قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن أحرم فأحصره غريمه وحبسه ولم يجد ما يقضي دينه فله أن يتحلل لأنه يشق البقاء على الإحرام كما يشق بحبس العدو ، وإن أحرم وأحصره المرض لم يجز له أن يتحلل لأنه لا يتخلص بالتحلل من الأذى الذي هو فيه [ فلا يتحلل ] فهو كمن ضل الطريق ) .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال " حج واشترط ، وقل : اللهم الحج أردت ، ولك عمدت ، فإن تيسر وإلا فعمرة " رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد حسن . وعن عائشة أنها قالت لعروة " هل تستثني إذا حججت ، فقال : ماذا أقول ؟ قالت : قل : اللهم الحج أردت وله عمدت ، فإن يسرته فهو الحج ، وإن حبسني حابس فهو عمرة " رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بإسناد صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
( وأما ) حديث سالم عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=44341أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : عندي أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لو بلغه حديث ضباعة في الاشتراط لم ينكره ، كما لم ينكره أبوه ، وحاصله أن السنة مقدمة عليه . ( وأما ) قول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " لا حصر إلا حصر العدو " فرواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بإسناد صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وهو محمول على من لم يشترط وأما ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بالأسانيد الصحيحة على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال " من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة " يحتمل أنه أراد إذا لم يشترط ( والأظهر ) أنه أراد مطلقا ، ويؤيده ما قدمناه عن ابن عمر قريبا ، والسنة مقدمة على قوله .
( وأما ) حديث عكرمة قال " سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري الصحابي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { nindex.php?page=hadith&LINKID=37236من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل } ، قال عكرمة : فسألت nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة عن ذلك فقال : صدق " رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه [ ص: 301 ] nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي حمله بعض أهل العلم على أنه يحل بعد فواته بما يحل به من يفوته الحج بغير مرض ، وهذا التأويل الذي حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي محتمل ولكن المشهور في كتب أصحابنا حمله على ما إذا شرط التحلل به والله أعلم .
أما حكم المسألة فقال أصحابنا إذا مرض المحرم ، ولم يكن شرط التحلل ، فليس له التحلل بلا خلاف ، لما ذكره المصنف مع ما ذكرناه من الآثار ، قالوا : بل يصبر حتى يبرأ ، فإن كان محرما بعمرة أتمها ، وإن كان بحج وفاته تحلل بعمل عمرة ، وعليه القضاء . وأما إذا شرط في إحرامه أنه إن مرض تحلل ، فقد نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم على صحة الشرط ، لحديث ضباعة ، ونص في كتاب المناسك من الجديد على أنه لا يتحلل ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حديث ضباعة مرسلا فقال " عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لضباعة " الحديث قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لو ثبت حديث عروة لم أعده إلى غيره ، لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم روى الأحاديث الصحيحة السابقة فيه هذه نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
( وأما ) الأصحاب فلهم في المسألة طريقان حكاهما المصنف والأصحاب ( أشهرهما ) وبه قال الأكثرون : يصح الاشتراط في قوله القديم ، وفي الجديد قولان ( أصحهما ) الصحة ( والثاني ) المنع .
( والطريق الثاني ) قاله الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وآخرون : يصح الاشتراط قولا واحدا لصحة الحديث فيه ، قالوا : وإنما توقف nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لعدم وقوفه على صحة الحديث ، وقد صرح nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بهذا الطريق في نصه الذي حكيته الآن عنه ، وهو قوله ( لو صح حديث عروة لم أعده ) فالصواب الجزم بصحة الاشتراط للأحاديث . [ ص: 302 ] وأجاب إمام الحرمين عن الحديث بأنه محمول على أن المراد حيث حبستني بالموت ، معناه حيث أدركتني الوفاة أقطع إحرامي ، وهذا تأويل باطل ظاهر الفساد وعجب من جلالة إمام الحرمين كيف قال هذا ؟ وكيف حكمه على أمرها باشتراط كون الموت قاطع الإحرام ؟ ، والله أعلم .
قال أصحابنا : ولو شرط التحلل لغرض آخر كضلال الطريق ، وفراغ النفقة والخطأ في العدد ونحو ذلك فله حكم اشتراط التحلل بالمرض . فيصح على المذهب هكذا قطع به أصحابنا العراقيون والبغوي وجمهور الخراسانيين . وذكر إمام الحرمين هذا عن العراقيين قال : قالوا : بأن كل مهم يحل محل المرض الثقيل يجري فيه الخلاف المذكور في المرض قال : وكان شيخي يقطع بأن الشرط لاغ ، وأنه لا يجوز التحلل على القول إلا بالمرض للحديث ، والله تعالى أعلم .
قال أصحابنا : وحيث صححنا الشرط فتحلل فإن كان شرط التحلل بالهدي يلزمه الهدي ، وإن كان شرط التحلل بلا هدي لم يلزمه الهدي ، وإن أطلق فهل يلزمه الهدي ؟ فيه وجهان حكاهما الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والماوردي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والأصحاب ( أحدهما ) يلزمه كالمحصر ، وبهذا قطع المصنف والبغوي ( وأصحهما ) لا يلزمه لظاهر حديث ضباعة ، قال الماوردي والأصحاب وهذا هو المنصوص وصححوه ، وقطع به الدارمي وغيره ، وينكر على المصنف والبغوي جزمهما بوجود الشرط ، وأنه لا يلزمه بعد ذلك شيء من أفعال النسك .
