قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( فإن أحرم بالعدد ثم انفضوا عنه ففيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) : إن نقص العدد عن أربعين لم تنعقد الجمعة ; لأنه شرط في الجمعة فشرط في جميعها كالوقت ( والثاني ) : إن بقي معه اثنان أتم الجمعة ; لأنهم يصيرون ثلاثة وذلك جمع مطلق فأشبه الأربعين ( والثالث ) : إن بقي معه واحد أتم الجمعة ; لأن الاثنين جمعة ، وخرج nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني قولين آخرين : ( أحدهما ) : إن بقي وحده جاز أن يتم الجمعة كما قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في إمام يحرم بالجمعة ثم أحدث : إنهم يتمون صلاتهم وحدانا ركعتين ( والثاني ) : أنه إن كان صلى ركعة ثم انفضوا أتم الجمعة ، وإن انفضوا قبل الركعة لم يتم الجمعة كما قال في المسبوق : إذا أدرك مع الإمام ركعة أتم الجمعة وإن لم يدرك ركعة أتم الظهر .
فمن أصحابنا من أثبت القولين ، وحكى في المسألة خمسة أقوال ، ومنهم من لم يثبتهما فقال : إذا أحدث الإمام يبنون على صلاتهم ; لأن الاستخلاف لا يجوز على هذا القول ، فيبنون على صلاتهم على حكم الجماعة مع الإمام ، وههنا أن الإمام لا تتعلق صلاته بصلاة من خلفه ، وأما المسبوق فإنه يبني على جمعة تمت بشروطها وههنا لم يتم جمعة فيبني الإمام عليها ) .
[ ص: 374 ] الشرح ) الانفضاض : التفرق والذهاب ، ومنه سميت الفضة ، وحاصل ما ذكره المصنف في انفضاضهم عن الإمام في صلاة الجمعة طريقان : ( أحدهما ) : فيه ثلاثة أقوال ، وهي المنصوصة ، ولم يثبتوا المخرجين ( وأصحهما ) : وأشهرهما فيه خمسة أقوال بإثبات المخرجين ، وقد ذكر المصنف دلائلها ( أصحها ) : باتفاق الأصحاب تبطل الجمعة ; لأن العدد شرط ، فشرط في جميعها ، فعلى هذا لو أحرم الإمام وتباطأ المقتدون ثم أحرموا ، فإن تأخر إحرامهم عن ركوعه فلا جمعة لهم ولا له ، وإن لم يتأخر عن ركوعه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال : تصح الجمعة ، وقال الشيخ أبو محمد الجويني : يشترط أن لا يطول الفصل بين إحرامه وإحرامهم وقال إمام الحرمين : الشرط أن يتمكنوا من قراءة الفاتحة ، فإن حصل ذلك لم يضر الفصل ، وصحح الغزالي هذا .
( والقول الثاني ) : إن بقي اثنان مع الإمام أتم الجمعة .
وإلا بطلت .
( والثالث ) : إن بقي معه واحد لم تبطل ، وهذه الثلاثة منصوصة ، الأولان في الجديد ، والأخير في القديم ، وهل يشترط في الاثنين والواحد صفة الكمال المعتبر في الجمعة ؟ فيه وجهان حكاهما صاحب الحاوي ( أصحهما ) : يشترط ; لأنها صلاة جمعة ( والثاني ) : لا يشترط حتى لو بقي معه صبيان أو عبدان أو امرأتان أو مسافران أو صبي أو عبد أو امرأة إذا اعتبرنا واحدا كفى وأتم الجميع ; لأن هذا القول يكتفي باسم الجمعة أو الجماعة وهي حاصلة بها وقال إمام الحرمين : الظاهر الاشتراط ، قال : ولصاحب التقريب احتمال أنه لا يشترط قال : وهذا مزيف لا يعتد به .
( والقول الرابع ) : المخرج لا تبطل ، وإن بقي وحده .
( والخامس ) : إن انفضوا في الركعة الأولى بطلت الجمعة ، وإن انفضوا بعدها لم تبطل الجمعة بل يتمها الإمام وحده ، وكذا من معه إن بقي معه أحد .
هذا حكم الانفضاض في نفس صلاة الجمعة .
واعلم أن الأربعين شرط لصحة الخطبتين ، فيشترط سماعهم الآن كما سنوضحه إن شاء الله - تعالى - فلو حضر العدد ثم انفضوا قبل افتتاح الخطبة لم يجز افتتاحها حتى يجتمع لها أربعون كاملون وإن انفضوا في أثناء الخطبة [ ص: 375 ] لم يعتد بالركن المفعول في غيبتهم بلا خلاف ، بخلاف الانفضاض في الصلاة ، فإن فيه الأقوال الخمسة .
وفرق الأصحاب بأن كل واحد يصلي لنفسه فسومح بنقص العدد على قول ، والخطيب لا يخطب لنفسه ، إنما الغرض إسماعهم ، فما جرى ولا مستمع لم يحصل فيه الغرض فلم تصح ، ثم إن عادوا قبل طول الفصل بنى على خطبته ، وإن عادوا بعده فقولان مشهوران في كتب الخراسانيين ، قال : ويعبر عنهما بأن الموالاة في الخطبة واجبة أم لا ؟ الأصح أنها واجبة فيجب الاستئناف .
( والثاني ) : غير واجبة فيبني ، وبنى جماعة منهم القولين على أن الخطبتين بدل من الركعتين فيجب الاستئناف أم لا ؟ فلا يجب ، قالوا : ولا فرق بين فوات الموالاة لعذر وغيره فيما ذكرناه ولو لم يعد الأولون وجاء غيرهم وجب استئناف الخطبتين قصر الفصل أم طال بلا خلاف .
