( أما الأحكام ) ففيه مسألتان ( إحداهما ) إذا كان محتاجا إلى ما معه لنفقة نفسه أو عياله ، هل يتصدق صدقة التطوع ؟ فيه ثلاثة أوجه : ( أحدها ) لا يستحب ذلك ، ولا يقال : مكروه ، وبهذا قطع الماوردي والغزالي وجماعة من الخراسانيين وتابعهم الرافعي فقال : لا يستحب له التصدق ، وربما قيل يكره ، وقال الماوردي : صدقة التطوع قبل أداء الواجبات من الزكوات والكفارات ، وقيل : الإنفاق على من [ ص: 230 ] تجب نفقتهم من الأقارب والزوجات غير مستحبة ولا مختارة . هذا لفظه .
( والثاني ) يكره ذلك ، وبه قطع المتولي .
( والثالث ) وهو الأصح لا يجوز ، وبه قطع المصنف هنا وفي التنبيه وشيخه القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والدارمي وابن الصباغ والبغوي وصاحب البيان وآخرون ، وظاهر نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه إشارة إلى الوجه الأول لأنه قال في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني : أحب أن يبدأ بنفسه ثم بمن يعول ; لأن نفقة من يعول فرض ، والفرض أولى به من النفل ، ثم بقرابته ، ثم من شاء ، هذا نصه رضي الله عنه ( فإن قيل ) : يرد على المصنف وموافقيه حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه " أن رجلا من الأنصار بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه ، فقال لامرأته : نومي الصبيان ، وأطفئ السراج ، وقدمي للضيف ما عندك " فنزلت هذه الآية { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } هذا حديث صحيح رواه الترمذي بهذا اللفظ ، وهو في صحيحي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم أبسط من هذا ( فالجواب ) من وجهين : ( أحدهما ) أن هذا ليس من باب صدقة التطوع ، إنما هو ضيافة ، والضيافة لا يشترط فيها الفضل عن عياله ونفسه لتأكدها ، وكثرة الحث عليها ، حتى إن جماعة من العلماء أوجبوها . ( والثاني ) أنه محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين حينئذ ، بل كانوا قد أكلوا حاجتهم ، ( وأما ) الرجل وامرأته فتبرعا بحقهما ، وكانا صابرين فرحين بذلك ، ولهذا جاء في الآية والحديث الثناء عليهما .
( فإن قيل ) : قوله : نومي صبيانك ، وغير هذا اللفظ مما جاء في الحديث يدل على أن الصبيان كانوا جياعا ، ( فالجواب ) أن الصبيان لا يتركون الأكل عند حضور الطعام ، ولو كانوا شباعا ، فخاف إن بقوا مستيقظين أن يطلبوا الأكل عند حضور الطعام على العادة فينكدوا عليهما ، وعلى الضيف لقلة الطعام . والله تعالى أعلم .
( المسألة الثانية ) إذا أراد صدقة التطوع وعليه دين ، فقد أطلق المصنف وشيخه nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب وابن الصباغ والبغوي وآخرون ، [ ص: 231 ] أنه لا تجوز صدقة التطوع لمن هو محتاج إلى ما يتصدق به لقضاء دينه ، وقال المتولي وآخرون : يكره ، وقال الماوردي والغزالي وآخرون : لا يستحب ، وقال الرافعي : لا يستحب ، وربما قيل : يكره هذا كلامه ، والمختار أنه إن غلب على ظنه حصول الوفاء من جهة أخرى فلا بأس بالصدقة وقد تستحب ، وإلا فلا تحل ، وعلى هذا التفصيل يحمل كلام الأصحاب المطلق ، والله أعلم .