وهل يجوز أن يجمع بينهما في وقت الثانية ؟ فيه قولان .
قال في الإملاء : يجوز ; لأنه عذر يجوز الجمع به في وقت الأولى فجاز الجمع في وقت الثانية كالجمع في السفر ، وقال في الأم : لا يجوز ; لأنه إذا أخر ربما انقطع المطر فجمع من غير عذر ) .
( فصل ) : فإذا دخل في الظهر من غير مطر ثم جاء المطر لم يجز له الجمع ; لأن سبب الرخصة حدث بعد الدخول فلم يتعلق به ، كما لو دخل في صلاة ثم سافر ، فإن أحرم بالأولى مع المطر ثم انقطع في أثنائها ثم عاد قبل أن يسلم ودام حتى أحرم بالثانية جاز الجمع ; لأن العذر موجود في حال الجمع ، وإن عدم فيما سواها من الأحوال لم يضر ; لأنه ليس بحال الدخول ، ولا بحال الجمع ( فصل ) ، ولا يجوز الجمع إلا في مطر يبل الثياب ، وأما المطر الذي لا يبل الثياب فلا يجوز الجمع لأجله ; لأنه لا يتأذى به ، وأما الثلج فإن كان يبل الثياب فهو كالمطر ، وإن لم يبل الثياب لم يجز الجمع لأجله ، فأما الوحل والريح والظلمة والمرض فلا يجوز الجمع لأجلها فإنها قد كانت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه جمع لأجلها ، وإن كان يصلي في بيته أو في مسجد ليس في طريقه إليه مطر ففيه قولان ، قال في [ القديم : لا يجوز ; لأنه لا مشقة عليه في فعل الصلاة في وقتها ، وقال في ] الإملاء : يجوز ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع في المسجد ، وبيوت أزواجه إلى المسجد وبجنب المسجد
[ ص: 259 ] الشرح ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وزاد فيه : قيل nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : لم فعل ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته وقوله : قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : أرى ذلك - هو بضم الهمزة - أي أظنه .
، وهو nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس الإمام .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا مثله ، ولكن هذا التأويل مردود برواية في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وسنن أبي داود عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس { nindex.php?page=hadith&LINKID=17737جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ، ولا مطر } وهذه الرواية من رواية nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت ، وهو إمام متفق على توثيقه وعدالته والاحتجاج به .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : هذه الرواية لم يذكرها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مع أن nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت من شرطه .
قال : ولعله تركها لمخالفتها رواية الجماعة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : ورواية الجماعة بأن تكون محفوظة أولى ، يعني رواية الجمهور : من غير خوف ، ولا سفر .
قال : وقد روينا عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر الجمع في المطر ، وذلك تأويل من تأوله بالمطر .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في معرفة السنن والآثار : وقول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته ، قد يحمل على المطر ، أي لا يلحقهم مشقة بالمشي في الطين إلى المسجد .
وأجاب الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في تعليقه عن رواية من غير خوف ، ولا مطر بجوابين : ( أحدهما ) معناه ، ولا مطر كثير ( والثاني ) : أنه يجمع بين الروايتين فيكون المراد برواية : من غير خوف ، ولا سفر : الجمع بالمطر ، والمراد برواية : ولا مطر الجمع المجازي ، وهو أن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ، ويقدم الثانية إلى أول وقتها .
هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد ، ويؤيد هذا التأويل الثاني أن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=11867أبي الشعثاء عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وثبت في الصحيحين عن عمرو بن دينار قال : قلت : يا nindex.php?page=showalam&ids=11867أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء قال : وأنا أظن ذلك .
وأجاب nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه والشيخ أبو نصر في تهذيبه وغيرهما بأن قوله ، ولا مطر ، أي ، ولا مطر مستدام ، فلعله انقطع في أثناء الثانية .
ونقل صاحب الشامل هذا الجواب عن أصحابنا ، وأجاب الماوردي بأنه كان مستظلا بسقف ونحوه ، وهذه التأويلات كلها ليست ظاهرة ، والمختار ما أجاب به nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي .
