قال المصنف رحمه الله تعالى ( باب زكاة الذهب والفضة : تجب الزكاة في الذهب والفضة ، لقوله عز وجل { : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } ; ولأن الذهب والفضة معد للنماء فهو كالإبل والبقر السائمة ولا تجب فيما سواهما من الجواهر كالياقوت والفيروزج واللؤلؤ والمرجان ; لأن ذلك معد للاستعمال ، فهو كالإبل والبقر العوامل ولا تجب فيما دون النصاب من الذهب والفضة . ونصاب الذهب عشرون مثقالا ; لما روى nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=42360ولا يجب في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شيء } ونصاب الفضة مائتا درهم والدليل عليه ما روى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=9724إذا بلغ مال أحدكم خمس أواق : مائتي درهم ففيه خمسة دراهم } والاعتبار بالمثقال الذي كان بمكة ، ودراهم الإسلام التي [ كل عشرة بوزن سبعة مثاقيل ] ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 488 ] قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=15286الميزان ميزان أهل مكة ، والمكيال مكيال أهل المدينة } ولا يضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب ; لأنهما جنسان فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالإبل والبقر وزكاتهما ربع العشر نصف مثقال عن عشرين مثقالا من الذهب ، وخمسة دراهم عن مائتي درهم . والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في كتاب الصدقات " { nindex.php?page=hadith&LINKID=25048في الرقة ربع العشر } وروى عاصم بن جمرة عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أنه قال : " ليس في أقل من عشرين دينارا شيء ، وفي عشرين نصف دينار " ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه ; لأنه يتجزأ من غير ضرر ، فوجب فيما زاد بحسابه . ويجب في الجيد الجيد وفي الرديء الرديء ، فإن كانت أنواعا قليلة وجب في كل نوع بقسطه وإن كثرت الأنواع أخرج من الوسط كما قلنا في الثمار وإن كان له ذهب مغشوش أو فضة مغشوشة - فإن كان الذهب والفضة فيه قدر الزكاة وجبت الزكاة ، وإن لم تبلغ لم تجب ، وإن لم يعرف قدر ما فيه من الذهب والفضة ، فهو بالخيار ، إن شاء شبك ليعرف الواجب فيخرجه ، وإن شاء أخرج واستظهر ليسقط الفرض بيقين ) .
( الشرح ) : أما حديث ( { nindex.php?page=hadith&LINKID=25048في الرقة ربع العشر } ) فصحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من رواية nindex.php?page=showalam&ids=9أنس وسبق بيانه بطوله في أول باب صدقة الإبل . والرقة بتخفيف القاف وكسر الراء هي الورق وهو كل الفضة . وقيل الدراهم خاصة . وأما قول صاحب البيان قال أصحابنا : الرقة هي الذهب والفضة ، فغلط فاحش . ولم يقل أصحابنا ولا أهل اللغة ولا غيرهم : إن الرقة تطلق على الذهب ، بل هي الورق . وفيه الخلاف الذي ذكرته ، وأصلها ورقة بكسر الواو كالزنة من الوزن . وأما حديث " { nindex.php?page=hadith&LINKID=15286الميزان ميزان أهل مكة } إلى آخره ، فرواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي بأسانيد صحيحة على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما . قال أبو داود : وروي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما . ذكره أبو داود في كتاب البيوع ، nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي في الزكاة . وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=16274عاصم عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه فرواه أبو داود وغيره بإسناد حسن أو صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي عن النبي صلى الله عليه وسلم وينكر على المصنف كونه وقفه على nindex.php?page=showalam&ids=8علي وهو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
( أما ألفاظ الفصل ) فاللؤلؤ فيه أربع لغات قرئ بهن في السبع لؤلؤ بهمزتين ولولو بغير همز ، وبهمز أوله دون ثانيه وعكسه . قال جمهور أهل اللغة : اللؤلؤ الكبار والمرجان الصغار ، وقيل عكسه . قوله " ودراهم الإسلام التي كل وزن عشرة سبعة مثاقيل " هكذا وقع في بعض النسخ وهو الصواب . وكذا ذكره المصنف في كتاب الإقرار ، وسائر الأصحاب ، وسائر العلماء من جميع الطوائف ولا خلاف فيه . ووقع في أكثر نسخ المهذب هنا كل أوقية سبعة مثاقيل ، وهكذا نقله صاحب البيان فيه وفي مشكلات المهذب عن المهذب . وهو غلط صريح والصواب الأول ، ولعله صحف في نسخة وشاعت والله تعالى أعلم . وقوله " : لأنه يتجزأ من غير ضرر " احتراز من الماشية . وقوله " في الرديء الرديء " هو مهموز .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل : ( إحداها ) تجب الزكاة في الذهب والفضة بالإجماع ، ودليل المسألة النصوص والإجماع وسواء فيهما المسكوك والتبر والحجارة منهما والسبائك وغيرها من جنسها ، إلا الحلي المباح على أصح القولين ، كما سنوضحه إن شاء الله تعالى .
( الثانية ) : لا زكاة فيما سوى الذهب والفضة من الجواهر كالياقوت والفيروزج واللؤلؤ والمرجان والزمرد والزبرجد والحديد والصفر وسائر النحاس والزجاج ، وإن حسنت صنعها وكثرت قيمتها ، ولا زكاة أيضا في المسك والعنبر قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في المختصر : ولا في حلية بحر . قال أصحابنا : معناه كل ما يستخرج منه فلا زكاة فيه ، ولا خلاف في شيء من [ ص: 490 ] هذا عندنا ، وبه قال جماهير العلماء من السلف وغيرهم . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز والزهري nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه أنهم قالوا : يجب الخمس في العنبر ، قال الزهري : وكذلك اللؤلؤ ، وحكى أصحابنا عن عبد الله بن الحسن العنبري أنه قال : يجب الخمس في كل ما يخرج من البحر سوى السمك .
وحكى العنبري وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد روايتين ( إحداهما ) : كمذهب الجماهير ، ( والثانية ) : أنه أوجب الزكاة في كل ما ذكرنا إذ بلغت قيمته نصابا حتى في المسك والسمك . ودليلنا الأصل أن لا زكاة إلا فيما ثبت الشرع فيه ، وصح عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره البحر ، وهو بدال وسين مهملتين مفتوحتين أي قذفه ودفعه ، فهذا الذي ذكرناه هو المعتمد في دليل المسألة ، وأما الحديث المروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=30770لا زكاة في حجر } " فضعيف جدا ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وبين ضعفه .
( الثالثة ) لا زكاة في الذهب حتى يبلغ نصابا ، ونصاب الذهب عشرون مثقالا ، ونصاب الفضة مائتا درهم ، وهي خمس أواق بوقية الحجاز والاعتبار بوزن مكة ، فأما المثقال فلم يختلف في جاهلية ولا إسلام وقدره معروف ، والدراهم المراد بها دراهم الإسلام وهي التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل ، وسأفرد بعد هذا الفصل إن شاء الله تعالى فصلا نفيسا أذكر فيه أقاويل العلماء في حال الدينار والدرهم وقدرهما وما يتعلق بتحقيقيهما . قال أصحابنا : فلو نقص عن النصاب حبة أو بعض حبة ، فلا زكاة بلا خلاف عندنا ، وإن راج رواج الوازنة وزاد عليه لجودة نوعه ، هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : إن نقصت المائتان من الفضة حبة وحبتين ونحوهما مما يتسامح به ويروج رواج الوازنة وجبت الزكاة ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد نحوه ، وعنه إن نقصت دانقا أو دانقين وجبت الزكاة ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك رواية أنها [ ص: 491 ] إذا نقصت ثلاثة دراهم وجبت الزكاة ، واحتج لهما بأنها كالمائتين في المعاملة واحتج أصحابنا والجمهور بالحديث السابق في الباب " { nindex.php?page=hadith&LINKID=33920ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة } والأوقية أربعون درهما ، وهذا دون ذلك حقيقة ، وإنما يسامح به صاحبه إذا نقص تبرعا ، فلو طالب بنقصان الحبة كان له ذلك ، ووجب دفعها إليه والله أعلم .
( فرع ) : لو نقص نصاب الذهب أو الفضة حبة ونحوها في بعض الموازين ، وكان تاما في بعضها فوجهان حكاهما إمام الحرمين والرافعي ، ( أصحهما ) : وبه قطع المحاملي والماوردي والبندنيجي وآخرون : لا تجب للشك في بلوغ النصاب ، والأصل عدم الوجوب وعدم النصاب ، ( والثاني ) : تجب ، وهو قول الصيدلاني ، حكاه عنه إمام الحرمين ، وغلطه فيه وشنع عليه ، وبالغ في الشناعة وقال : الصواب لا تجب للشك في النصاب .
( الرابعة ) : لا يضم الذهب إلى الفضة ، ولا هي إليه في إتمام النصاب بلا خلاف كما لا يضم التمر إلى الزبيب ، ويكمل النوع من أحدهما بالنوع الآخر ، والجيد بالرديء والمراد بالجودة النعومة ، والصبر على الضرب ونحوهما وبالرداءة الخشونة ، والتفتت عند الضرب ونحوهما ، والله تعالى أعلم .
