( أحدهما ) أنه يقضي لأنه إن لم يقض فاتته سنة الرمل والاضطباع ، ومن أصحابنا من قال لا يقضي ، وهو المذهب ; لأنه لو جاز أن يقضي الرمل لقضاه في الأشواط الأربعة . فإن ترك الرمل والاضطباع والاستلام والتقبيل والدعاء في الطواف جاز ولا يلزمه شيء ; لأن الرمل والاضطباع هيئة فلم يتعلق بتركها جبران كالجهر والإسرار في القراءة ، والتورك والافتراش في التشهد والاستلام والتقبيل والدعاء كمال ، فلا يتعلق به جبران كالتسبيح في الركوع والسجود ، ولا ترمل المرأة ولا تضطبع لأن في الرمل تبين أعضاؤها ، وفي الاضطباع ينكشف ما هو عورة منها )
( الشرح ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم بلفظه هنا ، ومعنى خب : رمل ، والرمل - بفتح الراء والميم - وهو سرعة المشي مع تقارب الخطى وهو الخبب ، يقال : رمل يرمل - بضم الميم - رملا ورملانا ، قوله " حجا مبرورا " هو الذي لا يخالطه إثم . وقيل : هو المقبول ، وسبق ذكره أول كتاب الحج . والقول الأول قول شمر وآخرين مشتق من البر ، وهو الطاعة ، والقول الثاني قول الأزهري وغيره وأصله من البر ، وهو اسم جامع للخير ، ومنه بررت فلانا أي وصلته وكل عمل صالح بر ، ويقال : بر الله حجه وأبره . قوله " وذنبا مغفورا " قال العلماء : تقديره اجعل [ ص: 56 ] ذنبي ذنبا مغفورا ، وسعيا مشكورا ، قال الأزهري : معناه اجعله عملا متقبلا يذكر لصاحبه ثوابه ، فهذا معنى المشكور عند الأزهري وقال غيره : أي عملا يشكر صاحبه . قال الأزهري : ومساعي الرجل أعماله ، واحدتها مسعاة ، قوله " والقرآن من أعظم الذكر " وهكذا هو في النسخ والأجود حذف ( من ) فيقال أعظم الذكر .
قوله " لأنه هيئة " احتراز ممن ترك ركعة أو سجدة من صلاته . قوله الأشواط الأربعة خلاف طريقة nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب ، فإنهم كرهوا تسميته أشواطا ، كما سأوضحه إن شاء الله تعالى .
( أما الأحكام ) فاتفق nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب على استحباب الرمل في الطوفات الثلاث للحديث السابق مع أحاديث كثيرة في الصحيح مثله ، قالوا : والرمل هو إسراع المشي مع تقارب الخطى ، قالوا : ولا يثب ولا يعدو عدوا ، قالوا : والرمل هو الخبب للحديث الصحيح السابق عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر " خب ثلاثا " قال الرافعي : وغلط الأئمة من قال دون الخبب وقال إمام الحرمين : قال بعض أصحابنا : الرمل فوق سجية المشي ودون العدو ، قال : وقال الشيخ أبو بكر يعني الصيدلاني - هو سرعة في المشي دون الخبب ، قال الإمام وهذا عندي زلل ، فإن الرمل في فعل الناس كافة كأنه ضرب من الخبب ، يشير إلى قفزان ، والله أعلم .
( فرع ) في بيان الطواف الذي يشرع به الرمل . وقد اضطربت طرق الأصحاب فيه ، ولخصها الرافعي متقنة فقال : لا خلاف أن الرمل لا يسن في كل طواف ، بل إنما يسن في طواف واحد ، وفي ذلك الطواف قولان مشهوران ( أصحهما ) عند الأكثرين أنه يسن في طواف يستعقب [ ص: 58 ] السعي ( والثاني ) يسن في طواف القدوم مطلقا ، فعلى القولين لا رمل في طواف الوداع بلا خلاف . ويرمل من قدممكة معتمرا على القولين ، لوقوع طوافه مجزئا عن القدوم مع استعقابه السعي ، ويرمل أيضا الحاج الأفقي إذا لم يدخل مكة إلا بعد الوقوف . أما من دخل مكة محرما بالحج قبل الوقوف وأراد طواف الوقوف فهل يرمل ؟ ينظر إن كان لا يسعى عقبه ففيه القولان ( الأول ) الأصح لا يرمل ( والثاني ) يرمل وعلى الأول إنما يرمل في طواف الإفاضة لاستعقابه السعي ، فأما إن كان يسعى عقب طواف القدوم فيرمل فيه بلا خلاف ، وإذا رمل فيه وسعى بعده لا يرمل في طواف الإفاضة بلا خلاف ، إن لم يرد السعي بعده ، وإن أراد إعادة السعي بعده لم يرمل بعده أيضا على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وحكى البغوي فيه قولين والأول أشهر ( أصحهما ) عند المصنف والبغوي والرافعي وآخرين : لا يرمل ( والثاني ) يرمل ، وبه قطع nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد ، ودليلهما في الكتاب . ولو طاف للقدوم ونوى أن لا يسعى بعده ثم بدا له وسعى - ولم يكن رمل في طواف القدوم - فهل يرمل في طواف الإفاضة ؟ فيه الوجهان ، ذكرهما القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في تعليقه ، ولو طاف للقدوم فرمل فيه ولم يسع ، قال جمهور الأصحاب : يرمل في طواف الإفاضة لبقاء السعي ، قال الرافعي : الظاهر أنهم فرعوه على القول الأول وهو الذي يعتبر استعقاب السعي ، وإلا فالقول الثاني لا يعتبر استعقاب السعي فيقتضي أن يرمل في الإفاضة .
