[ ص: 257 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن أسلم الكافر أو أفاق المجنون في أثناء يوم من رمضان استحب لهما إمساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يلزمه ذلك ; لأن المجنون أفطر بعذر ، والكافر - وإن أفطر بغير عذر - إلا أنه لما أسلم جعل كالمعذور فيما فعل في حال الكفر ، ولهذا لا يؤاخذ بقضاء ما تركه ولا بضمان ما أتلفه ، ولهذا قال الله تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ولا يأكل عند من لا يعرف عذره ; لأنه إذا تظاهر بالأكل عرض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان ، وهل يجب عليه قضاء ذلك [ أم لا ] ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) يجب ; لأنه أدرك جزءا من وقت الفرض ، ولا يمكن فعل ذلك الجزء من الصوم إلا بيوم فوجب أن يقضيه بيوم ، كما نقول في المحرم ، إذا وجب عليه في كفارة نصف مد ، فإنه يجب عليه بقسطه صوم نصف يوم ، ولكن لما لم يمكن فعل ذلك إلا بيوم وجب عليه صوم يوم .
( والثاني ) لا يجب ، وهو المنصوص في البويطي ، لأنه لم يدرك من الوقت ما يمكن الصوم فيه ; لأن الليل يدركه قبل التمام ، فلم يلزمه كمن أدرك من أول وقت الصلاة قدر ركعة ثم جن . وإن بلغ الصبي في أثناء يوم من رمضان ، نظرت فإن كان مفطرا فهو كالكافر إذا أسلم والمجنون إذا أفاق في جميع ما ذكرناه وإن كان صائما ففيه وجهان : ( أحدهما ) يستحب له إتمامه ; لأنه صوم [ نفل ] فاستحب ، إتمامه ويجب قضاؤه ; لأنه لم ينو الفرض [ به ] من أوله فوجب قضاؤه .
( والثاني ) يلزمه إتمامه ويستحب قضاؤه ; لأنه صار من أهل الوجوب في أثناء العبادة فلزمه إتمامه كما لو دخل في صوم تطوع ثم نذر إتمامه ) .
[ ص: 258 ] الشرح ) قوله : ولهذا لا يؤاخذ بقضاء ما تركه ولا بضمان ما أتلفه ، لا يطالب المتلف الحربي وأما الذمي فيطالب بالإجماع ومع هذا تحصل الدلالة ; لأنه إذا ثبت في الحربي استنبط منه دليل للذمي ، ( أما أحكام الفصل ) ففي المسألة طريقتان : ( إحداهما ) طريقة المصنف وسائر العراقيين أن المجنون إذا أفاق في أثناء نهار رمضان والكافر إذا أسلم فيه والصبي إذا بلغ فيه مفطرا استحب لهم إمساك بقيته ولا يجب ذلك ، وفي وجوب قضائه وجهان : ( الصحيح ) المنصوص في البويطي وحرملة لا يجب . وقال ابن سريج : يجب ، وذكر المصنف دليل الجميع ، وإن بلغ الصبي صائما في أثنائه لزمه إتمامه على المنصوص ، وهو الأصح باتفاق الأصحاب ، وعلى هذا لا يلزمه قضاؤه ، وفيه وجه أنه يستحب إتمامه ويجب قضاؤه . وذكر المصنف دليلهما .
( والثانية ) طريقة الخراسانيين أن في إمساك المجنون والكافر والصبي إذا بلغ فيه مفطرا ، فيه أربعة أوجه : ( أصحها ) يستحب ( والثاني ) يجب ( والثالث ) يلزم الكافر دونهما لتقصيره ( والرابع ) يلزم الكافر والصبي لتقصيرهما ، فإنه يصح من الصبي دون المجنون ، قالوا : وأما القضاء فلا يلزم الكافر والمجنون والصبي المفطر على الأصح من الوجهين ، وقيل من القولين ( والثاني ) يلزمهم قيل : يلزم الكافر دونهما ، وصححه البغوي وهو ضعيف غريب ، وإن كان الصبي صائما فالمذهب لزوم إتمامه بلا قضاء ، وقيل : يندب إتمامه ويجب القضاء . وبنى جماعات منهم الخلاف في القضاء على الخلاف في الإمساك ، وفي كيفية البناء ثلاثة أوجه : ( أحدها ) وهو قول الصيدلاني من أوجب الإمساك لم يوجب القضاء ، ومن أوجب القضاء لم يوجب الإمساك .
( والثاني ) إن وجب القضاء وجب الإمساك وإلا فلا .
( والثالث ) إن وجب الإمساك وجب القضاء وإلا فلا ، والله أعلم . وقال أصحابنا : إذا بلغ الصبي في أثناء النهار صائما وقلنا بالمذهب : إنه يلزمه إتمامه فجامع فيه لزمه الكفارة كباقي الأيام . قال أصحابنا : وحيث لا يلزم هؤلاء المذكورين الإمساك يستحب لهم [ ص: 259 ] ألا يأكلوا بحضور من لا يعرف حالهم . لما ذكره المصنف ، والله أعلم .