( الخامسة ) : واجب الذهب والفضة ربع العشر ، سواء كان نصابا فقط ، أم زاد زيادة قليلة أم كثيرة ، ودليله في الكتاب .
( السادسة ) : يشترط لوجوب زكاتهما أن يملكهما حولا كاملا بلا خلاف ، فلو ملك عشرين مثقالا معظم السنة ، ثم نقصت ولو نقصانا يسيرا ، ثم تمت بعد ساعة انقطع الحول الأول ، ولا زكاة حتى يمضي عليها حول كامل ، من حين تمت نصابا ، وهذا لا خلاف فيه ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه واتفق عليه الأصحاب ، وقد أخل المصنف بذكر اشتراط الحول هنا ، وإن كان قد ذكره في التنبيه .
( السابعة ) : إذا كان الذهب أو الفضة الذي وجبت فيه الزكاة كله جيدا أخرج جيدا منه ، أو من غيره ، فإن أخرج دونه معيبا أو رديئا أو مغشوشا لم يجزئه ، هكذا قطع به الأصحاب في كل الطرق ، وحكى الرافعي عن الصيدلاني أنه يجوز قال : وهو غلط ، وحكاه عنه إمام الحرمين فيما إذا كان البعض جيدا [ ص: 492 ] والبعض رديئا فأخرج عن الجميع رديئا ، قال الصيدلاني : يجزيه مع الكراهة ، قال الإمام : وهذا عندي خطأ محض صريح إذا اختلفت القيمة ، فالصواب ما سبق أنه لا يجزيه بلا خلاف ، وهل له استرجاع المعيب والرديء والمغشوش ؟ فيه وجهان أو قولان مشهوران ، محكيان في الحاوي والشامل والمستظهري والبيان وغيرهم عن ابن سريج ، ( أحدهما ) : ليس له الرجوع ; ويكون متطوعا ; لأنه أخرج المعيب في حق الله تعالى ، فلم يكن له استرجاعه ، كما لو لزمه عتق رقبة سليمة فأعتق معيبة ، فإنها تعتق ولا تجزيه ; ولا رجوع له بلا خلاف ، ( والثاني ) له الرجوع وهو الصحيح باتفاق الأصحاب ; لأنه لم يجزئه عن الزكاة ، فجاز له الرجوع كما لو عجل الزكاة فتلف ماله قبل الحول ، قال صاحب الشامل : وهذا ينبغي أن يكون إذا بين عند الدفع كونها زكاة هذا المال بعينه ، فإن أطلق لم يتوجه الرجوع ، وجزم صاحب المستظهري بهذا الوجه الذي ذكره صاحب الشامل ، فإن قلنا بالصحيح : إن له استرجاعها فإن كانت باقية أخذها ، فإن استهلكها المساكين أخرج التفاوت . قال ابن سريج : وكيفية معرفة ذلك أن يقوم المخرج بجنس آخر ، فيعرف التفاوت ، مثاله معه مائتا درهم جيدة ، فأخرج عنها خمسة معيبة ، فقومنا الخمسة الجيدة بذهب ، فساوت نصف دينار ، وساوت المعيبة خمسي دينار ، فعلمنا أنه بقي عليه درهم جيد . هذا كله إذا كان كل ماله جيدا ، فإن كان كله رديئا كفاه الإخراج من نفسه أو من رديء مثله ، وهذا لا خلاف فيه ، وإن تبرع ، فأخرج أجود منه أجزأه وكان خيرا وأفضل ، وإن كانت الفضة أو الذهب أنواعا بعضها جيد وبعضها رديء أو بعضها أجود من بعض .
فإن قلت الأنواع وجب من كل نوع بقسطه وإن كثرت وشق اعتبار الجميع أخرج من أوسطها لا من الأجود ولا من الأردأ ، كما سبق في الثمار . ويجوز إخراج الصحيح عن المكسور ، وقد زاد خيرا ، ولا يجوز عكسه . بل إذا لزمه دينار جمع المستحقين وسلمه إليهم كلهم بأن يسلمه إلى واحد بإذن الباقين ، وإن وجب نصف دينار وسلم إليهم دينارا كاملا نصفه عن الزكاة ونصفه يبقى له معهم أمانة ، فإذا تسلموه برئت ذمته من الزكاة ، ثم يتفاصل هو وهم في الدينار بأن يبيعوه لأجنبي ، ويتقاسموا ثمنه أو يشتروا منه نصيبه أو يشتري نصيبهم لكن يكره له شرى صدقته [ ص: 493 ] ممن تصدق عليه ، سواء الزكاة وصدقة التطوع . كما سنوضحه في آخر قسم الصدقات إن شاء الله تعالى ، وهذا الذي ذكرناه من أنه لا يجزئ المكسر عن الصحيح هو المذهب وبه قطع جمهور الأصحاب . قال الرافعي : وحكي ( وجه ثان ) أنه يجوز أن يصرف إلى كل مسكين حصته مكسرا ( ووجه ثالث ) : أنه يجوز ذلك لكن مع التفاوت بين الصحيح والمكسر ، ( ووجه رابع ) : أنه يجوز إذا لم يكن بين الصحيح والمكسر فرق في المعاملة والصواب الأول .
