قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وإن جز الشعر من الحيوانات نظرت - فإن كان من حيوان يؤكل - لم ينجس ; لأن الجز في الشعر كالذبح في الحيوان ، ولو ذبح الحيوان لم ينجس فكذلك إذا جز شعره ، وإن كان من حيوان لا يؤكل فحكمه حكم الحيوان ، ولو ذبح الحيوان كان ميتة فكذلك إذا جز شعره وجب أن يكون ميتة ) .
( الشرح ) في هذه القطعة مسائل : ( إحداها ) : إذا جز شعر أو صوف أو وبر من مأكول اللحم فهو طاهر بنص القرآن وإجماع الأمة ، قال إمام الحرمين وغيره : وكان القياس نجاسته كسائر أجزاء الحيوان المنفصلة في الحياة ولكن أجمعت الأمة على طهارتها لمسيس الحاجة إليها في ملابس الخلق ومفارشهم ، وليس في شعور المذكيات كفاية ، لذلك قالوا : ونظيره اللبن محكوم بطهارته مع أنه مستحيل في الباطن كالدم . والله أعلم . الثانية : لا فرق بين أن يجزه مسلم أو مجوسي أو وثني ، وهذا لا خلاف فيه
الثالثة : إذا انفصل شعر أو صوف أو وبر أو ريش عن حيوان مأكول في حياته بنفسه أو بنتف ففيه أوجه : الصحيح منها وبه قطع إمام الحرمين والبغوي والجمهور أنه طاهر . والثاني : أنه نجس سواء انفصل بنفسه أو بنتف ، حكاه الرافعي وغيره ، ولا يطهر إلا المجزوز ; لأن ما أبين من حي فهو ميت . والثالث : إن سقط بنفسه فطاهر ، وإن نتف فنجس ; لأنه عدل به عن [ ص: 297 ] الطريق المشروع ، ولما فيه من إيذاء الحيوان فهو كخنقه ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين والمتولي والروياني والشاشي وغيرهم . والمختار ما قطع به الجمهور وهو الطهارة مطلقا لأنه في معنى الجز ، وهو شبيه بمن ذبح بسكين كال فإنه يفيد الحل وإن كان مكروها ، وأما قول المصنف - رحمه الله - : وإن جز الشعر لم ينجس ; لأن الجز كالذبح فربما أوهم أن الساقط بنفسه نجس ، وهذا الوهم خطأ ، وإنما مراده بالجز التمثيل لما انفصل في الحياة
( فرع ) إذا قلنا بالمذهب : إن الشعر ينجس بالموت فرأى شعرا لم يدر أنه طاهر أو نجس قال الماوردي : إن علم أنه من حيوان يؤكل فهو طاهر عملا بالأصل ، وإن علم أنه من غير مأكول فهو نجس ; لأنه لا طريق إلى طهارته ، وإن شك فوجهان بناء على اختلاف الأصحاب في أن أصل الأشياء على الإباحة أو التحريم ، وذكر مثل هذا التفصيل صاحب البحر ثم قال احتمالا لنفسه في نجاسة المأكول : لأنه لا يدري أخذ في حياته أم بعد موته ، وهذا الاحتمال خطأ لأنا تيقنا طهارته ولم يعارضها أصل ولا ظاهر . وأما قوله فيما إذا شك فوجهان ، فالمختار منهما الطهارة لأننا تيقنا طهارته [ ص: 298 ] في الحياة ولم يعارضها أصل ولا ظاهر ، فإنه لا يمكن دعوى كون الظاهر نجاسته ، وأما احتمال كونه شعر كلب أو خنزير فضعيف ; لأنه في غاية الندور . وأما قول صاحب المستظهري بعد حكاية الوجهين عن حكاية صاحب الحاوي : هذا ليس بشيء ، بل لا يجوز الانتفاع به وجها واحدا - فمردود بما ذكرناه من النقل والدليل . والله أعلم .