( الشرح ) هذا الحديث حديث حسن رواه الإمامان الحافظان أبو الحسن بن عمر الدارقطني وأبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي في سننهما من رواية nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=35000مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة فقال : هلا انتفعتم بإهابها ؟ قالوا : يا رسول الله إنها ميتة قال : إنما حرم أكلها ، أو ليس في الماء والقرظ ما يطهرها ؟ } ورواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي في سننهما بمعناه عن ميمونة رضي الله عنها قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=35048مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجال يجرون شاة لهم مثل الحمار فقال صلى الله عليه وسلم [ ص: 277 ] لو أخذتم إهابها ؟ قالوا : إنها ميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهرها الماء والقرظ } . هكذا جاءت روايات الحديث بطهرها بالتأنيث ووقع في المهذب " يطهره " وهو تحريف ، وإن كان معناه صحيحا ، والقرظ بالظاء لا بالضاد . وهذا وإن كان واضحا فلا يضر التنبيه عليه فإنه يوجد في كثير من كتب الفقه مصحفا . والقرظ : ورق شجر السلم بفتح السين واللام ومنه أديم مقروظ أي : مدبوغ بالقرظ ، قالوا : والقرظ ينبت بنواحي تهامة ، وأما الشث فضبطها في المهذب بالثاء المثلثة ، ووقعت هذه اللفظة في كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فقال الأزهري : هو الشب بالباء الموحدة وهو من الجواهر التي جعلها الله تعالى في الأرض يدبغ به يشبه الزاج قال : والسماع فيه الشب يعني بالموحدة وقد صحفه بعضهم فقال الشث يعني بالمثلثة قال : والشث بالمثلثة شجر مر الطعم لا أدري أيدبغ به أم لا ؟ هذا كلام الأزهري وتابعه عليه صاحب الشامل والبحر . وذكره الإمام أبو الفرج الدارمي بالمثلثة . وفي صحاح الجوهري الشث بالمثلثة : نبت طيب الرائحة مر الطعم يدبغ به . وفي تعليق الشيخnindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد قال أصحابنا : الشث يعني بالمثلثة ، قال : وقاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بالموحدة ، قال : وقد قيل الأمران ، وأيهما كان فالدباغ به جائز ، وصرح nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون بأنه يجوز بالشب والشث جميعا وهذا لا خلاف فيه .
واعلم أنه ليس للشب ولا الشث ذكر في حديث الدباغ وإنما هو من كلام الإمام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله فإنه قال رحمه الله : والدباغ بما كانت العرب تدبغ به وهو الشث والقرظ ، هذا هو الصواب ، وقد قال صاحب الحاوي وغيره : جاء في الحديث النص على الشث والقرظ ، كذا نقله الشيخ أبو حامد عن الأصحاب فإنه قال في تعليقه : الذي وردت به السنة ثم ذكر حديث ميمونة الذي قدمته وقال : هذا هو الذي أعرفه مرويا ، قال : وأصحابنا يروون : { nindex.php?page=hadith&LINKID=44004يطهره الشث والقرظ } وهذا ليس بشيء . [ ص: 278 ]
واعلم أن الدباغ لا يختص بالشب والقرظ ، بل يجوز بكل ما عمل عملها كقشور الرمان والعفص وغير ذلك مما في معناه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه : يجوز الدباغ بكل شيء قام مقام القرظ من العفص وقشور الرمان وغيرهما إذا نظف الفضول واستخرجها من باطن الجلد وحفظه من أن يسرع إليه الفساد ، قال : والمرجع في ذلك إلى أهل الصنعة ، هذا هو المذهب وهو الذي نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كما قدمته ، وبه قطع المصنف والجماهير في جميع الطرق ، وذكر بعض العراقيين فيه قولين ( أحدهما ) هذا ( والثاني ) لا يجوز بغير الشب والقرظ كما يختص ولوغ الكلب بالتراب على أحد القولين . وقد حكى الرافعي أيضا وجها في اختصاصه بالشث والقرظ وحكاه الماوردي عن أهل الظاهر ، وهو غلط لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الدباغ وكانت العرب تدبغ بأنواع مختلفة فوجب جوازه بكل ما حصل به مقصود الدباغ . والفرق بينه وبين ولوغ الكلب أن الدباغ إحالة فحصل بما تحصل به الإحالة ، والولوغ إزالة نجاسة دخلها التعبد فاختصت بالتراب كالتيمم ولا تفريع على هذا الوجه ، وإنما التفريع على المذهب وهو جواز الدباغ بكل ما حصل به مقصوده . قال أصحابنا في الطريقتين ولا يحصل بتشميس الجلد ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وفي وجه شاذ يجوز ، حكاه الرافعي وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وأما التراب فالمذهب الصحيح أنه لا يحصل الدباغ به ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقطع به الجمهور ، ممن قطع به الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والمحاملي في كتابيه وأبو الفتح سليم بن أيوب الرازي في كتابه رءوس المسائل nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي حسين والفوراني وابن الصباغ وإمام الحرمين والبغوي والمتولي وخلائق آخرون من العراقيين والخراسانيين وفيه وجه شاذ أنه يحصل حكاه أبو العباس الجرجاني في التحرير ورجحه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه : قال nindex.php?page=showalam&ids=12094أبو علي الطبري في الإفصاح : نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أن الدباغ لا يحصل بالتراب والرماد قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي : ولم أر nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي في هذا نصا ، والمرجع في ذلك إلى أهل الصنعة فإن كان للتراب والرماد هذا الفعل حصل الدباغ بهما ، وأما الملح فنقل nindex.php?page=showalam&ids=12094أبو علي الطبري [ ص: 279 ] في الإفصاح أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله نص أنه لا يحصل به الدباغ ، وبه قطع صاحب الشامل ، وقطع إمام الحرمين بالحصول .
( فرع ) لو دبغه بعين نجسة كذرق الحمام وغيره أو بمتنجس كقرظ أصابته نجاسة أو دبغه بماء نجس فهل يحصل به الدباغ ؟ فيه وجهان مشهوران في الطريقتين أصحهما عند الأصحاب الحصول ، وبه قطع ابن الصباغ والبغوي ، لأن الغرض تطيب الجلد وإزالة الفضول ، وهذا حاصل بالنجس كالطاهر ( والثاني ) لا يحصل لأن النجس للتطهير ، فإن قلنا بالأصح وجب غسله بعد حصول الدباغ بلا خلاف ويكون نجسا بالمجاورة بخلاف ما لو دبغه بطاهر ، فإنه لا يجب غسله على أحد الوجهين كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
( فرع ) لا يفتقر الدباغ إلى فعل فاعل لأن ما طريقه إزالة النجاسة لا يفتقر إلى فعل كالسيل إذا مر على نجاسة فأزالها ، فإنه يطهر محلها بلا خلاف . فلو أطارت الريح جلد ميتة فألقته في مدبغة فاندبغ صار طاهرا ذكره الماوردي وغيره وهو واضح . .
( فرع ) لو أخذ جلد ميتة لغيره فدبغه طهر ولمن يكون ؟ فيه أوجه ( أحدها ) للدابغ كمن أحيا مواتا بعد أن تحجره غيره فإنه للمحيي ( والثاني ) لصاحب الميتة لتقدم حقه ( والثالث ) إن كان رفع يده عنه ثم أخذه الدابغ فهو للدابغ ، وإن كان غصبه فللمغصوب منه ، وهذا الثالث هو الأصح ، وستأتي هذه الأوجه مبسوطة إن شاء الله تعالى في أواخر كتاب الغصب حيث ذكرها المصنف ، وإنما أشرت إليها لما قدمته في الخطبة أنه متى أمكن تقديم مسألة لنوع ارتباط قدمتها ، والله أعلم .