وقول المصنف : وإن كان يصلي في بيته أو في مسجد ليس في طريقه إليه مطر ففيه قولان .
قال في القديم : لا تجوز ، وفي الإملاء يجوز ، هكذا [ ص: 260 ] وقع في نسخ المهذب في القديم : لا يجوز ، وفي الإملاء : يجوز ، وقال مثل قوله المحاملي في المجموع .
وأما جمهور الأصحاب فقالوا : قال في الأم : لا يجوز ، وقال في الإملاء : يجوز فلم يذكروا القديم فحصل من نقل المصنف والمحاملي مع نقل الجمهور أن الجواز مختص بالإملاء ، والمنع منصوص في الأم والقديم ، ومعلوم أن الإملاء من الكتب الجديدة ، وقد يتوهم من لا يرى كلام الأصحاب من عبارة المصنف أن جواز الجمع أصح من منعه ، حيث ذكر الجواز عن إملاء ، وهو جديد ، والمنع عن القديم ، ومعلوم أن الأصح هو الجديد إلا في مسائل قليلة سبق بيانها في مقدمة هذا الشرح ، ليست هذه منها ، وليس هذا التوهم صحيحا بل الأصح منع الجمع كما سنوضحه إن شاء الله تعالى .
وقوله ( الوحل ) هو بفتح الحاء على اللغة المشهورة ، ولم يذكر الجمهور غيرها ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري وغيره إسكانها أيضا .
وقوله ( لأجلها ) قد سبق أن المعروف في اللغة من أجلها وأنه بفتح الهمزة وكسرها .
( أما حكم المسألة ) فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : يجوز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء في المطر ، وحكى إمام الحرمين قولا : أنه يجوز بين المغرب والعشاء في وقت المغرب ، ولا يجوز بين الظهر والعصر ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني : لا يجوز مطلقا ، والمذهب الأول ، وهو المعروف من نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قديما وجديدا ، وبه قطع الأصحاب .
قال أصحابنا : وسواء قوي المطر وضعيفه إذا بل الثوب .
قال أصحابنا : والثلج والبرد إن كانا يذوبان ويبلان الثوب جاز الجمع ، وإلا فلا . هكذا قطع به الجمهور في الطريقتين ، وهو الصواب .
وحكى صاحب التتمة وجها : أنه يجوز الجمع بالثلج ، وإن لم يذب ، ولم يبل الثياب ، وهو شاذ غلط ، وحكى إمام الحرمين والغزالي وجها : أنه لا يجوز الجمع بالثلج والبرد مطلقا ، وهو وجه ضعيف خرجه القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين في تعليقه إتباعا لاسم المطر ، وهذا شاذ ضعيف أو باطل ، فإن اسم المطر ليس منصوصا عليه حتى يتعلق به فوجب اعتبار المعنى ، وأما الشفان ، بفتح الشين المعجمة وتشديد الفاء فقال أهل اللغة : هو برد ريح فيها [ ص: 261 ] ندوة ، فإذا بل الثوب جاز الجمع ، هذا هو الصواب في تفسيره وحكمه ، وقد قال البغوي والرافعي : إنه مطر وزيادة ، فيجوز الجمع ، والصواب ما قدمته
وأما الوحل والظلمة والريح والمرض والخوف فالمشهور من المذهب أنه لا يجوز الجمع بسببها ، وبه قطع المصنف والجمهور ، وقال جماعة من أصحابنا بجوازه ، وسنفرد في ذلك فرعا مبسوطا بأدلته إن شاء الله تعالى .
