قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان الصيد غير مأكول نظرت فإن كان متولدا بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل كالسمع المتولد بين الذئب والضبع والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الأهل فحكمه حكم ما يؤكل في تحريم صيده ووجوب الجزاء ; لأنه اجتمع فيه جهة التحليل والتحريم فغلب التحريم كما غلبت جهة التحريم في أكله وإن كان حيوانا لا يؤكل ولا هو متولد مما يؤكل فالحلال والحرام فيه واحد لقوله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فحرم من الصيد ما يحرم بالإحرام وهذا لا يكون إلا فيما يؤكل وهل يكره قتله أو لا يكره ؟ ينظر فيه فإن كان مما يضر ولا ينفع كالذئب والأسد والحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور والبق والبرغوث والقمل والقرقش والزنبور فالمستحب أن يقتله ; لأنه يدفع ضرره عن نفسه وعن غيره وإن كان مما ينتفع به ويستضر به كالفهد والبازي فلا يستحب قتله لما فيه من المنفعة ولا يكره لما فيه من المضرة وإن كان مما لا يضر ولا ينفع كالخنافس والجعلان وبنات وردان فإنه يكره قتله ولا يحرم ) .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 336 ] قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=15797 : الوزغ فويسق - ولم أسمعه أمر بقتله } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=11598أم شريك رضي الله عنها { nindex.php?page=hadith&LINKID=1989أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=1942أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ وسماه فويسقا } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وعن طارق بن شهاب " أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر المحرم بقتل الزنبور " رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بإسناد صحيح وعن ربيعة بن عبد الرحمن بن الجبير أنه رأى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرد بعيرا له في طين بالسقيا وهو محرم " رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بإسناد صحيح والله أعلم .
قال أصحابنا : ما ليس مأكولا من الدواب والطيور ضربان : ( أحدهما ) ما ليس في أصله مأكولا ( والثاني ) ما أحد أصليه مأكول فالأول لا يحرم التعرض له بالإحرام فيجوز للمحرم قتله ولا جزاء عليه وكذلك يجوز قتله للحلال والمحرم في الحرم ولا جزاء عليه للأحاديث السابقة قال أصحابنا : وهذا الضرب ثلاثة أقسام : ( أحدها ) ما يستحب قتله للمحرم وغيره وهي المؤذيات كالحية والفأرة والعقرب والخنزير والكلب العقور والغراب والحدأة والذئب والأسد والنمر والدب والنسر والعقاب والبرغوث والبق والزنبور والقراد واللكة والقرقش وأشباهها ( القسم الثاني ) ما فيه نفع ومضرة كالفهد والبازي والصقر ونحوها فلا يستحب قتلها ولا يكره لما ذكره المصنف قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي : نفع هذا الضرب أنه يعلم للاصطياد وضرره أنه يعدو على الناس والبهائم ( الثالث ) ما لا يظهر فيه نفع ولا ضر كالخنافس والدود والجعلان والسرطان والبغاثة والرخمة والعضاء واللحكاء والذباب وأشباهها فيكره قتلها ولا يحرم هكذا قطع به المصنف والجمهور وحكى إمام الحرمين [ ص: 337 ] وجها شاذا أنه يحرم قتل الطيور دون الحشرات ودليل الكراهة أنه عبث بلا حاجة وقد ثبت في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=75شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=11370إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا } إلى آخره وليس من الإحسان قتلها عبثا وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن قطبة بن مالك الصحابي رضي الله عنه قال " كان يكره أن يقتل الرجل ما لا يضره " قال أصحابنا : ولا يجوز قتل النحل والنمل والخطاف والضفدع وفي وجوب الجزاء بقتل الهدهد والصرد خلاف مبني على الخلاف في جواز أكلهما إن جاز وجب وإلا فلا واستدل nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره في المسألة بحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38681نهى عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد } رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=6848أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله - تعالى - إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم والله أعلم .
( وأما ) الكلب الذي ليس بعقور فإن كان فيه منفعة مباحة فقتله حرام بلا خلاف وإن لم يكن منفعة مباحة فالأصح أنه يحرم قتله وقيل : يكره والأمر بقتل الكلاب منسوخ وقد سبقت المسألة مستوفاة في باب إزالة النجاسة وسنعيدها واضحة إن شاء الله - تعالى - حيث ذكر المصنف مادتها في باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز ( أما ) القمل فقتله مستحب في غير الإحرام بلا شك ; لأنه في معنى المنصوص عليه في الأحاديث السابقة [ ص: 338 ] وأما ) في حال الإحرام فإن ظهر على ثياب المحرم أو بدنه فلا يكره له تنحيته ولا يحرم عليه قتله فإن قتله فلا شيء فيه ; لأنه ليس مأكولا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : ويكره أن يفلي رأسه ولحيته فإن فعل وأخرج منها قملة وقتلها قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : تصدق ولو بلقمة قال جمهور الأصحاب : هذا التصدق مستحب وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين في تعليقه وإمام الحرمين وآخرون وجها شاذا ضعيفا أنه واجب لما فيه من إزالة الأذى عن الرأس قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين : ولو جعل الزيت في رأسه فمات القمل والصئبان ففي وجوب الجزاء هذان الوجهان هذا إذا جعله في شعر رأسه أو لحيته بعد الإحرام قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : قالوا جميعا : فإن جعله قبل الإحرام فلا فدية قطعا لا واجبة ولا مستحبة قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وللصئبان حكم القمل وهو بيض القمل لكن فديته أقل من فدية القمل لكونه أصغر منه قال أصحابنا : وحقيقة الفدية ليست للقمل بل للترفه بإزالة الأذى عن الرأس فأشبه حلق شعر الرأس ( الضرب الثاني ) ما في أصله مأكول كالمتولد بين ذئب وضبع أو حمار وحش وإنس فيحرم التعرض له ويجب الجزاء لما ذكره المصنف ويلحق بهذا الضرب ما تولد من صيد وحيوان أهلي كمتولد بين ضبع وشاة ودجاجة ويعفور ونحو ذلك فيحرم على المحرم التعرض له ويضمنه بالجزاء لما ذكرناه في المتولد بين مأكول وغيره وهذا كله لا خلاف فيه والله أعلم .