافعي أصحهما - وبه قطع البغوي - : تبطل لندوره ، وكما لو أكره أن يصلي بلا وضوء أو قاعدا أو إلى غير القبلة فإنه يجب الإعادة قطعا لندوره ، قال البغوي : وكذا لو أكره على فعل يناقض الصلاة بطلت ; لأنه نادر .