[ ص: 404 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز إلا بثمن معلوم القدر ، فإن باع بثمن مجهول كبيع السلعة برقمها ، وبيع السلعة بما باع به فلان سلعته ، وهما لا يعلمان ذلك ، فالبيع باطل لأنه عوض في البيع ، فلم يجز مع الجهل بقدره ، كالمسلم فيه ، فإن باعه بثمن معين جزافا جاز ، لأنه معلوم بالمشاهدة ، ويكره ذلك ، كما قلنا في بيع الصبرة جزافا ، وإن قال : بعتك هذا القطيع ، كل شاة بدرهم ، أو هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ، وهما لا يعلمان مبلغ قفزان الصبرة وعدد القطيع صح البيع ، لأن غرر الجهالة ينتفي بالعلم بالتفصيل ، كما ينتفي بالعلم بالجملة ، فإذا جاز بالعلم بالجملة جاز بالعلم بالتفصيل ) .
( الشرح ) أما مسألة القطيع والصبرة والبيع بدراهم جزاف ، فسبق شرحه واضحا قريبا في مسائل البيع بثمن معلوم القدر ، وذكرنا هناك أن الجزاف يقال - بكسر الجيم وفتحها وضمها - واتفق الأصحاب على أنه يشترط كون الثمن معلوم القدر ، لحديث النهي عن بيع الغرر ، فلو قال : بعتك هذا بدراهم أو بما شئت أو نحو هذه العبارات لم يصح البيع بلا خلاف . ولو قال : بعتك هذه السلعة برقمها أي بالثمن الذي هو مرقوم به عليها ، أو بما باع به فلان فرسه أو ثوبه ، فإن كانا عالمين بقدره صح البيع بلا خلاف ، وإن جهلاه أو أحدهما فطريقان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعات من الخراسانيين لا يصح البيع ، لما ذكره المصنف مع أنه غرر ( والثاني ) حكاه الفوراني وصاحب البيان وغيرهما فيه وجهان ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) إن علما ذلك القدر قبل تفرقهما من المجلس صح البيع ، وحكى الرافعي وجها ثالثا أنه يصح مطلقا ، للتمكن من معرفته ، كما لو قال : بعت هذه الصبرة كل صاع بدرهم يصح البيع ، وإن كانت جملة الثمن في الحال مجهولة ، وهذا ضعيف شاذ .
( فرع ) لو قال : بعتك هذا بمائة دينار إلا عشرة دراهم ، أو بمائة درهم إلا دينارا ، قال المتولي والرافعي : إن علما قيمة الدينار [ ص: 405 ] بالدراهم صح وإلا فلا ، بخلاف ما لو أقر بمائة دينار إلا عشرة دراهم ، فإنه يصح ، وإن لم يعلما قدر القيمة ، لأن الإقرار بالمجهول صحيح ، هذا كلامهما ، وينبغي أن لا يكفي مع علمهما ، بل يشترط مع علمهما بالقيمة قصدهما استثناء القيمة ، وقد ذكر صاحب المستظهري فيما إذا لم يعلما حالة العقد قيمة الدينار بالدراهم ، ثم علما ذلك في الحال طريقتين ( أصحهما ) لا يصح ، كما ذكرناه ( والثاني ) فيه وجهان ، وقال صاحب البيان : إذا باعه بدينار إلا درهما لم يصح على المشهور قال : وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري وجها أنهما إذا كانا يعلمان قيمة الدينار من الدراهم صح البيع ، وهذا الذي ادعى أنه المشهور غريب ( والأصح ) أنهما إذا علما قيمته وقصد استثناء القيمة صح وإلا فلا . قال في البيان : ولو قال بعتك بألف درهم من صرف عشرين بدينار لم يصح ، لأن المسمى هي الدراهم وهي مجهولة ، ولا تصير معلومة بذكر قيمتها ، قال : وإن كان نقد البلد صرف عشرين بدينار لم يصح أيضا ، لأن السعر يختلف ولا يختص ذلك بنقد البلد ، قال ابن الصباغ : وهكذا يفعل الناس اليوم يسمون الدراهم ويبتاعون بالدنانير ، ويكون كل قدر من الدراهم معلوما عندهم دينارا ، قال : وهذا البيع باطل ، لأن الدراهم لا يعبر بها عن الدنانير حقيقة ، ولا مجازا ، ولا يصح البيع بالكناية ، هذا ما نقله صاحب البيان وهو ضعيف ، بل الأصح صحة البيع بالكناية كما سبق أول كتاب البيوع ، وعلى هذا إذا عبر بالدنانير عن الدراهم صح ، والله أعلم .
