( الشرح ) حديث الخطبة أوسط أيام التشريق سبق بيانه في فصل خطبة اليوم السابع من ذي الحجة ، وذكرنا هناك الأحاديث الواردة في خطب الحج الأربع ووقتها وصفتها ومذاهب العلماء فيها ، وهذه الخطبة مستحبة عندنا ووقتها بعد صلاة الظهر في اليوم الثاني من أيام التشريق كما سبق . قال الماوردي : فإن أراد الإمام أن ينفر النفر الأول وعجل الخطبة [ ص: 227 ] قبل الزوال لينفر بعد الزوال جاز قال : وتسمى هذه خطبة الوداع ، ويستحب لكل الحجاج حضورها والاغتسال لها ويودع الإمام الحجاج ويعلمهم جواز النفر وما بعده من طواف الوداع وغيره ، ويحثهم على طاعة الله تعالى وعلى أن يختموا حجهم بالاستقامة والثبات على طاعة الله تعالى ، وأن يكونوا بعد الحج خيرا من قبله . وأن لا ينسوا ما عاهدوا الله عليه من خير . والله أعلم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب يجوز النفر في اليوم الثاني من التشريق ويجوز في الثالث ، وهذا مجمع عليه لقوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه } ، قالوا : والتأخر إلى اليوم الثالث أفضل للأحاديث الصحيحة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر في اليوم الثالث } قال الماوردي وغيره : والتأخر للإمام آكد منه لغيره لأنه يقتدى به ، ولأنه يقيم الناس أو أكثرهم بإقامته ، فإن تعجل جاز ولا فدية عليه كغيره من الناس ، والله أعلم .
ثم من أراد النفر الأول نفر قبل غروب الشمس ، فإذا نفر قبل غروبها سقط عنه مبيت ليلة اليوم الثالث من أيام التشريق ، ورمي اليوم الثالث بلا خلاف ، ولا دم عليه في ذلك بلا خلاف . قال أصحابنا : ولا يرمي في اليوم الثاني عن الثالث ، بل إن بقي معه شيء من الحصى طرحه في الأرض ، وإن شاء أعطاه لمن لم يرم ، وأما ما يفعله الناس من دفنها فقال أصحابنا : لا أصل له ولا يعرف فيه أثر . والله أعلم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : ولو لم ينفر حتى غربت الشمس وهو بعد في منى لزمه المبيت بها تلك الليلة ورمى يومها . ولو رحل فغربت الشمس وهو سائر في منى قبل انفصاله منها فله الاستمرار في السير ولا يلزمه المبيت ولا الرمي . هذا هو المذهب وبه قطع الجماهير ، وفيه وجه أنه يلزمه المبيت والرمي في الغد ، وبه قطع صاحب الحاوي . ولو غربت وهو في [ ص: 228 ] شغل الارتحال ففي جواز النفر وجهان مشهوران حكاهما القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في كتابه المجرد وصاحب الشامل والروياني وآخرون ( أحدهما ) يلزمه الرمي والميت ( وأصحهما ) عند الرافعي وغيره ، وبه قطع القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في تعليقه لا يلزمه الرمي ولا المبيت ، لأن في تكليفه حل الرحل والمتاع مشقة عليه . ولو نفر قبل الغروب فعاد لشغل أو زيارة ونحوها قبل الغروب أم بعده فوجهان ( الصحيح ) وبه قطع المصنف والجمهور وهو المنصوص لا يلزمه المبيت فإن بات لم يلزمه الرمي في الغد ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب لما ذكره المصنف ( والثاني ) يلزمه المبيت والرمي . حكاه الروياني وآخرون من الخراسانيين
( أحدها ) أن يذكر ذلك قبيل غروب الشمس ويدرك الرمي قبل الغروب فيلزمه العود إلى منى ورمي ما تركه ثم ينفر منها إن لم تغرب الشمس وهو بها ، فإن غربت وهو بها لزمه المبيت بها والرمي من الغد .
( والحال الثاني ) أن يذكره بعد غروب شمس اليوم الثالث فليس عليه العود إلى منى لفوات وقت الرمي ، وقد استقر الدم في ذمته .
