قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وأما المضبب بالفضة فقد اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال : إن كان قليلا للحاجة لم يكره لما روى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه " { nindex.php?page=hadith&LINKID=6697أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشفة سلسلة من فضة } " وإن كان للزينة كره ; لأنه غير محتاج إليه ، ولا يحرم لما روى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=37876كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة ، وقبيعة سيفه فضة وما بين ذلك حلق الفضة } " وإن كان كثيرا للحاجة كره لكثرته ، ولم يحرم للحاجة . وإن كان كثيرا للزينة حرم لقول nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : لا يتوضأ ولا يشرب من قدح فيه حلقة من فضة أو ضبة من فضة ، وعن عائشة رضي الله عنها : " أنها نهت أن تضبب الأقداح بالفضة " ومن أصحابنا من قال : يحرم في موضع الشرب ; لأنه يقع الاستعمال به ، ولا يحرم فيما سواه ; لأنه لا يقع به الاستعمال ، ومنهم من قال : يكره ولا يحرم لحديثnindex.php?page=showalam&ids=9أنس في سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
[ ص: 313 ] الشرح ) قد جمعت هذه القطعة جملا من الأحاديث واللغات والأحكام يحصل بيانها بمسألتين : ( إحداهما ) : حديث القدح صحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلا أنه وقع في المهذب فاتخذ مكان " الشفة " هو تصحيف ، والصواب ما في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره فاتخذ مكان للشعب بفتح الشين المعجمة وإسكان العين وبعدها باء موحدة ، والمراد بالشعب الشق والصدع ، وقوله : انكسر معناه انشق كما جاء في رواية انصدع والمراد أنه شد الشق بخيط فضة فصارت صورته صورة سلسلة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري فسلسله بفضة . قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12795أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله - : وقوله فاتخذ ، يوهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المتخذ وليس كذلك ، بل nindex.php?page=showalam&ids=9أنس هو المتخذ ، ففي رواية قال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : فجعلت مكان الشعب سلسلة . وهذا الذي قاله أبو عمرو قد أشار إليه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=16274عاصم قال : رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك فكان قد انصدع فسلسله بفضة ، وقد أوضحت ذلك مع طرق الحديث في جامع السنة . والله أعلم . وأما الحديث الآخر فحسن ، روى أبو داود والترمذي منه : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=28500كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة } " قال الترمذي : هو حديث حسن ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=12256محمد بن سعد كاتب nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي في الطبقات القدر المذكور في المهذب كله بالطريق الذي رواه منه أبو داود والترمذي فجميع الحديث على شرط أبي داود والترمذي فهو حديث حسن . والقبيعة بفتح القاف وكسر الباء الموحدة وهي التي تكون على رأس قائم السيف وطرف مقبضه ، والحلق بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان واللام فيهما مفتوحة جمع حلقة بإسكان اللام ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري فتحها أيضا في لغة رديئة ، والمشهور إسكانها ، ونعل السيف ما يكون في أسفل غمده من حديد أو فضة ونحوهما . وأما الأثر عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما فصحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره بإسناد صحيح ، لكن لفظه : " كان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لا يشرب في قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة ، " وأما الأثر عن عائشة رضي الله عنها فحسن رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بمعناه . والله أعلم . وأما أنس فهو أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر الأنصاري النجاري [ ص: 314 ] بالنون والجيم المدني ثم البصري خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، وتوفي بالبصرة ودفن بها سنة ثلاث وتسعين وهو ابن مائة وثلاث سنين ، وكان أكثر الصحابة أولادا لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بكثرة المال والولد والبركة ، وهو من أكثر الصحابة رواية . وأما ابن عمر فهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي ، أسلم مع أبيه بمكة قديما ، شهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة وما بعده من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي بمكة سنة ثلاث وسبعين وهو ابن ثلاث وثمانين وقيل أربع ، ومناقب nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس مشهورة ذكرت جملا منها في تهذيب الأسماء . وبالله التوفيق .
