وقد سبق بيان هذا في مقدمة هذا الشرح ، ثم في مواضع . وأيام التشريق هي الثلاثة التي بعد النحر ويقال لها : أيام منى ; لأن الحجاج يقيمون فيها بمنى ، واليوم الأول يقال له : يوم القر - بفتح القاف - لأن الحجاج يقرون فيه بمنى ، والثاني يوم النفر الأول ; لأنه يجوز النفر فيه لمن تعجل ، والثالث يوم النفر الثاني . وسميت أيام التشريق ; لأن الحجاج يشرقون فيها [ ص: 485 ] لحوم الأضاحي والهدايا - أي ينشرونها ويقددونها - وأيام التشريق هي الأيام المعدودات .
( أما حكم المسألة ) ففي صوم أيام التشريق قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أحدهما ) وهو الجديد لا يصح صومها لا لمتمتع ولا غيره ، هذا هو الأصح عند الأصحاب .
( والثاني ) وهو القديم يجوز للمتمتع العادم الهدي صومها عن الأيام الثلاثة الواجبة في الحج ، فعلى هذا هل يجوز لغير المتمتع أن يصومها ؟ فيه وجهان مشهوران في طريقة الخراسانيين وذكرهما جماعات من العراقيين ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في المجرد والبندنيجي والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد وآخرون منهم ( أصحهما ) عند جميع الأصحاب لا يجوز ، وبه قطع المصنف وكثيرون أو الأكثرون ; لعموم الأحاديث في منع صومها ، وإنما رخص للمتمتع ( والثاني ) يجوز . قال المحاملي في كتابيه وصاحب العدة : هذا القائل بالجواز هو nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي قال أصحابنا الذين حكوا هذا الوجه : " إنما يجوز في هذه الأيام صوم له سبب من قضاء أو نذر أو كفارة أو تطوع له سبب " فأما تطوع لا سبب له فلا يجوز فيها بلا خلاف . كذا نقل اتفاق الأصحاب عليه nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب والمحاملي والسرخسي وصاحب العدة وآخرون .
وأكثر القائلين قالوا : هو نظير الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، فإنه يصلي فيها ما لها سبب دون ما لا سبب لها . قال السرخسي : مبنى الخلاف على أن إباحتها للمتمتع للحاجة ، أو لكونها سببا . وفيه خلاف لأصحابنا من علل بالحاجة ، خصه بالمتمتع فلم يجوزها لغيره ومن علل بالسبب جوز صومها عن كل صوم له سبب دون ما لا سبب له ، قال السرخسي : وعلى هذا الوجه لو نذر صومها بعينها فهو كنذر صوم يوم الشك ، وسبق بيانه ، هذا هو المشهور في المذهب أن الوجه القائل بجواز الصوم في أيام التشريق لغير المتمتع مختص بصوم له سبب ، ولا يصح فيها ما لا سبب له بالاتفاق . [ ص: 486 ] وقال إمام الحرمين : اختلف أصحابنا في التفريع على القديم ، فقال بعضهم : لا تقبل هذه غير صوم المتمتع لضرورة تختص به ، وقال آخرون . إنها كيوم الشك ، ثم ذكر متصلا به في يوم الشك أنه إن صامه بلا سبب فهو منهي عنه ، وفي صحته وجهان ، وقد سبق بيان ذلك .
( واعلم ) أن الأصح عند الأصحاب هو القول الجديد أنها لا يصح فيها صوم أصلا ، لا للتمتع ولا لغيره ( والأرجح ) في الدليل صحتها للتمتع وجوازها له ، لأن الحديث في الترخيص له صحيح كما بيناه وهو صريح في ذلك فلا عدول عنه . وأما قول صاحب الشامل في كتاب الحج : إنه حديث ضعيف ، فباطل مردود ; لأنه رواه من جهة ضعيفة وضعفه بذلك السبب ، والحديث صحيح ثابت في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بإسناده المتصل من غير الطريق الذي ذكره صاحب الشامل ، وإنما ذكرت كلام صاحب الشامل لئلا يغتر به .
فرع في مذاهب العلماء في صوم أيام التشريق . قد ذكرنا مذهبنا فيها ، وأن الجديد أنه لا يصح فيها صوم ( والقديم ) صحته لمتمتع لم يجد الهدي ، وممن قال به من السلف العلماء بامتناع صومها للمتمتع ولغيره nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ، وهو أصح الروايتين عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر جواز صومها للمتمتع وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وعائشة والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق في رواية عنه : يجوز للمتمتع صومها . .