( الحال الثالث ) أن يذكره في اليوم الثالث قبل غروب الشمس منه ( وإن قلنا ) لكل يوم حكم نفسه لم يعد للرمي لفوات وقته ، وقد استقر عليه الدم ( وإن قلنا ) أيام التشريق كالشيء الواحد لزمه العود للرمي . فإن تركه لزمه الدم ، هذا نقل الماوردي . وجمع إمام الحرمين هذه المسألة وفصلها أحسن تفصيل فقال : لو نفر يوم النفر الأول ولم يرم " فإن لم يعد استقرت الفدية عليه في الرمي [ ص: 229 ] الذي تركه في النفر الأول وإن عاد نظر ، إن عاد بعد غروب الشمس فقد فات الرمي ولا استدراك وانقضى أثره من منى ولا حكم لمبيته . وإن رمى في النفر الثاني لم يعتد برميه لأنه بنفره أقلع عن منى والمناسك فاستقرت الفدية عليه كما لو انقضت أيام التشريق ، وإن عاد قبل غروب الشمس ، فأجمع الطرق في ذلك ما ذكره صاحب التقريب إذ قال حاصل الخلاف فيه أربعة أقوال ( أحدها ) أنه إذا نفر فقد انقطع الرمي ولا ينفعه العود ( والثاني ) يجب عليه العود ويرمي ما عليه ما لم تغرب الشمس ، فإن غربت تعين الدم ( والثالث ) له الخيار إن شاء رجع ورمى وسقط عنه الفرض وإن شاء أن لا يرجع ويريق دما جاز ، قال : وهذه الأقوال الثلاثة تجري في النفر الأول والثاني .
( والرابع ) حكاه عن تخريج ابن سريج أنه إن خرج في النفر الأول ثم عاد قبل الغروب ورمى لم يقع رميه موقعه . وإن خرج في النفر الثاني ولم يرم ، ثم عاد ورمى قبل الغروب وقع الرمي موقعه ، والفرق أن الخروج في النفر الثاني لا حكم له ، لأنه منتهى الوقت نفر أم لم ينفر ، فكان خروجه سواء ، وللخروج في النفر الأول حكم ، لأنه لو لم يخرج فيه بقي إلى النفر الثاني فأثر خروجه في قطع العلائق منه ، فإذا انقطعت العلائق لم يعد قال : ولا خلاف أن من خرج في اليوم الأول من التشريق ثم عاد قبل الغروب رمى ، إذ لا حكم للنفر في اليوم الأول ، وإن عاد بعد الغروب فهذا رجل فاته الرمي ، وفيه الكلام السابق في التدارك قال : وبالجملة لا أثر للخروج في اليوم الأول من التشريق .
( وأما ) يوم النحر فالأمر فيه أظهر ، ولا أثر للخروج فيه ، كما لا أثر له في الخروج في أول التشريق ، وإنما يؤثر الخروج في النفرين كما سبق تفصيله ، قال : ثم إذا قلنا من خرج في النفر الأول بلا رمي وعاد قبل الغروب يرمي ، فإذا رمى وغربت الشمس تقيد ولزمه الرمي والمبيت من [ ص: 230 ] الغد ( وإن قلنا ) لا يرمي إذا عاد قبل الغروب لم يلزمه المبيت ، ولو بات لم يكن لمبيته حكم ، لأنا على هذا الوجه حكمنا بانقطاع علائق منى لخروجه ، ثم لم نحكم بعودها لما عاد . قال : لو خرج في النفر الأول قبل زوال الشمس ثم عاد وزالت عليه الشمس وهو بمنى ، فالوجه القطع بأن خروجه لا حكم له ، لأنه لم يخرج في وقت الرمي وإمكانه ، ولو خرج في الوقت الذي ذكرناه ولم يعد حتى غربت الشمس فقد انقطعت العلائق ، وإن كان خروجه قبل دخول وقت الرمي ، لأن استدامة الخروج إلى غروب الشمس حلت محل إنشاء الخروج بعد زوال الشمس ، ولو خرج قبل الزوال وعاد قبل الغروب فظاهر المذهب أنه يرمي ويعتد برميه ، بخلاف ما لو خرج بعد الزوال ، ومن أصحابنا من ينزل هذه الصورة منزلة صورة الأقوال . فإنه لو خرج قبل الزوال ولم يعد حتى غابت الشمس كان كخروجه بعد الزوال ولم يعد حتى غربت الشمس ، فإذا تشابها في ذلك فليتشابها في العود قبيل الغروب والله أعلم ، هذا آخر كلام إمام الحرمين .
( فرع ) قال أصحابنا : إذا نفر من منى النفر الأول والثاني انصرف من جمرة العقبة راكبا كما هو ، وهو يكبر ويهلل ولا يصلي الظهر بمنى ، بل يصليها بالمنزل وهو المحصب أو غيره ، ولو صلاها بمنى جاز ، لكن السنة ما ذكرناه لحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس الذي سنذكره قريبا في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى ، قال أصحابنا : وليس على الحاج بعد نفره من منى على الوجه المذكور إلا طواف الوداع .