وأما قوله : " { توضأ النبي صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة } " فهو بعض من حديث طويل رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في صحيحيهما من رواية nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين رضي الله عنهما أنهم { nindex.php?page=hadith&LINKID=28533كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فعطشوا فأرسل من يطلب الماء ، فجاءوا بامرأة مشركة على بعير بين مزادتين من ماء ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء فأفرغ فيه منهما ثم قال فيه : ما شاء الله ، ثم أعاده في المزادتين ونودي في الناس : اسقوا واستقوا ، فشربوا حتى رووا ولم يدعوا إناء ولا سقاء إلا ملئوه ، وأعطى رجلا أصابته جنابة إناء من ذلك الماء وقال : أفرغه عليك ، ثم أمسك عن المزادتين وكأنهما أشد امتلاء مما كانتا ، ثم أسلمت المرأة بعد ذلك هي وقومها } " . هذا معنى الحديث مختصرا وفيه المعجزة الظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منه صريحا ، لكن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم توضأ منه ; لأن الماء كان كثيرا ، وإن لم يكن توضأ فقد أعطى الجنب [ ص: 319 ] ما يغتسل به ، وبهذا يحصل المقصود وهو طهارة إناء المشرك ، والمزادة هي التي تسميها الناس الراوية ، وإنما الراوية في الأصل البعير الذي يستقى عليه . وأما قوله : توضأ nindex.php?page=showalam&ids=2عمر من جر نصراني ، فصحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بإسناد صحيح ، وذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه بمعناه تعليقا فقال : وتوضأ nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بالحميم من بيت نصرانية ، والحميم الماء الحار ، لكن وقع في المهذب نصراني بالتذكير ، قال الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي رواه خلاد بن أسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة بإسناده كذلك ، قال : والمحفوظ ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة بإسناده نصرانية بالتأنيث . قوله : من " جر " كذا هو في المهذب ، وغيره " جر " ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم جرة نصرانية بالهاء في آخرهما وهو الصحيح واختلف الأئمة في معنى الذي في المهذب فالمشهور الذي قاله الأكثرون أنه جمع جرة وهي الإناء المعروف من الخزف ، وقولنا جمع جرة هو على اصطلاح أهل اللغة ، وأما أهل التصريف والنحو فيقولون فيه وفي أشباهه : هو اسم جنس ولا يسمونه جمعا ، وذكر ابن فارس في كتابه حلية العلماء أن الجر هنا سلاخة عرقوب البعير يجعل وعاء للماء ، وذكر هو في المجمل نحوه . والله أعلم .
أما حكم المسألة : فيكره استعمال أواني الكفار وثيابهم سواء فيه أهل الكتاب وغيرهم ، والمتدين باستعمال النجاسة وغيره ، ودليله ما ذكره المصنف من الحديث والمعنى ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - : وإنا لسراويلاتهم وما يلي أسافلهم أشد كراهة ، قال أصحابنا : وأوانيهم المستعملة في الماء أخف كراهة ، فإن تيقن طهارة أوانيهم أو ثيابهم قال أصحابنا : فلا كراهة حينئذ في استعمالها كثياب المسلم ممن صرح بهذا المحاملي في المجموع والبندنيجي والجرجاني في البلغة والبغوي وصاحبا العدة والبيان وغيرهم ولا نعلم فيه خلافا . ومراد المصنف بقوله : يكره استعمالها إذا لم يتيقن طهارتها ، وتعليله يدل عليه ، فإن قيل فحديث أبي ثعلبة يقتضي كراهة استعمالها إذا وجد عنها بدا وإن تيقن طهارتها . فالجواب أن المراد النهي عن الأكل في أوانيهم التي كانوا يطبخون فيها [ ص: 320 ] لحم الخنزير ويشربون فيها الخمر كما سبق بيانه في رواية أبي داود ، وإنما نهي عن الأكل للاستقذار كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة ، وإذا تطهر من إناء كافر ولم يعلم طهارته ولا نجاسته فإن كان من قوم لا يتدينون باستعمال النجاسة - صحت طهارته بلا خلاف ، وإن كان من قوم يتدينون باستعمال النجاسة فوجهان : الصحيح منهما باتفاق الأصحاب في الطريقتين أنه تصح طهارته وهو نصه في الأم وحرملة والقديم وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة . والوجه الثاني : لا تصح طهارته ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ، وصححه المتولي وهو مخرج من القولين في الصلاة في المقبرة المنبوشة ، كذا قاله الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب : هو مخرج من مسألة بول الصبية ، وهذا أجود ، قال أصحابنا : المتدينون باستعمال النجاسة وهم الذين يعتقدون ذلك دينا وفضيلة ، وهم طائفة من المجوس يرون استعمال أبوال البقر وأحشائها قربة وطاعة ، قال الماوردي : وممن يرى ذلك البراهمة ، وأما الذين لا يتدينون فكاليهود والنصارى ، قال إمام الحرمين : ولو ظهر من الرجل اختلاطه بالنجاسات وعدم تصونه منها مسلما كان أو كافرا ففي نجاسة ثيابه وأوانيه الخلاف . والله أعلم .
( فرع ) هذا الذي ذكرناه من الحكم بطهارة أواني الكفار وثيابهم هو مذهبنا ومذهب الجمهور من السلف ، وحكى أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق نجاسة ذلك لقوله تعالى : ( { إنما المشركون نجس } ) ، ولحديث أبي ثعلبة وقوله صلى الله عليه وسلم فاغسلوها ، واحتج أصحابنا بقوله تعالى : ( { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } ) ومعلوم أن طعامهم يطبخونه في قدورهم ويباشرونه بأيديهم ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=40عمران وفعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر المذكورين في الكتاب ، وبأن الأصل الطهارة ، { وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأذن للكفار في دخول المسجد } ، ولو كانوا أنجاسا لم يأذن . وأجاب الأصحاب عن الآية بجوابين : ( أحدهما ) : معناها أن المشركين نجس أديانهم واعتقادهم ، وليس المراد أبدانهم وأوانيهم ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخلهم المسجد ، واستعمل آنيتهم وأكل طعامهم ، وأجابوا عن حديث أبي ثعلبة بأن السؤال كان عن الآنية التي يطبخون [ ص: 321 ] فيها لحم الخنزير ويشربون فيها الخمر كما جاء في رواية أبي داود التي قدمناها ، وجواب آخر أنه محمول على الاستحباب ، ذكره الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد ، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن استعمالها مع وجود غيرها ، وهذا محمول على الاستحباب بلا شك . والله أعلم .