قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ولا تصح الجمعة إلا في وقت الظهر ; لأنهما فرض في وقت واحد فلم يختلف وقتهما كصلاة الحضر وصلاة السفر ، وإن خطب قبل دخول الوقت لم تصح ; لأن الجمعة ردت إلى ركعتين بالخطبة فإذا لم تجز الصلاة قبل الوقت لم تجز الخطبة فإن دخل فيها في وقتها ثم خرج الوقت لم يجز فعل الجمعة ; لأنه لا يجوز ابتداؤها بعد خروج الوقت فلا يجوز إتمامها كالحج ، ويتم الظهر ; لأنه فرض رد من أربع إلى ركعتين بشرط يختص به ، فإذا زال الشرط أتم كالمسافر إذا دخل في الصلاة ثم قدم قبل أن يتم ، وإن أحرم بها في الوقت ثم شك هل خرج الوقت ؟ .
أتم الجمعة ; لأن الأصل بقاء الوقت وصحة الفرض ولا تبطل بالشك .
وإن ضاق وقت الصلاة ورأى أنه إن خطب خطبتين خفيفتين وصلى ركعتين لم يذهب الوقت لزمهم الجمعة ; وإن رأى أنه لا يمكنه ذلك صلى الظهر ) .
( الشرح ) فيه مسائل : ( إحداها ) : اتفقت نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : أن الجمعة لا تصح إلا في وقت الظهر ، وسأذكر دلائله واضحة إن شاء الله - تعالى - في فرع مذاهب العلماء ، وأجمعت الأمة على أن الجمعة لا تقضى على صورتها جمعة ولكن من فاتته لزمته الظهر .
( الثانية ) يشترط للخطبة كونها في وقت الظهر ; لما ذكره المصنف مع الأحاديث الصحيحة التي سأذكرها في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله - تعالى - .
وهذا متفق عليه عندنا ( الثالثة ) : إذا شكوا في خروج وقتها فإن كانوا لم يدخلوا فيها لم يجز الدخول فيها باتفاق الأصحاب ; لأن شرطها الوقت ولم [ ص: 378 ] يتحققه فلا يجوز الدخول مع الشك في الشرط ، وإن دخلوا فيها في وقتها ثم شكوا قبل السلام في خروج الوقت فوجهان ( الصحيح ) وبه قطع المصنف والماوردي والمحاملي والبندنيجي وكتب ابن الصباغ والجمهور : يتمونها جمعة ، كما ذكره المصنف ( والثاني ) : يتمونها ظهرا ، حكاه البغوي وصاحب العدة وآخرون ، للشك في شروطها .
( فرع ) قال الدارمي في كتاب الصيام في مسائل الشهادة على الهلال : لو دخلوا في الجمعة فأخبرهم عدل بخروج وقتها ، قال ابن المرزبان : يحتمل أن يصلوا ظهرا قال : وعندي أنهم يتمون جمعة إلا أن يعلموا .
( الرابعة ) : إذا شرعوا فيها في وقتها ثم خرج الوقت قبل السلام منها فاتت الجمعة بلا خلاف عندنا ; لما ذكره المصنف ، وفي حكم صلاته طريقان : ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعات من غيرهم : يجب إتمامها ظهرا ويجزئه .
كما ذكره المصنف ( والثاني ) وهو مشهور للخراسانيين فيه قولان : " المنصوص " يتمونها ظهرا " والثاني " : وهو مخرج لا يجوز إتمامها ظهرا ، فعلى هذا هل تبطل أو تنقلب نفلا ؟ فيه القولان السابقان في أول باب صفة الصلاة فيه وفي نظائره ( أصحهما ) : تنقلب نفلا ، وإن قلنا بالمذهب يتمها ظهرا أسر بالقراءة من حينئذ ولا يحتاج إلى نية الظهر ، كالمسافر إذا نوى القصر ثم لزمه الإتمام بإقامة أو غيرها هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور .
وحكى صاحب البيان وغيره وجها أنه تجب نية الظهر وليس بشيء .
( الخامسة ) : لو أدرك مسبوق ركعة من الجمعة فسلم الإمام ، وقام هو إلى الثانية فخرج الوقت قبل سلامه فوجهان مشهوران ( أحدهما ) : يتمها جمعة ، وبه قال ابن الحداد ; لأنها تابعة لجمعة صحيحة ، وهي جمعة الإمام [ ص: 379 ] والناس ، بخلاف ما إذا خرج الوقت قبل سلام الإمام ( والثاني ) : لا يجوز إتمامها جمعة بل يتمها ظهرا ويجيء في بطلانها وانقلابها نفلا ما سبق ، والمذهب إتمامها ظهرا ، صححه البغوي والمتولي والرافعي وآخرون .
