قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن وجبت عليه الزكاة وتمكن من أدائها فلم يفعل حتى مات وجب قضاء ذلك من تركته ; لأنه حق مال لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمي فإن اجتمع الزكاة ودين الآدمي ولم يتسع المال للجميع ففيه ثلاثة أقوال : ( أحدها ) يقدم دين الآدمي ; لأن مبناه على التشديد والتأكيد ، وحق الله تعالى مبني على التخفيف ، ولهذا لو وجب عليه قتل قصاص وقتل ردة ، قدم قتل القصاص .
( والثالث ) يقسم بينهما ; لأنهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء [ وبالله التوفيق ] ) .
( الشرح ) هذا الحديث في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في الصوم { nindex.php?page=hadith&LINKID=10928أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى } . وقول المصنف : ( حق مال ) احتراز من الصلاة ، وقوله : ( لزمه في حال الحياة ) احتراز ممن مات قبل الحول . [ ص: 226 ] أما أحكام الفصل ) فمن وجبت عليه زكاة وتمكن من أدائها فمات قبل أدائها عصى ووجب إخراجها من تركته عندنا بلا خلاف ، وبه قال جمهور العلماء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تسقط عنه الزكاة بالموت ، وهو مذهب عجيب ، فإنهم يقولون : الزكاة تجب على التراخي وتسقط بالموت ، وهذا طريق إلى سقوطها . ودليلنا ما ذكره المصنف . وإذا اجتمع في تركة الميت دين لله تعالى ودين للآدمي ، كزكاة وكفارة ونذر وجزاء صيد وغير ذلك ، فيه ثلاثة أقوال مشهورة ذكرها المصنف بأدلتها ( أصحها ) يقدم دين الله تعالى ( والثاني ) دين الآدمي ( والثالث ) يستويان فتوزع عليهما بنسبتهما . وحكى بعض الخراسانيين طريقا آخر في الزكاة المتعلقة بالعين تقدم قطعا ، وإنما الأقوال في الكفارات وغيرها مما يسترسل في الذمة مع حقوق الآدمي ، وقد تكون الزكاة من هذا القبيل بأن يكون له مال فيتلف بعد الحول والإمكان ، ثم يموت وله تركة فالزكاة هنا متعلقة بالذمة ففيها الأقوال . وأجابوا عن حجة من قدم دين الآدمي وقياسه على قتل الردة وقطع السرقة بأنه إنما قدمنا حق الآدمي هناك لاندراج حق الله تعالى في ضمنه وحصول مقصوده ، وهو إعدام نفس المرتد ويد السارق وقد حصل بخلاف الديون ; ولأن الحدود مبنية على الدرء والإسقاط ، بخلاف حقوق الله تعالى المالية . والله تعالى أعلم .
. ( الثانية ) إذا دفع المالك أو غيره الزكاة إلى المستحق ، ولم يقل : هي زكاة ولا تكلم بشيء أصلا أجزأه ووقع زكاة ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور ، وقد صرح بالمسألة إمام الحرمين في باب تعجيل الزكاة وآخرون وهي مفهومة من تفاريع الأصحاب وكلامهم ، وفي كلام المصنف في هذا الباب وغيره مواضع كثيرة مصرحة بذلك .
( منها ) قوله في هذا الفصل الأخير : إذا دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر فبان - غنيا فإن لم يبين عند الدفع أنها زكاة - لم يرجع ، واستعمل مثل هذا في مواضع من باب تعجيل الزكاة وغيره ، وكذلك الأصحاب . وقال القاضي أبو القاسم بن كج في آخر قسم الصدقات من كتابه التجريد : إذا دفع الزكاة إلى الإمام أو الفقير لا يحتاج أن يقول بلسانه شيئا قال : وقال nindex.php?page=showalam&ids=12535أبو علي بن أبي هريرة : لا بد من أن يقول بلسانه كالهبة ، وهذا ليس بشيء ، فنبهت عليه ; لئلا يغتر به ، والله تعالى أعلم . قال صاحب البحر : لو دفع الزكاة إلى فقير ، والدافع غير عارف بالمدفوع بأن كان مشدودا في خرقة ونحوها لا يعلم جنسه وقدره ، [ ص: 228 ] وتلف في يد المسكين ففي سقوط الزكاة احتمالان ; لأن معرفة القابض لا تشترط ، فكذا معرفة الدافع هذا كلامه ( والأظهر ) الإجزاء .
( الثالثة ) قال الغزالي في الإحياء : يسأل الآخذ دافع الزكاة عن قدرها ، فيأخذ بعض الثمن بحيث يبقى من الثمن ما يدفعه إلى اثنين من صنفه ، فإن دفع إليه الثمن بكامله حرم عليه أخذه ، قال : وهذا السؤال واجب في أكثر الناس ، فإنهم لا يراعون هذا ، إما لجهل ، وإما لتساهل ، وإنما يجوز ترك السؤال عن مثل هذا إذا لم يغلب على الظن احتمال التحريم .
( الخامسة ) قال الدارمي في الاستذكار : إذا أخر تفريق الزكاة إلى السنة الثانية فمن كان فقيرا أو مسكينا أو غارما أو مكاتبا من سنته إلى السنة الثانية ، خصوا بصدقة الماضي ، وشاركوا غيرهم في الثانية ، فيعطون من صدقة العاملين ، ومن كان غازيا أو ابن سبيل أو مؤلفا لم يخصوا بشيء .