قال المصنف رحمه الله تعالى ( وفي بيع اللحم الطري باللحم الطري أيضا طريقان ( أحدهما ) وهو المنصوص أنه لا يجوز لأنه يدخر يابسه فلم يجز بيع رطبه برطبه كالرطب والعنب .
( والثاني ) وهو قول أبي العباس أنه على قولين ، لأن معظم منفعته في حال رطوبته ، فصار كالفواكه ) .
( الشرح ) صورة المسألة في بيع اللحم بلحم من جنسه ، إن قلنا : إن اللحوم أجناس ، وهو الصحيح أو مطلقا على القول الآخر ( أما ) إذا قلنا [ ص: 327 ] إنها أجناس وباعه بغير جنسه ، فإنه يجوز متماثلا ومتفاضلا ، رطبين ويابسين ورطبا ويابسا وزنا وجزافا لا شك في ذلك . وممن صرح به nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي حسين وإنما مقصود المصنف إذا كانا من جنس واحد أو على القول الآخر كما نبهت عليه . إذا عرف ذلك فقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في الأم في بيع الآجال : ولا خير في اللحم الطري بالمالح والمطبوخ ، ولا باليابس على كل حال ، ولا يجوز الطري بالطري ولا اليابس بالطري حتى يكونا يابسين ، أو حتى تختلف أجناسهما . وقال أيضا فيه : فإذا كان منهما شيء من صنف واحد مثل لحم غنم بلحم غنم لم يجز رطب برطب ولا رطب بيابس ، وجاز إذا يبس فانتهى يبسه بعضه ببعض وزنا وقال في باب ما جاء في بيع اللحم : لا يجوز منه لحم ضائن بلحم ضائن رطل برطل ، أحدهما يابس والآخر رطب ، ولا كلاهما رطب لأنه لا يكون اللحم ينقص نقصانا واحدا لاختلاف خلقته ومراعيه التي يغتذي منها لحمه ، فيكون منها الرخص الذي ينقص إذا يبس نقصانا كثيرا والغليظ الذي يقل نقصه ثم يختلف غلظهما باختلاف خلقته ، ورخصهما باختلاف خلقته فلا يجوز لحم أبدا إلا يابسا قد بلغ أناه بيبسه وزنا بوزن من صنف واحد ، فلا جرم قال المصنف والأصحاب : إن المنصوص أنه لا يجوز وحكى الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم قول أبي العباس أن فيه قولا آخر ، وجعله الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في بعض المواضع من تخريج أبي العباس ، ثم قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : وهذا غلط ، والصحيح ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب : إن ذلك مما ليس بمشهور وليس بصحيح ونسب الماوردي والرافعي ذلك إلى ابن سريج من غير ذكر نقل ولا تخريج وكذلك nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين والروياني . وفرق الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وغيره من الأصحاب بين ذلك وبين الفواكه لأنها إذا يبست لا تكون فيها المنافع التي تكون فيها حال رطوبتها ، واللحم كل ما يكون منه وهو رطب يكون منه وهو يابس وزيادة ، وهو أنه على هيئة الادخار فأشبه الرطب بالرطب وفرقوا بينه وبين اللبن فإنه ليس للبن حالة أخرى ينتهي إليها واللحم له حالة ادخار ينتهي إليها .
[ ص: 328 ] وقال المحاملي : إن سائر أصحابنا يعني غير ابن سريج ذهبوا إلى أنه لا يجوز بيع ذلك رطبا بحال ، وفرقوا بينه وبين الثمار بما تقدم ، ونسب الروياني في الحلية الجواز إلى ابن سريج وغيره قال : وهو الاختيار ، وممن صحح الطريقة الأولى الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في التعليق nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب والماوردي فإنهما قالا عن قول ابن سريج : أنه ليس بصحيح nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي حسين وإمام الحرمين ، وقال : إنه الذي قطع به معظم الأصحاب وإنه ظاهر المذهب في تعليق nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد والروياني في البحر وصاحب العدة وصاحب التتمة . وحكى هو وغيره قول الجواز عن ابن سريج ولم يذكر أنه خرجه ولا حكاه . وجزم جماعة بالمنع ، ولم يحكوا خلافا ، منهم الفوراني في الإبانة والعمدة والبغوي في التهذيب والجرجاني في الشافي nindex.php?page=showalam&ids=12515وابن أبي عصرون وأبو الحسن بن خيران في اللطيف وسليم في الكفاية والماوردي في الإقناع nindex.php?page=showalam&ids=14922ونصر المقدسي في الكافي ووجه قول الجواز بإلحاقه بما جفافه نادر وفي المجرد قال عن قول الجواز : وليس بشيء . وأطلق المحاملي في اللباب والشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في الرونق أن بيع اللحم الرطب بالرطب متماثلين جائز وهذا بعمومه يشمل الجنس الواحد والجنسين ، ( فأما ) في الجنسين فصحيح ( وأما ) في الجنس الواحد فهو مخالف لما قال الأولون ، وهو موافق لما اختاره الروياني في الحلية ، وخالف nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله في ذلك فجوز بيع اللحم باللحم طريا على ما حكاه الفوراني في العمدة وكذلك جوز اللحم النيء بالمشوي . قال صاحب العمدة : والمسألة تبنى على بيع الرطب بالتمر .
( فرع ) بيع اللحم الطري باليابس أيضا لا يجوز كبيع الطري بالطري نص عليه المحاملي في اللباب nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي حسين في التعليق nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب في التعليق والجرجاني والروياني وغيرهم ، وظاهر كلامه أن خلاف ابن سريج فيه أيضا ، فإنه قال : إذا باع بعضه ببعض رطبا برطب فالمذهب [ ص: 329 ] أن البيع باطل ، وكذلك إذا كان أحدهما رطبا والآخر يابسا . وقال ابن سريج : فيه قول آخر يجوز ، وكذلك كلام الماوردي المتقدم . وظاهر هذا الكلام جريان خلاف ابن سريج في الرطب باليابس وهو مخالف لما تقدم عن الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد وإمام الحرمين في نظيره ، ومؤيد - إن صح - للاحتمال الذي أبداه الإمام ، وينبغي أن يكون على خلاف ابن سريج عائد إلى الأول فقط ، والثاني ذكره على سبيل الاستطراد ، وقد تقدم التنبيه على ذلك .