قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج ، والدليل عليه قوله عز وجل : { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } والمراد به وقت إحرام الحج ; لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر ، فدل على أنه أراد به وقت الإحرام ; ولأن الإحرام نسك من مناسك الحج ، فكان مؤقتا ، كالوقوف والطواف وأشهر الحج : شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة ، وهو إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر ، لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر nindex.php?page=showalam&ids=14وابن الزبير رضي الله عنهم أنهم قالوا : " أشهر الحج معلومات ، شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة " فإن أحرم بالحج في غير أشهره انعقد إحرامه بالعمرة ; لأنها عبادة غير مؤقتة ، فإذا عقدها في غير وقتها انعقد غيرها من جنسها ، كصلاة الظهر إذا أحرم بها قبل الزوال ، فإنه ينعقد إحرامه بالنفل ولا يصح في سنة واحدة أكثر من حجة ; لأن الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة ، فلا يمكن أداء الحجة الأخرى ) .
[ ص: 129 ] ( الشرح ) : ( قوله : ) ; لأن الوقت يستغرق أفعال الحجة ، الأجود أن يقال ; لأن الحجة تستغرق الوقت . ثم في الفصل مسائل ( إحداها ) : فيما يتعلق بألفاظه فقوله تعالى { فمن فرض فيهن الحج } قال المفسرون وغيرهم من العلماء : معناه من أوجب على نفسه وألزمها الحج ، ومعنى الفرض في اللغة الإلزام والإيجاب ( وأما ) الرفث ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والجمهور : المراد به الجماع ، وقال كثيرون : المراد به هنا التعرض للنساء بالجماع ، وذكره بحضرتهن ، فأما ذكره من غير حضور النساء ، فلا بأس به وهذا مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وآخرين ( وأما ) الفسوق فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر والجمهور : هو المعاصي كلها .
( وأما ) الجدال ، فقال المفسرون وغيرهم : المراد النهي عن جدال صاحبه ومماراته حتى يغضبه وسميت المخاصمة مجادلة ; لأن كل واحد من الخصمين يروم أن يفتل صاحبه عن رأيه ويصرفه عنه وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12078وأبو عبيدة وغيرهما معناه هنا ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة ، والمراد إبطال ما كانت الجاهلية عليه من تأخيره ، وفعلهم النساء وهو النسيء والتأخير ، والأول هو قول الجمهور ، وقد ذكر المصنف تفسير nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الآية في آخر باب الإحرام . قال المفسرون وأهل المعاني وغيرهم : ظاهر الآية نفي ومعناها نهي ، أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا . واختلف القراء السبعة في قراءة هذه الآية فقرأ ابن كثير وأبو عمرو { فلا رفث ولا فسوق } بالرفع والتنوين ، وقرأ باقي السبعة بالنصب بلا تنوين ، واتفقوا على نصب اللام من جدال .
( وأما ) قوله تعالى : { الحج أشهر } والمراد شهران وبعض الثالث ، فجاز على المعروف في لغة العرب في إطلاقهم لفظ الجمع على اثنين وبعض الثالث ، ومنه قوله تعالى : { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ويكفيها طهران وبعض الطهر الأول ( وأما ) قول المصنف : وقت إحرام الحج ، فهكذا قاله أصحابنا في كتب الفقه ، واتفقوا عليه ووافقهم بعض العلماء ( وأما ) النحويون وأصحاب المعاني ومحققو المفسرين فذكروا في الآية قولين ( أحدهما ) : تقديرها : أشهر الحج أشهر معلومات فحذف المضاف وأقيم [ ص: 130 ] المضاف إليه مقامه ( والثاني ) : تقديرها : الحج حج أشهر معلومات ، أي لا حج إلا في هذه الأشهر ، فلا يجوز في غيرها ، خلاف ما كانت الجاهلية تفعله من حجهم في غيرها ، فعلى هذا يكون حذف المصدر المضاف للأشهر ، قال الواحدي : ويمكن حمل الآية على غير إضمار وهو أن الأشهر جعلت نفس الحج ليكون الحج فيها ، كقولهم : ليل نائم لما كان النوم فيه جعل نائما ( وأما ) قول المصنف : ولأن الإحرام نسك من مناسك الحج وكان مؤقتا كالوقوف والطواف فمقصوده به إلزام تعبير nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وغيرهم ممن يقول : إنه يجوز الإحرام بالحج في جميع السنة ولا يأتي بشيء من أفعاله قبل أشهره ، ووافقونا على أن الوقوف والطواف لا يكونان في كل السنة ، بل هما مؤقتان ، فقاس المصنف الإحرام عليهما ( وأما ) قوله : أشهره شوال وذو القعدة أو القعدة - بفتح القاف - على المشهور ، وحكي كسرها ، وذو الحجة - بكسر الحاء - على المشهور ، وحكي فتحها ( وأما ) الآثار المذكورة عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وغيره فسنذكرها في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى .
( وأما ) قول المصنف : لأنها عبادة مؤقتة ، فقال القلعي : احترز بمؤقتة عن الوضوء والغسل ، وهو ما إذا توضأ للظهر مثلا قبل الزوال ، فإنه يصح وضوءه للظهر وغيره ، وتنعقد طهارته التي عينها بعينها ، قال : ويحتمل أنه أراد إذا كان متطهرا ، فتوضأ أو اغتسل بنية الحدث أو الجنابة اللذين يوجدان في المستقبل ، فإنه لا يصح له ما نواه ، ولا ينعقد وضوءه تجديدا ، ولا غسله مسنونا ، قال : ويحتمل أن يحترز من التيمم ، وهو إذا تيمم للظهر قبل الزوال ، فإنه لا يصح تيممه ولا يجوز أن يصلي به فريضة ولا نافلة .
( فأما ) الفريضة ; فلأنه تيمم لها قبل وقتها ( وأما ) النافلة ; فلأنه إنما يستبيحها بالتيمم تبعا للفريضة ، فإذا لم يستبح المتبوع لم يستبح التابع .
( وأما ) قوله : كصلاة الظهر إذا أحرم بها قبل الزوال ، فإنه ينعقد [ ص: 131 ] إحرامه بالنفل ، فهكذا قاس nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب ، وكذا نقله nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني في المختصر وهذا الذي قال من انعقاد الظهر نفلا إذا أحرم بها قبل الزوال هو المذهب ، وبه قطع المصنف وجمهور العراقيين ، وفيه قول آخر : إنها لا تنعقد ، وسبق بيان المسألة في أول صفة الصلاة ، وصورة المسألة : إذا ظن دخول الوقت فبان خلافه ( فأما ) إذا أحرم بها قبل الزوال عالما بأن الوقت لم يدخل ، فلا تنعقد صلاته على المذهب ، وفيه خلاف ضعيف جدا سبق هناك .
( واعلم ) أن قياس المصنف nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والأصحاب على من صلى الظهر قبل الزوال أرادوا به ما إذا كان جاهلا عدم دخول الوقت ، وحينئذ يقال : ليست صورة الحج مثلها إلا أن يفرض فيمن أحرم بالحج في غير أشهره ظانا جواز ذلك ، عالما بأنه لا ينعقد الحج في غير أشهره . وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين العالم والجاهل ، فينبني الإشكال ، والله أعلم .
( المسألة الثانية ) : لا ينعقد الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج بلا خلاف عندنا ، وأشهره شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة آخرها طلوع الفجر ليلة النحر ( فأما ) كون أولها أول شوال فمجمع عليه ( وأما ) امتدادها إلى طلوع الفجر ، فهو الصحيح المشهور الذي نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في المختصر ، وقطع به جمهور الأصحاب في الطريقين ، وحكى الخراسانيين وجها أنه لا يصح الإحرام ليلة العشر ، بل آخر الشهر آخر يوم عرفة ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي والسرخسي وصاحب البيان وآخرون قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله ، حكاه المحاملي وأبو الطيب وصاحب البيان عن نصه في الإملاء ، ونقله السرخسي عن نصه في القديم ، ودليل الجميع في الكتاب مع ما سنذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم .
( الثالثة ) : إذا أحرم بالحج في غير أشهر الحج لم ينعقد حجا بلا خلاف ، وفي انعقاده عمرة ثلاث طرق : ( الصحيح ) : أنه ينعقد عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام وهو نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم ( والثاني ) : أنه يتحلل بأفعال [ ص: 132 ] عمرة ولا يحسب عمرة ، كمن فاته الحج ، قال المتولي وأخرجه من الستة : إنه تعذر عليه الحج لعدم الوقت في المسألتين ( والثالث ) : أنه ينعقد إحرامه بهما ، فإن صرفه إلى عمرة كان عمرة صحيحة ، وإلا تحلل بعمل عمرة ولا يحسب عمرة ، قال أصحابنا : ولا خلاف في انعقاد إحرامه وأنه يتحلل بأعمال عمرة ، وإنما الخلاف في أنها عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام ( أما ) إذا أحرم بنسك مطلقا قبل أشهر الحج ، فينعقد إحرامه عمرة على المذهب ، وبه قطع أصحابنا في كل الطرق إلا الرافعي ، فحكى فيه طريقا آخر أنه على وجهين ( أصحهما ) : هذا ( والثاني ) : هو محكي عن أبي عبد الله الخضري ينعقد بهما ، فإذا دخلت أشهر الحج صرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة أو قران ، والصواب الأول ; لأن الوقت لا يقبل إلا العمرة فتعين إحرامه لها والله أعلم .
( الرابعة ) : قال المصنف والأصحاب : لا يصح في سنة واحدة أكثر من حجة ; لأن الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة ; لأنه ما دام في أفعال الحجة لا يصلح إحرامه لحجة أخرى ، ولا يفرغ من أفعال الحج إلا في أيام التشريق ، ولا يصح الإحرام بالحج فيها ، ولو صح الإحرام فيها على القول السابق عن الإملاء والقديم لم يمكن حجة أخرى لتعذر الوقوف . قال أصحابنا : ولو أحرم بحجتين أو عمرتين انعقدت إحداهما ولا تنعقد الأخرى ولا تثبت في ذمته عندنا ; لأنه لا يمكنه المضي فيهما ، فلم يصح الدخول فيهما قياسا على صوم النذر وصوم رمضان ، وقد ذكر المصنف هذه المسألة في أوائل باب الإحرام ، قال أصحابنا : ولو أحرم بحجة ، ثم أدخل عليها حجة أخرى أو بعمرة ، ثم أدخل عليها عمرة أخرى فالثانية لغو والله أعلم ( وإن قيل : ) قلتم : لو أحرم بحجتين انعقدت إحداهما ، ولو أحرم بصلاتين لم تنعقد واحدة منهما ، فما الفرق ؟ ( فالجواب ) أن تعيين النية شرط في الصلاة بخلاف الحج ; ولأن الإحرام يحافظ عليه ما أمكن ولا يلغى ، ولهذا لو أحرم بالحج في غير أشهره انعقد عمرة والله أعلم .
( فرع ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني أشهر الحج شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة فمن لم يدرك إلى الفجر من يوم النحر ، فقد فاته الحج ، هذا نصه بحرفه واعترض عليه أبو بكر الطاهري فقال : قوله : إن أراد به الليالي ، فهو خطأ ; لأن الليالي عشر وإن أراد الأيام ، فهو خطأ في اللغة ، فإن الأيام مذكرة ، فالصواب تسعة وأجاب الأصحاب عن هذا ، بأن المراد الأيام والليالي وغلب لفظ التأنيث على عادة العرب فإن العرب تغلب لفظ التأنيث في اسم العدد يقولون : صمنا عشرا ويريدون الليالي والأيام ويقولون صمنا خمسا ويريدون الأيام ، ومن هذا قول الله تعالى { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } والمراد بالليالي والأيام ومنه قوله تعالى { يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا } ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=36654من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال } وقد سبق بيان هذا كله واضحا في باب صوم التطوع في هذا الحديث ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يقولون : صمنا عشرا ولو قلت : صمت عشرة لم تكن متكلما بكلام العرب ، قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب وابن الصباغ والأصحاب : إنما أفرد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ليلة النحر بالذكر وذكرها بعد التسع ; لأن الإحرام يستحب تقديمه عليها قالوا : ويحتمل أنه أفردها ; لأنها تنفرد عن اليوم الذي بعدها ، ويحتمل أنه أفردها لتعلق الفوات بها .
