قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز أخذ القيمة في شيء من الزكاة ; لأن الحق لله تعالى ، وقد علقه على ما نص عليه ، فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره ، كالأضحية لما علقها على الأنعام لم يجز نقلها إلى غيرها ، فإن أخرج عن المنصوص عليه سنا أعلى منه مثل أن يخرج عن بنت مخاض بنت لبون أجزأه ; لأنها تجزئ عن ست وثلاثين ، فلأن تجزئ عن خمس وعشرين أولى ، كالبدنة لما أجزأت عن سبعة في الأضحية ، فلأن تجزئ عن واحد أولى ، وكذلك لو وجبت عليه مسنة فأخرج تبيعين أجزأه ; لأنه إذا أجزأه ذلك عن ستين فلأن يجزئ عن أربعين أولى ) .
( الشرح ) : اتفقت نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه أنه لا يجوز إخراج القيمة في الزكاة ، وبه قطع المصنف وجماهير الأصحاب ، فيه وجه أن القيمة تجزئ حكاه وهو شاذ باطل ، ودليل المذهب ما ذكره المصنف ( وأما ) : [ ص: 402 ] إذا أخرج سنا أعلى من الواجب كبنت لبون عن بنت مخاض ونظائره فتجزئه بلا خلاف ، لحديث أبي السابق ولما ذكره المصنف ( وأما ) : إذا أخرج تبيعين عن المسنة فقد قطع المصنف بجوازه ، وهو المذهب ، وبه قطع الجماهير وفيه وجه سبق في باب زكاة البقر ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) : قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز إخراج القيمة في شيء من الزكوات وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالكا جوز الدراهم عن الدنانير وعكسه وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يجوز ، فإن لزمه شاة فأخرج عنها دراهم بقيمتها أو أخرج عنها ما له قيمة عنده كالكلب والثياب جاز . وحاصل مذهبه أن كل ما جازت الصدقة به جاز إخراجه في الزكاة ، سواء كان من الجنس الذي وجبت فيه الزكاة أم من غيره إلا في مسألتين ( إحداهما ) : تجب عليه الزكاة فيخرج بقيمتها منفعة عين بأن يسلم إلى الفقراء دارا يسكنونها بقيمة الزكاة .
( والثانية ) : أن يخرج نصف صاع جيد عن نصف صاع وسط لزمه فإنه لا يجزئه ووافق على أنه لا تجزئ القيمة في الأضحية ، وكذا لو لزمه عتق رقبة في كفارة لا تجزئ قيمتها وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : إذا أدى عن خمسة جياد خمسة دونها في الجودة أجزأه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : يؤدي فضل ما بينهما ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر : عليه أن يتصدق بغيرها ولا يجزئه الأول ، كذا حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14330أبو بكر الرازي وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : يجزئ إخراج العروض عن الزكاة إذا كانت بقيمتها ، وهو الظاهر من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه ، وهو وجه لنا كما سبق . واحتج المجوزون للقيمة بأن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا رضي الله عنه قال لأهل اليمن حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ زكاتهم وغيرها : " ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة " ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة جزم ، وبالحديث الصحيح " { في خمس وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون } قالوا : وهذا نص على دفع القيمة قالوا : ولأنه مال زكوي ، فجازت قيمته كعروض التجارة ; ولأن القيمة مال ، فأشبهت المنصوص عليه [ ص: 403 ] ; ولأنه لما جاز العدول عن العين إلى الجنس بالإجماع بأن يخرج زكاة غنمه عن غنم غيرها جاز العدول من جنس إلى جنس . واستدل أصحابنا بأن الشرع نص على بنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة وتبيع ومسنة وشاة وشياه وغير ذلك من الواجبات فلا يجوز العدول ، كما لا يجوز