قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن كان الزرع لواحد والأرض لآخر وجب العشر على مالك الزرع عند الوجوب ; لأن الزكاة تجب في الزرع فوجبت على مالكه كزكاة التجارة تجب على مالك المال دون مالك الدكان ، وإن كان على الأرض خراج وجب الخراج في وقته ، ووجب العشر في وقته ، ولا يمنع وجوب أحدهما وجوب الآخر ; لأن الخراج يجب للأرض ، والعشر يجب للزرع فلا يمنع أحدهما الآخر كأجرة المتجر وزكاة التجارة ) .
( الشرح ) : المتجر بفتح الميم والجيم هو الدكان . ( أما الأحكام ) : فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى : يجب العشر في الثمر والحب المستخرج من أرض مستأجرة ، أو من أرض عليها خراج ، فيجب على المستأجر العشر مع الأجرة وكذا مع الخراج في أرض الخراج قال الرافعي والأصحاب : وتكون الأرض خراجية في صورتين : ( إحداهما ) : أن يفتح الإمام بلدة قهرا ويقسمها بين الغانمين ، ثم يعوضهم عنها ، ثم يقفها على المسلمين ويضرب عليها خراجا ، كما فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه بسواد العراق على ما هو الصحيح فيه ( الثانية ) : أن يفتح بلدة صلحا على أن الأرض للمسلمين ويسكنها الكفار بخراج معلوم ، فالأرض تكون فيئا للمسلمين ، والخراج أجرة لا يسقط بإسلامهم ، وكذا إذا انجلى الكفار عن بلدة وقلنا : أن الأرض تصير وقفا على مصالح المسلمين يضرب عليها خراج يؤديه من سكنها ، مسلما كان أو ذميا ، فأما إذا فتحت صلحا ولم يشترط كون الأرض للمسلمين ولكن سكنوا فيها بخراج ، فهذا يسقط بالإسلام فإنه جزية . وأما البلاد التي فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين وثبتت في أيديهم ، وكذا التي أسلم أهلها عليها ، والأرض التي أحياها المسلمون ، فكلها عشرية ، وأخذ الخراج منها ظلم .
قال : وأما النواحي التي يؤخذ منها الخراج ولا يعرف كيف حالها في الأصل فحكى nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه أنه يستدام [ ص: 479 ] الأخذ منها ، فإنه يجوز أن يكون الذي فتحها صنع بها كما صنع nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه بسواد العراق ، والظاهر أن ما جرى طول الدهر جرى بحق فإن قيل : هل يثبت حكم أرض السواد من امتناع البيع والرهن ؟ قيل : يجوز أن يقال : الظاهر في الأخذ كونه حقا وفي الأيدي الملك ، فلا يترك واحدا من الظاهرين إلا بيقين ، واتفق الأصحاب على أن الخراج المأخوذ ظلما لا يقوم مقام العشر ، فإن أخذه السلطان على أن يكون بدل العشر فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد ، وفي سقوط الفرض به خلاف سبق في آخر باب الخلطة الصحيح السقوط ، وبه قطع المتولي وآخرون . فعلى هذا إن لم يبلغ قدر العشر أخرج الباقي ، والله أعلم .
( 6 فرع ) : في مذاهب العلماء في اجتماع العشر والخراج مذهبنا اجتماعهما ، ولا يمنع أحدهما وجوب الآخر . وبه قال جمهور العلماء . قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : هو قول أكثر العلماء ، ممن قال به nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة والزهري nindex.php?page=showalam&ids=17314ويحيى الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح nindex.php?page=showalam&ids=16330وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا يجب العشر مع الخراج .
