قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أحرمت المرأة بغير إذن الزوج فإن كان في تطوع جاز له أن يحللها ، لأن حق الزوج واجب فلا يجوز إبطاله عليه بتطوع ، وإن كان في حجة الإسلام ففيه قولان ( أحدهما ) أن له أن يحللها لأن حقه على الفور ، والحج على التراخي ، فقدم حقه ( والثاني ) أنه لا يملك لأنه فرض فلا يملك تحليلها منه كالصوم والصلاة ) .
( الشرح ) قوله ( لأنه فرض فلا يملك تحليلها منه ) ينتقض بصوم الكفارة والنذر في الذمة والقضاء الذي لم ينتقض ، فإن له منعها من كل ذلك في الأصح وكان ينبغي أن يقول : فرض بأصل الشرع والله أعلم .
( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : ينبغي للمرأة أن لا تحرم بغير إذن زوجها ، ويستحب له أن يحج بها ، واحتجوا فيه بحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال { nindex.php?page=hadith&LINKID=31518لا يخلون رجل بامرأة ، ولا تسافر امرأة إلا مع محرم ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني كتبت في غزوة كذا . قال : فانطلق فاحجج مع امرأتك } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم . فإن أرادت حج إسلام أو تطوع فأذن الزوج وأحرمت به لزمه تمكينها من إتمامه بلا خلاف ، سواء كان فرضا أو نفلا كما سبق فيما لو أذن لعبده في الإحرام فأحرم وكما لا يجوز له تحليلها لا يجوز لها التحلل ، فإن تحللت لم يصح تحللها ولم تخرج من الحج ، كما لو نوى غيرها الخروج من الحج بلا إحصار فإنه لا يخرج منه بلا خلاف وإن أرادت حج الإسلام فمنعها الزوج فهل له المنع ؟ فيه قولان مشهوران ، وعجب كيف أهملهما المصنف قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في تعليقه : المنصوص في باب حج المرأة والعبد من المناسك الكبير أن للزوج منعها ، ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي [ ص: 307 ] في باب خروج النساء إلى المساجد من اختلاف الحديث على أنه ليس له منعها . وقال البندنيجي : نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في عامة كتبه أن له منعها ، واتفقوا على أن الصحيح من هذين القولين أن له منعها ، وبه قطع الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والمحاملي وآخرون ، قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في كتابه المجرد والروياني وغيرهما : هذا القول هو الصحيح المشهور ، واحتجوا له بحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=33965ليس لها أن تنطلق إلى الحج إلا بإذن زوجها } رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي . ولأن حق الزوج على الفور والحج على التراخي ، فقدم ما كان على الفور ، كما تقدم العدة على الحج بلا خلاف .
( والقول الثاني ) ليس له منعها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=30608لا تمنعوا إماء الله مساجد الله } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وقياسا على الصوم والصلاة . وأجاب الأولون عن الحديث بأنه محمول على أنه تنزيه أو على غير المتزوجات ، لأن غير المتزوجات لم يتعلق بهن حق على الفور ، وذلك كالبنت والأخت ونحوهما ، وأن المراد لا تمنعوهن مساجد الله للصلوات ، وهذا هو ظاهر سياق الحديث ، والله أعلم .
قال أصحابنا : والفرق بين الحج والصوم والصلاة أن مدته طويلة بخلافهما ، والله تعالى أعلم . فإن أحرمت بحج الإسلام بغير إذنه قال أصحابنا : إن قلنا : ليس له منعها من الابتداء فليس له تحليلها ( وإن قلنا ) له منعها فهل له تحليلها ؟ فيه قولان مشهوران وهما اللذان ذكرهما المصنف هنا وفي التنبيه ، قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والروياني وغيرهما : نص عليهما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في باب حج المرأة والعبد ، قال أصحابنا ( أصحهما ) أن له تحليلها ، وهو نصه في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ومما صرح بتصحيحه الجرجاني في التحرير والغزالي في الخلاصة [ ص: 308 ] والروياني في الحلية nindex.php?page=showalam&ids=12097وأبو علي الفارقي في فوائد المهذب والرافعي في كتابيه وغيرهم . وشذ عنهم المحاملي في المقنع ، فجزم بأنه ليس له تحليلها لأنه يضيق بالشروع ( والمذهب ) أن له تحليلها ، كما صححه الجمهور ، لأن حق الزوج سابق والله أعلم .
قال الدارمي والجرجاني في التحرير : وحجة النذر كالإسلام ، فإذا أحرمت بها بغير إذنه فله تحليلها في أصح القولين ، وينبغي أن يكون القضاء كذلك والله أعلم .
أما إذا أحرمت بحجة تطوع فله منعها منه بلا خلاف ، فإن أحرمت به فهل له تحليلها منه ؟ فيه طريقان مشهوران حكاهما القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11975أبو حامد المروذي والشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد الإسفراييني والدارمي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب في كتابيه المجموع والتجريد والماوردي والقاضي أبو علي البندنيجي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين والفوراني وإمام الحرمين والغزالي وابن الصباغ والمتولي والبغوي وصاحب العدة والروياني الشاشي وخلائق آخرون ( أصحهما ) باتفاقهم له تحليلها ( والثاني ) لا ، لأنها لما أحرمت بها صارت كحجة الإسلام ، لأن حجة التطوع تلزم بالشروع والله أعلم .
