صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجب إخراج الحق بعد التمييز كما قلنا في العشر : إنه يجب فيه [ بعد ] التصفية والتجفيف ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا قلنا بالمذهب : إن الحول لا يشترط في زكاة المعدن فوقت الوجوب حصول النيل في يده بترابه ، ووقت الإخراج التخليص والتصفية ، فلو أخرج من التراب والحجر قبل التنقية لم يجزئه ، وكان مضمونا على الساعي ، نص عليه الشافعي [ في المختصر وغيره واتفق عليه الأصحاب ، قال الشافعي والأصحاب : ] ويلزمه رده . قالوا : فلو اختلفا في قدره قبل التلف أو بعده ، فالقول قول الساعي بيمينه ; لأن الأصل براءته مما زاد ، فلو ميز الساعي القدر الذي قبضه وخلصه من التراب أجزأ عن الزكاة إن كان قدر الواجب ، فإن كان أكثر استرجع الزيادة ، وإن كان أقل لزم المالك الإتمام ولا شيء للساعي بعمله ; لأنه متبرع . وإذا تلف في يد الساعي قبل التمييز وغرمه ، فإن كان تراب فضة قوم بذهب ، وإن كان تراب ذهب قوم بفضة ، فإن اختلفا في قيمته فالقول قول الساعي ; لأنه غارم ، هكذا نقله كله القاضي أبو الطيب في " المجرد " عن نص الشافعي واتفق عليه الأصحاب ، إلا السرخسي فحكى في " الأمالي " وجها عن أبي إسحاق : أنه إذا ميزه الساعي أو المساكين لا يجزئه ; لأنه لم يكن حال الإخراج على هيئة الواجب ، كمن لزمه جذعة ضأن فأخرج سخلة ، فبقيت في يد المساكين حتى صارت جذعة ، فإنها لا تجزئه . والمذهب : القطع بالإجزاء في مسألة المعدن كما نص عليه وقطع به الجمهور بخلاف مسألة السخلة ; لأنها لم تكن على الصفة الواجبة ، وحق المعدن كان على الصفة لكن مختلط بغيره ، ولو وجب عليه تمر فأخرج رطبا وبقي في يد الساعي أو المساكين حتى صار تمرا أجزأه ذلك على المذهب ، وبه قطع الماوردي وغيره ، وحكى [ ص: 46 ] السرخسي فيه وجهين عن أبي إسحاق .

قال أصحابنا : ومؤنة التخليص والتنقية على المالك بلا خلاف ، كمؤنة الحصاد والدياس ، ولا يحسب شيء منها من مال المعدن ، فلو أخرج منه شيئا في المؤنة كان آثما ضامنا . قال أصحابنا : فلو تلف بعضه قبل التمييز ، فهو كتلف بعض المال قبل التمكن ، ولو امتنع من التخليص أجبر عليه . والله أعلم .

فرع في مسائل تتعلق بالمعدن : ( إحداها ) الحق المأخوذ من واجده زكاة عندنا ، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وسواء قلنا : يجب فيه الخمس أم ربع العشر ، وقيل : إن قلنا بربع العشر فهو زكاة ، وإلا فقولان .

( أصحهما ) : زكاة .

( والثاني ) : تصرف في مصارف خمس الفيء ، وهو قول المزني وأبي حفص بن الوكيل من أصحابنا ، وقد سبق ( ذلك ) عنهما ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وتظهر فائدة الخلاف في مصرفه وفي وجوبه على الذمي كما سبق .

( الثانية ) : إذا وجد معدنا أو ركازا وعليه دين بقدر الموجود أو ينقصه عن النصاب ، ففي منع الدين زكاتهما القولان السابقان في سائر الزكوات ، الأصح لا يمنع .

( الثالثة ) قال الشافعي في " المختصر " والأصحاب : لا يجوز بيع تراب المعدن قبل التخليص لا بذهب ولا بفضة ولا بغيرهما ، هذا مذهبنا ، وقال مالك : يجوز ، دليلنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الغرر } ; ولأن المقصود غير التراب وهو مستور بلا مصلحة له في بقائه فيه ، فلم يجز بيعه كتراب الصاغة ، فإن مالكا وافق عليه . واحتج مالك بجواز بيع حنطة مختلطة بشعير ، وأجاب أصحابنا : بأنهما مقصودان بخلاف المعدن ، وإنما نظير الحنطة المختلطة بيع الذهب مختلطا بالفضة وهو جائز بغيرهما .

قال صاحب " البيان " : قال [ ص: 47 ] أبو إسحاق المروزي : فأما إذا باع تراب المعدن بعد التمييز وأخذ ما فيه من ذهب أو فضة ثم وجد فيه فتات يسير فالبيع صحيح ; لأن المقصود نفس التراب دون ما فيه . قال القاضي أبو الطيب في " المجرد " : يجوز بيع تراب الصاغة إذا لم يكن فيه شيء من الذهب والفضة ; لأنه ينتفع به في جلاء الصفرة .

( الرابعة ) في مذاهب العلماء في المعدن . ذكرنا : أن المشهور من مذهبنا اختصاص الوجوب بالذهب والفضة . وأوجبه أبو حنيفة في كل منطبع كحديد ونحاس ، وفي الزئبق روايتان ، وأوجبه أحمد في كل مستخرج ، ومذهبنا المشهور : أن واجب المعدن ربع العشر ، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن عبد العزيز وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

وقال وأبو حنيفة وأحمد والجمهور ، وقال داود والمزني : يشترى ، وهو والواجب عندنا في المعدن زكاة ، وبه قال مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة : فيء ، والنصاب عندنا شرط . وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وداود ، وقال أبو حنيفة : لا يشترط . والحول ليس بشرط ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والجمهور ، وقال داود والمزني : يشترط ، وهو قول ضعيف للشافعي سبق .

. قال العبدري من أصحابنا : حق المعدن والركاز وغيرهما من الزكوات لا يجوز للإمام صرفه إلى من وجب عليه ، وبه قال مالك . وقال أبو حنيفة : يجوز أن يصرف إليه حق المعدن والركاز دون الزرع وغيره . وقال أحمد : يجوز أن يصرف إليه جميع ذلك ، وأما المكاتب والذمي إذا أخذ من المعدن شيئا فلا شيء فيه عندنا وبه قال جماهير العلماء . وقال أبو حنيفة : يجب عليهما . ومؤنة تخليص نيل المعدن على المالك عندنا . وقال أبو حنيفة : منه كأجرة نقل الغنيمة ، وبناؤه على أصله : أنه كالغنيمة ، وعندنا هو زكاة كمؤنة الحصادين . ولو وجد المعدن في ملكه وجب فيه الحق كما لو وجده في موات ، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد . وقال أبو حنيفة : لا يجب كسائر أمواله حتى يحول حول . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية