قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز بيع الحب بدقيقه متفاضلا ، لأن الدقيق هو الحب بعينه ، وإنما فرقت أجزاؤه فهو كالدنانير الصحاح بالقراضة ، فأما بيعه به متماثلا فالمنصوص أنه لا يجوز وقال الكرابيسي : قال أبو عبد الله : يجوز فجعل أبو الطيب بن سلمة هذا قولا آخر وقال أكثر أصحابنا : لا يجوز قولا واحدا ولعل الكرابيسي أراد أبا عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالكا أو nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، فإن عندهما يجوز ذلك ، والدليل على أنه لا يجوز أنه جنس فيه ربا بيع منه : ما هو على هيئة الادخار بما ليس منه على هيئة الادخار على وجه يتفاضلان في حال الادخار ، فلم يصح كبيع الرطب بالتمر ) .
( الشرح الكرابيسي هو أبو علي الحسين بن علي البغدادي صاحب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في العراق ، وكان عالما في الفقه والحديث والأصول ، وله تصانيف في الجرح والتعديل وغيره ومن جملتها كتاب الرد على المدلسين [ ص: 405 ] الذي رد عليه فيه nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر الطحاوي ، وقد وقفت على كلام أبي جعفر ، توفي الكرابيسي سنة خمس وأربعين وقيل ثمان وأربعين ومائتين وهو مذكور في المهذب في باب زكاة التجارة ، وأبو الطيب محمد بن المفضل بميم في أوله ابن سلمة من كبار أصحابنا ، درس الفقه على ابن سريج ، وكان مخصوصا بفرط الذكاء والشهامة فلذلك كان أبو العباس يقبل عليه غاية الإقبال ، ويميل إلى تعليمه كل الميل ، صنف كتبا عدة مات شابا سنة ثمان وثلاثمائة وهو مذكور في المهذب في باب صلاة المسافر . وكذلك الإمام nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك رحمه الله وهو أجل من أن ينبه على شيء من أخباره ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل رحمه الله لم يتقدم له ذكر في المهذب فيما أظن ، وهو الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بحاء مهملة وياء آخر الحروف ابن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن مضر بن معد بن عدنان . مولده سنة إحدى وستين ومائة وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين وفضائله ومناقبه علما وزهدا وورعا أكثر من أن تحصى ، وأشهر من أن تذكر ، وهو معدود من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنهم بالعراق .
وقال المصنف : الحب بدقيقه يشمل الحنطة والشعير وغيرهما ، وفيه احتراز عن بيعه بدقيق غيره ، كبيع الحنطة بدقيق الشعير والشعير بدقيق الحنطة ، وما أشبه ذلك ، فإنه جائز متماثلا ومتفاضلا على القول الصحيح المشهور الذي قطع به قاطعون أن الأدقة أجناس ، والمقصود بيع القمح بدقيق القمح ، أو بيع الشعير بدقيق الشعير ، وما أشبه ذلك وفي ذلك مسألتان : [ ص: 406 ] إحداهما ) أن يباع متفاضلا وهذا لا يجوز عندنا ، وعند أكثر العلماء ونقل الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وأبو الطيب وغيرهما عن nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور جوازه ، واحتج بأنهما جنسان لاختلاف الاسم ونقض الأصحاب عليه باللحم بالحيوان وكثير من المطعومات وفيه نظر من الضابط الذي مهدوه في اختلاف الجنس واتحاده وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور في ذلك موافق لمذهب nindex.php?page=showalam&ids=15858داود وإنه ذهب هو وأصحابه إلى جواز ذلك وعمم فقال : يجوز بيع القمح بدقيقه وسويقه وخبزه ، وبيع الدقيق بالدقيق والسويق ، والخبز والسويق بالسويق وبالخبز ، والخبز بالخبز متفاضلا ومتماثلا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في المختصر : ( ولا يجوز بيع الدقيق بالحنطة مثلا بمثل من قبل أنه يكون متفاضلا في نحو ذلك ) وكذلك نقله الإمام عن nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني في المنثور مع نقله فيه جواز بيع الدقيق بالدقيق كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وقال في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي : ولا يجوز أن يؤخذ دقيق بقمح ، وقال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : وهو الصحيح من المذهب وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول ، nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه ، وذهب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في المشهور عنه إلى أنه يجوز كيلا بكيل وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ، وذهب الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه إلى أنه يجوز وزنا بوزن والأكثرون على الامتناع من إثبات ما حكاه الكرابيسي قولا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي منهم الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والعبدري قال العبدري : الصحيح أنه لا يحفظ عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلا المنع . قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : لا يختلف المذهب في أن ذلك لا يجوز ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب : لا يحفظ nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي في كتبه غير ذلك ، وكذلك في تعليق الطبري عن nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة أنه خطأ لا يحفظ عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وغير من سمينا يقول ذلك . قال هؤلاء : ولعله أراد بأبي عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالكا nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد لما سنحكيه من مذهبهما وجماعة من الأصحاب سكتوا عنه لم يحكوا فيه خلافا ، منهم الفوراني ، وقال الروياني : قال أكثر أصحابنا : المسألة على قول واحد أنه لا يجوز ، ولم يوجد في شيء من كتبه جوازه ، ومنهم من ذهب إلى إثباته قولا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ، [ ص: 407 ] وبه قال أبو الطيب بن سلمة فيما حكاه أكثر الأصحاب ، وابن الوكيل فيما حكاه المحاملي nindex.php?page=showalam&ids=15021والقفال ، فإنه قال في شرح التخليص بعد قول صاحب التلخيص : فإن كانا مطحونين أو أحدهما لم يجز ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال : وقال في القديم : يجوز ، والمشهور من مذهبه أنه لا يجوز ، فاستفدنا من ذلك أن nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال من المعترفين بإثبات هذا القول ، وإن لم ينسبه للكرابيسي والكرابيسي من رواة القديم ، ووجهوه بما سنذكره من حجة المالكية .