( الثامنة ) : إذا كان له ذهب أو فضة مغشوشة ، فلا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا ، هكذا نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه والمصنف وجميع الأصحاب في كل الطرق إلا السرخسي ، فقال في الأمالي : لا تجب الزكاة في مائتين من الفضة المغشوشة ، ومتى تجب ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) : إذا بلغت قدرا تكون الفضة الخالصة فيها مائتين ، ولا تجب فيما دون ذلك ، ( والثاني ) : إذا بلغت قدرا لو ضمت إليه قيمة الغش من النحاس أو غيره لبلغ نصابا تجب ، وهذا الوجه الذي انفرد به السرخسي غلط مردود بقوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=33922وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة } " والله أعلم .
ولو كان معه ألف درهم مغشوشة . فأخرج عنها خمسة وعشرين خالصة قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى : أجزأه وقد زاد خيرا ، وهو متطوع بالزيادة ، ولو أخرج على مائتين خالصة خمسة مغشوشة فقد سبق في المسألة السابعة أنه لا يجزيه وأن له استردادها على الصحيح ، ولو أخرج عن الألف المغشوشة مغشوشة يعلم أن فيها من الفضة ربع العشر أجزأه ، بأن كان الغش فيها سواء ، فأخرج منها خمسة وعشرين ، فإن جهل قدر الفضة فيها مع علمه ببلوغها نصابا ، فهو بالخيار بين أن يسبكها ويخرج ربع عشر خالصها ، وبين أن يحتاط ويخرج ما يتيقن أنه فيه ربع عشر خالصها ، فإن سبكها ففي مؤنة السبك وجهان حكاهما صاحب الحاوي والمستظهري ( الصحيح ) منهما أنها على المالك ; لأنها للتمكن من الأداء ، فكانت على المالك كمؤنة الحصاد ، ( والثاني ) : تكون من المسبوك ; لأنه لتخليص المشترك . قال أصحابنا : ومتى ادعى رب المال أن قدر الخالص في المغشوش كذا [ ص: 494 ] وكذا ، فالقول قوله ، فإن اتهمه الساعي حلفه استحبابا بلا خلاف ; لأن قوله لا يخالف الظاهر ، قال البندنيجي : فإن قال رب المال : لا أعلم قدر الفضة علما لكني اجتهدت فأدى اجتهادي إلى كذا لم يكن للساعي أن يقبل منه حتى يشهد به شاهدان من أهل الخبرة بذلك .
( فرع ) : لو كان له إناء من ذهب وفضة وزنه ألف ، من أحدهما ستمائة ومن الآخر أربعمائة ولا يعرف أيهما الذهب ، قال أصحابنا : إن احتاط فزكى ستمائة ذهبا وستمائة فضة أجزأه ، فإن لم يحتط ، فطريقه أن يميزه بالنار ، قال أصحابنا الخراسانيون : ويقوم مقام النار الامتحان بالماء بأن يوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص في ماء ، ويعلم على الموضع الذي يرتفع إليه الماء ، ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة الخالصة ، ويعلم على موضع الارتفاع ، وهذا يقع فوق الأولى ; لأن أجزاء الذهب أكثر اكتنازا ، ثم يوضع فيه المخلوط وينظر ارتفاع الماء به ، أهو إلى علامة الذهب أقرب أم إلى علامة الفضة ؟ ويزكى كذلك ولو غلب على ظنه الأكثر منهما . قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والعراقيون : إن كان يخرج الزكاة بنفسه فله اعتماد ظنه وإن دفعه إلى الساعي لم يقبل ظنه ، بل يلزمه الاحتياط أو التمييز . وقال إمام الحرمين : الذي قطع به أئمتنا أنه لا يجوز اعتماد ظنه ، قال : ويحتمل أن يجوز الأخذ مما شاء من التقديرين ; لأن اشتغال ذمته بغير ذلك مشكوك فيه ، وجعل الغزالي في الوسيط هذا الاحتمال وجها .