واحتج بحديث يروى عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود مرفوع : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=31298لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم } وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { nindex.php?page=hadith&LINKID=37654منعت العراق قفيزها ودرهمها } ، " ولما روي أن دهقان بهر الملك لما أسلم . قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه : سلموا إليه الأرض وخذوا منه الخراج ، فأمر بأخذ الخراج ولم يأمر بأخذ العشر ، ولو كان واجبا لأمر به ; ولأن الخراج يجب بالمعنى الذي يجب به العشر ، وهو منفعة الأرض ، ولهذا لو كانت الأرض سبخة لا منفعة لها لم يجب فيها خراج ولا عشر فلم يجز إيجابهما معا ، كما إذا ملك نصابا من السائمة للتجارة سنة ، فإنه لا يلزمه زكاتان ; ولأن الخراج يجب بسبب الشرك ، والعشر بسبب الإسلام فلم يجتمعا . واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=25263 : فيما سقت السماء العشر } وهو صحيح كما سبق بيانه في باب زكاة الثمار ، وهو عام يتناول [ ص: 480 ] ما في أرض الخراج وغيره . واحتجوا بالقياس الذي ذكره المصنف وبالقياس على المعادن ; ولأنهما حقان يجبان بسببين مختلفين لمستحقين ، فلم يمنع أحدهما الآخر كما لو قتل المحرم صيدا مملوكا ; ولأن العشر وجب بالنص فلا يمنعه الخراج الواجب بالاجتهاد . وأما الجواب عن حديث : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=31298لا يجتمع عشر وخراج } " فهو أنه حديث باطل مجمع على ضعفه ، انفرد به يحيى بن عنبسة عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي رحمه الله تعالى في معرفة السنن والآثار : هذا المذكور إنما يرويه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم من قوله فرواه يحيى بن عنبسة هكذا مرفوعا . ويحيى بن عنبسة مكشوف الأمر في الضعف لروايته عن الثقات الموضوعات . قاله أبو أحمد بن عدي الحافظ فيما أخبرنا به أبو سعيد الماليني عنه . هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وكلام الباقين بمعناه .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " منعت العراق " ففيه تأويلان مشهوران في كتب العلماء المتقدمين والمتأخرين ( أحدهما ) : معناه أنهم سيسلمون وتسقط عنهم الجزية ، ( والثاني ) : أنه إشارة إلى الفتن الكائنة في آخر الزمان حتى يمنعوا الحقوق الواجبة عليهم من زكاة وجزية وغيرهما ، ولو كان معنى الحديث ما زعموه للزم أن لا تجب زكاة الدراهم والدنانير والتجارة . وهذا لا يقول به أحد . وأما قصة الدهقان فمعناها خذوا منه الخراج ; لأنه أخره فلا يسقط بإسلامه ولا يلزم من ذلك سقوط العشر وإنما ذكر الخراج ; لأنهم ربما توهموا سقوطه بالإسلام كالجزية . وأما العشر ، فمعلوم لهم وجوبه على كل حر مسلم ، فلم يحتج إلى ذكره ، كما أنه لم يذكر أخذ زكاة الماشية منه ، وكذا زكاة النقد وغيرها ، وكذا لم يذكر إلزامه بالصلاة والصيام وغيرهما من أحكام الإسلام . وأجاب صاحب الحاوي أيضا بأنه يجوز أن يكون خطاب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لمتولي الخراج الذي لا ولاية له على الأعشار ، أو أنه لم يكن وقت أخذ العشر ، أو أنه لم يكن له ما يجب فيه عشر . وأما قولهم : يجب العشر بالمعنى الذي يجب به الخراج ، فليس كذلك ; لأن العشر يجب في نفس الزرع والخراج يجب عن الأرض ، سواء زرعها أم أهملها . وأما قولهم : الخراج يجب بسبب [ ص: 481 ] الشرك فليس كذلك وإنما تجب أجرة الأرض سواء كان في يد مسلم أو كافر ; ولأن هذا فاسد على مذهبهم فإن عندهم يجب العشر على الذمي ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) : إذا كان لمسلم أرض لا خراج عليها وعليه العشر فباعها الذمي فمذهبنا أنه ليس على الذمي فيها خراج ولا عشر قال العبدري : وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : عليه الخراج : وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : عليه عشران وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : عشر واحد . وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : لا يصح البيع حتى لا تخلو الأرض من عشر أو خراج . دليلنا أنها أرض لا خراج عليها ، فلا يتجدد عليها خراج ، كما لو باعها لمسلم ، وينتقض مذهب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك بما إذا باع الماشية لذمي ، والله أعلم .
