[ ص: 264 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فأما المسافر ، فإنه إن كان سفره دون أربعة برد لم يجز له أن يفطر لأنه إسقاط فرض للسفر ، فلا يجوز فيما دون أربعة برد كالقصر ، وإن كان سفره في معصية لم يجز له أن يفطر ; لأن ذلك إعانة على المعصية ، وإن كان سفره أربعة برد في غير معصية فله أن يصوم وله أن يفطر ; لما روت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها { nindex.php?page=hadith&LINKID=4895أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : يا رسول الله ، أصوم في السفر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر } فإن كان ممن لا يجهده الصوم في السفر ، فالأفضل أن يصوم . لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه أنه قال للصائم في السفر : " إن أفطرت فرخصة وإن صمت فهو أفضل " وعن nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص أنه قال : " الصوم أحب إلي " ; ولأنه إذا أفطر عرض الصوم للنسيان وحوادث الزمان ، فكان الصوم أفضل ، وإن كان يجهده الصوم فالأفضل أن يفطر ; لما روى nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=35040مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر برجل تحت شجرة يرش عليه الماء فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : صائم يا رسول الله ، فقال : ليس من البر الصيام في السفر } . فإن صام المسافر ثم أراد أن يفطر ; لأن العذر قائم جاز له أن يفطر كما لو صام المريض ثم أراد أن يفطر . ويحتمل عندي أنه لا يجوز له أن يفطر في ذلك اليوم ; لأنه دخل في الصلاة بنية الإتمام ثم أراد أن يقصر . ومن أصبح في الحضر صائما ثم سافر لم يجز له أن يفطر في ذلك اليوم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني : له أن يفطر كما لو أصبح الصحيح صائما ، ثم مرض فله أن يفطر والمذهب الأول . والدليل عليه أنه عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا بدأ بها في الحضر ثم سافر لم يثبت له رخصة السفر كما لو دخل الصلاة في الحضر ثم سافر في أثنائها ويخالف المريض ، فإن ذلك مضطر إلى الإفطار والمسافر مختار ) .
( الشرح ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم . [ ص: 265 ] وحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم أيضا ، والأثران عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس nindex.php?page=showalam&ids=61وعثمان بن أبي العاص رواهما nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان هذا صحابي ثقفي رضي الله عنه . وقوله ( أربعة برد ) بضم الباء والراء ، وهي ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي ، وسبق بيان هذا كله مبسوطا في باب صلاة المسافر ، وقوله ( إسقاط فرض للسفر ) احتراز عن استقبال القبلة في صلاة النفل ، فإنه إسقاط لا فرض . وقوله ( للسفر ) احتراز عمن عجز عن القيام فصلى قاعدا . قوله ( يجهده ) بفتح الياء وضمها - وسبق بيانه قريبا .
( أما الأحكام ) ففيه مسائل : ( إحداها ) لا يجوز الفطر في رمضان في سفر معصية بلا خلاف ولا في سفر آخر دون مسافة القصر بلا خلاف ، وقد سبق هذان في باب مسح الخف وفي باب صلاة المسافر ، فإن كان سفره فوق مسافة القصر وليس معصية فله الفطر في رمضان بالإجماع ، مع نص الكتاب والسنة . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : له الصوم وله الفطر . وأما أفضلهما فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : إن تضرر بالصوم فالفطر أفضل وإلا فالصوم أفضل ، وذكر استعملت قولا شاذا ضعيفا مخرجا من القصر : إن الفطر أفضل مطلقا والمذهب الأول ، والفرق أن في القصر تحصل الرخصة مع براءة الذمة ، وهنا إذا أفطر تبقى الذمة مشغولة ; ولأن في القصر خروجا من الخلاف ، وليس هنا خلاف يعتد به في إيجاب الفطر ، وقال المتولي : لو لم يتضرر في الحال بالصوم ، لكن يخاف الضعف منه وكان سفر حج أو عمرة فالفطر أفضل .
( الثالثة ) لو أصبح في أثناء سفره صائما ثم أراد أن يفطر في نهاره فله ذلك من غير عذر ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقطع به جميع الأصحاب وفيه احتمال للمصنف ولإمام الحرمين أنه لا يجوز . وحكاه الرافعي وجها ، وقد ذكر المصنف دليله ، وفرق صاحب الحاوي بين القصر [ ص: 266 ] والفطر بأن من دخل في الصلاة تامة التزم الإتمام فلم يجز له القصر ; لئلا يذهب ما التزمه لا إلى بدل ، وأما المسافر إذا صام ثم أفطر فلا يترك الصوم لا إلى بدل وهو القضاء ، فجاز له ذلك مع دوام عذره ، وإذا قلنا بالنص وقول الأصحاب : إن له الفطر ففي كراهته وجهان ( أصحهما ) لا كراهة ; للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك .
( الثاني ) أن لا يفارق العمران إلا بعد الفجر ، فمذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي المعروف من نصوصه ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : ليس له الفطر في ذلك اليوم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني : له الفطر ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق ، وهو وجه ضعيف حكاه أصحابنا عن غير nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني من أصحابنا أيضا والمذهب الأول ، فعلى هذا لو جامع فيه لزمه الكفارة ; لأنه يوم من رمضان وهو صائم فيه صوما لا يجوز فطره ، ودليل الجميع في الكتاب . قال صاحب الحاوي : وقيل : إن nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني رجع عن هذا المنقول عنه . وقال : اضربوا على قولي ، قال : وكان احتج بأن { nindex.php?page=hadith&LINKID=15432النبي صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح من المدينة صائما حتى بلغ كراع الغميم أفطر فظن أنه أفطر في نهاره } . وهذا الحديث في الصحيحين ، وكراع الغميم عند عسفان بينه وبين المدينة نحو سبعة أيام أو ثمانية ، فلم يفطر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم خروجه ، والله أعلم .
( الثالث ) أن ينوي الصيام في الليل ثم يسافر ولا يعلم هل سافر قبل الفجر أو بعده . قال nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري والماوردي وصاحب البيان وغيرهم : ليس له الفطر ; لأنه يشك في مبيح الفطر ولا يباح بالشك .
( الرابع ) أن يسافر من بعد الفجر ولم يكن نوى الصيام فهذا ليس بصائم لإخلاله بالنية من الليل فعليه قضاؤه ويلزمه الإمساك هذا [ ص: 267 ] اليوم ; لأن حرمته قد ثبتت بطلوع الفجر وهو حاضر . هكذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري والماوردي وصاحب البيان وهو ظاهر ، ويجيء فيه قول nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، والوجه الموافق له ، والله أعلم .