ولو كان يسقى نصفه بالنواضح ، ونصفه بالسيح ، ففيه ثلاثة أرباع العشر اعتبارا بالسقيتين ، وإن سقي بأحدهما أكثر ففيه قولان : ( أحدهما ) يعتبر فيه الغالب ، فإن كان الغالب السقي بماء السماء أو السيح وجب العشر ، وإن كان الغالب السقي بالناضح وجب نصف العشر ; لأنه اجتمع الأمران ولأحدهما قوة بالغلبة ، فكان الحكم له كالماء إذا خالطه مائع ، ( والقول الثاني ) يقسط على عدد السقيات ; لأن ما وجب فيه الزكاة بالقسط عند التماثل وجب فيه بالقسط عند التفاضل كزكاة الفطر في العبد المشترى ، فإن جهل القدر الذي سقى بكل واحد منهما جعلا نصفين ; ولأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر ، فوجب التسوية بينهما كالدار في يد اثنين ) .
( الشرح ) : حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بلفظه في المهذب ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بمعناه قال : عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال { nindex.php?page=hadith&LINKID=25263 : فيما سقت السماء والعيون [ ص: 444 ] أو كان عثريا العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر } ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه بمعناه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أيضا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وهو قول ، العامة لم يختلفوا فيه ، وكذا أشار nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في المختصر إلى أنه مجمع عليه وهذا الذي ذكره المصنف في تفسير البعل ، كذا قاله أهل اللغة وغيرهم وأما العثري فبعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحتين ، ثم ياء مشددة ، ويقال بإسكان الثاء والصحيح المشهور فتحها وأنكر القلعي على المصنف تفسيره العثري وقال : إنما هو ما سقت السماء ، لا خلاف بين أهل اللغة فيه ، وهذا الذي قاله القلعي ليس كما قاله وليس نقله عن جميع أهل اللغة صحيحا وإنما هو قول قليل منهم . وذكر ابن فارس في المجمل فيه قولين لأهل اللغة قال : العثري ما سقي من النخل سيحا ، والسيح الماء الجاري قال : ويقال هو العذي والعذي الزرع الذي لا يسقيه إلا ماء المطر ، ولم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري في صحاحه إلا هذا القول الثاني ، والأصح ما قاله الأزهري وغيره من أهل اللغة أن العثري مخصوص بما سقي من ماء السيل فيجعل عاثورا وشبه ساقيته بحفر يجري فيها الماء إلى أصوله ، وسمي عاثورا ; لأنه يتعثر به المار الذي لا يشعر به ، وهذا هو مراد المصنف ، وإن كانت عبارته تحتاج إلى تقييد .
وأما النواضح فجمع ناضح أو هو ما يسقى عليه نضحا من بعير وبقرة وغيرهما قال أهل اللغة : النضح السقي من ماء بئر أو نهر بساقية . والناضح اسم للبعير والبقرة الذي يسقى عليه من البئر أو النهر والأنثى ناضحة ، والدواليب جمع دولاب بفتح الدال قال الجوهري وغيره : هو فارسي معرب .
( وأما الأحكام ) فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه والأصحاب : يجب فيما سقي بماء السماء من الثمار والزروع العشر ، وكذا البعل وهو ما يشرب بعروقه ، وكذا ما يشرب من ماء ينصب إليه من جبل أو نهر أو عين كبيرة ، ففي هذا كله العشر .
وأما ما سقي بالنضح أو الدلاء أو الدواليب ، وهي التي تديرها البقر أو بالناعورة ، وهي التي يديرها الماء بنفسه ، ففي جميعه نصف العشر . وهذا كله لا خلاف فيه بين المسلمين ، وقد سبق نقل nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي الإجماع [ ص: 445 ] فيه .
وأما القنوات والسواقي المحفورة من نهر عظيم التي تكثر مؤنتها ، ففيها العشر كاملا . هذا هو الصحيح المشهور المقطوع به في كتب العراقيين والخراسانيين . ونقل إمام الحرمين اتفاق الأئمة عليه ، وعلله الأصحاب بأن مؤنة القنوات إنما تشق لإصلاح الضيعة ، وكذا الأنهار إنما تشق لإحياء الأرض ، وإذا تهيأت وصل الماء إلى الزرع بنفسه مرة بعد أخرى بخلاف النواضح ونحوها ، فإن المؤنة فيها لنفس الزرع . ونقل الرافعي عن الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12063أبي عاصم أنه نقل أن الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14636أبا سهل الصعلوكي من أصحابنا أفتى أن ما سقي بماء القناة وجب فيه نصف العشر . وقال صاحب التهذيب : إن كانت القناة أو العين كثيرة المؤنة لا تزال تنهار ، وتحتاج إلى إحداث حفر وجب نصف العشر ، وإن لم يكن لها مؤنة أكثر من مؤنة الحفر الأول وكسحها في بعض الأوقات وجب العشر . قال الرافعي : والمذهب ما قدمناه عن الجمهور . قال الرافعي : قال ابن كج : ولو اشترى ماء وسقى به وجب نصف العشر ، قال : وكذا لو سقاه بماء مغصوب ; لأن عليه ضمانه . قال الرافعي : وهذا حسن جار على كل مأخذ ، فإنه لا يتعلق بصلاح الضيعة بخلاف القناة ، ثم حكى الرافعي عن ابن كج عن ابن القطان وجهين فيما لو وهب له الماء ، ورجح إلحاقه بالمغصوب لوجود المنة العظيمة ، وكما لو علف ماشيته بعلف موهوب ( قلت ) وهذان الوجهان تفريع على قولنا لا تقتضي الهبة ثوابا ( فإن قلنا ) تقتضيه ، فنصف العشر بلا خلاف ، صرح بذلك كله الدارمي في الاستذكار ، والله تعالى أعلم .
