وأول وقته إذا زالت الشمس ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم " وقف بعد الزوال " وقد قال صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=18285خذوا عني مناسككم } وأخر وقته إلى أن يطلع الفجر الثاني لحديث عبد الرحمن الديلي ، فإن حصل بعرفة في وقت الوقوف قائما أو قاعدا أو مجتازا فقد أدرك الحج ، لقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=36635من صلى هذه الصلاة معنا وقد قام قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه وقضى تفثه } وإن وقف وهو مغمى عليه لم يدرك الحج ، وإن وقف وهو نائم فقد أدرك الحج لأن المغمى عليه ليس من أهل العبادات ، والنائم من أهل العبادات ، ولهذا لو أغمي عليه في جميع نهار الصوم لم يصح صومه ، وإن نام في جميع النهار صح صومه ، وإن وقف وهو لا يعلم أنه عرفة فقد أدرك لأنه وقف بها وهو مكلف ، فأشبه إذا علم أنها عرفة . والسنة أن يقف بعد الزوال إلى أن تغرب الشمس لما روى nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=41851وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ثم أفاض حين غابت الشمس } فإن دفع منها قبل الغروب ; نظرت فإن رجع إليها قبل طلوع الفجر : لم يلزمه شيء لأنه جمع في الوقوف بين الليل والنهار ، فأشبه إذا قام بها إلى أن غربت الشمس ، وإن لم يرجع قبل طلوع الفجر أراق دما . وهل يجب ذلك أو يستحب ؟ فيه قولان ( أحدهما ) يجب ، لما روى [ ص: 124 ] nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=36039من ترك نسكا فعليه دم ، } ولأنه نسك يختص بمكان فجاز أن يجب بتركه الدم كالإحرام من الميقات ( والثاني ) أنه يستحب لأنه وقف في أحد زماني الوقوف فلا يلزمه دم للزمان الآخر ، كما لو وقف في الليل دون النهار ) .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل ( إحداها ) إذا فرغوا من صلاتي الظهر والعصر ، فالسنة أن يسيروا في الحال إلى الموقف ويعجلوا المسير وهذا التعجيل مستحب بالإجماع ، لحديث nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر قال كتب nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان إلى nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج أن يأتم nindex.php?page=showalam&ids=12بعبد الله بن عمر في الحج ، فلما كان يوم عرفة جاء nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وأنا معه حين زاغت الشمس فصاح عند فسطاطه : أين هذا ؟ فخرج إليه فقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : الرواح ، فقال الآن ؟ قال : نعم . فسار بيني وبين أبي ، فقلت له : إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فأقصر الخطبة وعجل الوقوف ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر صدق " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=20892صلى الظهر والعصر ثم أتى الموقف }
( الثانية ) وقت الوقوف ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع [ ص: 128 ] الفجر الثاني يوم النحر ، هذا هو المذهب ، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقطع به جمهور الأصحاب وحكى جماعة من الخراسانيين وجها أنه لا يصح الوقوف في ليلة النحر ، وحكى الفوراني قولا مثل هذا ، وفيه ما بين زوال الشمس وغروبها .
وحكى الدارمي والرافعي وجها آخر أنه يشترط كون الوقوف بعد الزوال وبعد مضي إمكان صلاة الظهر ، وهذان الوجهان شاذان ضعيفان والصواب ما سبق عن الجمهور ، ودليله الأحاديث الصحيحة السابقة . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : فمن حصل بعرفات في لحظة لطيفة من هذا الوقت وهو من أهل الوقوف صح وقوفه ، وأدرك بذلك الحج ، ومن فاته هذا الزمان فقد فاته الحج ، والأفضل أن يقف من حين يفرغ من صلاتي الظهر والعصر المجموعتين إلى أن تغرب الشمس ، ثم يدفع عقب الغروب إلى مزدلفة فلو وقف بعد الزوال ثم أفاض قبل الغروب فحجه صحيح بلا خلاف كما ذكرنا . ثم إن عاد إلى عرفات وبقي بها حتى غربت الشمس فلا دم ، وإن لم يعد حتى طلع الفجر أراق دما ، وهل هذا الدم واجب ؟ أم مستحب ؟ فيه ثلاثة طرق ( أصحها ) وبه قطع المصنف والجمهور فيه قولان ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) باتفاقهم سنة وهو نصه في الإملاء ( والثاني ) واجب وهو نصه في الأم والقديم ( والطريق الثاني ) القطع بأنه مستحب ( والثالث ) إن أفاض مع الإمام فمعذور فيكون الدم مستحبا قطعا ، وإلا فعلى القولين ( فإن قلنا ) يجب فعاد في الليل إلى عرفات ففي سقوط الدم عنه طريقان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف والعراقيون وطائفة من غيرهم يسقط لما ذكره المصنف .