( فرع ) : وإذا أجر أرضه ، فمذهبنا أن عشر زرعها على المستأجر الزارع وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يجب على صاحب الأرض ، ولو استعار أرضا فزرعها فعشر الزرع على المستعير عندنا ، وعند العلماء كافة ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة روايتان أشهرهما هكذا ، والثانية رواها عنه nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك أنه على المعير ، وهذا عجب .
( فرع ) : في مسائل تتعلق ببابي زكاة الثمار والزروع ، ( إحداها ) : لا يجب العشر عندنا في ثمار الذمي والمكاتب وزرعهما ، وأوجبه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في زرع الذمي وثمره لعموم الحديث : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فيما سقت السماء العشر } ; ولأنه حق يجب لمنفعة الأرض ، فاستوى المسلم والكافر فيه كالخراج ، واحتج أصحابنا أن العشر زكاة للحديث السابق في الكرم ، يخرص كما يخرص النخل ، ثم تؤدى زكاته زبيبا ، كما تؤدى زكاة النخل تمرا ، وإذا كان زكاة ، فلا يجب على الذمي كسائر الزكوات ، أو يقال حق يصرف إلى أهل الزكوات ، فلم يجب على الذمي كسائر الزكوات . وأما الحديث فمخصوص بما ذكرناه ، وأما القياس المذكور فليس كما قالوه . بل حق العشر متعلق بالزرع على سبيل الطهرة للمزكي .
( الثانية ) : قال أصحابنا : إذا وجب العشر في الزروع والثمار لم يجب فيها بعد ذلك شيء . وإن بقيت يد مالكها سنين . هذا مذهبنا . قال الماوردي وبه قال جميع الفقهاء إلا nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، فقال : على مالكها العشر [ ص: 482 ] في كل سنة كالماشية والدراهم والدنانير . قال الماوردي : وهذا خلاف الإجماع ; ولأن الله تعالى علق وجوب الزكاة بحصاده ، والحصاد لا يتكرر ، فلم يتكرر العشر ; ولأن الزكاة إنما تتكرر في الأموال النامية . وما ادخر من زرع وثمر ، فهو منقطع النماء متعرض للنفاد . فلم تجب فيه زكاة كالأثاث والماشية ، فإنها مرصدة للنماء والله تعالى أعلم .
( الثالثة ) : قال صاحب الحاوي : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه نهى عن جذاذ الليل } " وهو صرام النخل ليلا . فيستحب أن يكون الصرام نهارا ليسأله الناس من ثمرها فيستحب ذلك فيما وجبت زكاته وفيما لا زكاة فيه أيضا ، قال : وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي أيضا أن الصدقة من المال وقت الصرام والحصاد واجبة لقوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } ومذهبنا ومذهب سائر العلماء أنه لا يجب ذلك ; لأن الأصل عدم الوجوب ، والآية المذكورة المراد بها الزكاة والله أعلم .
( فرع ) : روينا في سنن أبي داود في أواخر كتاب الزكاة عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=2063أمر من كل جاذ عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد } " وفي إسناده nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق وهو مدلس ، وقد قال : ( عن ) فيكون ضعيفا قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : معنى جاذ عشرة أوسق أي ما يجذ منه عشرة أوسق ، والقنو الغصن بما عليه من الرطب أو البسر ليأكله المساكين ، قال : وهذا من صدقة التطوع وليس بواجب .
( الرابعة ) : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى : إذا أراد الساعي أخذ العشر كيل لرب المال تسعة ، ثم يأخذ الساعي العاشر ، فإن كان الواجب نصف العشر كيل لرب المال تسعة عشر ، ثم للساعي واحد ، فإن كان ثلاثة أرباع العشر كيل للمالك سبعة وثلاثين ، وللساعي ثلاثة ، وإنما بدأ للمالك ; لأن حقه أكثر وبه يعرف حق المساكين ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم ، والأصحاب : ولا يهز المكيال ولا يزلزل ولا توضع اليد فوقه ولا يمسح ; لأن ذلك يختلف ، بل يصب فيه ما يحتمله ، ثم يفرغ والله تعالى أعلم .
