قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن باع الأعمى أو اشترى شيئا لم يره ( فإن قلنا ) إن بيع ما لم يره البصير لا يصح ، لم يصح بيع الأعمى وشراؤه ( وإن قلنا ) يصح ففي بيع الأعمى وشرائه وجهان ( أحدهما ) يصح ، كما يصح من البصير فيما لم يره ، ويستنيب في القبض والخيار كما يستنيب في شرط الخيار ( والثاني ) لا يصح لأن بيع ما لم يره يتم بالرؤية وذلك لا يوجد في حق الأعمى ، ولا يمكنه أن يوكل في الخيار لأنه خيار ثبت بالشرع ، فلا تجوز الاستنابة فيه كخيار المجلس بخلاف خيار الشرط )
( الشرح ) قال أصحابنا : المذهب بطلان بيع الأعمى وشرائه وهذا مختصره وتفصيله أنه إن لم نجوز بيع الغائب وشراءه لم يصح بيع الأعمى ولا شراؤه ، وإن جوزناه فوجهان ( أصحهما ) لا يجوز أيضا لأنه لا طريق له إلى رؤيته فيكون كبيع الغائب على أن لا خيار ( والثاني ) يجوز ، فيقام وصف غيره له مقام رؤيته ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد فإن صححناه قال المتولي وغيره : يثبت له الخيار عند وصف السلعة له ، ويكون الوصف بعد العقد كرؤية البصير ( فإن قلنا ) لا يصح بيعه وشراؤه لم تصح أيضا إجارته ورهنه وهبته ، وفي مكاتبته عبده وجهان حكاهما المتولي وآخرون ( أصحهما ) جوازه ، صححه المتولي تغليبا للعتق ( والثاني ) لا يجوز ، وبه قطع البغوي ، ويجوز أن يؤجر نفسه ، وللعبد الأعمى أن يشتري [ ص: 367 ] نفسه ، وأن يقبل الكتابة على نفسه لعلمه بنفسه ، ويجوز أن يتزوج بلا خلاف . وفي ثبوت ولايته في النكاح وجهان مشهوران ( أحدهما ) لا يصح تزويجه ( وأصحهما ) يصح فعلى هذا إذا زوج وكان الصداق مالا معيبا لم يثبت المسمى ، بل يجب مهر المثل وكذا لو جامع على مال معين .
( أما ) إذا أسلم في شيء أو أسلم إليه فإن كان عمي بعد بلوغه سن التمييز صح السلم بلا خلاف ، لأنه يعرف الأوصاف ثم يوكل من يقبض عنه ، ولا يصح قبضه بنفسه على أصح الوجهين ، لأنه لا تمييز له بين المستحق وغيره ، فإن خلق أعمى أو أعمي قبل التمييز فوجهان ( أحدهما ) لا يصح ، وهو الأصح عند المتولي ( وأصحهما ) عند العراقيين والجمهور من غيرهم : الصحة ، وهو المنصوص أو ظاهر النص ، لأنه يعرف بالسماع ، فعلى هذا إنما يصح إذا كان رأس المال موصوفا ، وعين في المجلس ، فإن كان معينا في العقد فهو كبيعه العين والمذهب بطلانه . قال أصحابنا : وكل ما لا يصح من الأعمى من التصرفات فطريقه أن يوكل وتحتمل صحة وكالته للضرورة ، وهذه المسألة مما ينكر على المصنف في باب الوكالة من المهذب والتنبيه ، حيث قال : من لا يجوز تصرفه فيما يوكل فيه لا يجوز توكيله ، فالأعمى لا يصح بيعه وشراؤه ونحوهما على المذهب ويجوز توكيله في ذلك بلا خلاف كما ذكرناه والله سبحانه وتعالى أعلم .
( فرع ) إذا ملك الأعمى شيئا بالسلم أو الشراء حيث صححناه ، لم يصح قبضه ذلك بنفسه ، بل يوكل بصيرا يقبضه له بتلك الأوصاف ، [ ص: 368 ] فلو قبضه الأعمى لم يعتد به ، قال المتولي : ولو اشترى البصير شيئا ثم عمي قبل قبضه ، وقلنا : لا يصح شراء الأعمى فهل ينفسخ هذا البيع ؟ فيه وجهان كما إذا اشترى الكافر كافرا فأسلم العبد قبل القبض ، قلت : الأصح لا يبطل .