قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وسهم للمؤلفة وهم ضربان ، مسلمون وكفار ، فأما الكفار فضربان ضرب يرجى خيره ، وضرب يخاف شره ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 180 ] يعطيهم ، وهل يعطون بعده ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) : يعطون ; لأن المعنى الذي أعطاهم به النبي صلى الله عليه وسلم قد يوجد بعده .
( والثاني ) لا يعطون ; لأن الخلفاء رضي الله عنهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطوهم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه " إنا لا نعطي على الإسلام شيئا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " فإذا قلنا : إنهم يعطون فإنهم لا يعطون من الزكاة ; لأن الزكاة لا حق فيها للكفار ، وإنما يعطون من سهم المصالح . أما المسلمون فهم أربعة أضرب : ( أحدها ) قوم لهم شرف فيعطون ليرغب نظراؤهم في الإسلام ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزبرقان بن بدر nindex.php?page=showalam&ids=76وعدي بن حاتم .
( والثاني ) قوم أسلموا ، ونيتهم في الإسلام ضعيفة فيعطون لتقوى نيتهم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان بن حرب . nindex.php?page=showalam&ids=90وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن لكل واحد منهم مائة من الإبل . وهل يعطى هذان الفريقان بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) لا يعطون ; لأن الله تعالى أعز الإسلام فأغنى عن التألف بالمال .
( والثاني ) يعطون ; لأن المعنى الذي به أعطوا قد يوجد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومن أين يعطون ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) من الصدقات ; للآية .
( والثاني ) من خمس الخمس ; لأن ذلك مصلحة ، فكان من سهم المصالح .
( والضرب الثالث ) قوم يليهم من الكفار إن أعطوا قاتلوهم .
( الضرب الرابع ) قوم يليهم قوم من أهل الصدقات إن أعطوا جبوا الصدقات وفي هذين الضربين أربعة أقوال : ( أحدها ) يعطون من سهم المصالح ; لأن ذلك مصلحة .
( والثاني ) من سهم المؤلفة من الصدقات ; للآية .
( والثالث ) من سهم الغزاة ; لأنهم يغزون .
( والرابع ) وهو المنصوص أنهم يعطون من سهم الغزاة ومن سهم المؤلفة ، لأنهم جمعوا معنى الفريقين ) .
( الشرح ) حديث إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم مؤلفة الكفار صحيح مشهور من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=1230أعطى صفوان بن أمية من غنائم حنين وصفوان يومئذ كافر ، قال صفوان : لقد أعطاني ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى أنه لأحب الناس [ ص: 181 ] إلي صلى الله عليه وسلم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأما الأثر المذكور عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فرواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وحديث إعطاء أبي سفيان بن حرب وصفوان والأقرع وعيينة كل واحد منهم مائة من الإبل ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه هكذا ، من رواية nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج . أما الزبرقان - فبزاي مكسورة ثم باء موحدة ساكنة ثم راء مكسورة ثم قاف - وهو أحد رؤساء العرب وسادات بني تميم ، والزبرقان لقب له ، واسمه الحصين بن بدر بن امرئ القيس ، كنيته أبو عياش بالشين المعجمة لقب بالزبرقان لحسنه ، وقيل : لصفرة عمامته ، ومنه زبرقت الثوب إذا صفرته ، وكان يلبس عمامة مزبرقة بالزعفران ، وكان يقال له : قمر نجد لحسنه ، أسلم سنة تسع ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرمه وولاه صدقات قومه وأقره عليها nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله عنهما وقد بسطت أحواله في التهذيب ، وكذلك أحوال هؤلاء المذكورين ، وكلهم صحابة رضي الله عنهم وسمي هذا الصنف مؤلفة ; لأنهم يتألفون بالعطاء وتستمال به قلوبهم ( أما أحكام الفصل ) فقال أصحابنا : المؤلفة ضربان : مسلمون وكفار ، والكفار صنفان : ( من ) يرجى إسلامه ( ومن ) يخاف شره ، فهؤلاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم كما ذكرنا من الغنائم لا من الزكاة ، وهل يعطون بعده فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما : ( أحدهما ) يعطون للحديث ( وأصحهما ) باتفاق الأصحاب وبه قطع جماعة منهم البغوي : لا يعطون ; لما ذكره المصنف رحمه الله ، وأجابوا عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم من خمس الخمس ، وكان ملكا له خالصا يفعل فيه ما شاء بخلاف من بعده ( فإن قلنا ) : يعطون ، أعطوا من مال المصالح ولا يعطون من الزكاة بلا خلاف ، لما ذكره المصنف ، قال الرافعي : وأشار بعضهم إلى أنهم لا يعطون أيضا من المصالح ، إلا أن ينزل بالمسلمين نازلة .