قال أصحابنا : والجمع بعذر المطر ، وما في معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي في مسجد ، يقصده من بعد ، ويتأذى بالمطر في طريقه ، فأما من يصلي في بيته منفردا أو جماعة أو يمشي إلى المسجد في ركن أو كان المسجد في باب داره ، أو صلى النساء في بيوتهن أو الرجال في المسجد البعيد أفرادا فهل يجوز الجمع ؟ فيه خلاف حكاه جماعة من الخراسانيين وجهين ، وحكاه المصنف وسائر العراقيين وجماعات من الخراسانيين قولين : ( أصحهما ) باتفاقهم : لا يجوز ، وهو نصه في الأم والقديم كما سبق ، ممن صححه إمام الحرمين والبغوي والرافعي وقطع به المحاملي في المقنع والجرجاني في التحرير ; لأن الجمع جوز للمشقة في تحصيل الجماعة ، وهذا المعنى مفقود هنا ، والثاني ، وهو نصه في الإملاء : يجوز ، واحتج له المصنف وغيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يجمع في بيوت أزواجه إلى المسجد } أجاب الأولون عن هذا بأن بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم تسعة ، وكانت مختلفة منها بيت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بابه إلى المسجد ، ومعظمها بخلاف ذلك ، فلعله صلى الله عليه وسلم في حال جمعه لم يكن في بيت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وهذا ظاهر ، فإن احتمال كونه صلى الله عليه وسلم في الباقي أظهر من كونه في بيت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وأما وقت الجمع فقال الأصحاب : يجوز الجمع في وقت الأولى قولا واحدا ، وفي جوازه في وقت الثانية قولان : ( أصحهما ) عند الأصحاب : لا يجوز ، وهو نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في معظم كتبه الجديدة ، ونص في الإملاء والقديم : أنه يجوز وحكى جماعة من الخراسانيين الخلاف وجهين ، وعكس صاحب الإبانة حكم المسألة فقال : يجوز الجمع في وقت الثانية قولا واحدا ، وفي جوازه في وقت الأولى القولان ; واتفق الأصحاب على تغليطه
قال أصحابنا : فإذا جمع في وقت الأولى اشترطت الشروط الثلاثة السابقة [ ص: 262 ] في جمع المسافر ، ويشترط وجوب المطر في أول الصلاتين باتفاق الأصحاب إلا وجها شاذا أو باطلا سنذكره إن شاء الله - تعالى أنه لا يشترط في افتتاح الأولى ، وفي اشتراطه عند التحلل من الأولى طريقان : ( أصحهما ) وبه قطع العراقيون وأبو زيد والبغوي وآخرون : يشترط وجها واحدا .
( الثاني ) : حكاه جماعة من الخراسانيين فيه وجهان : ( أحدهما ) : هذا ( والثاني ) : لا يشترط .
ونقله إمام الحرمين عن معظم الأصحاب ، وليس كما ادعى ، وأما انقطاعه فيما سوى هذه الأحوال الثلاث فلا يضر على الصحيح الذي نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقطع به الأصحاب في طرقهم ، ونقل إمام الحرمين عن بعض المصنفين ، ويعني به صاحب الإبانة : أنه قال : في انقطاعه في أثناء الثانية أو بعدها مع بقاء الوقت الخلاف السابق في طرآن الإقامة في جمع السفر ، وضعفه الإمام وأنكره وقال : إذا لم يشترط دوام المطر في الأولى فأولى أن لا يشترط في الثانية وما بعدها ، وذكر أبو القاسم بن كج عن بعض الأصحاب أنه لو افتتح الأولى ، ولا مطر ثم مطرت في أثنائها ففي جواز الجمع القولان في نية الجمع في أثناء الأولى ، واختار ابن الصباغ هذه الطريقة وجزم بها صاحب التتمة ، وهذا شاذ مردود ، والمذهب ما قدمناه .
أما إذا أراد الجمع في وقت الثانية وجوزناه فقال أصحابنا العراقيون : يصلي الأولى مع الثانية ، سواء اتصل المطر إلى وقت الثانية أم انقطع قبل وقتها هكذا صرح به المحاملي وآخرون من العراقيين ، ونقله صاحب البيان عن أصحابنا كلهم وقال البغوي : إذا انقطع قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع بل يصلي الأولى في آخر وقتها ، كالمسافر إذا أخر بنية الجمع ثم أقام قبل وقت الثانية .