( وأما ) المحصر فقد ترك الأفعال التي كان يقتضيها إحرامه والله أعلم .
ولو شرط أن يقلب حجه عمرة عند المرض ، نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على صحته ، وقطع به الدارمي والبندنيجي والروياني وآخرون . ونقل الرافعي عن الأصحاب أنه أولى بالصحة من شرط المرض . فيقتضي إثبات خلاف ضعيف [ ص: 303 ] فيه . والمذهب القطع بالصحة كما نص عليه . ويؤيده ما قدمته عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة رضي الله عنهما قال الروياني : ولو قال : إن مرضت وفاتني الحج كان عمرة ، كان على ما شرط . قال أصحابنا : فإذا وجد المرض هل يصير حلالا بمجرد وجوده ؟ أم يشترط إنشاؤه كالمحصر ؟ ينظر إن قال : إن مرضت تحللت من إحرامي فلا يخرج من الإحرام إذا وجد المرض إلا بالتحلل ، وهو أن ينوي الخروج ويحلق إن جعلناه نسكا ويذبح إن أوجبناه على ما سبق من التفصيل والخلاف . وممن صرح بالمسألة الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في تعليقه والبندنيجي والروياني وآخرون . قالوا : وكذا لو قال : محلي من الأرض حيث حبستني ، لا يتحلل عند الحبس إلا بالنية مع ما ذكرناه ، فلو قال : إن مرضت فأنا حلال ، أو قال إن حبسني مرض فأنا حلال فوجهان مشهوران حكاهما الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والبندنيجي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والمصنف وإمام الحرمين والبغوي والمتولي والروياني وآخرون ( أصحهما ) يصير حلالا بنفس المرض ، وهو المنصوص ، ونقلوه عن المصنف وصححوه لقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=37236من كسر أو عرج فقد حل } وهو حديث صحيح كما سبق . قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والأصحاب : لا يمكن حمل الحديث إلا على هذا ، وفيه تأويل nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي الذي قدمناه .
( والوجه الثاني ) لا بد من التحلل . قال الروياني والأصحاب : فإن قلنا بالوجه الأول لم يلزمه الدم بلا خلاف ، وإن قلنا بالثاني فهل يلزمه الدم ؟ فيه وجهان حكاهما الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والأصحاب ( الأصح ) لا يلزمه فيلزمه النية فقط ، ونقل الماوردي وغيره هذا عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وغلط الروياني وغيره القائل بوجوب الدم . قال البغوي : وكذا الحلق إن جعلناه نسكا . وقطع البغوي بوجوب الدم على هذا الوجه ، والمذهب الأول والله أعلم .
[ ص: 304 ] أما إذا شرط التحلل بلا عذر بأن قال في إحرامه متى شئت خرجت منه ، أو إن ندمت أو كسلت ونحو ذلك لا يجوز له التحلل بلا خلاف ، صرح به المصنف والشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والماوردي والدارمي والروياني والبغوي وخلائق . ونقل الروياني الاتفاق عليه ، والله أعلم
( فرع ) إذا صححنا اشتراط التحلل بالمرض ونحوه ، فإنما ينفع الشرط ويجوز التحلل به إذا كان مقترنا بإحرامه ، فإن تقدمه أو تأخر عنه لم ينعقد الشرط بلا خلاف . وصرح به الماوردي وغيره .
( فرع ) إذا فرض التحلل بالمرض ونحوه فقد ذكرنا خلافا في صحة الشرط قال أصحابنا : ينعقد الحج بلا خلاف ، سواء صححنا الشرط أم لا .
( فرع ) مما استدل به أصحابنا لجواز اشتراط التحلل بالمرض وصحة الشرط أنه لو نذر صوم يوم أو أيام بشرط أن يخرج منه بعذر صح الشرط وجاز الخروج منه بذلك العذر بلا خلاف . قال الروياني : يجوز الخروج منه بالإجماع .
( فرع ) ذكرنا أن إمام الحرمين تأول حديث ضباعة أنه يحمل على أن ( محلي حيث حبستني بالموت ) وذكرنا أن هذا التأويل خطأ فاحش ، وتأوله الروياني على أنه مخصوص بضباعة ، وهذا تأويل باطل أيضا ومخالف لنص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إنما قال : لو صح الحديث لم أعده ، ولم يتأوله ولم يخصه ( فرع ) قال أصحابنا : التحلل بالمرض ونحوه إذا ما صححناه له حكم التحلل بالإحصار ، فإن كان الحج تطوعا لم يجب قضاؤه ، وإن كان واجبا فحكمه ما سبق .
[ ص: 305 ] فرع ) قال إمام الحرمين والغزالي في الوسيط : قال النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة الأسلمية { nindex.php?page=hadith&LINKID=8689اشترطي أن محلي حيث حبستني } وهذا غلط فاحش ، فليس ضباعة أسلمية بل هي هاشمية ، وهي بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي nindex.php?page=showalam&ids=10960ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وهذا لا خلاف فيه وقد سبق بيانها عن روايات nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وغيرهما ، وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به ، والله أعلم .