( الشرح ) قال أهل اللغة : البصاق والبزاق والبساق وبصق وبزق وبسق ثلاث لغات بمعنى واحد ولغة السين قليلة ، وقد أنكرها بعض أهل اللغة وإنكارها باطل فقد نقلها الثقات وثبتت في الحديث الصحيح ، وإذا عرض للمصلي بصاق فإن كان في مسجد حرم البصاق فيه ، بل يبصق في طرف ثوبه من جانبه الأيسر ككمه وغيره ، وإن كان في غير المسجد لم يحرم البصاق في الأرض فله أن يبصق عن يساره في ثوبه ، أو تحت قدمه أو بجنبه وأولاه في ثوبه ، ويحك بعضه ببعض أو يدعه ، ويكره أن يبصق عن يمينه أو تلقاء وجهه وإذا بصق في المسجد فقد ارتكب الحرام وعليه أن يدفنه واختلفوا في دفنه فالمشهور أنه يدفنه في تراب المسجد ورمله إن كان له تراب أو رمل ونحوهما ، فإن لم يكن أخذه بعود أو خرقة أو نحوهما أو بيده وأخرجه من المسجد ، وقيل : المراد بالدفن إخراجها من المسجد مطلقا ، ولا يكفي دفنها في ترابه ، حكاه صاحب البحر في باب الاعتكاف ، ومن رأى من يبصق في المسجد لزمه الإنكار عليه ومنعه منه إن قدر ومن رأى بصاقا أو نحوه في المسجد فالسنة أن يزيله بدفعه أو رفعه وإخراجه ويستحب تطييب محله .
وأما ما يفعله كثير من الناس إذا بصق أو رأى بصاقا دلكه بأسفل مداسه الذي داس به النجاسة والأقذار فحرام ; لأنه تنجيس للمسجد أو تقذير له ، وعلى من رآه يفعل ذلك الإنكار عليه بشرطه والله أعلم فهذا مختصر أحكام المسألة .
فصل في مسائل تتعلق بالباب ( إحداها ) : ينبغي ألا يسكت في صلاته إلا في حال استماعه لقراءة إمامه فلو سكت في ركوعه أو سجوده أو قيامه أو قعوده سكوتا يسيرا لم تبطل صلاته ، فإن سكت طويلا لعذر بأن نسي شيئا فسكت ليتذكره لم تبطل صلاته ، على المذهب وبه قطع الجمهور ، وحكى جماعة من الخراسانيين في بطلانها وجهين ، وهو ضعيف ، وإن سكت طويلا لغير عذر ففي بطلانها وجهان مشهوران للخراسانيين : ( أصحهما ) : لا تبطل ، ولو سكت طويلا ناسيا وقلنا : يبطل تعمده ، فطريقان ، المذهب : لا تبطل والثاني : على وجهين ،
( الثانية ) : إشارة الأخرس المفهمة كالنطق في البيع والنكاح والطلاق والعتاق والرجعة واللعان والقذف وسائر العقود والأحكام إلا الشهادة .
[ ص: 35 ] ففي قبولها وجهان مشهوران ولو أشار في صلاته بما يفهم ففي بطلانها وجهان ، الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور : لا تبطل ; لأنه ليس بكلام ولا فعل كثير ، والثاني : تبطل ; لأنه قائم مقام كلامه ، وجزم القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين في فتاويه ببطلان الصلاة ، وجزم الغزالي بالصحة في فتاويه وصححه في كتاب الطلاق من الوسيط وهذا هو المذهب ، وهذه المسألة مما يسأل عنه فيقال : إنسان عقد النكاح والبيع في صلاته وصح ولم تبطل ، صلاته ؟ وتجيء مسألة في وجه ضعيف في المعاطاة في البيع والكتابة في البيع والنكاح فإن فيهما خلافا معروفا ويتصور مثل هذا فيمن عقد البيع والنكاح وغيرهما وهو في الصلاة بلفظه ناسيا للصلاة فيصح الجميع بلا خلاف .