( فرع ) قال أصحابنا : حيث أبحنا له تحليلها لا يجوز لها أن تتحلل حتى يأمرها ، فإذا أمرها تحللت كما يتحلل المحصر سواء ، فتذبح الهدي وتنوي عنده الخروج من الحج ، وتقصر رأسها أو ثلاث شعرات إذا قلنا الحلق نسك ، فإن كانت واجدة للهدي فلا بد مما ذكرناه ، وإن كانت عادمة له فهي كالحر المحصر إذا عدم الهدي ، وقد سبق إيضاحه ، واتفق أصحابنا على أن تحللها لا يحصل إلا مما يحصل به تحلل المحصر ، وأنها لو تطيبت أو جومعت أو قتلت صيدا أو فعلت غير ذلك من محظورات الإحرام أو فعل الزوج ذلك بها لا تصير متحللة بل يلزمه الفدية فيما ارتكبته ، والله أعلم .
قال أصحابنا : ومتى أمرها بالتحلل حيث جوزناه [ ص: 309 ] له لزمها المبادرة به وإن امتنعت منه مع تمكنها جاز للزوج وطؤها وسائر الاستمتاعات بها ولا إثم عليه وعليها هي الإثم لتقصيرها . وكذلك الأمة إذا امتنعت من التحلل فللسيد وطؤها ولا إثم عليه وعليها هي الإثم . وحكى إمام الحرمين هذا عن الصيدلاني ثم قال الإمام : وهذا فيه نظر ، لأن المحرمة حرام لحق الله تعالى ، كما أن المرتدة حرام لحق الله تعالى ، فيحتمل تحريمها على الزوج والسيد . هذا كلام الإمام والمذهب القطع بالجواز كما قاله الصيدلاني وغيره ، وبه جزم الغزالي وغيره ، والله أعلم .
( فرع ) ليس للأمة المزوجة الإحرام إلا بإذن السيد والزوج جميعا بلا خلاف لأن لكل واحد منهما حقا ، فإن أذن أحدهما فللآخر المنع بلا خلاف ، فإن أحرمت بغير إذنهما ، قال الدارمي : إن اتفقا على تحليلها فلهما ذلك ، وإن اتفقا على بقائها وذهابها في الحج جاز ، وإن أراد السيد تحليلها فله ذلك ، وإن أراده الزوج ، قال ابن القطان : نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن له ذلك ، قال ابن القطان : فيحتمل هذا ويحتمل أن يقال : لا يحللها ، لأن للسيد المسافرة بها ، نقله الدارمي . ونقل الروياني عن nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال أن المذهب أن للزوج تحليلها ، كما هو للسيد ، وأن من الأصحاب من قال بالنسبة إلى الزوج كالزوجة الحرة إذا أحرمت بتطوع ، هل له تحليلها ؟ فيه طريقان ، والمذهب الأول
( فرع ) قال الدارمي : إذا أحرمت في العدة فإن كانت رجعية فلم يراجعها ، فليس له تحليلها ، وله منعها من الخروج ، فإن قضت العدة ولم يراجعها مضت في الحج ، فإن أدركته فذلك ، وإن فاتها فلها حكم الفوات وإن راجعها فهل له تحليلها ؟ فيه القولان السابقان ، وإن كانت مطلقة بائنا فليس له تحليلها بلا خلاف ، وله منعها ، فإن أدركت الحج بعد انقضاء العدة وإلا فهي كذات الفوات ، ولو أحرمت ثم طلقها فوجبت العدة [ ص: 310 ] أقامت على إحرامها ، ولم يجز لها التحلل ، فإن انقضت عدتها فأدركت الحج فذاك ، وإن فاتها - قال ابن المرزبان : إن كانت هي سبب وجوب العدة بخيار ونحوه فهي المفوتة وإن طرأت بغير اختيارها ففي القضاء وجهان بناء على القولين في المحصر إذا سلك طريقا ففاته ، هذا كلام الدارمي . وكذا قال الروياني والرافعي وغيرهما إن المعتدة الرجعية إذا أحرمت فللزوج منعها من الذهاب في الحج ، وليس له تحليلها ولكن له رجعتها ، فإذا رجع هل له تحليلها ؟ فيه القولان ، وجزم الرافعي بأنه يحللها بعد المراجعة ، وهو تفريع على الأصح وإلا فالقولان لا بد منهما كما ذكره الدارمي والروياني وغيرهما . ونقل الروياني فيما إذا أحرمت بحج تطوع ثم طلقت ثم اعتدت ففاتها قولين ( أحدهما ) يجب القضاء كالخطأ في العدد ( والثاني ) لا ، لعدم تقصيرها ، وهذا موافق لما ذكره ابن المرزبان والله أعلم .