والمسألة الثانية في الأحكام : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - في المختصر : ( وأكره المضبب بالفضة لئلا يكون شاربا على فضة ) ، وللأصحاب في المسألة أربعة أوجه : حكى المصنف ثلاثة بدلائلها : ( أحدها ) : إن كان قليلا للحاجة لم يكره ، وإن كان للزينة كره ، وإن كان كثيرا حرم ، وإن كان للحاجة كره . ( والوجه الثاني ) : إن كان في موضع الاستعمال كموضع فم الشارب حرم ، وإلا فلا .
( والثالث ) : يكره ولا يحرم بحال .
( والرابع ) : حكاه الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد الجويني يحرم بكل حال لما ذكرناه عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم ، وأصح هذه الأوجه الأول وهو الأشهر عند العراقيين وقطع به كثيرون منهم أو أكثرهم وصححه الباقون منهم ممن قطع به الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والمحاملي والماوردي nindex.php?page=showalam&ids=14922والشيخ نصر المقدسي ونقله nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب عن الداركي ومتأخري الأصحاب ، قال : وحملوا نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عليه .
( والوجه الثاني ) هو قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي حكاه عنه nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب . والقائل لا يحرم بحال هو nindex.php?page=showalam&ids=12094أبو علي الطبري وغيره ، كذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب ، وعلى هذا الوجه الأول وهو الصحيح المختار ذكرنا أن القليل للزينة يكره ، وحكى الخراسانيون وجها على هذا أنه يحرم ، وحكى الماوردي وجها أنه لا يكره .
( فرع ) في بيان الحاجة والقلة في قولهم إن كان قليلا للحاجة أما الحاجة فقال الأصحاب : المراد بها غرض يتعلق بالتضبيب سوى الزينة ، [ ص: 315 ] كإصلاح موضع الكسر ونحوه ، ولا يتجاوز به موضع الكسر إلا بقدر ما يستمسك به ، قال أصحابنا : ولا يشترط العجز عن التضبيب بنحاس وحديد وغيرهما ، هكذا صرح به ابن الصباغ والمتولي والغزالي والروياني وصاحب البيان وغيرهم ، وذكر إمام الحرمين احتمالين لنفسه : أحدهما : هذا . والثاني : معناها أن يعدم ما يضبب به غير الذهب والفضة .
وأما ضبط القليل والكثير ففيه ثلاثة أوجه : ( أحدها ) : وهو المشهور في طريقتي العراق وخراسان أن الكثير هو الذي يستوعب جزءا من أجزاء الإناء بكماله كأعلاه أو أسفله أو شفته أو عروته أو شبه ذلك ، والقليل ما دونه ، وبهذا قطع الفوراني والمتولي والبغوي وصاحبا العدة والبيان وغيرهم . واستدل له الإمام أبو الحسن إلكيا الهراسي صاحب إمام الحرمين في كتابه ( زوايا المسائل ) بأنه إذا استوعبت الفضة جزءا كاملا خرج عن أن يكون تابعا للإناء ، وخرج الإناء عن أن يكون إناء نحاس أو حديد مثلا ، بل يقال إناء مركب من نحاس وفضة ، لكون جزء من أجزائه المقصودة بكماله فضة ، بخلاف ما إذا لم يستوعب جزءا بكماله فإنه يقع مغمورا تابعا ، ولا يعد الإناء بسببه مركبا من فضة ونحاس ، وهذا استدلال حسن . والوجه الثاني : أن الرجوع في القلة والكثرة إلى العرف ، قاله الروياني وحكاه الرافعي وأشار إلى اختياره واستحسانه ، ودليله أن ما أطلق ولم يحد رجع في ضبطه إلى العرف كالقبض في البيع والحرز في السرقة وإحياء الموات ونظائرها . والثالث : وهو اختيار إمام الحرمين والغزالي ومن تابعهما أن الكثير ما يلمع للناظر على بعد ، والقليل ما لا يلمع ، ومرادهم ما لا يخرج عن الاعتدال والعادة في رقته وغلظه ، وأنكر إمام الحرمين الوجه الأول ، وضعفه ، ثم اختار هذا الثالث ، وهذا الذي اختاره فيه ضعف ، والمختار الرجوع إلى العرف ، والوجه المشهور حسن متجه أيضا ، ومتى شككنا في الكثرة فالأصل الإباحة . والله أعلم .