( فرع ) : في مذاهب العلماء في وقت الإحرام بالحج ، لا ينعقد الإحرام بالحج إلا في أشهره عندنا ، فإن أحرم في غيرها انعقد عمرة ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، ونقله الماوردي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد . وقال الأوزاعي : يتحلل بعمرة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا يحرم بالحج إلا في أشهره . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود : لا ينعقد وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : يجوز قبل أشهر الحج لكن يكره ، قالوا : فأما الأعمال ، فلا تجوز قبل أشهر الحج بلا خلاف ، واحتج [ ص: 134 ] لها بقوله تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } فأخبر سبحانه وتعالى أن الأهلة كلها مواقيت للناس والحج ; ولأنها عبادة تدخلها النيابة ، وتجب الكفارة في إفسادها ، فلم تخص بوقت كالعمرة ; ولأن الإحرام بالحج يصح في زمان لا يمكن إيقاع الأفعال فيه ، وهو شوال ، فعلم أنه لا يختص بزمان . قالوا : ولأن التوقيت ضربان توقيت مكان وزمان ، وقد ثبت أنه لو تقدم إحرامه على ميقات المكان صح ، فكذا الزمان ، قالوا : وأجمعنا على أنه لو أحرم بالحج قبل أشهره انعقد ، لكن اختلفنا هل ينعقد حجا أم عمرة ؟ فلو لم ينعقد حجا لما انعقد .
واحتج أصحابنا بقوله تعالى { الحج أشهر معلومات } قالوا : وتقديره : وقت الإحرام بالحج أشهر معلومات ; لأنه لا يجوز حمل الآية على أن المراد أفعال الحج ; لأن الأفعال لا تكون في أشهر وإنما تكون في أيام معدودة ( فإن ) قالوا : قد قال nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : قال جمهور أهل المعاني والنحويين : معنى الآية أشهر الحج أشهر معلومات ( قلنا ) قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب وغيره : لو كان المراد هذا لم يكن فيه فائدة ، وفي التقدير الذي ذكرناه فائدة ، فالحمل عليه أولى ( فإن قيل : ) تقدير وقت الإحرام لا يدل على أن تقديمه لا يصح كالسعي ، فإنه مؤقت ، ويجوز تقديمه على وقته ، قال أصحابنا : لا نسلم جواز تقديم السعي ; لأنه يشترط تأخير السعي على الإحرام بالحج في أشهر الحج ويكره عندهم في غيرها ( قلنا : ) هذا خلاف الظاهر ، وهو منتقض بيوم العيد ، فإنه عند الحنفية من أشهر الحج ، ولا يستحب الإحرام فيه .
( فإن ) قالوا : نحن لا نجيز الحج في غير أشهره وإنما نجيز الإحرام به ، وذلك ليس عندنا من الحج ، قال أصحابنا : ( فالجواب ) أن الإحرام - وإن لم يكن عندهم من الحج - إلا أن المحرم يدخل به في الحج ، فإذا أحرم به قبل أشهره دخل في الحج قبل أشهره واحتج أصحابنا أيضا برواية nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير قال : " سئل nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : أهل بالحج في غير أشهر الحج ؟ قال : لا " [ ص: 135 ] رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد صحيح ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " لا يحرم بالحج إلا في أشهره ، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج " رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد صحيح ; ولأنها عبادة مؤقتة ، فكان الإحرام بها مؤقتا كالصلاة ; ولأنه آخر أركان الحج ، فلا يصح تقديمه على أشهر الحج كالوقوف بعرفة .
( وأما ) الجواب عما احتجوا به من قوله تعالى : { يسألونك عن الأهلة } فهو أن الأشهر هنا مجملة ، فوجب حملها على المبين ، وهو قوله تعالى : { الحج أشهر معلومات } والجواب عن قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } مع قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي من وجهين ( أحدهما ) : أنه مجهول على دويرة أهله ، بحيث يمكنه الإحرام منها في أشهر الحج ( والثاني ) : إن سلمنا أنه مخالف لما ذكرنا ، فهو مخالف لما صح عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر ، وإذا أختلفت الصحابة لم يعمل بقول بعضهم ( وأما ) القياس على العمرة ( فجوابه ) أن أفعالها غير مؤقتة ، فكذا إحرامها بخلاف الحج .