وأما المكي المنشئ حجة من مكة فهل يرمل في طواف الإفاضة ؟ ( فإن قلنا ) بالقول الثاني لم يرمل إذ لا قدوم في حقه ( وإن قلنا ) بالأول رمل لاستعقابه السعي ، وهذا هو المذهب . وأما الطواف الذي هو غير طوافي القدوم والإفاضة فلا يسن فيه [ ص: 59 ] الرمل بلا خلاف ، سواء كان الطائف حاجا أو معتمرا ، متبرعا بطواف آخر أو غير محرم لأنه ليس بطواف قدوم ولا يتعقب سعيا ، وإنما يرمل في قدوم أو ما يستعقب سعيا كما سبق ، والله أعلم .
قال أصحابنا : والاضطباع ملازم للرمل ، فحيث استحببنا الرمل بلا خلاف فكذا الاضطباع ، وحيث لم نستحبه بلا خلاف ، فكذا الاضطباع ، وحيث جرى خلاف جرى في الرمل والاضطباع جميعا ، وهذا لا خلاف فيه ، وسبق بيانه في فصل الاضطباع ، والله أعلم .
( فرع ) قد سبق أن القرب من البيت مستحب للطائف ، وأنه لو تعذر الرمل مع القرب للزحمة ، فإن رجا فرجة ولا يتأذى أحد بوقوفه ولا يضيق على الناس ، وقف ليرمل ، وإلا فالمحافظة على الرمل مع البعد أولى ، فلو كان في حاشية المطاف نساء ولم يأمن ملامستهن لو تباعد فالقرب بلا رمل أولى من البعد مع الرمل ، حذرا من انتقاض الوضوء . وكذا لو كان بالقرب أيضا نساء وتعذر الرمل في جميع المطاف لخوف الملامسة فترك الرمل في هذه الحال أفضل . قال أصحابنا : ومتى تعذر الرمل استحب أن يتحرك في مشيه ، ويرى من نفسه أنه لو أمكنه الرمل لرمل ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، واتفق عليه الأصحاب . قال إمام الحرمين : هو كما قلنا : يستحب لمن لا شعر على رأسه إمرار الموسى عليه .
( فرع ) لو طاف راكبا أو محمولا فهل يستحب أن يحرك الدابة ليسرع كإسراع الرامل ويسرع به الحامل أم لا ؟ فيه أربع طرق ( أصحها ) وبه قطع البغوي وآخرون فيهما قولان . ومنهم من حكاهما وجهين ( أصحهما ) وهو الجديد يستحب ; لأنه كحركة الراكب والمحمول ( والثاني ) وهو القديم لا يستحب ; لأن الرمل مستحب للطائف لإظهار الجلد والقوة ، وهذا المعنى مقصود هنا ، ولأن الدابة والحامل قد يؤذيان الطائفين بالحركة .
[ ص: 60 ] والطريق الثاني ) وبه قطع nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد في تعليقه وأبو علي البندنيجي في الجامع ، nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب وآخرون : إن طاف راكبا حرك دابته قولا واحدا وإن حمل فقولان ( الجديد ) يرمل به الحامل وهو الأصح ( والقديم ) لا يرمل .
( والطريق الثالث ) إن كان المحمول صبيا رمل حامله قطعا ، وإلا فالقولان .
( والطريق الرابع ) يرمل به الحامل ويحرك الدابة قولا واحدا ، وبه قطع المصنف والدارمي وغيرهما ، والله أعلم .
( فرع ) يستحب أن يدعو في رمله بما أحب من أمر الدين والدنيا والآخرة وآكده " اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا " نص على هذه الكلمات nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، واتفق الأصحاب عليها . ويستحب أن يدعو أيضا في الأربعة الأخيرة التي يمشيها ، وأفضل دعائه : اللهم اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم ، " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فنص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي واتفق عليه الأصحاب وذكره المصنف في التنبيه ، وعجب كيف أهمله هنا ؟ والله أعلم .
( فرع ) لو ترك الاضطباع والرمل والاستلام والتقبيل والدعاء في الطواف فطوافه صحيح ولا إثم عليه ، ولا دم عليه ، لكن فاتته الفضيلة . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : وهو مسيء ، يعنون إساءة لا إثم فيها ، ودليل المسألة ما ذكره المصنف
[ ص: 62 ] فرع ) اتفقت نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب على أن المرأة لا ترمل ولا تضطبع لما ذكره المصنف . قال الدارمي وأبو علي البندنيجي وغيرهما : ولو ركبت دابة أو حملت في الطواف لمرض ونحوه لم تضطبع ولا يرمل حاملها . قال البندنيجي : سواء في هذا الصغيرة والكبيرة والصحيحة والمريضة . قال القاضي أبو الفتوح وصاحب البيان : والخنثى في هذا كالمرأة والله أعلم .
واستدل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ثم nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بما روياه في الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال " ليس على النساء سعي بالبيت ولا بين الصفا والمروة "