( والثاني ) حكاه الخراسانيون فيه وجهان ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا يسقط أما من لم يحضر عرفات إلا في ليلة النحر فحصل فيها قبل الفجر ، [ ص: 129 ] وقيل بالمذهب إنه يصح وقوفه فلا دم عليه بلا خلاف ، وإنما الخلاف فيمن وقف نهارا ثم انصرف قبل الغروب ، لأنه مقصر بالإعراض ، وقطع الوقوف والله أعلم
( الثالثة ) الوقوف بعرفات ركن من أركان الحج وهو أشهر أركان الحج للأحاديث الصحيحة السابقة { nindex.php?page=hadith&LINKID=14046الحج عرفة } وأجمع المسلمون على كونه ركنا . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : والمعتبر فيه الحضور في جزء من عرفات ، ولو في لحظة لطيفة ، بشرط كونه أهلا للعبادة ، سواء حضرها عمدا أو وقف مع الغفلة والبيع والشراء والتحدث واللهو ، أو في حالة النوم ، أو اجتاز فيها في وقت الوقوف وهو لا يعلم أنها عرفات ، ولم يمكث أصلا بل مر مسرعا في طرق من أطرافها أو كان نائما على بعير فانتهى البعير إلى عرفات ، فمر بها البعير ولم يستيقظ راكبه حتى فارقها أو اجتازها في طلب غريم هارب بين يديه ، أو بهيمة شاردة أو غير ذلك مما هو في معناه فيصح وقوفه في جميع هذه الصور ونحوها ، هذا هو المذهب ، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقطع به الجمهور . وفي بعض هذه الصور وجه شاذ ضعيف سنذكره إن شاء الله تعالى ( فمنها ) وجه أنه لا يكفي المرور المجرد بل يشترط لبث يسير حكاه ابن القطان والدارمي والرافعي ، قال الدارمي : والمنصوص أنه يصح ولا يشترط اللبث .
( ومنها ) وجه أنه إذا مر بها ولا يعلم أنها عرفات لا يجزئه ، حكاه ابن القطان nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب والدارمي والمتولي وصاحب البيان وغيرهم عن أبي حفص بن الوكيل من أصحابنا ، وهذا شاذ ضعيف .
( ومنها ) وجه أنه لا يصح وقوف النائم حكاه ابن القطان والدارمي والرافعي وهو شاذ ضعيف والمشهور الصحة ، قال المتولي : هذا الخلاف [ ص: 130 ] في مسألة النائم ومسألة الجاهل بكونها عرفات مبني على أنه يشترط في كل ركن من أركان الحج النية أم لا ؟ وفيه وجهان أصحهما لا يشترط كأركان الصلاة والطهارة ( والثاني ) يشترط لكل ركن نية لأن أركانه ينفصل بعضها عن بعض ، فيكون كل ركن كعبادة منفردة فإن شرطناها لم يصح مع النوم ولا مع الجهل بالمكان وإلا فيصح والمذهب ما سبق .
( أما ) إذا حضر في طلب غريم أو دابة بين يديه فقد ذكرنا أنه يجزئه . هكذا قطع الأصحاب ، قال إمام الحرمين : قال الأصحاب : يجزئه قال : وظاهر النص يشير إليه قال : ولم يذكروا فيه الخلاف السابق فيمن صرف الطواف إلى طلب غريم ونحوه ، قال ولعل الفرق أن الطواف قد يقع قربة مستقلة بخلاف الوقوف قال : ولا يمتنع طرد الخلاف .