( الخامسة ) : ثمار البستان وغلة الأرض الموقوفين ، إن كانت على جهة عامة كالمساجد والقناطر والمدارس والربط والفقراء والمجاهدين والغرباء واليتامى [ ص: 483 ] والأرامل وغير ذلك ، فلا زكاة فيها . هذا هو الصحيح المشهور من نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه وبه قطع الأصحاب ، وقد سبقت هذه المسألة في جميع الطرق ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : يجب فيها العشر . وهذا النقل غريب ، وقد سبقت هذه المسألة في أول باب صدقة المواشي ، وذكرنا هناك أن الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=13910أبا نصر قال : هذا النص غير معروف عند الأصحاب . وإن كانت موقوفة على إنسان معين أو جماعة معينين ، أو على أولاد زيد مثلا وجب العشر بلا خلاف ; لأنهم يملكون الثمار والغلة ملكا تاما ، ويتصرفون فيه جميع أنواع التصرف . قال أصحابنا : فإن بلغ نصيب كل إنسان نصابا وجب عشره بلا خلاف وإن نقص ، وبلغ نصيب جميعهم نصابا ، ووجدت شروط الخلطة بني على صحة الخلطة في الثمار والزروع ، ( الصحيح ) : صحتها وثبوت حكمها ، فيجب العشر ، ( والثاني ) : لا تصح ولا عشر ، والله تعالى أعلم .
( السادس ) : قد سبق في باب زكاة الثمار أن مؤنة الحصاد والحراثة والدياس والتصفية وجذاذ الثمار وتجفيفها وغير ذلك من مؤن الثمر والزرع يجب على رب المال في خالص ماله ، ولا يحسب من أصل المال الزكوي ، بل يجب عشر الجميع ، وسبقت هناك فروع فيه . قال الدارمي : فلو كان على الأرض خراج هو عشر زرعها أخذ من كل عشرة أوسق وسقان ، وسق للعشر يصرف إلى أهل الزكوات ، ووسق للخراج يصرف في مصارف الخراج ، قال : لأن ما أداه في الخراج حصل مالا له ، وقد صرفه في حق عليه فهو كما أوفاه في دين فوجب عشر الجميع .
( السابعة ) : إذا كان على الأرض خراج فأجرها فالمشهور أن الخراج على مالك الأرض ، ولا شيء على المستأجر ، هذا هو المذهب المعروف في كتب الأصحاب ، وذكر الدارمي في آخر هذا الباب فيه ثلاثة أوجه : ( أحدها ) : أنه على مالك الأرض ، فلو شرطه على الزارع فسد العقد ، ( والثاني ) : أنه على الزارع فلو شرطه على المؤجر بطل العقد ، ( والثالث ) : على ما يشترطان ، وهذا الذي نقله شاذ مردود .