قال الرافعي : وعلى هذا فالمعيار الكيل ، وقد اختار nindex.php?page=showalam&ids=12918أبو بكر بن المنذر في كتابه الإشراف منع بيع الحنطة بالدقيق متفاضلا ، وجوازه مثلا بمثل قال : ولا أعلم حجة تمنع من بيعه مثلا وجعل الإمام منقول الكرابيسي شيئا آخر وهو أن الدقيق والحنطة جنسان حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا لاختلاف الصفة والاسم والمنفعة ، قال الرافعي : ويشبه أن يكون هو منفردا بهذه الرواية يعني الإمام ( قلت ) وليس منفردا بها ، بل حكاها الماوردي في الحاوي كذلك ، وسوى بينهما وبين قول nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور ، فاستدل الأصحاب بما ذكره المصنف قالوا : ولا فرق بين الموضعين إلا أن الرطب لم يبلغ حالة الادخار ، والدقيق زال عنها ولو قدر عود الدقيق إلى حال كونه حنطة لفاتت المماثلة ، كما أنه إذا قدر الرطب تمرا تفوت المماثلة . قال الأصحاب حالة كمال الحب كونه حبا فإنه يصلح للبذر والطحن والادخار واستدلوا أيضا بأن الدقيق جنس فيه الربا زال عن حال كمال البقاء كاللحم بالحيوان ، والشيرج بالسمسم ، واحترزوا بصنعة أدنى عن المستويين واحتج من نصر قول nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك بأن الدقيق نفس الحنطة ، وإنما تفرقت أجزاؤه فأشبه بيع الدراهم الصحاح بالمكسرة ، واحتج من نصر قول الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بأن الطحن لا يتغير به الوزن ، وإنما يختلف به الكيل ، فإذا بيع أحدهما بالآخر وزنا كانا متساويين .
وأجاب الأصحاب عن حجة المالكية بأنه إذا كان حبا كانت أجزاؤه منضمة مجتمعة فلا يأخذ من المكيال الموضع الذي يأخذه إذا طحن وتفرقت أجزاؤه ، فمتى بيع أحدهما بالآخر كانا متفاضلين وعن حجة [ ص: 408 ] الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بأن المماثلة معتبرة كيلا ، فإذا قدر عودهما إلى حالة كونهما طعاما أفضى إلى التفاضل كيلا ، وهذه المسائل وما بعدها من جملة قاعدة تعرض لها nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في باب بيع الآجال من الأم قال : فإذا كان شيء من الذهب أو الفضة أو المأكول أو المشروب فكان الآدميون يصنعون فيه صنعة يستخرجون بها من الأصل شيئا يقع عليه اسم دونه اسم ، فلا خير في ذلك الشيء لشيء من الأصل ، وإن كثرت الصنعة فيه كما لو أن رجلا عمد إلى دنانير فجعلها طستا أو حليا ، ما كان لم يجز بالدنانير إلا وزنا بوزن ، وكما لو أن رجلا عمد إلى تمر فحشاه في شن أو جرة أو غيرها نزع نواه أو لم ينزعه لم يصح أن يباع بالتمر وزنا بوزن ، فكذلك لا يجوز حنطة بدقيق وكذلك حنطة بسويق أو بخبز أو بفالوذج إذا كان نشاه مشتقة من حنطة وكذلك دهن سمسم بسمسم وزيت بزيتون وكذلك لا يصح التمر المنثور بالتمر المكبوس لأن أصل التمر الكيل ) ا هـ . ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى بعد ذلك بكثير : وكذلك لا خير في تمر قد عصر وأخرج صفوه بتمر لم يخرج صفوه كيلا بكيل من قبل أنه قد أخرج منه شيء من نفسه ، وإذا لم يغيره عن خلقته فلا بأس به . وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد بإسناد حسن قال : لا بأس بالحنطة بالسويق والدقيق بالحنطة والسويق ، وعن الشعبي أنه سئل عن السويق بالحنطة فقال : إن لم يكن ربا فهو ريبة ومما احتج به في منعهم القمح بالدقيق القياس على بيع اللحم بالحيوان وهذا إنما يتم إذا جعلنا امتناع بيع اللحم بالحيوان معللا ، أما إذا جعلنا طريق ذلك الاتباع والبعد فيمتنع الإلحاق .