( والثاني ) أنه كراهة تنزيه ; لأنه إنما نهى عنه حتى لا يضعف عن الصوم ، وذلك أمر غير محقق فلم يتعلق به إثم ، فإن واصل لم يبطل صومه ; لأن النهي لا يرجع إلى الصوم فلا يوجب بطلانه .
( الشرح ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، والوصال بكسر الواو ، ويطعمني بضم الياء ، ويسقيني بضم الياء وفتحها ، والفتح أفصح وأشهر . وقوله : لأنه إنما نهى عنه بضم النون وفتحها . أما حكم الوصال فهو مكروه بلا خلاف عندنا ، وهل هي كراهة تحريم أم تنزيه ؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران ودليلهما في الكتاب ( أصحهما ) عند أصحابنا وهو ظاهر نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كراهة تحريم ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه قال في المختصر : فرق الله تعالى [ ص: 400 ] بين رسوله وبين خلقه في أمور أباحها له ، وحظرها عليهم ، وذكر منها الوصال . وممن صرح به من أصحابنا بتصحيح تحريمه صاحب العدة والرافعي وآخرون . وقطع به جماعة من أصحابنا منهم القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في كتابه المجرد ، nindex.php?page=showalam&ids=14228والخطابي في المعالم وسليم الرازي في الكفاية ، وإمام الحرمين في النهاية والبغوي والروياني في الحلية ، nindex.php?page=showalam&ids=14922والشيخ نصر في كتابه الكافي ، وآخرون كلهم صرحوا بتحريمه من غير خلاف . قال أصحابنا : وحقيقة الوصال المنهي عنه أنه يصوم يومين فصاعدا ولا يتناول في الليل شيئا لا ماء ولا مأكولا ، فإن أكل شيئا يسيرا أو شرب فليس وصالا .
وكذا إن أخر الأكل إلى السحر لمقصود صحيح أو غيره فليس بوصال وممن صرح بأن الوصال ألا يأكل ولا يشرب ، ويزول الوصال بأكل أو شرب - وإن قل - صاحب الحاوي وسليم الرازي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب وإمام الحرمين والشيخ نصر والمتولي وصاحب العدة وصاحب البيان ، وخلائق لا يحصون من أصحابنا . وأما قول المحاملي في المجموع وأبي علي بن الحسن بن عمر البندنيجي في كتابه الجامع والغزالي في الوسيط والبغوي في التهذيب : الوصال ألا يأكل شيئا في الليل ، وخصوه بالأكل فضعيف بل هو متأول على موافقة الأصحاب ويكون مرادهم لا يأكل ولا يشرب كما قاله الجماهير ، واكتفوا بذكر أحد القرينين كقوله تعالى { سرابيل تقيكم الحر } أي والبرد ، ونظائره معروفة ، وقد بالغ إمام الحرمين فقال في النهاية في بيان ما يزول به الوصال : فقيل : يزول الوصال بقطرة يتعاطاها كل ليلة ، ولا يكفي اعتقاده أن من جن عليه الليل فقد أفطر ، هذا لفظه بحروفه . واعلم أن الجمهور قد أطلقوا في بيان حقيقة الوصال أنه صوم يومين فأكثر من غير أكل ولا شرب في الليل . قال الروياني في الحلية : الوصال أن يصل صوم الليل بصوم النهار قصدا ، فلو ترك الأكل بالليل لا على قصد الوصال والتقرب إلى الله به لم يحرم .
وقال البغوي : العصيان في الوصال لقصده إليه وإلا فالفطر حاصل [ ص: 401 ] بدخول الليل ، كالحائض إذا صلت عصت ، وإن لم يكن لها صلاة ، وهذا الذي قالاه خلاف إطلاق الجمهور وخلاف ما صرح به إمام الحرمين كما سبق قريبا ، وقد قال المحاملي في المجموع : الوصال ترك الأكل بالليل دون نية الفطر ; لأن الفطر يحصل بالليل ، سواء نوى الإفطار أم لا . هذا كلامه . وظاهره مخالف لقول الروياني والبغوي . والله أعلم . فالصواب أن الوصال ترك الأكل والشرب في الليل بين الصومين عمدا بلا عذر .
( فرع ) اتفق أصحابنا وغيرهم على أن الوصال لا يبطل الصوم سواء حرمناه أو كرهناه ، لما ذكره المصنف أن النهي لا يعود إلى الصوم ، والله أعلم .
( فرع ) اتفقت نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب على أن الوصال من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مكروه في حقنا ، إما كراهة تحريم على الصحيح وإما تنزيه ، ومباح له صلى الله عليه وسلم كذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجمهور . وقال إمام الحرمين : هو قربة في حقه ، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على الفرق بيننا وبينه في ذلك بقوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12734إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني } واختلف أصحابنا في تأويل هذا الحديث على وجهين مشهورين في الحاوي ومنهاج القاضي أبي الطيب والمعالم nindex.php?page=showalam&ids=14228للخطابي والعدة والبيان وغيرها : ( أحدهما ) وهو الأصح أن معناه أعطي قوة الطاعم الشارب ، وليس المراد الأكل حقيقة إذ لو أكل حقيقة لم يبق وصال ، ولقال : ما أنا مواصل ، ويؤيد هذا التأويل ما سنذكره إن شاء الله تعالى قريبا في فرع بيان الأحاديث في حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، وقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12734إني أظل يطعمني ربي ويسقيني } ولا يقال : ظل إلا في النهار ، فدل على أنه لم يأكل .
( والثاني ) أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من الجنة كرامة له لا تشاركه فيها الأمة ، وذكر صاحب العدة والبيان تأويلا [ ص: 402 ] ثالثا مع هذين قالا : وقيل : معناه أن محبة الله تشغلني عن الطعام والشراب ، والحب البالغ يشغل عنهما .
( فرع ) قال أصحابنا : الحكمة في النهي عن الوصال لئلا يضعف عن الصيام والصلاة وسائر الطاعات ، أو يملها ويسأم منها لضعفه بالوصال ، أو يتضرر بدنه أو بعض حواسه وغير ذلك من أنواع الضرر . فرع في مذاهب العلماء في الوصال ذكرنا أن مذهبنا أنه منهي ، عنه وبه قال الجمهور ، وقال العبدري : وهو قول العلماء كافة إلا nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير ، فإنه كان يواصل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : كان nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير وابن أبي نعيم يواصلان ، وذكر الماوردي في الحاوي أن nindex.php?page=showalam&ids=14عبد الله بن الزبير واصل سبعة عشر يوما ثم أفطر على سمن ولبن وصبر . قال : وتأول في السمن أنه يلين الأمعاء ، واللبن ألطف غذاء ، والصبر يقوي الأعضاء دليلنا الحديث السابق وما سنذكره من الأحاديث إن شاء الله تعالى .