قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن وجبت الزكاة وليس في البلد الذي فيه المال أحد من الأصناف نقلها إلى أقرب البلاد ; لأنهم أقرب إلى المال . فإن وجد فيه بعض الأصناف ففيه طريقان : ( أحدهما ) يغلب حكم المكان فيدفع إلى من في بلد المال من الأصناف .
( والثاني ) يغلب حكم الأصناف فيدفع إلى من في بلد المال [ من الأصناف ] بسهمهم ، وينقل الباقي إلى بقية الأصناف في غير بلد المال وهو الصحيح ; لأن استحقاق الأصناف أقوى ; لأنه ثبت بنص الكتاب ، واعتبار البلد ثبت بخبر الواحد ، فقدم من ثبت حقه بنص الكتاب ، فإن قسم الصدقة على الأصناف فنقص نصيب بعضهم عن كفايتهم ونصيب الباقين على قدر كفايتهم دفع إلى كل واحد منهم ما قسم له ، ولا يدفع إلى من ينقص سهمه عن كفايته من نصيب الباقين شيء ; لأن كل صنف منهم ملك سهمه ، فلا ينقص حقه لحاجة غيره ، وإن كان نصيب بعضهم ينقص عن كفايته ونصيب البعض يفضل عن كفايته - فإن قلنا : المغلب اعتبار البلد الذي فيه المال صرف ما فضل إلى بقية الأصناف في البلد ، وإن قلنا : المغلب اعتبار الأصناف صرف الفاضل إلى ذلك الصنف الذي فضل عنهم بأقرب البلاد ) .
[ ص: 217 ] الشرح ) قال أصحابنا : إذا عدم في بلد جميع الأصناف وجب نقل الزكاة إلى أقرب البلاد إلى موضع المال ، فإن نقل إلى الأبعد كان على الخلاف في نقل الزكاة وإن عدم بعضهم - فإن جوزنا نقل الزكاة - نقل نصيب المعدوم إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد ، وإن لم نجوزه فوجهان مشهوران ، وحكاهما المصنف طريقين ، والمعروف في كتب الأصحاب وجهان ، ولعله أراد أنهما بالتفريع عليهما يصيران طريقين ( أصحهما ) عند المصنف وجماعة يغلب حكم الأصناف ، فينقل ; لما ذكره المصنف وأصحهما عند آخرين ، منهم الرافعي يغلب حكم البلد ، فيرد على باقي الأصناف ، في البلد ; لأن عدم الشيء في موضعه كعدمه مطلقا ، كما أن من عدم الماء تيمم مع أنه موجود في موضع آخر .
( فإن قلنا ) : ينتقل ، نقل إلى أقرب البلاد ، وصرف إلى ذلك الصنف ، فإن نقل إلى أبعد أو لم ينقل وفرقه على الباقين ضمن .
( وإن قلنا ) : لا ينقل ، فنقل ضمن ، ولو وجد كل الأصناف ونقص سهم بعضهم عن الكفاية ، وزاد سهم بعضهم على الكفاية ، فهل يصرف ما زاد إلى هذا الصنف الناقص سهمه ؟ أم ينقل إلى الصنف الذين زاد سهمهم عنهم بأقرب البلاد ؟ فيه هذا الخلاف .
( فإن قلنا ) : يصرف إلى الناقصين فكانوا أصنافا قسم بينهم بالسوية ، ولو زاد نصيب جميع الأصناف على الكفاية ، أو نصيب بعضهم ولم ينقص نصيب الآخرين ، نقل ما زاد إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد بلا خلاف ، والله تعالى أعلم .