قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا تجب الزكاة إلا على حر مسلم ، فأما المكاتب والعبد إذا ملكه المولى مالا فلا زكاة عليه ، لأنه لا يملك في قوله الجديد ويملك في قوله القديم ، إلا أنه ملك ضعيف لا يحتمل المواساة ، ولهذا لا تجب عليه نفقة الأقارب ولا يعتق [ عليه ] أبوه إذا اشتراه فلم تجب عليه الزكاة ، وفيمن نصفه حر ونصفه عبد وجهان ( أحدهما ) : لا تجب عليه الزكاة لأنه ناقص بالرق فهو كالعبد القن ، ( والثاني ) أنها تجب فيما ملكه بنصفه الحر ، لأنه يملك بنصفه الحر ملكا تاما ، فوجب عليه الزكاة كالحر ) .
( الشرح ) : قوله : ولا تجب الزكاة إلا على حر مسلم ، ولم يقل تام الملك كما قاله في التنبيه ، وهذا الذي قاله هنا حسن ، لأن مقصوده في هذا الفصل بيان صفة الشخص الذي تجب عليه الزكاة ، وكونه تام الملك صفة للمال ، فأخره ثم ذكر في أول الذي يلي هذا في فصل صفات المال ، وهذا ترتيب حسن . أما وجوب الزكاة على الحر المسلم فظاهر لعموم الكتاب والسنة والإجماع فيمن سوى الصبي والمجنون ، ومذهبنا وجوبها في مال الصبي والمجنون ، وسنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى .
وأما المكاتب فلا زكاة عليه لا في عشر زرعه ولا في ماشيته وسائر أمواله ولا خلاف في شيء من هذا عندنا ، ولا يجب عليه زكاة الفطر أيضا ، وفيها وجه ضعيف ذكره المصنف في باب زكاة الفطر ، والمذهب أنها لا تجب عليه ، ودليل الجميع ضعف ملكه . قال أصحابنا : فإن عتق المكاتب والمال في يده استأنف له الحول من حين العتق وإن عجز فصار المال للسيد ابتدأ الحول من حينئذ .
وأما العبد [ ص: 298 ] القن والمدبر والمستولدة إذا ملكهم المولى مالا - فإن قلنا بالجديد الصحيح أنه لا يملك بالتمليك - وجب على السيد زكاة ما ملك ، ولا أثر للتمليك لأنه باطل ، وإن قلنا بالقديم أنه يملك لم يلزم العبد زكاته لما ذكره المصنف ، وهل يلزم السيد زكاة هذا المال ؟ فيه طريقان : ( الصحيح ) منهما وهو المشهور ، وبه قطع كثيرون : لا يلزمه ; لأنه لا يملكه .
( والطريق الثاني ) حكاه الماوردي وإمام الحرمين والغزالي في البسيط وآخرون فيه وجهان ( أصحهما ) لا يلزمه ( والثاني ) يلزمه لأن فائدة الملك القدرة على التصرف فيه ، وذلك حاصل بخلاف ملك المكاتب . قال الماوردي : هذا الوجه غلط : لأن للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده ، ومع هذا تلزمه زكاته " قلت " : أما الفرق فظاهر ; لأن ملك الوالد تام ويجب فيه الزكاة بخلاف العبد ، والله أعلم .
وأما من بعضه حر وبعضه رقيق ففيه وجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما واختلفوا في أصحهما ، فقال العراقيون " الصحيح " أنه لا تجب الزكاة ، وبهذا قطع أكثر العراقيين أو كثير منهم وجماعة من الخراسانيين . ممن قطع به nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي في المجموع وابن الصباغ وغيرهم من العراقيين ، ونقله إمام الحرمين في النهاية عن العراقيين ، وقطع به الخراسانيون والمتولي ، وصحح أكثر الخراسانيين الوجوب ، ممن صححه منهم إمام الحرمين والبغوي ، وقطع به الغزالي في كتبه ، واستبعد إمام الحرمين قول العراقيين ، واحتج بأن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه نص على أن من بعضه حر وبعضه رقيق يكفر كفارة الحر الموسر . قال : وإذا وجبت كفارة الأحرار فالزكاة أولى لأن المعتمد فيها الإسلام والملك التام وقد وجد . وحجة العراقيين أنه في أكثر الأحكام له حكم العبيد ، فلا تقبل شهادته ولا ولاية له على ولده الحر ولا على مال ولده ، ولا جمعة عليه ولا تنعقد به ولا حج عليه ، ولذلك هو كالرقيق في نكاحه وطلاقه وعدتها ، والحدود على قاذفه ولا يرث ، ولا خيار لها إذا عتق بعضها تحت عبد ، ولا قصاص على الحر بقتله وعلى من هو مثله على الأصح ، ولا يكون قاضيا ولا قاسما ولا [ ص: 299 ] مقوما ، وغير ذلك من الأحكام فوجب أن تلحق الزكاة بذلك . فإن قيل : جزموا بوجوب زكاة الفطر عليه ، فما الفرق ؟ فالجواب ما أجاب به صاحب الشامل أن زكاة الفطر تتبعض فيجب عليه نصف صاع وعلى سيده نصفه وزكاة الأموال لا تتبعض ، وإنما تجب على تمام والله أعلم .