( فرع ) إذا ضبب الإناء تضبيبا جائزا فله استعماله مع وجود غيره من الآنية التي لا فضة فيها ، وهذا لا خلاف فيه ، صرح به إمام الحرمين وغيره .
[ ص: 316 ] فروع تتعلق بالفصلين السابقين في الأواني : ( أحدها ) : قال أصحابنا : لو شرب بكفيه وفي أصبعه خاتم فضة لم يكره ، وكذا لو صب الدراهم في إناء وشرب منه أو كان في فمه دنانير ودراهم فشرب لم يكره ، ولو أثبت الدراهم في الإناء بمسامير للزينة قال المتولي والروياني وصاحب العدة : هو كالضبة للزينة ، وقطع nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين بجوازه .
( الثاني ) : لو اتخذ إناء من ذهب أو فضة وطلاه بنحاس داخله وخارجه فوجهان مشهوران في تعليق nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين والتتمة والتهذيب والعدة والبيان وغيرها : أصحهما لا يحرم ، قالوا : وهما مبنيان على أن الذهب والفضة حرام لعينهما أم للخيلاء ؟ إن قلنا لعينهما حرم وإلا فلا ، وقال إمام الحرمين : إن غشى ظاهره ففيه الوجهان ، وإن غشى ظاهره وداخله فالذي أراه القطع بجواز استعماله ; لأنه إناء نحاس أدرج فيه ذهب مستتر ، وبهذا الذي قاله الإمام جزم الغزالي في البسيط وقال : لا خلاف فيه ، ولو اتخذ إناء من نحاس وموهه بذهب أو فضة قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط والرافعي وغيرهم : إن كان يتجمع منه شيء بالنار حرم استعماله ، وإلا فوجهان بناء على المعنيين . والأصح لا يحرم ، قاله في الوسيط والوجيز ، وأطلق nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين والبغوي والمتولي وصاحبا العدة والبيان الوجهين ولم يفرقوا بين المستهلك وما يتجمع منه شيء . والصواب حمل كلامهم على المستهلك كما صرح به إمام الحرمين وتابعوه ، وقد جزم الماوردي والجرجاني بأنه إذا غشي جميعه بالفضة حرم استعماله . والله أعلم .
( الثالث ) : لو كان له قدح عليه سلسلة فضة قطع nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين وصاحباه المتولي والبغوي وصاحب العدة بجوازه ، وزاد المتولي والبغوي فقالا : لو اتخذ لإنائه حلقة أو سلسلة فضة أو رأسا - جاز ; لأنه منفصل عن الإناء لا يستعمله ، هذا كلام هؤلاء الأئمة ، وينبغي أن يجعل كالتضبيب ، ويجيء فيه التفصيل والخلاف .
( الرابع ) : إذا قلنا بطريقة الخراسانيين : إن المضبب بذهب كالمضبب بفضة فهل يسوى بينهما في التفصيل في الصغر والكبر على ما سبق ؟ ، قال الرافعي : [ ص: 317 ] لم يتعرض الأكثرون لذلك ، وعن الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد أنه ينبغي أن لا يسوى ; لأن الخيلاء في قليل الذهب كالخيلاء في كثير الفضة ، وأقرب ضابط له تعتبر قيمة ضبة الذهب إذا قومت بفضة ، قال الرافعي : وقياس الباب أن لا فرق ، وهذا الذي قاله الرافعي هو الصحيح ; لأن مأخذ المسألة أن بعض الإناء كالإناء أم لا ؟ والله أعلم .
( فرع ) في مذاهب العلماء في المضبب بالفضة . قد ذكرنا تفصيل مذهبنا فيه ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض أن جمهور العلماء من السلف والخلف على كراهة الضبة والحلقة من الفضة ، قال : وجوزهما nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق إذا لم يكن فمه على الفضة في الشرب ، هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي ، والمعروف عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد كراهة المضبب .