( الثالثة ) : يستحب الخشوع في الصلاة والخضوع وتدبر قراءتها وأذكارها وما يتعلق بها والإعراض عن الفكر فيما لا يتعلق بها ، فإن فكر في غيرها وأكثر من الفكر لم تبطل صلاته لكن يكره ، سواء كان فكره في مباح أو حرام كشرب الخمر ، وقد قدمنا حكاية وجه ضعيف في فصل الفعل من هذا الباب أن الفكر في حديث النفس إذا كثر بطلت الصلاة وهو شاذ مردود ، وقد نقل الإجماع على أنها لا تبطل وأما الكراهة فمتفق عليها ، وقد سبقت هذه المسألة بأدلتها من الأحاديث الصحيحة الكثيرة في المسائل المنثورة في آخر باب صفة الصلاة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : قال لنا ابن أبي داود : أبو غطفان هذا مجهول والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=43892أنه كان يشير في الصلاة } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس وغيرهما وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=30981لا غرار في صلاة ولا تسليم } " فرواه أبو داود بإسناد صحيح ، ثم روى أبو داود عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل - رحمه الله قال في تفسيره : أراد أن معناه أن تسلم ولا يسلم ، ويغرر الرجل بصلاته : ينصرف وهو شاك فيها ، هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، والغرار بكسر الغين المعجمة وتكرير الراء وهو النقصان وقد اختلف العلماء في ضبط قوله : ولا تسليم فروي منصوبا ومجرورا فمن نصبه عطفه [ ص: 37 ] على غرار ، أي لا غرار ولا تسليم في الصلاة ، وهذا معنى قول nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد الذي ذكره أبو داود ، ومن جره عطفه على صلاة أي لا غرار في صلاة ولا في تسليم ، وبهذا جزم nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي قال : والغرار في التسليم أن يسلم عليك إنسان فترد عليه أنقص مما قال بأن قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقلت : عليكم السلام فلا ترد التحية بكمالها بل تبخسه حقه من كمال الجواب قال : والغرار في الصلاة له تفسيران .
( أحدهما ) : أن لا يتم ركوعها وسجودها يعني ونحوهما .
( والثاني ) : ينصرف وهو شاك هل صلى ثلاثا أم أربعا مثلا ؟
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي لا غرار في الصلاة بالألف واللام قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وهذا أقرب إلى تفسير nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي لا غرار في تسليم ولا صلاة وهذا يؤيد تفسير nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : والأخبار السابقة تبيح السلام على المصلي والرد بالإشارة وهي أولى بالاتباع .
( فرع ) في مذاهب العلماء فيما إذا سلم على المصلي : قد ذكرنا أن مذهبنا لا يجوز أن يرد باللفظ في الصلاة وأنه لا يجب عليه الرد لكن يستحب أن يرد في الحال إشارة ، وإلا فبعد السلام لفظا ، وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق وجمهور العلماء نقله nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي عن أكثر العلماء وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=14228والخطابي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة أنهم أباحوا رد السلام في الصلاة باللفظ ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا لفظا ولا إشارة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : هذا خلاف الأحاديث .
وحكى الشيخ أبو حامد عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري أنهما قالا : يرد بعد فراغ صلاته سواء كان المسلم حاضرا أم لا ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : يرد بقلبه والله أعلم .
( فرع ) في مذاهبهم في السلام على المصلي مقتضى كلام أصحابنا أنه لا يكره وهو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة كما سبق وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وحكى كراهته عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والشعبي وأبي مجلز وإسحاق بن راهويه .
( الخامسة ) : يجوز قتل الحية والعقرب في الصلاة ولا كراهة فيه ، بل [ ص: 38 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب وغيره : هو مستحب في الصلاة كغيرها للحديث الصحيح فيه ، وقد سبق بيانه وقد حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق قال : وكرهه nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي ، قال : ولا معنى لكراهته ; لأنها خلاف السنة .
( السادسة ) يكره أن يروح على نفسه بمروحة وهو في الصلاة وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=12067وأبي عبد الرحمن ومسلم بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك قال : ورخص فيه nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد والحسن وعائشة بنت سعد قال : وكرهه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق إلا أن يأتي غم شديد .
( الثامنة ) : يكره أن يصلي وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح ، أو يحضره طعام ، أو شراب تتوق نفسه إليه لحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30845لا صلاة بحضرة الطعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم قال أصحابنا فينبغي أن يزيل هذا العارض ثم يشرع في الصلاة فلو خاف فوت الوقت فوجهان الصحيح الذي قطع به جماهير الأصحاب : أنه يصلي مع العارض محافظة على حرمة الوقت ، والثاني : حكاه المتولي : أنه يزيل العارض فيتوضأ ويأكل وإن خرج الوقت ، ثم يقضيه لظاهر هذا الحديث ، ولأن المراد من الصلاة الخشوع فينبغي أن يحافظ عليه وحكى أصحابنا الخراسانيون وصاحب البيان عن الشيخ أبي زيد المروزي أنه إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى أن ذهب خشوعه لم تصح صلاته ، وبه جزم nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين ، وهذا شاذ ضعيف ، والمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء صحة صلاته مع الكراهة ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض عن أهل الظاهر بطلانها والله أعلم .