قال المصنف رحمه الله تعالى : ( واختلف أصحابنا في وقت الرد فمنهم من قال : يتقدر الخيار بثلاثة أيام ، فإن علم بالتصرية فيما دون الثلاث كان له الخيار في بقية الثلاث للسنة ، ( ومنهم ) من قال : إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور ، فإن لم يرد سقط خياره ; لأنه خيار ثبت لنقص فكان على الفور كخيار الرد بالعيب ) .
( الشرح ) الذي قال بتقدير الخيار ثلاثة أيام هو القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11975أبو حامد المروروذي وعليه نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في اختلاف العراقيين في باب الاختلاف في العيب في الجزء الخامس عشر من الأم ، قال : من قبل أن المصراة قد تعرف تصريتها بعد أول حلبة في يوم وليلة وفي يومين ، حتى لا يشك فيها ، فلو كان الخيار إنما هو ليعلم استبانة عيب التصرية أشبه أن يقال : الخيار حتى يعلم أنها مصراة قل ذلك أو قصر ، كما يكون له الخيار في العيب إذا علمه بلا وقت قل ذلك أو قصر ، ونقله الروياني عن نصه في الإملاء أيضا ، ونقله الجوري nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر من كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي صريحا ، ولم يذكر الجوري غيره وهو الصحيح عملا بالحديث ، ويقتضي إيراد الروياني في البحر وابن سراقة في بيان ما لا يشيع جهله والشاشي في الحلية ترجيحه ، وهو الذي قاله الغزالي في الخلاصة ، وقطع به القشيري والماوردي مع احتمال في كلامه ، والخيار على هذا القول يكون خيار تروية كخيار الشفعة على قول وكخيار الشرط .
( والثاني ) : وهو أنه على الفور على قول nindex.php?page=showalam&ids=12535أبي علي بن أبي هريرة فيما نقله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما ، وصححه [ ص: 220 ] nindex.php?page=showalam&ids=12097الفارقي تلميذ المصنف والبغوي في التهذيب والرافعي والخوارزمي في الكافي nindex.php?page=showalam&ids=12515وابن أبي عصرون في الانتصار ، وقال الروياني في الحلية : إنه القياس والاختيار ، وهذان الوجهان متفقان على جواز الرد إذا طلع على التصرية في الثلاث ، وإنما الخلاف بينهما في كونهما على الفور أو يمتد إلى آخرها ، وفي المسألة وجه ثالث قاله nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق : أنه لا يرد قبل انقضاء الثلاث ولا بعدها أيضا ، وإنما له الرد عند انقضاء الثلاث وهذا الوجه بعيد ، وهكذا حكاه الروياني والبندنيجي ، وسيأتي في آخر المسألة تنبيه على ما يتعلق بتحرير هذه الأوجه . واعلم أن بين الأوجه الثلاثة اشتراكا وافتراقا ، والوجه الأول والثالث يشتركان في اعتبار الثلاث في التصرية فهي ثابتة بالشرع من غير شرط ويفترقان ، nindex.php?page=showalam&ids=11817فأبو إسحاق يقول : المقصود بها الوقوف على عيب التصرية ، فإنه لا يظهر بحلبة ولا بحلبتين ، فإذا حصلت الحلبة الثالثة عرف الحال ، وكان الرد حينئذ الرد بالعيب على الفور .
nindex.php?page=showalam&ids=11976وأبو حامد يجعل الخيار في الثلاث كالخيار الثابت بالشرط ، ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24963فهو بالخيار ثلاثة أيام } جعل الثلاثة ظرفا للخيار ، وهو مخالف لما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق وكلا الوجهين مباين لقول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة يقول : إن الخيار ثلاثة أيام . إنما يثبت بالشرط ويحمل الحديث على ذلك ، والتصرية موجبة للخيار على الفور ; لأنها عيب من العيوب ، فبين قول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق اشتراك في جعل خيار التصرية خيار عيب ثبت على الفور ، وافتراق في أن nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة لا يعتبر الثلاث عند عدم الشرط أصلا ، nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبو إسحاق يعتبرها ، ولذلك فإنه إذا اطلع على التصرية بعد الثلاث ثبت له الخيار على الفور عند nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ولا يثبت عند nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق .
وتأويل nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة للحديث على الاشتراط لا دليل عليه ؟ وقول nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة متباعدان جدا ، ولكن بينهما اشتراك واحد في جعل الخيار في الثلاثة الأيام في صورة الشرط ، وتلخيص هذا : أن خيار التصرية عند nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد خيار شرع ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق [ ص: 221 ] nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة خيار عيب ، وخيار الثلاث عند nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد بالشرع ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة بالشرط ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق بالعيب . ( وأصحهما وأوفقهما ) للحديث ولنص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قول nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد .
