قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن قدم المسافر وهو مفطر ، أو برأ المريض وهو مفطر ، استحب لهما إمساك بقية النهار لحرمة الوقت ، ولا يجب ذلك ; لأنهما أفطرا بعذر ، ولا يأكلان عند من لا يعرف عذرهما ; لخوف التهمة والعقوبة وإن قدم المسافر وهو صائم أو برأ المريض وهو صائم فهل لهما أن يفطرا ؟ فيه وجهان . قال nindex.php?page=showalam&ids=12535أبو علي بن أبي هريرة : يجوز لهما الإفطار ; لأنه أبيح لهما الفطر من أول النهار ظاهرا وباطنا فجاز لهما الإفطار في بقية النهار ، كما لو دام السفر والمرض . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق : لا يجوز لهما الإفطار ; لأنه زال سبب الرخصة قبل الترخص فلم يجز الترخص ، كما لو قدم المسافر وهو في الصلاة فإنه لا يجوز له القصر ) .
( الشرح ) فيه مسائل : ( إحداها ) [ إذا ] قدم المسافر أو برأ المريض وهما مفطران يستحب إمساك بقية يومه ولا يجب عندنا ، وأوجبه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة . دليلنا أنهما أفطرا بعذر .
( الثانية ) يستحب إذا أكلا أن لا يأكلا عند من يجهل عذرهما للعلة المذكورة .
( الثالثة ) إذا قدم المسافر وهو صائم هل له الفطر ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما : ( أحدهما ) نعم ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ، ونقله الماوردي عن نصه في حرملة .
( وأصحهما ) عند القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبي الطيب وجمهور الأصحاب لا يجوز ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق . وهكذا الحكم لو نوى المسافر الإقامة في بلد بحيث تنقطع رخصه ولو برأ المريض وهو صائم فطريقان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وشيخه القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب وآخرون ، فيه الوجهان كالمسافر ( وأصحهما ) يحرم الفطر ( والثاني ) يجوز والطريق ( الثاني ) وبه قطع الفوراني وجماعة من الخراسانيين يحرم الفطر وجها واحدا . ( الرابعة ) لو قدم المسافر ولم يكن نوى من الليل صوما ولا أكل في نهاره قبل قدومه فطريقان ( أصحهما ) وبه قطع القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في [ ص: 268 ] المجرد والدارمي والماوردي وآخرون . ونقله الماوردي عن نصه في الأم : له الأكل ; لأنه مفطر لعدم النية من الليل ، فجاز له الأكل كالمفطر بالأكل .
( والثاني ) حكاه الفوراني وغيره من الخراسانيين في وجوب الإمساك وجهان ( الصحيح ) لا يلزمه ( والثاني ) يلزمه حرمة لليوم .
( فرع ) لا يجوز للمسافر ولا للمريض أن يصوما في رمضان غيره من قضاء أو نذر أو كفارة أو تطوع ، فإن صام شيئا من ذلك لم يصح صومه لا عن رمضان ولا عما نوى ولا غيره . وهذا مذهبنا وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وجمهور العلماء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في المريض كقولنا ، وقال في المسافر : يصح ما نوى . دليلنا القياس على المريض .
( فرع ) إذا دخل على الإنسان شهر رمضان وهو مقيم جاز له أن يسافر ويفطر هذا مذهبنا ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد والعلماء كافة إلا ما حكاه أصحابنا عن أبي مخلد التابعي أنه لا يسافر ، فإن سافر لزمه الصوم وحرم الفطر وعن nindex.php?page=showalam&ids=16536عبيدة السلماني - بفتح العين - nindex.php?page=showalam&ids=16072وسويد بن غفلة - بفتح الغين المعجمة والفاء - التابعين أنه لا يلزمه الصوم بقية الشهر ولا يمتنع السفر ; لقوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } دليلنا قوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } وفي الصحيحين { nindex.php?page=hadith&LINKID=5614أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة الفتح في رمضان مسافرا وأفطر } والآية التي احتجوا بها محمولة على من شهد كل الشهر في البلد ، وهو حقيقة الكلام ، فإن شهد بعضه لزم صوم ما شهد منه في البلد ، ولا بد من هذا التفسير للجمع بين الأدلة .
[ ص: 269 ] فرع في مذاهب العلماء في السفر المجوز للفطر . ذكرنا أن مذهبنا أنه ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي ، وهذه المراحل مرحلتان قاصدتان وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا يجوز إلا في سفر يبلغ ثلاثة أيام كما قال في القصر ، وقال قوم : يجوز كل سفر وإن قصر ، وسبقت هذه المذاهب بأدلتها في صلاة المسافر .
( وأما ) المنقول عن nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " فقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : هو موقوف منقطع ، وروي مرفوعا وإسناده ضعيف ، والله أعلم .
( فرع ) في مذاهبهم فيمن أطاق الصوم في السفر بلا ضرر ، هل الأفضل صومه رمضان ؟ أم فطره ؟ قد ذكرنا مذهبنا أن صومه أفضل وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=61وعثمان بن أبي العاص رضي الله عنهم ، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=13705والأسود بن يزيد وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=14919والفضيل بن عياض nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=16418وعبد الله بن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وآخرون ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب والشعبي والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق وعبد الملك بن الماجشون المالكي : الفطر أفضل ، وقال آخرون : هما سواء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة : الأفضل منهما هو الأيسر والأسهل عليه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وبه أقول . [ ص: 272 ] واحتج لمن رجح الفطر بالأحاديث السابقة كقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=33800ليس من البر الصوم في السفر } وقوله صلى الله عليه وسلم في الصائمين : { nindex.php?page=hadith&LINKID=8857أولئك العصاة } وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=18382خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الكديد } وهو - بفتح الكاف - ثم أفطر قال : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وحديث حمزة بن عمرو السابق { nindex.php?page=hadith&LINKID=39037هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه } . واحتج أصحابنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء السابق في صيام النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=82وعبد الله بن رواحة وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد السابق { nindex.php?page=hadith&LINKID=37931كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ، فمنا الصائم ومنا المفطر } إلى آخره ، وهذان الحديثان هما المعتمد في المسألة ، وكذا حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ( قصرت وأتممت ) في صيام النبي إلى آخره ، ( وأما ) الحديث المروي عن سلمة بن المحبق - بكسر الباء وفتحها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37140من كان في سفر على حمولة يأوي إلى شبع فليصم حيث أدركه رمضان } فهو حديث ضعيف رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وضعفه ، ونقل عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تضعيفه وأنه ليس بشيء وكذا الحديث المرفوع عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=10908إن أفطرت فهو رخصة وإن صمت فهو أفضل } حديث منكر قاله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وإنما هو موقوف على nindex.php?page=showalam&ids=9أنس .
( والجواب ) عن الأحاديث التي احتج بها القائلون بفضل الفطر أنها محمولة على من يتضرر بالصوم ، وفي بعضها التصريح بذلك كما سبق ، ولا بد من هذا التأويل ليجمع بين الأحاديث ، والله أعلم .