قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن لم يكن له طريق إلا في البحر فقد قال في الأم : لا يجب عليه ، قال في الإملاء : إن كان أكثر معاشه في البحر لزمه ، فمن أصحابنا من قال : فيه قولان : ( أحدهما ) يجب ; لأنه طريق مسلوك فأشبه البر ( والثاني ) لا يجب ; لأن فيه تغريرا بالنفس والمال فلا يجب كالطريق المخوف ، ومنهم من قال : إن كان الغالب منه السلامة لزمه ، وإن كان الغالب منه الهلاك لم يلزمه كطريق البر ومنهم من قال : إن كان له عادة بركوبه لزمه وإن لم يكن له عادة بركوبه لم يلزمه ; لأن من له عادة لا يشق عليه ، ومن لا عادة له يشق عليه ) .
[ ص: 65 ] الشرح ) اختلفت نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في ركوب البحر فقال في الأم والإملاء ما ذكره المصنف ، وقال في المختصر : ولا يتبين لي أن أوجب عليه ركوب البحر ، قال أصحابنا : إن كان في البر طريق يمكن سلوكه قريب أو بعيد لزمه الحج بلا خلاف ، وإن لم يكن ففيه طرق : ( أصحها ) وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي nindex.php?page=showalam&ids=13785وأبو سعيد الإصطخري وغيرهما فيما حكاه صاحب الشامل والتتمة وغيرهما أنه إن كان الغالب منه الهلاك إما لخصوص ذلك البحر وإما لهيجان الأمواج لم يجب الحج ، وإن غلبت السلامة وجب ، وإن استويا فوجهان : ( أصحهما ) أنه لا يجب ( والطريق الثاني ) يجب قولا واحدا ( الثالث ) لا يجب ( والرابع ) في وجوبه قولان ( والخامس ) إن كان عادته ركوبه وجب وإلا فلا ، ( والسادس ) حكاه إمام الحرمين أنه يفرق بين من له جرأة وبين المستشعر وهو ضعيف القلب فلا يلزم المستشعر وفي غيره قولان ( والسابع ) حكاه الإمام وغيره يلزم الجريء وفي المستشعر قولان ( والثامن ) يلزم الجريء ولا يلزم المستشعر . قال أصحابنا : وإذا قلنا : لا يجب ركوب البحر ففي استحبابه وجهان : ( أحدهما ) لا يستحب مطلقا لما فيه من الخطر ( وأصحهما ) وبه قطع كثيرون يستحب إن غلبت السلامة فإن غلب الهلاك حرم ، نقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب على تحريمه والحالة هذه ، فإن استويا ففي التحريم وجهان : ( أصحهما ) التحريم وبه قطع nindex.php?page=showalam&ids=14048الشيخ أبو محمد الجويني ( والثاني ) لا يحرم ولكن يكره ، قال إمام الحرمين لا خلاف في ثبوت الكراهية ، وإنما الخلاف في التحريم .
قال أصحابنا : وإذا لم نوجب ركوب البحر فتوسطه في بحارة أو غيرها ، فهل يلزمه التمادي في ركوبه إلى الحج أم له الانصراف إلى وطنه ؟ ينظر إن كان ما بين يديه إلى مكة أكثر مما قطعه من البحر ، فله الرجوع إلى وطنه قطعا ، وإن كان أقل لزمه التمادي قطعا ، وإن استويا فوجهان ، وقيل : قولان : ( أصحهما ) يلزمه التمادي لاستواء الجهدين في حقه ( والثاني ) لا ، قالوا : وهذان الوجهان فيما إذا كان له في الرجوع [ ص: 66 ] من مكة إلى وطنه طريق في البر ، فإن لم يكن فله الرجوع إلى وطنه قطعا ، لئلا يتحمل زيادة الخطر بركوب البحر في الرجوع من الحج ، قال أصحابنا : وهذان الوجهان كالوجهين فيمن أحصر ، وهو محرم وأحاط به العدو من كل جهة ، فهل له التحلل أم لا ؟ وسنوضحهما في موضعهما إن شاء الله - تعالى - . هذا كله في الرجل ( أما ) المرأة فإن لم نوجب ركوب البحر على الرجل فهي أولى وإلا ففيها خلاف ( والأصح ) الوجوب ( والثاني ) المنع لضعفها عن احتمال الأهوال ، ولكونها عورة معرضة للانكشاف وغيره لضيق المكان ، قال أصحابنا : فإن لم نوجبه عليها لم يستحب على المذهب . وقيل في استحبابه : لها حينئذ الوجهان السابقان في الرجل ، وحكى البندنيجي قولين . هذا كله حكم البحر ( أما ) الأنهار العظيمة كدجلة وسيحون وجيحون وغيرها فيجب ركوبها قولا واحدا عند الجمهور ; لأن المقام فيها لا يطول ولا يعظم الخطر فيها وبهذا قطع المتولي والبغوي وحكى الرافعي فيه وجها شاذا ضعيفا أنه كالبحر ، والله أعلم .
( فرع ) إذا حكمنا بتحريم ركوب البحر للحج عند غلبة الهلاك كما سبق فيحرم ركوبه للتجارة ونحوها من الأسفار المباحة ، وكذا المندوبة أولى ، وهل يحرم ركوبه في الذهاب إلى العدو ؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين هنا : ( أحدهما ) يحرم ; لأن الخطر المحتمل في الجهاد هو الحاصل بسبب القتل وليس هذا منه ، و ( الثاني ) لا يحرم ; لأن مقصود العدو يناسبه ، فإذا كان المقصود وهو الجهاد مبنيا على العدو لم ينفذ احتمال العدو في السبب والله أعلم .
( فرع ) إذا كان البحر مغرقا أو كان قد اغتلم وماج ، حرم ركوبه لكل سفر ، لقول الله - تعالى - : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ولقوله - تعالى - : { ولا تقتلوا أنفسكم } هكذا صرح به إمام الحرمين والأصحاب .
( فرع ) مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد أنه يجب الحج في البحر [ ص: 67 ] إن غلبت فيه السلامة ، وإلا فلا وهذا هو الصحيح عندنا كما سبق ، ومما جاء في هذه المسألة من الأحاديث حديث ابن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=31612 : لا يركبن أحد بحرا لا غازيا أو معتمرا أو حاجا وإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا } رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وآخرون قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره : قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : هذا الحديث ليس بصحيح ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طرق عن nindex.php?page=showalam&ids=13ابن عمرو موقوفا والله أعلم .