( فرع ) : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب رحمهم الله : يكره للإمام ضرب الدراهم المغشوشة ، للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=30986من غشنا فليس منا } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ولأن فيه إفسادا للنقود وإضرارا بذوي الحقوق وغلاء الأسعار ، وانقطاع الأجلاب ، وغير ذلك من المفاسد . قال أصحابنا : ويكره لغير الإمام ضرب المغشوش لما ذكرنا في الإمام ; ولأن فيه افتئاتا على الإمام ، ولأنه يخفى فيغتر به الناس بخلاف ضرب الإمام ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في المجرد وغيره من الأصحاب : قال أصحابنا : ويكره أيضا لغير الإمام ضرب الدراهم [ ص: 495 ] والدنانير إن كانت خالصة ; لأنه من شأن الإمام ; ولأنه لا يؤمن فيه الغش والإفساد قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب : قال أصحابنا : ومن ملك دراهم مغشوشة كره له إمساكها [ بل يسبكها ويصفيها قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي : إلا إذا كانت دراهم البلد مغشوشة ، فلا يكره إمساكها ] وقد نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه على كراهة إمساك المغشوش واتفق الأصحاب عليه ; لأنه يغر به ورثته إذا مات وغيرهم في الحياة ، كذا علله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره والله تعالى أعلم .
[ ص: 496 ] وأما المعاملة بالدراهم المغشوشة ، فإن كان الغش فيها مستهلكا بحيث لو صفيت لم يكن له صورة كالدراهم المطلية بزرنيخ ونحوه صحت المعاملة عليها بالاتفاق ; لأن وجود هذا الغش كالعدم ، وإن لم يكن مستهلكا [ ص: 497 ] كالمغشوش بنحاس ورصاص ونحوهما ، فإن كانت الفضة فيها معلومة لا تختلف صحت المعاملة على عينها الحاضرة وفي الذمة أيضا ، وهذا متفق عليه ، صرح به الماوردي وغيره من العراقيين ، وإمام الحرمين وغيره من الخراسانيين ، وإن كانت الفضة التي فيها مجهولة ففي صحة المعاملة بها معينة ، وفي الذمة أربعة أوجه ( أصحها ) : الجواز فيها ; لأن المقصود رواجها ولا يضر اختلاطها بالنحاس كما يجوز بيع المعجونات بالاتفاق ، وإن كانت أفرادها مجهولة المقدار .
( والثاني ) : لا يصح ; لأن المقصود الفضة وهي مجهولة ، كما نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب أنه لا يجوز بيع تراب المعدن ; لأن مقصوده الفضة وهي مجهولة ، كما لا يجوز بيع اللبن المخلوط بالماء باتفاق الأصحاب . ( والثالث ) : تصح المعاملة بأعيانها ولا يصح التزامها في الذمة ، كما لا يصح بيع الجواهر والحنطة المختلطة بالشعير معيبة ولا يصح السلم فيها ولا قرضها .
( والرابع ) : إن كان الغش فيها غالبا لم يجز وإلا فيجوز . قال أصحابنا : فإن قلنا بالأصح ، فباعه بدراهم مطلقا ونقد البلد مغشوش صح العقد ووجب من ذلك النقد ، وإن قلنا بالآخرين لم يصح هكذا ذكر الخراسانيون وغيرهم المسألة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري وصاحبه صاحب الحاوي : إذا كان قدر الفضة في المغشوشة مجهولا ، فله حالان : ( أحدهما ) : أن يكون الغش بشيء مقصود له قيمة كالنحاس . وهذا له صورتان : ( إحداهما ) : أن تكون الفضة غير ممازجة للغش ، كالفضة على النحاس ، فلا تصح المعاملة بها لا في الذمة ولا بعينه ; لأن المقصود الآخر غير معلوم ولا مشاهد ، فلا تصح المعاملة بها ، كالفضة المطلية بذهب ، ( الثانية ) : أن تكون الفضة ممازجة للنحاس ، فلا تجوز المعاملة [ ص: 498 ] بها في الذمة للجهل بها ، كما لا يجوز السلم في المعجونات ، وفي جوازها على أعيانها وجهان : ( أصحهما ) : وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13785أبو سعيد الإصطخري nindex.php?page=showalam&ids=12535وأبو علي بن أبي هريرة : يصح كما يصح بيع حنطة مخلوطة بشعير ، وكالمعجونات وإن لم يجز السلم بخلاف تراب المعادن ; لأن التراب غير مقصود .