قال الرافعي : ومقتضى هذا أن يقال : لو انقطع في وقت الثانية قبل فعلها امتنع الجمع ، وصارت الأولى قضاء ، كما لو صار مقيما ، والمذهب ما قدمناه عن العراقيين ، واحتجوا له بأنه جوز له التأخير فلا يتغير حاله
( فرع ) يجوز الجمع بين الجمعة والعصر في المطر ذكره ابن كج وصاحب البيان وآخرون ، فإن قدم العصر إلى الجمعة اشترط وجود المطر في افتتاح الصلاتين ، وفي السلام في الجمعة كما في غيرها .
[ ص: 263 ] قال صاحب البيان : ، ولا يشترط وجوده في الخطبتين ; لأنهما ليسا بصلاة ، بل شرط من شروط الجمعة فلم يشترط المطر فيهما ، كما لا يشترط في الطهارة ، قال الرافعي : ، وقد ينازع في هذا ذهابا إلى أن الخطبتين بدل الركعتين قال صاحب البيان وآخرون : فإن أراد تأخير الجمعة إلى وقت العصر جاز إن جوزنا تأخير الظهر إلى العصر فيخطب في وقت العصر ثم يصلي الجمعة ثم العصر ، ولا يشترط وجود المطر وقت العصر كما سبق ; واستدلوا بأن كل وقت جاز فيه فعل الظهر أداء جاز فعل الجمعة وخطبتيها .
( فرع ) المشهور في المذهب والمعروف من نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وطرق الأصحاب : أنه لا يجوز الجمع بالمرض والريح والظلمة ، ولا الخوف ، ولا الوحل .
وقال المتولي : قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين : يجوز الجمع بعذر الخوف والمرض كجمع المسافر يجوز تقديما وتأخيرا ، والأولى أن يفعل أرفقهما به واستدل له المتولي وقواه ، وقال الرافعي : قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد فيجوز الجمع بعذر المرض والوحل وبه قال بعض أصحابنا منهم nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان الخطابي ، والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين ، واستحسنه الروياني في الحلية ، قلت : وهذا الوجه قوي جدا ، ويستدل له بحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=17737جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ، ولا مطر } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم كما سبق بيانه ، ووجه الدلالة منه : أن هذا الجمع إما أن يكون بالمرض ، وإما بغيره مما في معناه أو دونه ، ولأن حاجة المريض والخائف آكد من الممطور ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر من أصحابنا : يجوز الجمع في الحضر من غير خوف ، ولا مطر ، ولا مرض ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي في معالم السنن عن nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال الكبير الشاشي عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : وهو قول جماعة من أصحاب الحديث لظاهر حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
واستدل الأصحاب للمشهور في المذهب بأشياء ( منها ) : حديث المواقيت ، ولا يجوز مخالفته إلا بصريح ( ومنها ) : أن النبي صلى الله عليه وسلم مرض أمراضا كثيرة ، ولم ينقل جمعه بالمرض صريحا ( ومنها ) : أن من كان ضعيفا ومنزله بعيدا عن المسجد بعدا كثيرا لا يجوز له الجمع مع المشقة الظاهرة ، وكذا المريض .
( فإن قيل ) لم ألحقتم الوحل بالمطر في أعذار الجمعة والجماعة دون [ ص: 264 ] الجمع ؟ فالجواب من وجهين : ( أحدهما ) : جواب القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبي الطيب ، وهو أن تارك الجمعة يصلي بدلها الظهر ، وتارك الجماعة يصلي منفردا فيأتي ببدل ، والذي يجمع يترك الوقت بلا بدل .
( والثاني ) : أن باب الأعذار في ترك الجمعة والجماعة ليس مخصوصا ، بل كل ما لحق به مشقة شديدة فهو عذر ، والوحل من هذا ، وباب الجمع مضبوط بما جاءت به السنة فلا يجوز بكل شاق ; ولهذا لم يجوزوه لمن هو قيم بمريض وشبهه .
وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور وجماعة وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني وآخرون : لا يجوز مطلقا وجوزه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بين المغرب والعشاء دون الظهر والعصر ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وأبان بن عثمان nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبي سلمة بن عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=17065ومروان .