في الأضحية ولا في المنفعة ولا في الكفارة وغيرها من الأصول التي وافقوا عليها ولا في حقوق الآدميين . واستدل صاحب الحاوي بقوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=24130في صدقة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير } إلى آخره ، ولم يذكر القيمة ولو جازت لبينها فقد تدعو الحاجة إليها ; ولأنه صلى الله عليه وسلم قال : {في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون } ولو جازت القيمة لبينها ; ولأنه صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=25270فيمن وجب عليه جذعة فإن لم تكن عنده دفع حقة وشاتين أو عشرين درهما } وكذا غيرها من الجبران على ما سبق بيانه في حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس في أول باب زكاة الإبل فقدر البدل بعشرين درهما ولو كانت القيمة مجزئة لم يقدره بل أوجب التفاوت بحسب القيمة . وقال إمام الحرمين في الأساليب : المعتمد في الدليل لأصحابنا أن الزكاة قربة لله تعالى وكل ما كان كذلك فسبيله أن يتبع فيه أمر الله تعالى ولو قال إنسان لوكيله : اشتر ثوبا وعلم الوكيل أن غرضه التجارة ولو وجد سلعة هي أنفع لموكله لم يكن له مخالفته وإن رآه أنفع ، فما يجب لله تعالى بأمره أولى بالاتباع ( فإن قالوا ) : هذا يناقض قولكم في زكاة الصبي إن مقصودها سد الخلة ، وهذا يقتضي أن المقصود سد الحاجة فلا تتبع الأعيان المنصوص عليها ( قلنا ) : لا ننكر أن المقصود الظاهر سد الحاجة ولكن الزكاة مع ذلك قربة فإذا كان المرء يخرج الزكاة بنفسه تعينت عليه النية ، فلا يعتد بما أخرجه لتمكنه من الجمع بين الفرضين ، ولو امتنع من أداء الزكاة والنية والاستنابة أخذها السلطان عملا بالفرض الأكبر ، ولهذا إذا أخرج باختياره لم يعتد به كما لو أخرج الزكاة بلا نية .
ولو امتنع من أدائها ولم يجد الإمام له شيئا من جنسها أخذ ما يجد ، ثم [ ص: 404 ] إذا اضطر إلى صرف ما أخذه إلى المساكين أجزأه ذلك وإن لم يكن من جنس الزكاة فقد خرجت المسألتان على طريقة واحدة ، والعبادة تقتضي النية والاتباع ومبنى الزكاة على سد الخلة ، فالاختيار يوجب النية والاتباع لما نص عليه جنسا وقدرا ، فإن عسرت النية أو تعذر إخراج المنصوص عليه غلب مقصود الزكاة ، وهو سد الخلة ، فهذا مختصر من أطراف أدلة المسألة ( والجواب ) : عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ أن المراد به أخذ البدل عن الجزية لا عن الزكاة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم " أمره أن يأخذ في الزكاة عن الحب حبا وعقبه بالجزية " فقال : " خذ من كل حالم دينارا أو عدله مغافر " ( فإن قيل ) : ففي حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ آخذه منكم مكان الذرة والشعير ، وذلك غير واجب في الجزية . قال صاحب الحاوي : ( الجواب ) : أنه يحتمل أن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا عقد معهم الجزية على أخذ شيء من زروعهم . قال أصحابنا : مما يدل على أنه في الجزية لا في الزكاة أن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ أنه لا ينقل وقد اشتهر عنه أنه قال : " أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى مخلاف آخر فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته " فدل على أنه في الجزية التي يجوز نقلها بالاتفاق ، والجواب عن ابن اللبون أنه منصوص عليه لا للقيمة ، ولهذا لو كانت قيمته أقل من بنت مخاض أخذناه ; ولأنه أيضا إنما يؤخذ عند عدم بنت المخاض ، ولو كان قيمة على ما تقولون لجاز دفعه مع وجودها . والجواب عن القياس على عرض التجارة أن الزكاة تجب في قيمته والمخرج ليس بدلا عن الواجب بل هو الواجب ، كما أن الشاة المخرجة عن خمس من الإبل هي واجبها ، لا أنها قيمة .