( الحال الثاني ) : أن يكون الغش بشيء مستهلك لا قيمة له حينئذ كالزئبق والزرنيخ ، فإن كانا ممتزجين لم تجز المعاملة بها في الذمة ولا معينة ; لأن المقصود مجهول ممتزج كتراب المعدن . وإن لم يكونا ممتزجين بل كانت الفضة على ظاهر الزرنيخ والزئبق صارت المعاملة بأعيانها ; لأن المقصود مشاهد ولا يجوز في الذمة ; لأن المقصود مجهول . هذا كله لفظ صاحب الحاوي قال صاحب الحاوي وغيره : والحكم في الدنانير المغشوشة كهو في الدراهم المغشوشة كما سبق ، ولا يجوز بيع بعضها ببعض ولا بالدنانير الخاصة ، وكذا لا يجوز بيع دراهم مغشوشة بمغشوشة ولا بخالصة وستأتي المسألة واضحة في باب الربا إن شاء الله تعالى . قال صاحب الحاوي : ولو أتلف وستأتي المسألة واضحة في باب الربا إن شاء الله تعالى . قال صاحب الحاوي : ولو أتلف الدراهم المغشوشة إنسان لزمه قيمتها ذهبا ; لأنه لا مثل لها : هذا كلامه وهو تفريع على طريقته ، وإلا فالأصح ثبوتها في الذمة ، وحينئذ تكون مضبوطة فيجب مثلها ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) : جرت عادة أصحابنا في هذا الموضع بتفسير الكنز المذكور في قوله تبارك وتعالى { : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } ، وجاء الوعيد على الكنز في الأحاديث الصحيحة ، قال أصحابنا وجمهور العلماء : المراد بالكنز المال الذي لا تؤدى زكاته ; سواء كان مدفونا أم ظاهرا . فأما ما أديت زكاته فليس بكنز ، سواء كان مدفونا أم بارزا . وممن قال به من أعلام المحدثين nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فقال في صحيحه : ما أديت زكاته فليس بكنز لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=33920ليس فيما دون خمس أواق صدقة } " .
ثم روى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه أن أعرابيا قال nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر رضي الله عنهما { الذين يكنزون الذهب والفضة } [ ص: 499 ] فقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : " من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له ، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت جعلها الله تعالى طهرا للأموال " وهذا الحديث في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مسند متصل الإسناد . وقد غلط بعض المصنفين في أحكام الحديث في قوله : ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا وسبب غلطه أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=12263أحمد بن شبيب ، وذكر إسناده ، nindex.php?page=showalam&ids=12263وأحمد بن شبيب أحد شيوخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري المشهورين ، وقد علم أهل العناية بصيغة الحديث أن مثل هذه الصيغة إذا استعملها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في شيخه كان الحديث متصلا ، وإنما المعلق ما أسقط في أول إسناده واحد فأكثر . وكل هذا موضع في علوم الحديث ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار قال : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما وهو يسأل عن الكنز ما هو ؟ فقال : " هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة " رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ بإسناده الصحيح .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=33393لما نزلت هذه الآية { : والذين يكنزون الذهب والفضة } كبر ذلك على المسلمين ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : أنا أفرج عنكم ، فانطلقوا فقالوا : يا نبي الله إنه كبر على أصحابك هذه الآية ، فقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم ، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم ، فكبر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ثم قال : ألا أخبركم بخير ما يكنز ؟ المرأة الصالحة ، إذا نظر إليها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته } رواه أبو داود في أواخر كتاب الزكاة من سننه بإسناد صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله عنها قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=82847كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت : يا رسول الله أكنز هو ؟ فقال : ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز } رواه أبو داود في أول كتاب الزكاة بإسناد حسن . قال صاحب الحاوي : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : الكنز ما لم تؤد زكاته وإن كان ظاهرا ، وما أديت زكاته فليس [ ص: 500 ] بكنز وإن كان مدفونا . قال : واعترض عليه ابن جرير وابن داود ، فقال ابن داود : الكنز في اللغة المال المدفون ، سواء أديت زكاته أم لا ، وزعم أنه المراد بالآية . وقال ابن جرير : الكنز المحرم في الآية هو ما لم تنفق منه في سبيل الله في الغزو ، قال : وكل من الاعتراضين غلط ، والصواب قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يدل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، والله أعلم .
( فصل ) : في بيان حقيقة الدينار والدرهم ومبدأ أمرهما في الإسلام وضبط مقدارهما قال الإمام nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان الخطابي في معالم السنن في أول كتاب البيع في باب المكيال : مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة . قال : معنى الحديث أن الوزن الذي يتعلق به حق الزكاة وزن أهل مكة ، وهي دراهم الإسلام المعدلة منها العشرة بسبعة مثاقيل ، لأن الدراهم مختلفة الأوزان في البلدان ، فمنها البغلي وهو ثمانية دوانيق ، والطبري أربعة دوانيق ، ومنها الخوارزمي وغيرها من الأنواع ، ودراهم الإسلام في جميع البلدان ستة دوانيق وهو وزن أهل مكة الجاري بينهم . وكان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عددا وقت قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها في قصة شراها بريرة " إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فعلت " تريد الدراهم ، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوزن ، وجعل المعيار وزن أهل مكة . قال : واختلفوا في حال الدراهم فقال بعضهم : لم تزل الدراهم على هذا العيار في الجاهلية والإسلام ، وإنما غيروا السكك ونقشوها بسكة الإسلام ، والأوقية أربعون درهما ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=33920 : ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وهي مائتا درهم } قال : وهذا قول أبي العباس بن سريج .