( فرع ) في مذاهبهم في الجمع في الحضر بلا خوف ، ولا سفر ، ولا مطر ، ولا مرض : مذهبنا ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد والجمهور : أنه لا يجوز .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن طائفة جوازه بلا سبب .
قال وجوزه nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين لحاجة أو ما لم يتخذه عادة
باب آداب السفر هذا باب مهم تتكرر الحاجة إليه ويتأكد الاهتمام به ، وقد ذكره الماوردي nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهم في أواخر كتاب الحج ، ورأيت تقديمه هنا لوجهين : ( أحدهما ) : استباق الخيرات ( والثاني ) : أنه هنا أنسب ، وقد بسطه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بسطا حسنا في كتابه السنن الكبير ، وقد جمعت أنا جملا كبيرة منه في أول كتاب الإيضاح في المناسك ، وجملة صالحة في كتاب الأذكار مما يتعلق بأذكاره ، والمقصود هنا الإشارة إلى آدابه مختصرة ، وفي الباب مسائل : ( إحداها ) : إذا أراد سفرا استحب أن يشاور من يثق بدينه وخبرته وعلمه [ ص: 265 ] في سفره في ذلك الوقت ويجب على المستشار النصيحة والتخلي من الهوى وحظوظ النفوس ، قال الله تعالى : { وشاورهم في الأمر } وتظاهرت الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يشاورونه في أمورهم .
( الثانية ) : إذا عزم على السفر فالسنة أن يستخير الله تعالى فيصلي ركعتين من غير الفريضة ثم يدعو بدعاء الاستخارة ، ، وقد سبق بيانه وبيان هذه الصلاة وما يتعلق بها في باب صلاة التطوع
( الثالثة ) : إذا استقر عزمه لسفر حج أو غزو أو غيرهما فينبغي أن يبدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات ويخرج عن مظالم الخلق ويقضي ما أمكنه من ديونهم ، ويرد الودائع ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة ويكتب وصيته ويشهد عليه بها ويوكل من يقضي ما لم يتمكن من قضائه من ديونه ويترك لأهله ومن يلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه
( الثامنة ) : يستحب أن لا يشارك غيره في الزاد والراحلة والنفقة ; لأن ترك المشاركة أسلم منه ; لأنه يمتنع بسببها من التصرف في وجوه الخير من الصدقة وغيرها ، ولو أذن شريكه لم يوثق باستمراره ، فإن شارك جاز ، واستحب أن يقتصر على دون حقه ، وأما اجتماع الرفقة على طعام يجمعونه يوما يوما فحسن ، ولا بأس بأكل بعضهم أكثر من بعض إذا وثق بأن أصحابه لا يكرهون ذلك ، فإن لم يثق لم يزد على قدر حصته ، وليس هذا من باب الربا في شيء ، وقد صحت الأحاديث في خلط الصحابة رضي الله عنهم أزوادهم ، وقد ذكر المصنف المسألة في باب الخلطة في المواشي ، وسنزيدها إيضاحا هناك إن شاء الله تعالى .