( فرع ) في بيع التلجئة وصورته أن يتفقا على أن لا يظهرا العقد ، إما للخوف من ظالم ونحوه ، وإما لغير ذلك ، ويتفقا على أنهما إذا أظهراه لا يكون بيعا ، ثم يعقد البيع ، فإذا عقداه انعقد عندنا ، ولا أثر للاتفاق السابق ، وكذا لو اتفقا على أن البيع بألف ويظهرا ألفين فعقدا بألفين ، [ ص: 406 ] صح البيع بألفين ، ولا أثر للاتفاق السابق ، هذا مذهبنا ، وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وروى عنه محمد أنه لا يصح إلا أن يتفقا على أن الثمن ألف درهم فتبايعا بمائة دينار ، فيكون الثمن مائة دينار استحسانا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد قالوا : لأنه إذا تقدم الاتفاق صارا كالهازلين ، دليلنا أن الاتفاق السابق ملغي بدليل أنهما لو اتفقا على شرط فاسد ثم عقدا بلا شرط صح العقد ( وأما ) قولهم : كالهازلين فالأصح عندنا انعقاد بيع الهازل .
( فرع ) روى nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38601نهى عن بيع العربان } رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ ، قال : أخبرني الثقة عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب فذكره ، ومثل هذا لا يحتج به عند أصحابنا ولا عند جماهير العلماء ورواه أبو داود في سننه عن القعنبي عن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك أنه بلغه عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب وهذا أيضا منقطع لا يحتج به ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عن الفضل بن يعقوب الرخامي عن nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت كاتب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، nindex.php?page=showalam&ids=15683وحبيب بن أبي ثابت هذا ، وعبد الله بن عامر الأسلمي هذا ضعيفان باتفاق المحدثين ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي رواية nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك ، وهي قوله بلغني عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب . ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : هكذا روى nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك هذا الحديث في الموطأ ، فلم يسم رواية الذي رواه عنه قال : ورواه nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت عن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، وقيل : إنما رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، كذا قاله أبو أحمد بن عدي الحافظ ، قال ابن عدي : والحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب مشهور ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وقد روى هذا الحديث عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب [ ص: 407 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ثم رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناده عن عاصم بن عبد العزيز عن الحارث عن عمرو ، ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : nindex.php?page=showalam&ids=16274عاصم هذا فيه نظر ، nindex.php?page=showalam&ids=15683وحبيب بن أبي ثابت هذا ضعيف ، وعبد الله بن عامر nindex.php?page=showalam&ids=16457وابن لهيعة لا يحتج بهما ، والأصل في هذا الحديث أنه مرسل nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار : بلغني أن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالكا أخذه عن عبد الله بن عامر ، وقيل : عن nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، وقيل : عن الحارث بن عبد الرحمن عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، قال : وفي الجميع ضعف ، فالحاصل أن هذا الحديث ضعيف ، قال : وإنما بسطت الكلام فيه لشهرته والحاجة إلى معرفته .
قال أهل اللغة : في العربان ست لغات عربان وعربون - بضم العين وإسكان الراء فيهما - وعربون - بفتحهما وأربان وأربون وأربون - بالهمزة بدل العين - والوزن كالوزن ، وقد أوضحتهن في تهذيب الأسماء واللغات ، وفي ألفاظ التنبيه أفصحهن عربون - بفتحهما - [ ص: 408 ] وهو عجمي معرب ، ويقال منه عربت في الشيء وأعربت ، وهو أن يشتري شيئا ويعطي البائع درهما أو دراهم ويقول : إن تم البيع بيننا فهو من الثمن ، وإلا فهو هبة لك ، قال أصحابنا : إن قال هذا الشرط في نفس العقد فالبيع باطل ، وإن قاله قبله ولم يتلفظا به حالة العقد فهو بيع صحيح ، هذا مذهبنا ، وقد ذكر المصنف المسألة في التنبيه ، ولم يذكرها في المهذب ( فرع ) في مذاهب العلماء في بيع العربون . قد ذكرنا أن مذهبنا بطلانه إن كان الشرط في نفس العقد ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، والحسن nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، قال : وهو يشبه قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال : وروينا عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين جوازه ، قال : وقد روينا عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى دارا بمكة من nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية بأربعة آلاف ، فإن رضي nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فالبيع له ، وإن لم يرض nindex.php?page=showalam&ids=90فلصفوان أربعمائة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد بن حنبل حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فقال : أي شيء أقدر أقول ؟ ، ، هذا ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : اختلف الناس في جواز هذا البيع فأبطله nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي للحديث ، ولما فيه من الشرط الفاسد والغرر ، وأكل المال بالباطل ، وأبطله أيضا أصحاب الرأي ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر جوازه ، ومال إليه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .