( الشرح ) الحديث المذكور صحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم بلفظه إلا قوله : " ثلاثا " فإنه في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم دون nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=23796فإنه لا يدري أين باتت يده } سببه ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وغيره أن أهل الحجاز كانوا يقتصرون على الاستنجاء بالأحجار ، وبلادهم حارة ، فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على المحل النجس أو على بثرة أو قملة ونحو ذلك فتتنجس .
( أما حكم المسألة ) : فقال أصحابنا إذا كان يتوضأ من قدح وشبهه مما يغمس اليد فيه وليس فيه قلتان نظر فإن شك في نجاسة يده كره أن يغمسها فيه حتى يغسلها ثلاثا للحديث ، وسواء كان الشك في نجاستها للقيام من النوم أو لغيره ، هكذا عبارة أصحابنا ، وصرحوا بأن الحكم متعلق بالشك . قالوا : وإنما ذكر النوم في الحديث مثالا ونبه صلى الله عليه وسلم على المقصود بذكر العلة في قوله صلى الله عليه وسلم {nindex.php?page=hadith&LINKID=23796فإنه لا يدري أين باتت يده } ، وأما تقييد المصنف المسألة بما إذا قام من النوم فخلاف ما قاله الأصحاب . وإن تيقن طهارة يده فوجهان الصحيح منهما أنه بالخيار إن شاء غسل ثم غمس وإن شاء غمس ثم غسل ; لأن كراهة الغمس عند الشك إنما كانت للخوف من النجاسة ، وقد تحققنا عدم النجاسة ، وبهذا الوجه قطع المصنف والشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والبندنيجي والمحاملي في كتبه الثلاثة وابن الصباغ والمتولي والبغوي والجرجاني وصاحبا العدة والبيان وغيرهم .
( والثاني ) استحباب تقديم الغسل ; لأن أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فيتوهم الطهارة في موضع النجاسة وربما نسي النجاسة ، فضبط الباب لئلا يتساهل الشاك ، وهذا الوجه هو المختار عند الماوردي وإمام الحرمين وغلطا من قال خلافه والله أعلم .
[ ص: 390 ] فرع ) أنكر على المصنف في هذا الفصل شيئان : ( أحدهما ) تخصيص استحباب الغسل قبل الغمس بما إذا قام من نوم والصواب ضبطه بالشك في نجاسة اليد كما أوضحناه .
( والثاني ) قوله : استحب أن لا يغمس حتى يغسل . لا يلزم منه كراهة الغمس أولا ، والصواب أنه يكره الغمس قبل الغسل للنهي الصريح في هذا الحديث الصحيح ، وكذا صرح بالكراهة المصنف في التنبيه وآخرون ، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي فقال : ( فإن غمس يده قبل الغسل أو بعد الغسل مرة أو مرتين فقد أساء ) هذا نصه وهذه أول مسألة في nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي ، وفي هذا النص تصريح بالكراهة حتى يغسل ثلاثا وإن الغسلتين لا تنفي الكراهة لكن تخففها ، والحديث دليل لهذا والله أعلم .
( والثانية ) إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم ، وإن قام من نوم النهار فكراهة تنزيه ، وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود ، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : " فإنه لا يدري أين باتت يده " والمبيت يكون في الليل ، والنهي للتحريم ، وأجاب أصحابنا بأن الليل ، ذكر لأنه الغالب ، ونبه صلى الله عليه وسلم على العلة بقوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31575لا يدري أين باتت يده } وأمر بذلك احتياطا فلا يكون واجبا ولا تركه محرما كغيره مما في معناه . والله أعلم .
( فرع ) إذا غمس يده وهو شاك في نجاستها قبل غسلها كان مرتكبا كراهة التنزيه ولا ينجس الماء بل هو باق على طهارته ، ويجوز أن يتطهر به هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكاه أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري رحمه الله أنه قال : ينجس إن كان قام من نوم الليل ، وحكى هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=16935ومحمد بن جرير nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ، وهو ضعيف جدا ، لأن الأصل طهارة الماء واليد فلا ينجس بالشك ، وقواعد الشرع متظاهرة على [ ص: 391 ] هذا ولا يمكن أن يقال الظاهر من اليد النجاسة . وأما الحديث فمحمول على الاستحباب والله أعلم
( فرع ) إذا شك في نجاسة اليد كره غمسها في المائعات كلها حتى يغسلها ، فإن غمس قبل الغسل لم تنجس ولم يحرم أكله .
( فرع ) اعلم أن كل ما ذكرناه إنما هو في كراهة تقديم الغمس على الغسل ، وأما أصل غسل الكفين فسنة بلا خلاف ، اتفق أصحابنا على التصريح بذلك وتظاهرت عليه نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ودلائله من الأحاديث الصحيحة المشهورة ، وممن نقل اتفاق طرق الأصحاب عليه إمام الحرمين في النهاية ثم في مختصره للنهاية ، وإنما ذكرت هذا الكلام لأن عبارة الغزالي في الوسيط توهم إثبات خلاف فيه وذلك غير مراد ، فيتأول كلامه . والله أعلم .
( الخامسة ) أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يكفي الرش وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، وقال بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : ويكفي الرش وسنوضح المسألة بدليلها في باب إزالة النجاسة إن شاء الله تعالى .
( السادسة ) استحباب الاحتياط في العبادات وغيرها بحيث لا ينتهي إلى الوسوسة وقد أوضحنا الفرق بينهما في آخر باب الشك في نجاسة الماء .
( السابعة ) استحباب استعمال لفظ الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يدري أين باتت يده " ولم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو [ ص: 392 ] ذكره ، ولهذا نظائر كثيرة في القرآن والسنة كقوله تعالى : ( { الرفث إلى نسائكم } ) وقوله تعالى ( { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } ) وقوله ( { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } ) وهذا كله إذا علم أن السامع يفهم المقصود فهما جليا ، وإلا فلا بد من التصريح نفيا للبس والوقوع في خلاف المطلوب ، وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به . والله أعلم