( التاسعة ) : إذا أراد سفر حج أو غزو لزمه تعلم كيفيتهما ; إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها ، ويستحب لمريد الحج أن يستصحب معه كتابا واضحا في المناسك جامعا لمقاصدها ويديم مطالعته ، ويكررها في جميع طريقه لتصير محققة عنده ، ومن أخل بهذا من العوام يخاف أن لا يصح حجه لإخلاله بشرط من شروط أركانه ونحو ذلك ، وربما قلد بعضهم بعض عوام مكة وتوهم أنهم يعرفون المناسك محققة فاغتر بهم ، وذلك خطأ فاحش ، وكذا الغازي وغيره يستحب أن يستصحب معه كتابا معتمدا مشتملا على ما يحتاج إليه ، ويعلم الغازي ما يحتاج من أمور القتال وأذكاره ، وتحريم الهزيمة [ ص: 267 ] وتحريم الغلول والغدر وقتل النساء والصبيان ومن أظهر لفظ الإسلام وأشباه ذلك ، ويتعلم المسافر لتجارة ما يحتاج إليه من البيوع وما يصح وما يبطل وما يحل ويحرم ، ويستحب ويكره وما هو راجح على غيره ، وإن كان متعبدا سائحا معتزلا للناس تعلم ما يحتاج إليه من أمور دينه ، وإن كان ممن يصيد تعلم ما يحتاج إليه أهل الصيد وما يباح منه وما يحرم ، وما يباح به الصيد ، وشرط الذكاة وما يكفي فيه قتل الكلب والسهم ونحوهما ، وإن كان راعيا تعلم ما يحتاج إليه ، وهو ما ذكرناه في حق المعتزل مع كيفية الرفق بالدواب وذبحها ، وإن كان رسولا إلى سلطان ونحوه تعلم آداب مخاطبات الكبار ، وجواب ما يعرض وما يحل من ضيافاتهم وهداياهم وما يجب مراعاته من النصح وتحريم الغدر ومقامه ونحو ذلك وإن كان وكيلا أو عامل قراض تعلم ما يباح له من السفر والتصرف ، وما يحتاج إلى الإشهاد فيه ، وعلى كل المذكورين تعلم الحال التي يجوز فيها ركوب البحر والتي لا يجوز إن أرادوا ركوبه ، وسيأتي بيانه في كتاب الحج إن شاء الله - تعالى ، وهذا كله يأتي في هذا الكتاب مفرقا في مواضعه والله أعلم .
( الحادية عشرة ) : يستحب له أن يطلب رفيقا موافقا راغبا في الخير كارها للشر إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإن تيسر له مع هذا كونه عالما فليتمسك به فإنه يمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يطرأ على المسافر من مساوئ الأخلاق والضجر ويعينه على مكارم الأخلاق ويحثه عليها ، واستحب بعض العلماء كونه من الأجانب لا من الأصدقاء ، ولا الأقارب ، والمختار أن القريب والصديق الموثوق به أولى ; لأنه أعون له على مهماته وأرفق به في أموره ، ثم ينبغي أن يحرص على إرضاء رفيقه في جميع طريقه ، ويحتمل كل واحد منهما صاحبه ويرى لصاحبه عليه فضلا وحرمة ، ويصبر على ما يقع منه في بعض الأوقات
معنى مقرنين مطيقين ، والوعثاء - بفتح الواو وإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثة والمد هي الشدة والكآبة - بالمد - هي تغير النفس من خوف ونحوه والمنقلب المرجع .
( فرع ) ينبغي أن يسير مع الناس ، ولا ينفرد بطريق ، ولا يركب اثنتان الطريق فإنه يخاف عليه الإفار بسبب ذلك .
( فرع ) قد يقال : ذكرتم أنه يكره الانفراد في السفر ، وقد اشتهر عن خلائق من الصالحين الوحدة في السفر ( والجواب ) : أن الوحدة والانفراد إنما يكرهان لمن استأنس بالناس فيخاف عليه من الانفراد الضرر بسبب الشياطين وغيرهم ، أما الصالحون فإنهم أنسوا بالله تعالى ، واستوحشوا من [ ص: 272 ] الناس في كثير من أوقاتهم فلا ضرر عليهم في الوحدة ، بل مصلحتهم وراحتهم فيها
والنقي بنون مكسورة ثم قاف ساكنة - ، وهو المخ ، ومعناه : أسرعوا بها حتى تصلوا المقصد قبل أن يذهب مخها من ضنك السير ، والتعريس النزول في الليل ، وقيل في آخر الليل خاصة .