( أما ) إذا وقف وهو مغمى عليه ففي صحة وقوفه وجهان ، حكاهما ابن المرزبان والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في تعليقه والدارمي والبغوي والمتولي وصاحب البيان وآخرون ( أصحهما ) - وبه قطع المصنف والأكثرون - لا يصح ، ممن قطع به الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والمصنف هنا وفي التنبيه والرافعي في المجرد وآخرون وصححه ابن الصباغ والمتولي . قال صاحب البيان : هو المشهور ( والثاني ) يصح ورجحه البغوي والرافعي في الشرح ، ولو وقف وهو مجنون فطريقان ( المذهب ) القطع بأنه لا يصح ( والثاني ) فيه الوجهان كالمغمى عليه ، وممن ذكر الخلاف فيه ابن القطان وصاحب الشامل وصاحب البيان والرافعي .
ولو وقف وهو سكران ، قال ابن المرزبان والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والدارمي : فيه الوجهان كالمغمى عليه ، وقال صاحب البيان إن كان سكره بغير معصية ففيه الوجهان كالمغمى عليه ، وإن كان بمعصية فوجهان حكاهما nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري ( أصحهما ) لا يجزئه تغليظا عليه ( والثاني ) يجزئه لأنه كالصاحي في الأحكام والله أعلم .
( الرابعة ) يصح الوقوف في أي جزء كان من أرض عرفات بإجماع العلماء لحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=21585عرفة كلها موقف } قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب وغيرهم من العلماء : وأفضلها موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرات الكبار المفترشة في أسفل جبل الرحمة . وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات ويقال له إلال بكسر الهمزة على وزن هلال . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري في صحاحه أنه بفتح الهمزة والمشهور كسرها . وأما حد عرفات فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : هي ما جاوز وادي عرنة . بعين مضمومة ثم راء مفتوحة ثم نون . إلى الجبال القابلة مما يلي بساتين ابن عامر . هذا نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وتابعه عليه الأصحاب . ونقل الأزرقي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : حد عرفات من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفات إلى وصيق . بفتح الواو وكسر الصاد المهملة وآخره قاف إلى ملتقى وصيق ووادي عرنة .
قال بعض أصحابنا : لعرفات أربعة حدود ( أحدها ) ينتهي إلى جادة طريق المشرق ( والثاني ) إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات ( والثالث ) إلى البساتين التي تلي قرية عرفات . وهذه القرية على يسار [ ص: 132 ] مستقبل الكعبة . إذا وقف بأرض عرفات ( والرابع ) ينتهي إلى وادي عرنة قال إمام الحرمين ويطيف بمنعرجات عرفات جبال وجوهها المقبلة من عرفات . واعلم أنه ليس من عرفات وادي عرنة ولا نمرة ولا المسجد المسمى مسجد إبراهيم ، ويقال له أيضا مسجد عرنة ، بل هذه المواضع خارجة عن عرفات على طرفها الغربي مما يلي مزدلفة ومنى ومكة . هذا الذي ذكرته من كون وادي عرنة ليس من عرفات لا خلاف فيه ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، واتفق عليه الأصحاب . وأما نمرة فليست أيضا من عرفات بل بقربها ، هذا هو الصواب الذي نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مختصر الحج الأوسط وفي غيره ، وصرح به أبو علي البندنيجي والأصحاب ونقله الرافعي عن الأكثرين . قال وقال صاحب الشامل وطائفة هي من عرفات . وهذا الذي نقله غريب ليس بمعروف ولا هو في الشامل ولا هو صحيح ، بل إنكار للحس ، ولما تطابقت عليه كتب العلماء . وأما مسجد إبراهيم فقد نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أنه ليس من عرفات ، وأن من وقف به لم يصح وقوفه . هذا نصه ، وبه قطع الماوردي والمتولي وصاحب البيان وجمهور العراقيين . وقال جماعة من الخراسانيين منهم الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد الجويني والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين في تعليقه ، وإمام الحرمين والرافعي : مقدم هذا المسجد من طرف وادي عرنة لا في عرفات وآخره في عرفات ، قالوا : فمن وقف في مقدمه لم يصح وقوفه ، ومن وقف في آخره صح وقوفه ، قالوا : ويتميز ذلك بصخرات كبار فرشت هناك . قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12795أبو عمرو بن الصلاح وجه الجمع بين كلامهم ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن يكون زيد في المسجد بعد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي هذا القدر الذي ذكره والله أعلم .