قال المتولي : هو قول عامة أصحابنا .
( السادسة ) : لو سلم الإمام والجماعة التسليمة الأولى في الوقت - والثانية خارجه - صحت جمعتهم ; لأنها تمت بالتسليمة الأولى ، ولو سلم الإمام الأولى خارج الوقت فاتت الجمعة على جميعهم ولزمهم قضاء الظهر ، ولو سلم الإمام وبعضهم الأولى في الوقت وسلمها بعضهم خارج الوقت - فإن بلغ عدد المسلمين في الوقت أربعين - صحت جمعتهم ، وإلا فقال الرافعي : هو شبيه بمسألة الانفضاض والصحيح فوات الجمعة ، وأما المسلمون خارج الوقت فصلاتهم باطلة ، وفيهم وجه ضعيف : إن كان المسلمون في الوقت أربعين إنه تصح جمعتهم ، وهو الوجه السابق في سلام المسبوق بعد الوقت ، ثم سلام الإمام والقوم خارج الوقت ، إن كان مع العلم بالحال بطلت صلاتهم ، وإلا فلهم إتمامها ظهرا على المذهب كما سبق .
( السابعة ) : إذا ضاق الوقت قبل أن يدخلوا في الجمعة فإن أمكنهم خطبتان وركعتان يقتصر فيهما على الواجبات لزمهم ذلك ، وإلا صلوا الظهر ، نص عليه في الأم واتفق عليه الأصحاب وعليهم أن يشرعوا في الظهر في الحال ، ولا يحل تأخيرها إلى خروج الوقت بالاتفاق ، والله أعلم .
وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : تجوز قبل الزوال .
قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب : حكي عنه أنه قال في الساعة الخامسة ، وقال أصحابه : يجوز فعلها في الوقت الذي تفعل فيه صلاة العيد ، وقالnindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي : في الساعة السادسة ، قال العبدري قال العلماء كافة : لا تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال إلا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، ونقل الماوردي في الحاوي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كقول [ ص: 380 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، ونقله nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء وإسحاق قال : وروي ذلك بإسناد لا يثبت عن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية .
وعن عبد الله بن سيلان قال " شهدت الجمعة مع nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار ، ثم شهدتها مع nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار ، ثم شهدتها مع nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار ، ولا رأيت أحدا عاب ذلك ، ولا أنكره " ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني وغيرهما .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان والأئمة بعدهم كل جمعة بعد الزوال ) .
( والجواب ) : عن احتجاجهم بحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر وما بعده أنها كلها محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إيراد ولا غيره ، هذا مختصر الجواب عن الجميع ، وحملنا عليه الجميع من هذه الأحاديث من الطرفين ، وعمل المسلمين قاطبة أنهم لا يصلونها إلا بعد الزوال ، وتفصيل الجواب [ ص: 381 ] أن يقال : حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر فيه إخبار أن الصلاة والرواح إلى جمالهم كانا حين الزوال لا أن الصلاة قبله .
( والجواب ) عن حديث سلمة : أنه حجة لنا في كونها بعد الزوال ; لأنه ليس معناه أنه ليس للحيطان شيء من الفيء ، وإنما معناه ليس لها فيء كثير بحيث يستظل به المار .
وهذا معنى قوله : وليس للحيطان ظل يستظل به ، فلم ينف أصل الظل وإنما نفى كثيره الذي يستظل به ، وأوضح منه الرواية الأخرى : " نتتبع الفيء " فهذا فيه تصريح بوجود الفيء ، لكنه قليل ، ومعلوم أن حيطانهم قصيرة وبلادهم متوسطة من الشمس ، ولا يظهر هناك الفيء بحيث يستظل به إلا بعد الزوال بزمان طويل .
وأما حديث سهل : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34561ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة } ( فمعناه ) : أنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغذاء في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة ; لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها ، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها ، ومما يؤيد هذا ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ بإسناده الصحيح عن عمر بن أبي سهل بن مالك عن أبيه قال كنت أرى طنفسة nindex.php?page=showalam&ids=222لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي ، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم نخرج بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى .
وأما الأثر عن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان فضعيف باتفاقهم ; لأن ابن سيلان ضعيف عندهم ، ولو صح لكان متأولا لمخالفة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( فرع ) في مذاهبهم في صلاة الجمعة إذا خرج وقت الظهر وهم فيها قد ذكرنا أن مذهبنا أنها تفوت الجمعة ويتمونها ظهرا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تبطل ويستأنفون الظهر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : يتمها جمعة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : إن كان صلى منها ركعة أتمها جمعة وإن كان أقل يتمها ظهرا .