( الثامنة ) : قد سبق في باب الخلطة خلاف في ثبوتها في الزرع والثمار ، وحاصله ثلاثة أقوال ( أصحها ) : تثبت خلطة الشيوع وخلطة الجوار جميعا [ ص: 484 ] والثاني ) لا تثبتان ، ( والثالث ) : تثبت خلطة الشيوع دون الجوار . قال أصحابنا : فإن قلنا : لا تثبتان ، لم يكمل ملك إنسان بملك غيره في إتمام النصاب ، وإن أثبتناهما كمل بملك الشريك والجار ، ولو مات إنسان وخلف نخيلا مثمرة أو غير مثمرة ، وبدا الصلاح في الحالين في ملك الورثة ، فإن قلنا لا تثبت الخلطة ، فحكم كل واحد معتبر على انفراده ، منقطع عن شركائه ، فمن بلغ نصيبه نصابا زكاه ومن لم يبلغ نصيبه نصابا ، فلا زكاة عليه ، وسواء اقتسموا أم لا ، وإن قلنا : تثبت الخلطة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في المختصر : إن اقتسموا قبل بدو الصلاح زكوا زكاة الانفراد ، فمن بلغ نصيبه نصابا زكاه ، ومن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا زكاة ، قال أصحابنا : هذا إذا لم تثبت خلطة الجوار أو أثبتناها وكانت متباعدة أو فقد بعض شروطها ، فأما إذا كانت مجاورة ووجدت الشروط وأثبتنا خلطة الجوار فيزكون زكاة الخلطة كما قبل القسمة . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : وإن اقتسموا بعد بدو الصلاح زكوا زكاة الخلطة لاشتراكهم حالة الوجوب وعليه اعتراضان ( أحدهما ) : اعترض به nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني في المختصر فقال : القسمة بيع ، وبيع الربوي بعضه ببعض جزافا لا يجوز عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بحال ، وأجاب الأصحاب عن اعتراضه ، فقالوا : قد احترز nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه عن هذا الاعتراض ، فقال في الأم وفي الجامع الكبير : ( إن اقتسموا قسمة صحيحة ) قال إمام الحرمين قال الأصحاب : نبه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بهذا النص على أن المراد أن يتفاضلا مفاضلة صحيحة .
قال الأصحاب : ويتصور ذلك من وجوه ، ذكر إمام الحرمين منها وجهين . وذكر صاحب الحاوي والرافعي وآخرون ستة وبعضهم خمسة . وذكر الدارمي في الاستذكار عن الأصحاب أربعة عشر وجها لتصويرها ، ومختصر ما ذكره الدارمي في مجموع كلامهم مع تداخله أن يقال : يتصور من أربعة عشر وجها كما ذكره الدارمي ( أحدها ) : أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه فرعه على قوله : القسمة إفراز لا على أنها بيع وحينئذ لا حجر في القسمة . ( الثاني ) : إذا قلنا : القسمة بيع ، فصورته أن يكون بعض النخل مثمرا وبعضها غير مثمر ، فجعل هذا سهما وذاك سهما . ويقسمه قسمة تعديل ، فيكون بيع نخل ورطب بنخل متمحض ، وذلك جائز بالاتفاق . [ ص: 485 ] الثالث ) : أن تكون التركة نخلتين والورثة شخصين اشترى أحدهما نصيب صاحبه من إحدى النخلتين أصلها وثمرها بدينار وباع نصيبه من الأخرى لصاحبه بدينار وتقاصا قال الرافعي : قال الأصحاب : ولا يحتاج إلى شرط القطع ، وإن كان قبل بدو الصلاح ; لأن المبيع جزء شائع من الثمرة والشجرة معا ، فصار كما لو باعها كلها بثمرتها صفقة واحدة ، وإنما يحتاج إلى شرط القطع إذا أفرد الثمرة بالبيع .
( والرابع ) : أن يبيع كل واحد نصيبه من ثمرة إحدى النخلتين بنصيب صاحبه من جذعها ، فيجوز بعد الصلاح ، ولا يكون ربا ولا يجوز قبله إلا بشرط ; لأنه بيع ثمرة يكون للمشتري على جذع البائع .
( الخامس ) : أن يكون بعض التركة نخلا ، وبعضها عروضا ، فيبيع أحدهما حصته من النخل والثمر بحصة صاحبه من العروض ، فيصير لأحدهما جميع النخل وللآخر جميع العروض ، قال صاحب الحاوي : وهذه الأوجه الأربعة ليست مقنعة ; لأنها بيع جنس بغيره ، وليس قسمة جنس واحد ، ولكن ذكرها أصحابنا فذكرناها .
( السادس ) : جواب لبعض الأصحاب قال : قسمة الثمار بالخرص تجوز على أحد القولين ، ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه مفرع عليه ، وهذا الجواب ذكره الدارمي وغيره ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الصرف : على جواز قسمة الرطب على النخل بالخرص . قال الرافعي رحمه الله تعالى : وهذا يدفع إشكال بيع الجزاف ، ولا يدفع إشكال بيع الرطب بالرطب . " قلت : " نصه على جوازه يدل على المسامحة بهذا النوع من البيع ، ولنا وجه معروف في جواز بيع الرطب بالرطب على رءوس النخل للأجانب ، فهو في حق المتقاسمين أولى بالجواز .