( والثاني ) : حكاه إمام الحرمين وغيره أنه يجب العشر بكماله على قولنا فيما إذا تفاضلا أنه يعتبر الأغلب ، وعللوه بأنه أرفق للمساكين ، والمذهب الأول ودليله في [ ص: 446 ] الكتاب ، فإن سقي بأحدهما أكثر فقولان مشهوران . ذكر المصنف دليلهما ، ( أصحهما ) عند الأصحاب ورجحه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه أيضا في المختصر : يقسط الواجب عليهما ، ( والثاني ) يعتبر الأغلب .
فإن قلنا بالتقسيط وكان ثلثا السقي بماء السماء والثلث بالنضح وجب خمسة أسداس العشر ، وإن استويا فثلاثة أرباع العشر ، وإن قلنا بالأغلب ، فزاد السقي بماء السماء أدنى زيادة وجب العشر ، وإن زاد الآخر أدنى زيادة وجب نصف العشر ، فإن استويا فقد ذكرنا أن المذهب وجوب ثلاثة أرباع العشر ، وفي وجه شاذ يجب كل العشر . قال أصحابنا : وسواء قسطنا أم اعتبرنا الأغلب ، فهل النظر إلى عدد السقيات أم غيرها ؟ فيه وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين وفي كتب جماعة من العراقيين : ( أحدهما ) : يقسط على عدد السقيات ، وبهذا قطع المصنف والماوردي ; لأن المؤنة تختلف بعدد السقيات ، والمراد السقيات المفيدة ، ( والوجه الثاني ) وهو الأصح وبه قطع الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وهو ظاهر نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه وصححه المحققون ورجحه الرافعي في كتابيه : أن الاعتبار بعيش الزرع والثمرة ونمائه ، قال إمام الحرمين وآخرون : وعبر بعضهم عن هذا الثاني بالنظر إلى النفع قالوا : وقد تكون سقية أنفع من سقيات كثيرة . قال إمام الحرمين والعبارتان متقاربتان ، إلا أن صاحب الثانية لا ينظر إلى المدة بل يعتبر النفع الذي يحكم به أهل الخبرة ، وصاحب العبارة الأولى يعتبر المدة قال الرافعي رحمه الله : واعتبار المدة هو الذي ذكره الأكثرون تفريعا على هذا الوجه ، قال : وذكروا في المثال أنه لو كانت المدة من يوم الزرع إلى يوم الإدراك ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر زمان الشتاء والربيع إلى سقيتين فسقى فيهما بماء السماء ، واحتاج في الصيف في الشهرين الباقيين إلى ثلاث سقيات فسقين بالنضح فإن اعتبرنا عدد السقيات ، فعلى قول التقسيط : يجب خمسا العشر وثلاثة أخماس نصف العشر ، وعلى اعتبار الأغلب يجب نصف العشر ، وإن اعتبرنا المدة ، فعلى قول التقسيط يجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر ، وعلى قول اعتبار الأغلب يجب العشر ; لأن مدة السقي بماء السماء أطول . [ ص: 447 ] ولو سقى بماء السماء والنضح جميعا وجهل المقدار من كل واحد منهما أو علم أن أحدهما أكثر وجهل أيهما هو وجب ثلاثة أرباع العشر . هذا هو المذهب . وبه قطع المصنف وجماهير الأصحاب ونقلوه عن ابن سريج وأطبقوا عليه ، إلا ابن كج والدارمي فحكيا وجها أنه يجب نصف العشر ; لأن الأصل البراءة مما زادا ، وإلا صاحب الحاوي فقال : إن سقى بأحدهما أكثر وجهلت عينه فإن اعتبرنا الأغلب وجب نصف العشر ; لأنه اليقين . وإن قلنا بالتقسيط ، فالواجب ينقص عن العشر وينقص عن نصفه ، فيأخذ اليقين ويقف عن الباقي حتى يتبين . قال : وإن شككنا هل استويا أو زاد أحدهما ؟ فإن قلنا بالغالب وجب نصف العشر ; لأنه اليقين ، وإن قسطنا فوجهان : ( أحدهما ) : يجب ثلاثة أرباع العشر ( والثاني ) : يجب زيادة على نصف العشر بشيء وإن قل . هذا كلام صاحب الحاوي والمذهب ما قدمناه .
( فرع ) قال أصحابنا : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في المختصر : ولو اختلف المالك والساعي في أنه بماذا سقي ؟ فالقول قول المالك فيما يمكن ; لأن الأصل عدم وجوب الزكاة ، فإن اتهمه الساعي حلفه ، وهذه اليمين مستحبة بالاتفاق ، صرح به الدارمي والبندنيجي والماوردي وغيرهم ; لأنه لا يخالف الظاهر . والله تعالى أعلم .