قال المصنف - رحمه الله تعالى ( وإن استرسلت اللحية خرجت عن حد الوجه ففيها قولان : ( أحدهما ) لا تجب إفاضة الماء عليها لأنه شعر لا يلاقي محل الفرض فلم يكن محلا للفرض كالذؤابة .
( والثاني ) يجب لما روي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا غطى لحيته فقال : اكشف لحيتك فإنها من الوجه } ولأنه شعر ظاهر ثابت على بشرة الوجه فأشبه شعر الخد ) .
( الشرح ) هذا الحديث المذكور وجد في أكثر النسخ ولم يوجد في بعضها ، وكذا لم يقع في نسخة قيل : إنها مقروءة على المصنف وهو منقول عن رواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال الحافظ أبو بكر الحازمي : هذا الحديث ضعيف ، قال : ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيء . وقول المصنف : [ ص: 414 ] لأنه شعر ظاهر " احتراز من باطن اللحية الكثة ، وقوله " على بشرة الوجه " احتراز من الناصية ، وقوله : " استرسلت اللحية " أي : امتدت وانبسطت ، والذؤابة بضم الذال وبعدها همزة .
( والثاني ) لا يجب لكن يستحب . والقولان جاريان في الخارج عن حد الوجه طولا أو عرضا كما ذكرناه ، صرح به أبو علي البندنيجي في كتابه الجامع وآخرون . ثم إن عبارة جمهور الأصحاب كعبارة المصنف يقولون : هل يجب إفاضة الماء على الخارج ؟ فيه قولان ، وعبارة صاحب الشامل وقليلين هل يجب غسل ظاهر الخارج ؟ فيه قولان . قال الرافعي : لفظ الإفاضة في اصطلاح المتقدمين إذا استعمل في الشعر كان لإمرار الماء على الظاهر ، ولفظ الغسل للإمرار على الظاهر مع الإدخال في الباطن ، ولهذا اعترضوا على الزبيري حين قال في هذه المسألة : يجب الغسل في قول والإفاضة في قول ، وقالوا : الغسل غير واجب قولا واحدا ، وإنما القولان في الإفاضة . ومقصود الأئمة بلفظ الإفاضة أن داخل المسترسل لا يجب غسله قولا واحدا كالشعر النابت تحت الذقن ، وهذا كلام الرافعي وكذا قال المحاملي في كتابيه : لا خلاف أن غسل الشعر الخارج لا يجب ، وهل يجب إفاضة الماء على ظاهره ؟ فيه القولان ، وقال جماعة منهم إمام الحرمين كلاما مختصره أن النازل عن حد الوجه إن كان كثيفا فالقولان في وجوب إفاضة الماء على ظاهره ، ولا يجب غسل باطنه بلا خلاف ، وإن كان خفيفا فالقولان في وجوب غسله ظاهرا وباطنا ، وهذا هو الصواب ، وكلام الباقين محمول عليه ، ومرادهم المسترسل الكثيف كما هو الغالب . أما قول الغزالي في البسيط إن الخارج عن الوجه هل يجب إفاضة الماء [ ص: 415 ] على ظاهره خفيفا كان أو كثيفا فمخالف للأصحاب كلهم فلا نعلم أحدا صرح بأنه يكتفى في الخفيف بالإفاضة على ظاهره على قول الوجوب ، وأما عكسه وهو وجوب غسل باطن الكثيف فقد أوجبه الزبيري وغيره ، وهو ضعيف بل غلطه الأصحاب فيه .
( فرع ) وقد ذكرنا القولين في وجوب إفاضة الماء على ظاهر شعور الوجه الخارجة عن حده والصحيح منهما عند الأصحاب الوجوب كما سبق وهو محكي عن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وعدم الوجوب محكي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود واختاره nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، ودليل القولين ما ذكره المصنف . وأجاب الأصحاب للقول الصحيح بما احتج به الآخر من القياس على الذؤابة بجوابين : ( أحدهما ) : أن الرأس اسم لما ترأس وعلا وليست الذؤابة كذلك ، والوجه ما حصلت به المواجهة وهي حاصلة بالمسترسل .
( والثاني ) : أنا سلكنا الاحتياط في الموضعين والله أعلم
( فرع ) في مسائل تتعلق بغسل الوجه : ( إحداها ) : قال صاحب الحاوي : صفة غسل الوجه المستحبة أن يأخذ الماء بيديه جميعا لأنه أمكن وأصبغ ، ويبدأ بأعلى وجهه ثم يحدره ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل ، ولأن أعلى الوجه أشرف لكونه موضع السجود ، ولأنه أمكن فيجري الماء بطبعه ثم يمر يديه بالماء على وجهه حتى يستوعب جميع ما يؤمر بإيصال الماء إليه ، فإن أوصل الماء على صفة أخرى أجزأه . هذا كلام الماوردي ، وهذا الذي ذكره من أخذ الماء باليدين هو الصحيح الذي نص عليه في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني وقطع به الجمهور ، وقيل : يأخذه بيد ، وفيه وجه ثالث لزاهر السرخسي من متقدمي أصحابنا أنه يغرف ، بكفه اليمنى ويضع ظهرها على بطن كفه اليسرى ويصبه من أعلى جبهته ، وقد ثبت معنى هذه الأوجه الثلاثة في الحديث الصحيح ففي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=17214ثم أدخل يده [ ص: 416 ] فغسل وجهه ثلاثا } هكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في مواضع من صحيحه nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم " يده " بالإفراد وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري { nindex.php?page=hadith&LINKID=17214ثم أدخل يديه فاغترف بهما فغسل وجهه ثلاثا } وكذا هو بالتثنية في سنن أبي داود وغيره من رواية nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه لكن في إسنادها ضعف . وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=17211ثم أخذ غرفة فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ } فهذه الأحاديث دالة على أن جميع ذلك سنة ، لكن الأخذ بالكفين أفضل على المختار لما سبق والله أعلم
( المسألة الثانية ) : قال أصحابنا صاحب التتمة وآخرون : يجب على المتوضئ غسل جزء من رأسه ورقبته وما تحت ذقنه مع الوجه لأنه لا يمكن استيعاب الوجه إلا بذلك ، كما يجب إمساك جزء من الليل في الصيام ليستوعب النهار ، وقد ذكر المصنف هذه المسألة عند ذكر القلتين
( الثالثة ) : لو خرجت في وجهه سلعة وخرجت عن حد الوجه وجب غسلها كلها على المذهب ، وبه قطع صاحبا البحر والبيان لندوره . ولأنها كلها تعد من الوجه ، وذكر الجرجاني في التحرير طريقين أصحهما هذا ( والثاني ) : أن الخارج عن حد الوجه فيه قولان كاللحية المسترسلة
( والثاني ) : لا ، لأنه كان يمكن غسله قبل القطع ولم يكن واجبا فبقي على ما كان
( الخامسة ) : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : يستحب غسل النزعتين مع الوجه لأن بعض العلماء جعلهما من الوجه ، فيستحب الخروج من الخلاف .