وقال أبو عبيد : حدثني رجل من أهل العلم والعناية بأمر الناس ممن يعني بهذا الشأن أن الدراهم كانت في الجاهلية ضربين : البغلية السوداء ثمانية دوانيق ، والطبرية أربعة وكانوا يستعملونها [ ص: 501 ] مناصفة مائة بغلية ومائة طبرية ، فكان في المائتين منها خمسة دراهم زكاة ، فلما كان زمن بني أمية قالوا : إن ضربنا البغلية ظن الناس أنها التي تعتبر فيها الزكاة فيضر الفقراء ، وإن ضربنا الطبرية ضر أرباب الأموال ، فجمعوا الدرهم البغلي والطبري وجعلوهما درهمين كل درهم ستة دوانيق ، وأما الدينار فكان يحمل إليهم من بلاد الروم ، فلما أراد nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ضرب الدنانير والدراهم ، سأل عن أوزان الجاهلية ، فأجمعوا له على أن المثقال اثنان وعشرون قيراطا إلا حبة بالشامي ، وأن عشرة من الدراهم سبعة مثاقيل فضربها كذلك ، هذا آخر كلام nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي . وقال الماوردي في الأحكام السلطانية : استقر في الإسلام وزن الدرهم ستة دوانيق وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل . واختلف في سبب استقرارها على هذا الوزن ، فقيل : كانت في الفرس ثلاثة أوزان ، منها درهم على وزن المثقال عشرون قيراطا ، ودرهم اثنا عشر ، ودرهم عشرة ، فلما احتيج في الإسلام إلى تقديره أخذ الوسط من جميع الأوزان الثلاثة وهو اثنان وأربعون قيراطا ، فكان أربعة عشر قيراطا من قراريط المثقال ; وقيل : إن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى الدراهم مختلفة ، منها البغلي ثمانية دوانيق ، والطبري أربعة ، والمغربي ثلاثة دوانيق ، واليمني دانق واحد ، فقال : انظروا أغلب ما يتعامل الناس به من أعلاها وأدناها ; فكان البغلي والطبري ، فجمعهما فكانا اثني عشر دانقا فأخذ نصفهما فكان ستة دوانيق فجعله دراهم الإسلام .
قال : واختلف في أول من ضربها في الإسلام فحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن أول من ضربها في الإسلام nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11863أبو الزناد : أمر عبد الملك بضربها في العراق سنة أربع وسبعين ، وقال المدائني : بل ضربها في آخر سنة خمس وسبعين ، ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين ، قال : وقيل : أول من ضربها nindex.php?page=showalam&ids=17095مصعب بن الزبير بأمر أخيه nindex.php?page=showalam&ids=14عبد الله بن الزبير . سنة سبعين على ضرب الأكاسرة ثم غيرها nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج . هذا آخر كلام الماوردي وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى : لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوجب الزكاة [ ص: 502 ] في أعداد منها وتقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة .
قال : وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ، ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل ، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام وعلى صفة لا تختلف ، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم ، وصغارا وكبارا وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ، ويمنية ومغربية ، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه وتصييرها وزنا واحدا لا يختلف وأحيانا يستغنى فيها عن الموازين فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم . قال القاضي : ولا شك أن الدراهم كانت حينئذ معلومة ، وإلا فكيف كانت تعلق بها حقوق الله تعالى في الزكاة وغيرها وحقوق العباد ؟ وهذا كما كانت الأوقية معلومة أربعين درهما . هذا كلام القاضي وقال الرافعي وغيره من أصحابنا : أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن ، وهو أن الدرهم ستة دوانيق كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا الإسلام . هذا ما ذكره العلماء في ذلك ، والصحيح الذي يتعين اعتماده أن الدراهم المطلقة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معلومة الوزن معروفة المقدار ، وهي السابقة إلى الأفهام عند الإطلاق ، وبها تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشرعية ، ولا يمنع من هذا كونه كان هناك دراهم أخرى أقل أو أكثر من هذا القدر ، فإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الدراهم محمول على المفهوم عند الإطلاق ، وهو كل درهم ستة دوانيق ، وكل عشرة سبعة مثاقيل . وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم إلى يومنا على هذا ، ولا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين والله تعالى أعلم .