( وأما ) قولهم : إن الإحرام بالحج يصح في زمان لا يمكن إيقاع الأفعال فيه وهو شوال ، فعلم أنه لا يختص بزمان ( فجوابه ) من وجهين ( أحدهما ) : أن ما ذكروه ليس بلازم ( والثاني ) : ينتقض بصلاة الظهر ، فإن الإحرام بها يجوز عقيب الزوال ، ولا يجوز حينئذ الركوع والسجود وهي مؤقتة ( وأما ) قولهم : التوقيت ضربان إلى آخره ، فهو أن مقتضى التوقيت أن يتقدم عليه خالفنا ذلك في المكان ، وليس كذلك الزمان ( وأما ) قولهم : ولأنا أجمعنا على صحة إحرامه ( فجوابه ) : إنما صح إحرامه عندنا بالعمرة ، ولا يلزم من ذلك صحة إحرامه بالحج ، ونظيره إذا أحرم بالظهر قبل الزوال غلطا يصح نفلا لا ظهرا .
( فرع ) في مذاهب العلماء في أشهر الحج ، قد ذكرنا أن مذهبنا أنها شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن [ ص: 136 ] nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=14وابن الزبير والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : هي شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وروى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس روايتان كالمذهبين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=15854داود : شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة ، وخالف أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=15854داود في هذا . والخلاف بيننا وبين nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وموافقيه في يوم النحر ، هو عنده من أشهر الحج ، وليس هو عندنا منها ، وقد نقل المحاملي في المجموع إجماع العلماء على أن أول وقت أشهر الحج شوال وإنما اختلفوا في آخرها .
قال صاحب الشامل وآخرون من أصحابنا : وهذا الخلاف الذي بيننا وبين nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد يجوز الإحرام بالحج في جميع السنة كما حكيناه عنهما في الفرع السابق ولا يجوز عندهما إيقاع الفعل إلا في أوقاتها من أشهر الحج ، فلا فرق بين أن يوافقونا في أشهر الحج أو يخالفونا . وقال المتولي : لا فائدة في هذا الخلاف إلا في شيء واحد ، وهو أن عند nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك يكره الاعتمار في أشهر الحج ، فالعمرة عنده مكروهة في جميع ذي الحجة ، وهذا الذي استثناه المتولي لا حاجة إليه ; لأن العمرة لا تكره عندنا في شيء من السنة ، فلا فرق بين أن يوافقنا nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في أشهر الحج أو يخالفنا ، وهكذا قال العبدري : إن فائدة الخلاف عند nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك إذا أخر طواف الإفاضة عن ذي الحجة لزم دم ، وهذا أيضا لا حاجة إليه ; لأن الدم لا يجب عندنا بتأخير الطواف ، ولو أخره سنين .
واحتج nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=14وابن الزبير رضي الله عنهم قالوا : أشهر الحج شهران وعشر ليال ، قالوا : وإذا أطلقت الليالي تبعتها الأيام ، فيكون يوم النحر منها ; ولأن يوم النحر يفعل فيه معظم المناسك ، فكان من أشهر الحج كيوم عرفة ، واحتج nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك بأن الأشهر جمع وأقله ثلاثة ، واحتج أصحابنا برواية nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال : " أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة " وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14وابن الزبير مثله ، رواها كلها nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وصحح الرواية عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ورواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر صحيحة ، وأجاب أصحابنا عن قول الحنفية : إذا [ ص: 137 ] أطلقت الليالي تبعتها الأيام بأن ذلك عند إرادة المتكلم ، ولا نسلم بوجود الإرادة هنا . بل الظاهر عدمها فنحن قائلون بما قالته الصحابة .
( والجواب ) عن قولهم : إن يوم النحر يفعل فيه معظم المناسك ، فينتقض بأيام التشريق ( والجواب ) قول nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : إن العرب تعبر عن اثنين وبعض الثالث بلفظ الجمع ، قال الله تعالى : { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وأجمعنا نحن nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك على أن الأقراء هي الأطهار ، وأنه إذا طلقها في بقية طهر حسبت تلك البقية قرءا . فاتفقنا على حمل الأقراء على قرأين وبعض ، واتفقت العرب وأهل اللغة على استعمال مثله في التواريخ وغيرها ، يقولون : كتبت لثلاث ، وهو في بعض الليلة الثالثة ، والله أعلم .
( فرع ) في مذاهبهم فيمن أهل بحجتين . قد ذكرنا أن مذهبنا أنه ينعقد إحداهما ولا يلزمه فعل الأخرى ( وعند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ينعقدان ويلزمه قضاء الأخرى ) ، والذي حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عنه أنه يصير ناقضا لإحداهما حتى يتوجه إلى مكة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : أما أنا فأراه ناقضا لإحداهما حين يحرم بهما قبل أن يسير إلى مكة ، دليلنا ما سبق