( الشرح ) قال الرافعي : لو ملك فاضلا عن الأمور المذكورة ما يمكنه به الحج ، واحتاج إلى النكاح لخوف العنت ، فصرف المال إلى النكاح أهم من صرفه إلى الحج ، هذه عبارة الجمهور ، وعللوه بأن حاجة النكاح ناجزة ، والحج على التراخي ، والسابق إلى الفهم من هذه العبارة أنه لا يجب [ ص: 59 ] الحج والحالة هذه ، ويصرف ما معه في النكاح ، وقد صرح إمام الحرمين بهذا ، ولكن كثير من العراقيين وغيرهم قالوا : يجب الحج على من أراد التزوج لكن له أن يؤخره لوجوبه على التراخي ، ثم إن لم يخف العنت فتقديم الحج أفضل ، وإلا فالنكاح . هذا كلام الرافعي ، وقد صرح خلائق من الأصحاب بأنه يلزمه الحج ويستقر في ذمته ، ولكن له صرف هذا المال إلى النكاح وهو أفضل ، ويبقى الحج في ذمته ، ممن صرح بهذا الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والبندنيجي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في كتابيه التعليق والمجرد والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد ، والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين ، والدارمي ، وصاحب الشامل ، وصاحب التتمة وصاحب العدة وصاحب البيان ، وآخرون فهذا هو المذهب الصحيح ولا تقبل دعوى الرافعي فيما قاله عن الجمهور وفهمه عنهم .
( وأما ) نقله عن إمام الحرمين صحيح ، وقد صرح الجرجاني في المعاياة به فقال : لا يصير مستطيعا ، وهذا لفظ إمام الحرمين قال : قال العراقيون : لو فضل شيء وخاف العنت لو لم يتزوج ، وكان بحيث يباح له نكاح الأمة ، لم يلزمه أن يحج ، بل له صرف المال إلى النكاح ; لأن في تأخيره ضررا به ، والحج على التراخي ، قال : فإذن لا استطاعة ولا وجوب قال : وهذا الذي ذكره العراقيون قاطعين به قياس طرقنا وإن لم نجده منصوصا فيها ، هذا لفظ الإمام بحروفه ، وفيه التصريح بأنه إنما صرح بأنه لا تحصل الاستطاعة اعتمادا على ما ذكره العراقيون وليس فيما ذكره العراقيون أنه لا يجب الحج ، بل قالوا : يجب الحج وله تأخيره وصرف المال إلى النكاح ، ويكون الحج ثابتا في الذمة كما قدمناه عنهم ، وفي حكاية الإمام عنهم إشارة إلى هذا ، فالصواب استقرار الحج كما سبق ، وعلله صاحب الشامل وغيره بأن النكاح من الملاذ فلا يمنع وجوب الحج ، والله أعلم .