[ ص: 182 ] وأما المؤلفة المسلمون فأصناف ( صنف ) لهم شرف في قومهم يطلب بتألفهم إسلام نظرائهم ، ( وصنف ) أسلموا ونيتهم في الإسلام ضعيفة فيتألفون لتقوى نيتهم ويثبتوا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي هذين ، وهل يعطون بعده ؟ فيه قولان مشهوران ذكر المصنف دليلهما ( فإن قلنا ) : يعطون فمن أين يعطون ؟ ذكر فيه قولين فحاصله ثلاثة أقوال : ( أصحها ) عند المحققين يعطون من الزكاة من سهم المؤلفة ; للآية .
( والثاني ) يعطون من المصالح .
( والثالث ) لا يعطون ، وصححه الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والجرجاني وقطع به سليم الرازي في الكفاية ( والصنف الثالث ) قوم يليهم قوم من الكفار إن أعطوا قاتلوهم ، ويراد بإعطائهم تألفهم على قتالهم .
( والرابع ) قوم يليهم قوم عليهم زكوات ويمنعونها ، فإن أعطي هؤلاء قاتلوهم وقهروهم على أخذها منهم ، وحملوها إلى الإمام ، وإن لم يعطوا لم يأخذوا منهم الزكوات ، واحتاج الإمام إلى مؤنة ثقيلة لتجهيز من يأخذها ، وهذان الصنفان يعطيان بلا خلاف ، لكن من أين يعطون ؟ فيه الأقوال الأربعة التي ذكرها المصنف بدلائلها ، وجعل الغزالي وطائفة هذه الأقوال أوجها والصواب أنها أقوال : ( أحدها ) من سهم المؤلفة .
( والثاني ) من المصالح .
( والثالث ) من سهم الغزاة .
( والرابع ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : يعطون من سهم المؤلفة وسهم الغزاة . واختلف أصحابنا في المراد بهذا القول الرابع على أربعة أوجه ( أحدها ) أن هذا التفريع على أن من جمع سببين من أسباب الزكاة يعطى بهما .
( فأما ) إن قلنا بالأصح إنه لا يعطى إلا بأحدهما ، فلا يعطى هؤلاء إلا من أحد السهمين .
( والثاني ) أنهم يعطون من السهمين جميعا ، سواء أعطينا غيرهم بسببين أم لا لمصلحة في هؤلاء .
( والثالث ) إن كان التألف لقتال الكفار فمن سهم الغزاة ، وإن كان لأجل الزكوات وقتال مانعيها فمن سهم المؤلفة .
( والرابع ) يتخير الإمام ، إن شاء أعطاهم من ذا السهم وإن شاء أعطاهم من ذاك ، وحكى الرافعي وجها أن المؤلف لقتال مانعي الزكاة وجمعها يعطى من سهم العاملين . قال الرافعي : أرسل أكثر الأصحاب هذا الخلاف ولم يتعرضوا للأصح منه ، وقال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وطائفة : الأظهر من القولين في [ ص: 183 ] الصنفين الأولين أنهم لا يعطون ، وقياس هذا أن لا يعطى الصنفان الآخران من الزكاة ; لأن الأولين أحق باسم المؤلفة من الآخرين ; لأن في الآخرين معنى الغزاة والعاملين ، وعلى هذا يسقط سهم المؤلفة من الزكاة ، وقد صار إليه الروياني وجماعة من المتأخرين ولكن الموافق لظاهر الآية ثم لسياق nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب إثبات سهم المؤلفة وأنه يستحقه الصنفان الأولان وأنه لا يجوز صرفه إلى الآخرين أيضا وبه أفتى الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية . هذا آخر كلام الرافعي وهذا الذي صححه هو الصحيح ، وهو الصرف إلى الأصناف الأربعة من سهم المؤلفة . والله أعلم . فإن قيل : كيف يعرف كونه مؤلفا ؟ فالجواب : أن صاحب الشامل وغيره من العراقيين قطعوا بأنه لا يقبل قوله أنه من المؤلفة إلا ببينة ; لأنه مما يظهر ، والصحيح ما قاله أبو العباس بن القاص في كتابه التلخيص ، وتابعه عليه الخراسانيون وغيرهم ، أنه إن قال : نيتي في الإسلام ضعيفة قبل قوله ; لأن كلامه يصدقه ، وإن قال : أنا شريف مطاع في قومي لم يقبل قوله إلا ببينة ، ونقل الرافعي هذا التفصيل عن جمهور الأصحاب ، قال : وذكر أبو الفرج عن بعض الأصحاب أنه أطلق مطالبته بالبينة ، وفي صفة هذه البينة كلام نذكره إن شاء الله تعالى في فصل سهم المكاتب ، وهل تكون المرأة من المؤلفة ؟ أم لا يتصور ذلك ؟ فيه وجهان سبق بيانهما في فصل سهم الفقير ( الصحيح ) أنه يتصور .