وقال الماوردي : إذا أحرمت ثم وجبت العدة بوفاة زوج أو طلاقه لزمها المضي في الإحرام وأعمال النسك ، ولا تكون العدة مانعة لأن الإحرام سابق ، قال : فإن منعها حاكم من إتمام الحج بسبب العدة صارت كالمحصر ، فتتحلل وعليها دم الإحصار
( فرع ) إذا أرادت الحج ، قال الماوردي والمحاملي وغيرهما من الأصحاب : إن كان الحج فرضا جاز لها الخروج مع زوج أو محرم أو نسوة ثقات ، ويجوز مع امرأة ثقة قال الماوردي ومن الأصحاب من قال : [ ص: 311 ] إذا كان الطريق آمنا لا يخاف خلوة الرجال بها جاز خروجها بغير محرم ، وبغير امرأة ثقة ، قال : هذا خلاف نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قالوا : فإن كان الحج تطوعا لم يجز أن تخرج إلا مع محرم ، وكذا السفر المباح كسفر الزيارة والتجارة لا يجوز خروجها في شيء من ذلك إلا مع محرم أو زوج . قال الماوردي : ومن أصحابنا من جوز خروجها مع نساء ثقات ، كسفرها للحج الواجب ، قال : وهذا خلاف نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وكذا قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في تعليقه : لا يجوز لها الخروج في حج التطوع إلا مع محرم ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتاب العدد من الأم ، فقال : لا يجوز الخروج في حج التطوع إلا مع محرم . قال nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : ومن أصحابنا من قال : لها الخروج بغير محرم في أي سفر كان واجبا كان أو غيره ، وهكذا ذكر المسألة البندنيجي وآخرون وحاصله أنه يجوز الخروج للحج الواجب مع زوج أو محرم أو امرأة ثقة ، ولا يجوز من غير هؤلاء ، وإن كان الطريق آمنا ، وفيه وجه ضعيف أنه يجوز إن كان آمنا . وأما حج التطوع وسفر الزيارة والتجارة وكل سفر ليس بواجب فلا يجوز على المذهب الصحيح المنصوص إلا مع زوج أو محرم ، وقيل : يجوز مع نسوة أو امرأة ثقة كالحج الواجب ، وقد سبقت هذه المسألة مختصرة في أول كتاب الحج في ذكر استطاعة المرأة والله أعلم .
( فرع ) قد ذكرنا تفصيل مذهبنا في حج المرأة ، وذكرنا أن الصحيح أنه يجوز لها في سفر حج الفرض أن تخرج مع نسوة ثقات . أو امرأة ثقة ، ولا يشترط المحرم ولا يجوز في التطوع وسفر التجارة والزيارة ونحوهما إلا بمحرم . وقال بعض أصحابنا : يجوز بغير نساء ولا امرأة إذا كان الطريق آمنا . وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : لا يجوز بامرأة ثقة . وإنما يجوز بمحرم أو نسوة ثقات . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة [ ص: 312 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : لا يجوز إلا مع زوج أو محرم ، قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : والمسافة التي يشترط nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فيها المحرم ثلاثة أيام فإن كان أقل لم يشترط . واحتج لهم بحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=30257لا تسافر امرأة ثلاثا إلا معها ذو محرم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=31415لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم } .
( وأما ) حديث عدي فخرج في سياق المدح والفضيلة واستعلاء الإسلام ورفع مناره ، فلا يمكن حمله على ما لا يجوز . قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد ( فإن قيل ) هذا الخبر متروك الظاهر بالإجماع لأن فيه أنها تخرج بغير جوار ولا خلاف أنها لا تخرج بغير جوار ، ولو امرأة واحدة ( فالجواب ) أن بعض أصحابنا جوز خروجها وحدها بغير امرأة كما سبق ، وعلى مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومنصوصه يشترط المرأة ولا يلزم من ذلك ترك الظاهر لأن حقيقته أن لا يكون معها جوار أصلا - والجوار الملاصق والقريب - ونحن لا نشترط في المرأة التي تخرج معها كونها ملازمة لها ، فإن مشت قدام القافلة أو بعدها بعيدة عن المرأة جاز ، فحصل من هذا أنا نقول بظاهر الحديث ، هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد . قال أصحابنا : ولأنه سفر واجب فلم يشترط فيه المحرم كالهجرة . قال أصحابنا : وقياسا على ما إذا كانت المسافة مرحلتين ، فإن الحنفية وافقونا على أنه لا يشترط المحرم ( فإن قالوا ) إنما جاز في المرحلتين لأنه ليس بسفر ( قلنا ) هذا مخالف للأحاديث الصحيحة السابقة .
( وأما ) الجواب عن الأحاديث التي احتجوا بها فمن أوجه ( أحدها ) جواب الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد وآخرين أنها عامة فنخصها بما ذكرناه ( والثاني ) أنه محمول على سفر التجارة والزيارة وحج التطوع وسائر الأسفار غير سفر الحج الواجب ( الثالث ) ذكره القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب أنه محمول على ما إذا لم يكن الطريق آمنا ( والجواب ) عن قياسهم على حج التطوع وسفر التجارة وأنه ليس بواجب بخلاف حج الفرض والله أعلم