وأما مقدار الدرهم والدينار فقال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي في كتابه الأحكام : قال nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد علي بن أحمد يعني ابن حزم [ ص: 503 ] بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه ، فكل اتفق على أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة من حب الشعير وعشر عشر حبة ، فالرطل مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وهو تسعون مثقالا ، وقيل مائة وثلاثون درهما وبه قطع الغزالي والرافعي وهو غريب ضعيف .
( فرع ) : في مذاهب العلماء في نصاب الذهب والفضة ، وضم أحدهما إلى الآخر وغير ذلك ، وفيه مسائل : ( إحداها ) قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن نصاب الفضة مائتا درهم وأن فيه خمسة دراهم ، واختلفوا فيما زاد على المائتين ، فقال الجمهور : يخرج مما زاد بحسابه ربع العشر ، قلت الزيادة أم كثرت ، ممن قال به nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16330وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد قال : وقال nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والحسن البصري والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول وعمرو بن دينار والزهري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : لا شيء في الزيادة على مائتين حتى تبلغ أربعين ففيها درهم قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وبالأول أقول . ودليل الوجوب في القليل والكثير قوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=25048في الرقة ربع العشر } وهو صحيح كما سبق ، وأما الذهب فقد ذكرنا أن مذهبنا أن نصابه عشرون مثقالا ، ويجب فيما زاد بحسابه ربع العشر ، قلت الزيادة أم كثرت ، وبه قال الجمهور من السلف والخلف وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : أجمعوا على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالا وقيمتها مائتا درهم وجبت فيه الزكاة ، إلا ما اختلف فيه عن الحسن ، فروي عنه هذا وروي عنه أنه لا زكاة فيما هو دون أربعين مثقالا لا تساوي مائتي درهم وفي دون عشرين إذا ساوى مائتي درهم ، فقال كثير منهم : لا زكاة فيما دون عشرين ، وإن بلغت مائتي درهم ، وتجب في عشرين وإن لم تبلغها ، ممن قال به nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي والحكم nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد . قال nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والزهري [ ص: 504 ] nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب nindex.php?page=showalam&ids=16039وسليمان بن حرب : يجب ربع العشر في الذهب إذا بلغت قيمته مائتي درهم ، وإن كان دون عشرين مثقالا فلا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعة دنانير وأما إذا كانت الفضة تنقص عن مائتي درهم ، والذهب ينقص عن عشرين مثقالا نقصا يسيرا جدا بحيث يروج رواج الوازنة ، فقد ذكرنا عن مذهبنا أنه لا زكاة ، وبه قال إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر والجمهور ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : تجب .
( المسألة الثانية ) : مذهبنا أنه لا يكمل نصاب الدراهم بالذهب ولا عكسه حتى لو ملك مائتين إلا درهما وعشرين مثقالا إلا نصفا أو غيره ، فلا زكاة في واحد منهما وبه قال جمهور العلماء ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح وشريك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد . قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وقال الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي : يضم أحدهما إلى الآخر ، واختلفوا في كيفية الضم فقال الأوزاعي : يخرج ربع عشر كل واحد فإذا كانت مائة درهم وعشرة دنانير ، أخرج ربع عشر كل واحد منهما . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : يضم القليل إلى الكثير ونقل العبدري عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة يضم الذهب إلى الفضة بالقيمة ، فإذا كانت له مائة درهم وله ذهب قيمته مائة درهم وجبت الزكاة قال وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : يضم أحدهما إلى الآخر بالأجزاء ، فإذا كان معه مائة درهم وعشرة دنانير ، أو خمسون درهما وخمسة عشر دينارا ضم أحدهما إلى الآخر ، ولو كان له مائة درهم وخمسة دنانير قيمتها مائة درهم فلا ضم ، دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=33920 : ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة } .
( الثالثة ) مذهبنا ومذهب العلماء كافة أن الاعتبار في نصاب الذهب والفضة بالوزن لا بالعدد . وحكى صاحب الحاوي وغيره من أصحابنا عن المنقري nindex.php?page=showalam&ids=15211وبشر المريسي المعتزلي أن الاعتبار بمائتي درهم عددا لا وزنا حتى لو كان معه مائة درهم عددا وزنها مائتان فلا شيء فيها ، وإن كانت مائتان عددا وزنها مائة وجبت الزكاة ، قال أصحابنا : وهذا غلط منهما لمخالفته النصوص والإجماع فهو مردود .