( السابع ) : ذكره الدارمي ، قال : حكى nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد جواز قسمة النخل المثمر ، ولا حكم للثمر ; لأنه تابع ، ثم ذكر الدارمي بقية الأربعة عشر . وفي بعضها نظر وتداخل والله تعالى أعلم .
( الاعتراض الثاني ) : قال أصحابنا العراقيون : جواز القسمة قبل إخراج الزكاة هو بناء على وجوبها في الذمة ، [ ص: 486 ] فأما إن قلنا : إن الزكاة تتعلق ، فلا تصح القسمة . قال الرافعي ويمكن تصحيح القسمة مع التفريع على قول العين ، بأن يخرص الثمار عليهم ويضمنوا حق المساكين ، فلهم التصرف بعد ذلك . وأيضا فإنا قدمنا في صحة البيع قولين تفريعا على التعليق بالعين ، هكذا القسمة إن قلنا : إنها بيع . وإن قلنا : إفراز فلا منع . هذا كله إذا لم يكن على الميت دين ، فإن مات وعليه دين وله نخيل مثمرة ، فبدأ الصلاح فيها بعد موته وقبل بيعها ، فالمذهب وبه قطع الجمهور وجوب الزكاة على الورثة ; لأنها ملكهم ما لم تبع في الدين بناء على المذهب ، والمنصوص أن الدين لا يمنع انتقال الملك بالإرث ، وقيل في وجوب الزكاة قولان ( أصحهما ) : هذا ، ( والثاني ) : لا زكاة لعدم استقرار الملك في الحال . قال الرافعي : ويمكن بناء على الخلاف على أن الدين هل يمنع الإرث أم لا ؟ فعلى المذهب حكمهم في كونهم يزكون زكاة خلطة أم انفراد ؟ على ما سبق إذا لم يكن دين ، ثم إن كانوا موسرين أخذت الزكاة منهم وصرفت النخيل والثمار إلى ديون الغرماء . وإن كانوا معسرين فطريقان : ( أحدهما ) : أنه على الخلاف في أن الزكاة تتعلق بالعين أم بالذمة ؟ إن قلنا بالذمة ، والمال مرهون بها خرج على الأقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي . فإن سوينا وزعنا المال على الزكاة وحق الغرماء . وإن قدمنا قدمنا ما يقال بتقديمه . وإن قلنا : تتعلق بالعين أخذت سواء قلنا تتعلق تعلق الأرش أو تعلق الشركة .
( والطريق الثاني ) : وهو الأصح تؤخذ الزكاة بكل حال لشدة تعلقها بالمال ، ثم إذا أخذت من العين ولم يف الباقي بالدين غرم الورثة قدر الزكاة لغرماء الميت إذا أيسروا ; لأن الزكاة إنما وجبت عليهم ، وبسبب وجوبها خرج ذلك القدر عن الغرماء . قال البغوي : هذا إذا قلنا الزكاة تتعلق بالذمة ، فإن قلنا بالعين لم يغرموا كما قلنا في الرهن . أما إذا أطلعت النخل بعد موته فالثمرة متمحضة للورثة لا يصرف إلى دين الغرماء منها شيء إلا إذا قلنا بالضعيف ، وهو قول الإصطخري : إن الدين يمنع الإرث ، فحكمها كما لو حدثت قبل موته والله أعلم .
( العاشرة ) : لا يجب في الزرع حق غير الزكاة . وهي المراد بقوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء . وقال الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي في رواية عنه يجب فيه حق سوى الزكاة . وهو أن يخرج شيئا إلى المساكين يوم حصاده ، ثم يزكيه يوم التصفية . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد إذا حصد الزرع ألقى لهم من السنابل وإذا جذ النخل ألقى لهم من الشماريخ ، ثم يزكيهما إذا كالهما . دليلنا قوله في الحديث الصحيح في الزكاة : " هل علي غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع " .