قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن باع صبرة طعام بصبرة شعير كيلا بكيل فخرجت متساويتين جاز وإن خرجتا متفاضلتين - فإن رضي صاحب الصبرة الزائدة بتسليم الزيادة - أقر العقد ووجب على الآخر قبوله لأنه ملك الجميع بالعقد وإن رضي صاحب الصبرة الناقصة بقدر صبرته من الصبرة الزائدة أقر العقد ، وإن تشاحا فسخ البيع لأن كل واحد منهما باع صبرته بجميع صبرة صاحبه على التساوي في المقدار وقد تعذر ذلك ففسخ العقد ) .
[ ص: 214 ] الشرح ) إذا باع صبرة بصبرة من غير جنسها مكايلة جاز البيع بلا خلاف وذلك واضح ، وإن خرجتا متفاضلتين ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب والمصنف والمحاملي وابن الصباغ والروياني وغيرهم : إن تبرع صاحب الصبرة الزائدة بالزيادة جاز البيع ، قال المصنف - رحمه الله - ومن تبعه : ووجب على الآخر قبوله وعلته ما ذكره المصنف ، وهي مصرحة أنه ملك الجميع بالعقد ، وذلك لأن العقد ورد على الجميع كما تقدم للتنبيه عليه غير مرة ، ولكنه فات على كل منهما غرض . أما بائع الصبرة الثانية فلأنه أورد العقد على أن تكون مساوية للصبرة الأخرى وقد فات عليه ذلك ، وفوات الشرط لا يقتضي فساد العقد ، وإنما يثبت الخيار أيضا ومسامحة كل منهما تحصل لغرض الآخر الذي وقع العقد عليه فيسقط خياره . وبهذا المعنى الذي ذكره المصنف ، وهو أنه ملك الجميع بالعقد فارق ذلك مسألة الإعراض بالنقد فإن فيها خلافا في وجوب القبول ، ومسألة إذا ترك البائع حقه للمشتري في الثمار المختلطة فإن المتروك في كل من المسألتين ملك البائع ، فإن في كل من المسألتين إذا قلنا بالإجبار على القبول أجبرناه على قبول ما لم يكن في ملكه بخلاف مسألتنا هنا والله أعلم .
وإن امتنع ورضي صاحب الصبرة الناقصة بأن يأخذ بقدرها من الصبرة الزائدة جاز البيع لما تقدم ، وإن تمانعا فسخ البيع بينهما لا لأجل الربا ، ولكن لأن كل واحد منهما باع صبرته بجميع صبرة صاحبه ، على أنهما سواء في المقدار فإذا تفاضلا وتمانعا وجب فسخ البيع بينهما ، هذه علة nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبي الطيب والمصنف ، ومقتضى ما قدمته آنفا أن يثبت لكل منهما خيار الخلف ، فإن فسخ أحدهما البيع فذاك ، وإن أصرا على الطلب والمنازعة فسخ بينهما كما يفسخ في التخالف ، وقال صاحب التهذيب فيما إذا خرجتا متفاضلتين : فيه قولان ( أصحهما ) يجوز فإن جوزناه فالزيادة غير مبيعة ولمشتريها الخيار ، هكذا قاله صاحب التهذيب وذلك موافق لما قاله فيما إذا قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم ، كل صاع بدرهم فخرجت بخلافه . والرافعي - رحمه الله تعالى - أتى بعبارة مشكلة فقال : إنه لو باع صبرة [ ص: 215 ] حنطة بصبرة شعير صاعا بصاع أو بصاعين فالحكم كما لو كانتا من جنس واحد . ومقتضى ذلك أنه إن خرجتا متساويتين صح ، وإن خرجتا على خلاف ما يقتضيه التوزيع فعلى القولين المتقدمين في الجنس الواحد وفيه نظر ، البطلان هناك مأخذه التفاضل في الجنس الواحد ، ولعل مراده ما قاله صاحب التهذيب بالقولين ، وأنه ناقل الجملة كما تقدم عن صاحب التهذيب ، فيما إذا قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم ، فإن فيه قولين ( أصحهما ) عند صاحب التهذيب البطلان لأنه باع جملة الصبرة بالعشرة بشرط مقابلة كل صاع منهما بدرهم ، والجمع بين هذين الأمرين عند الزيادة والنقصان محال وهذا حاصل هاهنا ولا يظهر فرق في ذلك بين أن يكون الدين معينا أو في الذمة ، ولا بين أن يكون نقدا أو غيره ، وهذه العلة التي جعلها صاحب التهذيب علة للبطلان هي بعينها علة المصنف والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبي الطيب في الفسخ .