أما إذا انفضوا بعد فراغ الخطبة - فإن عادوا قبل طول الفصل - صلى الجمعة بتلك الخطبة بلا خلاف ، وقد ذكره المصنف بعد هذا بقليل ، وإن عادوا بعد طول الفصل ففيه خلاف مبني على اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة ، وفيه قولان مشهوران ( أصحهما ) : وهو الجديد الاشتراط ، فعلى هذا لا تجوز صلاة الجمعة بتلك الخطبة ( والثاني ) : لا يشترط فعلى هذا يصلي بها ، وهل تجب إعادة الخطبة وصلاة الجمعة أم لا ؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني في المختصر : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أحببت أن يبتدئ الخطبة ثم يصلي الجمعة فإن لم يفعل صلى بهم الظهر ، واختلف أصحابنا في معنى كلامه هذا على ثلاثة أو أنه حكاها المصنف بعد هذا والأصحاب ، وهي مشهورة ( أصحها ) : وبه قال ابن سريج nindex.php?page=showalam&ids=15021والقفال وأكثر أصحابنا : تجب إعادة الخطبة ثم يصلي بهم الجمعة لتمكنه من ذلك قالوا : ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إنما هو ( أوجبت ) ولكنه صحف .
ومنهم من تأوله وقال : أراد بأحببت : أوجبت ، قالوا : وقوله صلى بهم الظهر محمول على ما إذا ضاق الوقت ( والوجه الثاني ) : وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي : لا تجب إعادة الخطبة لكن تستحب وتجب صلاة الجمعة .
أما وجوب الجمعة فلقدرته عليها ، وإنما لم تجب الخطبة ; لأنه لا يؤمن انفضاضهم ثانيا ، فصار ذلك عذرا في سقوطها .
( الثالث ) : وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12094أبو علي الطبري في الإفصاح : لا تجب إعادة الخطبة [ ص: 376 ] ولا تجب الجمعة أيضا ، لكن يستحبان عملا بظاهر نصه ، وهذا الثالث هو الأصح عند صاحبي الحاوي والمستظهري ; قالا : وهو قول أكثر أصحابنا .
قال صاحب الحاوي : وقول ابن سريج وإن كان له وجه فقول أبي علي أظهر .
قال : وقد أخطأ أبو العباس في تخطئته nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ; لأن البويطي والربيع والزعفراني نقلوه هكذا عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فقالوا : قال أحببت ، ولم ينقل عنه أحد أوجبت ، فعلم أن nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني لم يخطئ في نقله وإنما أخطأ أبو العباس في تأويله .
هذا كلام صاحب الحاوي وخالفه الأكثرون كما قدمناه .
قال المحاملي في المجموع وصاحب العدة والشيخ نصر وغيرهم : هذا الوجه الثالث ضعيف قالوا : وهو أضعف الأوجه ، وهو كما قالوا ; لأنه متمكن من الخطبة والصلاة ، ولا يلتفت إلى احتمال انفضاضهم ثانيا ، فإنه احتمال ضعيف نادر قال أصحابنا ، فإن أعيدت الخطبة وصليت الجمعة فلا إثم على واحد وإن لم تعد وأوجبنا إعادتها أثموا كلهم ، وإن لم نوجب إعادتها أثم المنفضون دون الإمام والباقين .
قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والمحاملي وابن الصباغ وسائر الأصحاب : الاعتبار في طول الفصل بالعرف فما عد طويلا فطويل ، وإلا فقصير .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد في تعليقه والمصنف بعد هذا وسائر الأصحاب عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي تفريعا على الوجه الذي قاله هنا أنه لو صلوا الظهر وتركوا الجمعة جاز بناء على أصله إذا اجتمع أهل بلد على ترك الجمعة ثم صلوا الظهر جاز ، وقد سبق بيان قوله : وأن الصحيح خلافه ، والله أعلم .
قال أصحابنا : وسواء طال الفصل والخطيب ساكت أو مستمر في الخطبة ، ثم أعاد ما جرى من أركانها في حال غيبتهم حين عادوا ، أما إذا أحرم بالجمعة بالعدد المشروط وأحرموا ثم حضر أربعون آخرون وأحرموا بها ثم انفض الأولون ، فقال الأصحاب : لا يضر بل يتم الجمعة سواء كان اللاحقون سمعوا الخطبة أم لا ، قال إمام الحرمين : ولا يمتنع عندي أن يقال يشترط بقاء أربعين سمعوا الخطبة أما إذا انفضوا بعد الإحرام ثم حضر أربعون متصلون بهم ، فقال الغزالي : يستمر صحة الجمعة بشرط أن يكون اللاحقون سمعوا الخطبة .
( فرع ) أجمع العلماء على أن الجمعة لا تصح من منفرد ، وأن [ ص: 377 ] الجماعة شرط لصحتها ، وهو مراد المصنف بقوله : ( ولا تصح إلا بأربعين ) أي في جماعة ; ولو صرح به لكان أحسن .
قال أصحابنا : وشروط الجمعة هنا كشروطها في سائر الصلوات ، ويشترط هنا أمور زائدة سبق بيانها .
وهو كونهم أربعين كاملين ، ووقوعها في خطة البلد وفي الوقت ، وسبقت فروع كثيرة ومسائل مهمة تتعلق بصفات الإمام والمأمومين في الجمعة في أول باب صفة الأئمة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : ولا يشترط لصحة الجمعة حضور السلطان ، ولا إذنه فيها ، وحكى صاحب البيان قولا قديما أنه لا تصح إلا خلف السلطان أو من أذن له ، وهو شاذ باطل ، والمعروف في المذهب ما سبق .