( قلت ) قال الأزرقي في هذا المسجد ذرع سعته من مقدمه إلى مؤخره مائة ذراع وثلاث وستون ذراعا ، قال ومن جانبه الأيمن إلى جانبه الأيسر [ ص: 133 ] من عرفة والطريق مائتا ذراع وثلاث عشرة ذراعا ، قال : وله مائة شرفة ، وثلاث شرفات ، وله عشرة أبواب ، قال : ومن حد الحرم إلى مسجد عرنة ألف ذراع وستمائة وخمس أذرع . قال : ومن مسجد عرفات هذا إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم ميل والله تعالى أعلم .
واعلم أن عرنة ونمرة بين عرفات والحرم ليستا من واحد منهما ( وأما ) جبل الرحمة ففي وسط عرفات . فإذا علمت عرفات بحدودها فقال الماوردي : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حيث وقف الناس من عرفات في جوانبها ونواحيها وجبالها وسهلها وبطاحها وأوديتها وسوقها المعروفة بذي المجاز أجزأه ، قال : فأما إن وقف بغير عرفات من ورائها أو دونها عامدا أو ناسيا أو جاهلا بها فلا يجزئه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : يجزئه وعليه دم ، والله أعلم
( فرع ) واجب الوقوف وشرطه شيئان ( أحدهما ) كونه في أرض عرفات وفي وقت الوقوف الذي سبق بيانه ( والثاني ) كون الواقف أهلا للعبادة .
وأما سننه وآدابه فكثيرة ( أحدها ) أن يغتسل بنمرة بنية الغسل للوقوف ، فإن عجز عن الغسل تيمم ( الثاني ) أن لا يدخل أرض عرفات إلا بعد صلاتي الظهر والعصر ( الثالث ) الخطبتان ، والجمع بين الصلاتين ( الرابع ) تعجيل الوقوف عقب الصلاتين وقد سبق هذا كله مبسوطا بأدلته ( الخامس ) أن يكون مفطرا سواء أطاق الصوم أم لا ؟ ، وسواء ضعف به أم لا ؟ لأن الفطر أعون له على الدعاء ، وقد سبقت المسألة مبسوطة في باب صوم التطوع . وثبت في الصحيحين { nindex.php?page=hadith&LINKID=4652أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف مفطرا } ( السادس ) أن يكون متطهرا لأنه أكمل فلو وقف وهو محدث أو جنب أو حائض أو نفساء أو عليه نجاسة أو مكشوف العورة صح وقوفه لقوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة رضي الله عنها حين حاضت { nindex.php?page=hadith&LINKID=13545اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت } .
[ ص: 134 ] قال أصحابنا : ولا تشترط الطهارة في شيء من أعمال الحج والعمرة إلا الطواف وركعتيه ( السابع ) السنة أن يقف مستقبل الكعبة ( الثامن ) أن يطوف حاضر القلب فارغا من الأمور الشاغلة عن الدعاء ، وينبغي أن يقدم قضاء أشغاله قبل الزوال ويتفرغ بظاهره وباطنه عن جميع العلائق وينبغي أن يتجنب في موقفه طرق القوافل وغيرهم ، لئلا ينزعج بهم ويتهوش عليه حاله ويذهب خشوعه .
( التاسع ) قال أصحابنا : إن كان يشق عليه الوقوف ماشيا أو كان يضعف به عن الدعاء أو كان ممن يقتدى به ويحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى به ، فالأفضل له وقوفه راكبا ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=41849وقف راكبا } كما سبق بيانه والركوب أفضل من تركه والحالة هذه . وأما إذا كان لا يضعف بالوقوف ماشيا ولا يشق عليه ولا هو ممن يحتاج إلى ظهوره ، ففي الأفضل في حقه أقوال nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ( أصحها ) عند الأصحاب : راكبا أفضل للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون له على الدعاء ، وهو المهم في هذا الموضع . وهذا القول هو المنصوص في القديم والإملاء كما ذكره المصنف والأصحاب ، وبه قطع المحاملي والماوردي وآخرون وصححه الباقون ( والثاني ) ترك الركوب أفضل لأنه أشبه بالتواضع والخضوع ( والثالث ) هما سواء ، وهو نصه في الأم لتعادل الفضيلتين فيها . والله أعلم .