والذي ينبغي التفصيل بين أن يقع ذكر الكل في معرض الشرط ، أو في معرض تفصيل الثمن ، فإن خرج مخرج تفصيل الثمن كقوله : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كل صاع منها بصاع منها ، فهذا تفصيل الثمن والصفقة تتعدد به ، فيكون الكلام متضمنا لعقدين متضادين ( أحدهما ) مقابلة المجموع بالمجموع ( والثاني ) المقابلة التفصيلية ، فيتجه هنا البطلان كما قاله صاحب التهذيب . وإن خرج مخرج الشرط مثل أن يقول : بعتك هذه الصبرة ، على أن كلا منهما عشرة آصع مثلا ، فيتجه هنا ما قاله المصنف nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب لأنه ليس هنا إلا صفقة تضمنت شرطا وقد أخلف فيثبت الخيار كما تقدم وفيه نبه النووي على ذلك مستدركا على الرافعي فنقل ما قاله المصنف nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي عن أكثر أصحابنا ، وأما كونه يفسخ بينهما عند التمانع فنظيره إذا اشترى ثمرة ولم يأخذها حتى حدثت ثمرة أخرى واختلطت ولم تتميز على أحد القولين إذا تشاحا يفسخ الحاكم البيع بينهما .
[ ص: 216 ] فرع ) ذكره القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين مع المسائل المتقدمة وأطلقه ويتعين ذكره هنا وحمله على الجنس بما يخالفه إذا قال : بعت منك هذه الصبرة بهذه الصبرة على عشرة أقفزة ، فخرجت عشرة أقفزة جاز العقد ، وإن خرجت أحد عشر هل يجوز العقد أو لا ؟ فيه قولان بناء على الإشارة والعبارة ( إن قلنا ) لا يصح فلا كلام ( وإن قلنا ) يصح في العشرة فالقدر الزائد لمن يكون ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) أنه للمشتري لأنا غلبنا الإشارة ( والثاني ) أنه للبائع ، لأن المشتري قد سلم له المبيع المسمى في العقد ( إن قلنا ) إن الزيادة للمشتري فهل يثبت للبائع الخيار في فسخ البيع أو لا ؟ ( الصحيح ) لا ، لوجود التفريط من جهته في ترك المكايلة وفيه وجه آخر أن له الخيار وإن قلنا : الزيادة للبائع فهل للمشتري الخيار ؟ فيه وجهان ظاهران ( أحدهما ) نعم ، لأنه لم يسلم له جميع الصبرة ( والثاني ) لا ، لأنه سلم له ما صرح به في العقد وهو عشرة أقفزة ، فأما إذا خرجت تسعة ، ففي صحة العقد قولان ( إن قلنا ) يصح ثبت للمشتري الخيار في فسخ العقد دون البائع ، فإن فسخ فلا كلام ، وإن أجاز فبكم يجيز ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) بحصته من الثمن ( والثاني ) بجميع الثمن - هذا كلام القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين والله أعلم ( فرع ) مفهوم كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه المتقدم ، وقوله : إنما يكون الخيار فيما نقص فيما لا ربا فيه ، يقتضي أنه إذا باع صبرة بغير جنسها سواء كان طعاما أو دراهم أو غير ذلك مكايلة ، فخرجت إحداها ناقصة أنه يصح ، ويثبت الخيار ، وذلك مخالف لما صححه صاحب التهذيب من البطلان إذا قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم فخرجت ناقصة أو زائدة ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) لو باع إناء فضة بدينار ، على أن وزنه مائة فتفرقا ، وكان وزنه تسعين ، قال الروياني في البحر : فللمشتري الخيار ، قال : وإن كان زائدا فلا خيار له وهل للبائع الخيار ؟ إذا قال : عندي أن الوزن مائة فإن كذبه المشتري وكان عالما به فلا خيار ، وإن صدقه يحتمل وجهين ، وإن باعه وأخبر أن وزنه مائة لا على طريق الشرط فزاد أو نقص فلا خيار .