وهذا الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من إطلاق الكراهة فيه نظر ، وليس في هذا الحديث الذي استدل به ما يقتضي إطلاق الكراهة في حق المسافرين فالاختيار أنه لا يكره
( فرع ) إذا تغولت الغيلان على المسافر استحب أن يقول ما جاء عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9756إذا تغولت بكم الغيلان فنادوا بالأذان } الغيلان : طائفة من الجن والشياطين ، وهم سحرتهم ، ومعنى تغولت : تلونت في صور ، واختلف العلماء هل للغول وجود أم لا ؟ ، وقد أوضحته في تهذيب اللغات
( السادسة والثلاثون ) : إذا استعصت دابته قيل : يقرأ في أذنها { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } وإذا انفلتت دابته نادى يا عباد الله احبسوا ، مرتين أو ثلاثا ، فقد جاء فيها آثار أوضحتها في كتاب الأذكار ، وجربت أنا هذا الثاني في دابة انفلتت منا ، وكنا جماعة عجزوا عنها ، فذكرت أنا هذا فقلت : يا عباد الله احبسوا فوقفت بمجرد ذلك .
وحكى لي شيخنا أبو محمد بن أبي اليسر - رحمه الله - : أنه جربه فقال في بغلة انفلتت فوقفت في الحال
( الثامنة والثلاثون ) : يستحب خدمة المسافر الذي له نوع فضيلة ، وإن كان الخادم أكبر سنا لحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال ( خرجت مع nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني فقلت له : لا تفعل فقال : إني رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا آليت ألا أصحب أحدا منهم إلا خدمته ، قال : وكان جرير أكبر من nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم
ويجوز الضرب في غير الوجه للحاجة على حسب الحاجة للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وإجماع العلماء ، وستأتي المسألة مبسوطة في كتاب الإجارة حيث ذكرها المصنف إن شاء الله - تعالى
( الحادي والأربعون ) : ينبغي له المحافظة على الطهارة وعلى الصلاة في أوقاتها ، وقد يسر الله - تعالى بما جوزه من التيمم والجمع والقصر ، ، وقد سبق في باب استقبال القبلة أنه لو لم يمكنه النزول عن الدابة للصلاة المكتوبة في وقتها جاز له أن يصليها على الدابة ويلزمه إعادتها على الأرض إلى القبلة إذا أمكنه ذلك
( السادسة والأربعون ) : السنة في كيفية نوم المسافر ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=60أبو قتادة رضي الله عنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10472كان رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وذكره nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك ، وقال : هو صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم قال : ، ولم يروه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ولا nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وغلط nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في هذا ; لأن الحديث في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم كما ذكرنا قال العلماء : نصب الذراعين لئلا يستغرق في النوم فتفوت صلاة الصبح أو أول وقتها
( السابعة والخمسون ) فإذا دخل بيته استحب أن يقول ما رويناه في كتاب ابن السني عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فدخل عليه أهله قال : توبا توبا ، لربنا أوبا ، لا يغادر حوبا } قوله ( توبا ) سؤال للتوبة ، أي أسألك توبا أو تب علي توبا وأوبا بمعناه من آب إذا رجع وقوله : " لا يغادر حوبا " أي لا يترك إثما
ورويناه عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 285 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14936اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج } رواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم هو صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم
( التاسعة والخمسون ) يستحب النقيعة ، وهي طعام يعمل لقدوم المسافر ، ويطلق على ما يعمله المسافر القادم ، وعلى ما يعمله غيره له ، وسنوضحها إن شاء الله - تعالى - في باب الوليمة ، حيث ذكرها المصنف .
( الحادية والستون ) : قال أصحابنا : يستحب صلاة النوافل في السفر ، سواء الرواتب مع الفرائض وغيرها .
هذا مذهبنا ومذهب القاسم بن محمد nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك وجماهير العلماء ، قال الترمذي : وبه قالت طائفة من الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق وأكثر أهل العلم .
ثم رواه من رواية محمد بن أبي ليلى عن nindex.php?page=showalam&ids=16574عطية nindex.php?page=showalam&ids=17191ونافع وقال : هو أيضا حسن .
قال : وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ما روى nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى حديثا أعجب إلي من هذا الحديث .
هذا كلام الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=16574، وعطية nindex.php?page=showalam&ids=14078والحجاج nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى [ كلهم ] ضعيف ، وقد حكم بأنه حسن فلعله اعتضد عنده بشيء ، وأما رواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الأولى في نفي الزيادة فالإثبات مقدم عليها ، ولعله كان في بعض الأوقات ، والله أعلم .