( العاشر ) أن يحرص على الوقوف بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرات كما سبق بيانه .
قال أصحابنا : وإن كان راكبا جعل نظر راحلته إلى الصخرات لحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر السابق في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . وإن كان راجلا وقف على الصخرات أو عندها بحسب الإمكان بحيث لا يؤذي ولا يتأذى ، قال أصحابنا : فإن [ ص: 135 ] تعذر عليه الوصول إليه للزحمة تقرب منه بحسب الإمكان فهذا هو الصواب . وأما ما اشتهر عند العوام من الاعتناء بالوقوف على جبل الرحمة الذي هو بوسط عرفات كما سبق بيانه ، وترجيحهم له على غيره من أرض عرفات حتى ربما توهم من جهلتهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه ، فخطأ ظاهر ومخالف للسنة ، ولم يذكر أحد ممن يعتمد في صعود هذا الجبل فضيلة يختص بها ، بل له حكم سائر أرض عرفات غير موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا nindex.php?page=showalam&ids=16935أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فإنه قال : يستحب الوقوف عليه ، وكذا قال الماوردي في الحاوي يستحب قصد هذا الجبل الذي يقال له جبل الدعاء ، قال : وهو موقف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وذكر البندنيجي نحوه .
وهذا الذي قالوه لا أصل له ولم يرد فيه حديث صحيح ولا ضعيف فالصواب الاعتناء بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي خصه العلماء بالذكر وحثوا عليه وفضلوه وحديثه في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره كما سبق . هكذا نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء . وقد قال إمام الحرمين في وسط عرفات جبل يسمى جبل الرحمة لا نسك في صعوده وإن كان يعتاده الناس ، والله أعلم .
( الحادي عشر ) السنة أن يكثر من الدعاء والتهليل والتلبية والاستغفار والتضرع وقراءة القرآن ، فهذه وظيفة هذا اليوم ولا يقصر في ذلك ، وهو معظم الحج ومطلوبه ، وقد سبق في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( { nindex.php?page=hadith&LINKID=14046الحج عرفة } ) فينبغي أن لا يقصر في الاهتمام بذلك واستفراغ الوسع فيه . ويكثر من هذا الذكر والدعاء قائما وقاعدا ويرفع يديه في الدعاء ولا يجاوز بهما رأسه . ولا يتكلف السجع في الدعاء ، ولا بأس بالدعاء المسجوع إذا كان محفوظا أو قاله بلا تكلف ولا [ ص: 136 ] فكر فيه ، بل جرى على لسانه ولم يقصد تكلف ترتيبه وإعرابه وغير ذلك مما يشغل قلبه .
( فرع ) ومن الأدعية المختارة : اللهم آتنا في الدنيا حسنة . وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا . وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . فاغفر لي مغفرة من عندك . وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين وتب علي توبة نصوحا لا أنكثها أبدا وألزمني سبيل الاستقامة لا أزيغ عنها أبدا . اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة . واكفني بحلالك عن حرامك . وأغنني بفضلك عمن سواك . ونور قلبي وقبري . واغفر لي من الشر كله . واجمع لي الخير . اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى . اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى ، وارزقني طاعتك ما أبقيتني ، أستودعك مني ومن أحبابي والمسلمين أدياننا وأماناتنا وخواتيم أعمالنا ، وأقوالنا وأبداننا ، وجميع ما أنعمت به علينا ، وبالله التوفيق
( فرع ) ليحذر كل الحذر من المخاصمة والمشاتمة والمنافرة والكلام [ ص: 139 ] القبيح ، بل ينبغي أن يحترز من الكلام المباح ما أمكنه ، فإنه تضييع للوقت المهم فيما لا يعني مع أنه يخاف انجراره إلى حرام من غيبة ونحوها ، وينبغي أن يحترز غاية الاحتراز عن احتقار من يراه رث الهيئة أو مقصرا في شيء ، ويحترز من انتهار السائل ونحوه ، فإن خاطب ضعيفا تلطف في مخاطبته ، فإن رأى منكرا محققا لزمه إنكاره ، ويتلطف في ذلك .
