قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن وطئ وهو قارن وجب مع البدنة دم القران ، لأنه دم وجب بغير الوطء فلا يسقط بالوطء ، كدم الطيب ، وإن وطئ ثم وطئ ولم يكفر عن الأول ففيه قولان ، قال في القديم : يجب عليه بدنة واحدة كما لو زنى ثم زنى كفاه لهما حد واحد ، وقال في الجديد : يجب عليه للثاني كفارة أخرى ، وفي الكفارة الثانية قولان ( أحدهما ) شاة لأنها مباشرة لا توجب [ ص: 411 ] الفساد ، فوجبت فيه شاة كالقبلة بشهوة ( والثاني ) يلزمه بدنة لأنه وطئ في إحرام منعقد فأشبه الوطء في إحرام صحيح ، وإن وطئ بعد التحلل الأول لم يفسد حجه لأنه قد زال الإحرام فلا يلحقه فساد ، وعليه كفارة ، وفي كفارته قولان ( أحدهما ) أنه بدنة لأنه وطئ في حال يحرم فيه الوطء ، فأشبه ما قبل التحلل ( والثاني ) أنها شاة لأنها مباشرة لا توجب الفساد ، فكانت كفارتها شاة ، كالمباشرة فيما دون الفرج ، وإن جامع في قضاء الحج لزمته بدنة ، ولا يلزمه إلا قضاء حجة واحدة ، لأن المقضي واحد فلا يلزمه أكثر منه )
( الشرح ) فيه ثلاث مسائل ( إحداها ) إذا فسد حجه بالجماع ثم جامع ثانيا ففيه خلاف ذكر المصنف بعضه ، وباقيه مشهور ، وحاصله خمسة أقوال ( أصحها ) تجب بالأول بدنة وبالثاني شاة ( والثاني ) يجب لكل واحد بدنة ( والثالث ) يكفي بدنة عنهما جميعا ( والرابع ) إن كفر عن الأول قبل جماع الثاني وجبت الكفارة للثاني ، وهي شاة في الأصح وبدنة في الآخر ، وإن لم يكن كفر عن الأول كفته بدنة عنهما ( والخامس ) إن طال الزمان بين الجماعين أو اختلف المجلس وجبت كفارة أخرى للثاني ، وفيها القولان ، وإلا فكفارة واحدة . ولو وطئ مرة ثالثة ورابعة وأكثر ففيه هذه الأقوال ( الأظهر ) يجب للأول بدنة ، ولكل مرة بعده شاة ( والثاني ) يجب لكل مرة بدنة وباقي الأقوال ظاهرة ، ودليل الجميع يفهم مما ذكره المصنف ، قال إمام الحرمين : هذا الخلاف إذا كان قد قضى في كل جماع وطره ، قال : فأما لو كان ينزع ويعود ، والأفعال متواصلة ، وحصل قضاء الوطر آخرا فالجميع جماع واحد بلا خلاف .
( المسألة الثانية ) إذا وطئ بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فهذا الوطء حرام بلا خلاف ، كما سيأتي بيانه في صفة الحج إن شاء الله - تعالى - ، وهل يفسد حجه ؟ فيه ثلاث طرق ( أصحها ) وبه قطع المصنف والجمهور من العراقيين وغيرهم لا يفسد ، لما ذكره المصنف ( والثاني ) في فساده وجهان ( أصحهما ) يفسد ( والثاني ) لا يفسد حكاه إمام الحرمين [ ص: 412 ] وآخرون ( والثالث ) حكاه الدارمي والرافعي وغيرهما فيه قولان ( الجديد ) لا يفسد ( والقديم ) أنه ما بقي من حجه دون ما مضى فلا يمضي في فاسده ، بل يخرج إلى أدنى الحل ويجدد منه إحراما ، ويأتي بعمل عمرة وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك ، لأن الباقي من حجه طواف وسعي وحلق ، وذلك هو عمل العمرة ، وهذا ضعيف لأن العبادة الواحدة المرتبطة لا يوصف بعضها بالبطلان دون بعض . فإذا قلنا بالمذهب : إنه لا يفسد فقولان ( أصحهما ) عند الجمهور يلزمه شاة ، وبه قطع المحاملي في المقنع ( والثاني ) يلزمه بدنة ، وصححه البغوي وأشار المحاملي في المجموع والتجريد إلى ترجيحه ، وحكى الرافعي وجها أنه لا شيء عليه وهو شاذ ضعيف . واعلم أن جمهور الأصحاب أطلقوا القولين في المسألة كما ذكره المصنف ، وحكاهما الجرجاني في البحر وجهين ، وقال المحاملي في المجموع والتجريد : المنصوص يلزمه بدنة وفيه قول مخرج أنه شاة والمشهور قولان مطلقا كما سبق .
( فرع ) قال المتولي : إذا وقف الحاج بعرفات ولم يرم ولا طاف ولا حلق ، وفات وقت الرمي ثم جامع فإن قلنا : الحلق نسك فسد حجه ، لأنه لم يحصل التحلل الأول فعليه البدنة والمضي في فاسده والقضاء ، وإن قلنا : الحلق ليس نسكا فوجهان قال ابن سريج : يفسد حجه ، وقال غيره : لا يفسد وأصل الوجهين أن رمي جمرة العقبة إذا فات وجب فيه الدم ، وهل يتوقف التحلل على ذبح الدم ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) يتوقف فإن قلنا يتوقف فسد حجه لأنه لم يحصل التحلل الأول وإلا فلا . هذا كلام المتولي ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين نحوه .
( المسألة الثالثة ) إذا جامع في قضاء الحج قبل التحلل الأول فسد القضاء ، ولزمه المضي في فاسده والبدنة بلا خلاف ويلزمه قضاء واحد عن الإحرام الأول ولو تكرر القضاء والإفساد مائة مرة لم يجب إلا قضاء واحد وتجب البدنة في كل مرة أفسدها