( والثاني ) يجوز ; لأن الصدقة إنما حرمت على بني هاشم وبني المطلب للشرف بالنسب . وهذا لا يوجد في مواليهم . وهو بالخيار بين أن يستأجر العامل بأجرة معلومة ثم يعطيه ذلك من الزكاة . وبين أن يبعثه من غير شرط ثم يعطيه أجرة المثل من الزكاة ) .
وقوله : " روي أن الفضل " ينكر عليه قوله : روي بصيغة تمريض في حديث صحيح ، وقد سبق التنبيه عن أمثال هذا ، والغرض بتكراره التأكيد في تحفظه ، وقوله : " يوليه العمالة " بفتح العين ، وهي العمل . وأما بضمها فهي المال المأخوذ على العمل ، وليس مرادا هنا .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل : ( إحداها ) قال أصحابنا : يجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الصدقات ; لما ذكره المصنف ، والسعاة جمع ساع وهو العامل ، واتفقوا [ ص: 142 ] على أن يشترط فيه كونه مسلما حرا عدلا فقيها في أبواب الزكاة ولا يشترط فقهه في غير ذلك . قال أصحابنا : هذا إذا كان التفويض للعامل عاما في الصدقات ، فأما إذا عين له الإمام شيئا معينا يأخذه فلا يعتبر فيه الفقه . قال الماوردي في الأحكام السلطانية : وكذا لا يعتبر في هذا المعين الإسلام والحرية ; لأنه رسالة لا ولاية ، وهذا الذي قاله من عدم اشتراط الإسلام مشكل والمختار اشتراطه .
( الثانية ) : هل يجوز كون العامل هاشميا أو مطلبيا ؟ فيه وجهان مشهوران ، ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) عند المصنف والبغوي وجمهور الأصحاب لا يجوز قال أصحابنا الخراسانيون : هذان الوجهان مبنيان على أن ما يأخذه العامل أجرة أو صدقة ، وفيه وجهان ( إن قلنا ) : أجرة جاز وإلا فلا . وهو يشبه الإجارة من حيث التقدير بأجرة المثل ، ويشبه الصدقة من حيث إنه لا يشترط عقد الإجارة ، ولا مدة معلومة ، ولا عمل معلوم . قال البغوي وآخرون : ويجري الوجهان فيما لو كان العامل من أهل الفيء ، وهم المرتزقة الذين لهم حق في الديوان ، قال صاحب الشامل والأصحاب : والوجهان في الهاشمي والمطلبي هما فيمن طلب على عمله سهما من الزكاة . فأما إذا تبرع بعمله بلا عوض أو دفع الإمام إليه أجرته من بيت المال فإنه يجوز كونه هاشميا أو مطلبيا بلا خلاف . قال الماوردي في الأحكام السلطانية : يجوز كونه هاشميا ومطلبيا إذا أعطاه من سهم المصالح .
( الثالثة ) : هل يجوز أن يكون العامل من موالي بني هاشم وبني المطلب ؟ فيه وجهان ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) لا يجوز ، وهذان الوجهان تفريع على قولنا : لا يجوز أن يكون العامل هاشميا ولا مطلبيا ، فأما إذا جوزناه فمولاهم أولى قال الرافعي : ومنهم من حكى هذين الوجهين قولين .
( أما ) الأول فللأحاديث [ ص: 143 ] الصحيحة في ذلك ; لأن الحاجة تدعو إليه لجهالة العمل فتؤخر الأجرة حتى يعرف عمله فيعطى بقدره .
( وأما الثاني ) فهو القياس والأصل ولا شك في جوازه ، قال أصحابنا : وإذا سمى له شيئا فإن شاء سماه إجارة ، وإن شاء جعالة ، ولا يسمي أكثر من أجرة المثل ، فإن زاد فوجهان حكاهما جماعة منهم الدارمي : ( أصحهما ) تفسد التسمية وله أجرة المثل من الزكاة .
( والثاني ) لا تفسد ، بل يكون قدر أجرة المثل من الزكاة والباقي يجب في مال الإمام ; لأنه صحيح العبارة والالتزام .