( فرع ) في التعريف بغير عرفات ، وهو الاجتماع المعروف في البلدان بعد العصر يوم عرفة ، وفيه خلاف للسلف رويناه في سنن nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن أبي عوانة قال : " رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس فدعا وذكر الله عز وجل فاجتمع الناس " وفي رواية " رأيت الحسن خرج يوم عرفة من المقصورة بعد العصر فعرف . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة قال " سألت الحكم وحمادا عن اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد فقالا : هو محدث " وعن منصور عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي هو محدث وعن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن الحسن قال : قال : أول من صنع ذلك nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، هذا ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : سألت [ ص: 140 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل عنه فقال : أرجو أنه لا بأس به ، قد فعله غير واحد ، الحسن وبكر nindex.php?page=showalam&ids=215وثابت nindex.php?page=showalam&ids=17036ومحمد بن واسع كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة ، وكرهه جماعات منهم nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع مولى ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي والحكم وحماد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس وغيرهم ، وصنف الإمام nindex.php?page=showalam&ids=14703أبو بكر الطرطوشي المالكي الزاهد كتابا في البدع المنكرة ، جعل منها هذا التعريف ، وبالغ في إنكاره ، ونقل أقوال العلماء فيه ، ولا شك أن من جعله بدعة لا يلحقه بفاحشات البدع ، بل يخفف أمرها والله أعلم
( فرع ) من البدع القبيحة ما اعتاده بعض العوام في هذه الأزمان من إيقاد الشمع بجبل عرفة ليلة التاسع أو غيرها ، ويستصحبون الشمع من بلدانهم لذلك ويعتنون به ، وهذه ضلالة فاحشة جمعوا فيها أنواعا من القبائح ( منها ) إضاعة المال في غير وجهه ( ومنها ) إظهار شعار المجوس في الاعتناء بالنار ( ومنها ) اختلاط النساء بالرجال ، والشموع بينهم ، ووجوههم بارزة ( ومنها ) تقديم دخول عرفات على وقتها المشروع ، ويجب على ولي الأمر - وفقه الله - وكل مكلف تمكن من إزالة هذه البدع إنكارها ، والله المستعان .
( فرع ) في مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بالوقوف ( إحداها ) قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : أجمع العلماء على أنه يصح وقوف غير الطاهر من الرجال والنساء كالجنب والحائض وغيرهما ، واختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفة وقد ذكرنا المذاهب فيه في باب صوم التطوع . ( الثانية ) ذكرنا أن الأصح عندنا أنه لا يصح وقوف المغمى عليه ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور قال : وبه أقول ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة يصح .
( الثالثة ) لو وقف بعرفات ، وهو لا يعلم أنها عرفات فقد ذكرنا أن [ ص: 141 ] مذهبنا صحة وقوفه ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن بعض العلماء أنه لا يجزئه
( الرابعة ) إذا وقف في النهار ودفع قبل غروب الشمس ولم يعد في نهاره إلى عرفات ، هل يلزمه الدم ؟ فيه قولان سبقا ( الأصح ) أنه لا يلزمه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد يلزمه ، فإن قلنا يلزمه فعاد في الليل سقط عندنا وعند nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : لا يسقط ، وإذا دفع بالنهار ولم يعد ، أجزأه وقوفه وحجه صحيح ، سواء أوجبنا الدم أم لا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وهو الصحيح من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وبه قال جميع العلماء إلا nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالكا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : المعتمد في الوقوف بعرفة هو الليل ، فإن لم يدرك شيئا من الليل فقد فاته الحج ، وهو رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك بأن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=41848وقف حتى غربت الشمس ، وقال : لتأخذوا عني مناسككم } . واحتج أصحابنا بحديث عروة بن مضرس السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=36635من شهد صلاتنا هذه - يعني الصبح - وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه } وهو حديث صحيح ( والجواب ) عن حديثهم أنه محمول على الاستحباب أو أن الجمع بين الليل والنهار يجب لكن يجبر بدم ، ولا بد من الجمع بين الحديثين ، وهذا الذي ذكرناه طريق الجمع والله أعلم .