وأما قياسهم على المنصوص عليه فأبطله أصحابنا بإخراج نصف صاع جيد عن نصف صاع وسط وشاة عن شاتين بقيمتهما ، ثم المعتمد في الأصل أنه منصوص عليه ، فلهذا جاز إخراجه بخلاف القيمة .
وأما قولهم " لما جاز العدول إلى آخره " فهذا قياس فلا يلزمنا ، مع أن الواجب إنما هو إخراج الزكاة من جنس ماله لا من عينه ، فلم يكن ذلك عدولا عن الواجب إلى القيمة ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) : قد ذكرنا أنه لا يجوز عندنا إخراج القيمة في الزكاة . قال أصحابنا : هذا إذا لم تكن ضرورة ، ونقل الرافعي في مسألة اجتماع الحقاق [ ص: 405 ] وبنات اللبون في مائتين عن الأصحاب أنهم قالوا : يعدل في الزكاة إلى غير الجنس الواجب للضرورة كمن وجب عليه شاة في خمس من الإبل ، ففقد الشاة ولم يمكنه تحصيلها فإنه يخرج قيمتها دراهم ويجزئه ، كمن لزمه بنت مخاض ، فلم يجدها ، ولا ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن ، فإنه يعدل إلى القيمة ، وسبق هناك أنه إذا وجب أخذ الأغبط وأخذ الساعي غيره وأوجبنا التفاوت يجوز إخراجه دراهم إن لم يمكن تحصيل شقص به ، وكذا إن أمكن على الأصح ، وذكرنا هناك نظائره . وذكر إمام الحرمين في باب النية في الزكاة هذين الوجهين في التفاوت عند إمكان الشقص ، ثم قال : فليخرج من هذا الخلاف أنه متى أدى الحساب في زكاة الماشية إلى تشقيص في مسائل الخلطة ، ففي جواز القيمة عن الشقص هذان الوجهان . قال : ولو لزمه شاة عن أربعين ، ثم تلف المال كله بعد إمكان الأداء ، وعسر تحصيل شاة ومست حاجة المساكين ، فالظاهر عندي أنه يخرج القيمة للضرورة ولا سبيل إلى تأخير حق المساكين ، ثم ذكر الإمام أن من توجهت عليه زكاة ، وامتنع يأخذ الإمام أي شيء وجده ، إذا لم يجد المنصوص ، كما يأخذ الزكاة من مال الممتنع ، وإن لم ينو من عليه الزكاة ، فإن كان من عليه الزكاة قادرا على المنصوص عليه ، ففي إجزائه تردد ، كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في الممتنع من النية ، إذا أخذها الإمام ، فهذا كلام الإمام في النهاية ، وقد سبق في الفرع الذي قبل هذا عن كلامه في الأساليب نحو هذا . ومن مواضع الضرورة التي تجزئ فيها القيمة ما إذا ألزمهم السلطان بالقيمة ، وأخذها منهم فإنها تجزئهم ، وقد ذكر المصنف المسألة في آخر باب الخلطة فيما إذا أخذ الساعي من أحد الخليطين قيمة الفرض ، فقال ( الصحيح ) : أنه يرجع على خليطه ; لأنه أخذه باجتهاده ، فأشبه إذا أخذ الكبيرة عن السخال ، هكذا قطع جماهير الأصحاب في هذا الموضع بإجزاء القيمة التي أخذها الساعي نقله أصحابنا العراقيون كالشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبي الطيب في المجرد ، والمحاملي في كتابيه وصاحب الحاوي وغيرهم في باب الخلطة عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في الأم قالوا : نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم أنه تجزئه [ ص: 406 ] القيمة ، وأنه يرجع على خليطه بحصته من القيمة ; لأن ذلك حكم من الساعي فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، فوجب إمضاؤه قالوا : هذا هو الصحيح ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ، قالوا وقال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي لا تجزئه القيمة التي يأخذها الساعي ، ولا يرجع بها على خليطه ; لأنه غير الواجب وهذا الوجه غلط ظاهر مخالف لنص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه وللأصحاب رحمهم الله تعالى وللدليل والله تعالى أعلم .