والأصحاب نقلوا عنه : أنه حكى ذلك على اختلاف العراقيين ، وقد رأيته فيه كما حكاه . وقد قدمت من حكاه أيضا ، ولأجل ذلك صححت هذا القول وخالفت الرافعي رحمه الله في التصحيح ، فإني رأيت أكثر الأصحاب ممن حكى الخلاف لم يصحح شيئا ، والذين صححوا قد ذكرتهم ، وهم مختلفون في التصحيح ، وليس يترجح أحد الجانبين على الآخر بكثرة ، والرافعي تبع في ذلك البغوي ، وهو معارض nindex.php?page=showalam&ids=14669بالصيمري والجوري ، ومعناه الدليل من الحديث ، ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، واعتذر البغوي عن الحديث بأنه بنى الأمر على الغالب ; لأن الغالب أنه لا يقف على التصرية قبل ثلاثة أيام ، ويحمل نقصان اللبن في اليومين على تبدل المكان وتفاوت العلف وغير ذلك ، وهذا الاعتذار يوافق قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ، وأما ما قاله صاحب التهذيب من أنه ثبت الخيار على الفور إذا اطلع قبل مضي الثلاث فلا يناسب ذلك ، ولو كان الحديث على الغالب لقال : " فهو بالخيار ثلاثة أيام " ، فإذن هذا العذر مع تصليح هذا الوجه لا يجتمعان اجتماعا ظاهرا ، لكن ههنا تنبيهات ( إحداها ) : ما يمكن أن يكون مستندا nindex.php?page=showalam&ids=11817لأبي إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة .
أما nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق : فيمكن أن يكون مستنده الحديث باللفظ الذي أورده المصنف رحمه الله ، وكذلك أورده جماعة من الأصحاب في كتبهم الفقهية ، وهو قوله : " فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثا " فإن هذا اللفظ يحتمل أن يكون المراد بعد أن يحلبها ثلاث حلبات يثبت له الخيار ، فلا يكون له الخيار قبل انقضاء الثلاث ; لأن الحديث لم يدل عليه على هذا التقدير ، ولا يمتد بعد الثلاث ، بل يكون على الفور ; لأن الحديث على هذا التقدير إنما دل على مطلق الخيار حينئذ ، فلا يمتد لأمرين . ( أحدهما ) : عدم الدليل عليه ، والأصل الملزوم ( والثاني ) : القياس على ما سواه من العيوب . [ ص: 222 ] لكنا قد بينا أن هذه الرواية لم تصح ولا رأيتها في شيء من الروايات فتعذر هذا البحث ، وبتقدير الصحة فذلك محتمل ; لاحتمال أن يكون ثلاثا متعلق بخير النظرين ، ويكون الحلب مطلقا غير مقيد بالثلاث ، ويؤيده الرواية التي فيها التصريح بإثبات الخيار ثلاثا ، لكني سأنبه في التنبيه الثاني على زيادة في ذلك ، فليكن المستند في رد ذلك عدم صحة الحديث .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة فمستنده أن التصرية عيب وخيار العيب على الفور ، فيحمل ورود الثلاث في الحديث على ما إذا شرط الخيار ثلاثا ، وهذا منه يشبه ما ذهبت إليه الحنفية في بعض اعتذاراتهم عن الحديث ، وإن لم يكن موافقا فيما ذكروه في رد الصاع ، وقوة الحديث تقتضي أن ذلك ثابت بالتصرية لا بالشرط ، ثم يقال nindex.php?page=showalam&ids=12535لابن أبي هريرة : أنت من الموافقين على العمل بالحديث وعدم الالتفات إلى مخالفة القياس ، فليكن معمولا به في أن هذا الخيار يمتد إلى ثلاثة أيام ، ولا يقاس على ما سواه من العيوب ، فإن هذا الدليل أخص من الدليل الدال على أن خيار العيب على الفور ، بل إن لم يكن في مسألة العيب إجماع ولا نص يقتضي الفور ، فاللائق أن يجعل الخيار فيه ثلاثا بالقياس على المصراة التي ورد فيها النص ، وإن كان فيها نص أو إجماع فهو عام ، وهذا خاص ، والخاص مقدم على العام ، فلا مستند حينئذ لهذا الوجه ، وهو الذي صححه البغوي والرافعي ، ولا لقول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق الذي قبله .
والصواب الصحيح المنصوص : قول nindex.php?page=showalam&ids=11975أبي حامد المروروذي ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة يشهد له من جهة المذهب شيء ، وهو أن في كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما يقتضي أن خيار الشرط ثلاثا في البيوع ، مأخوذ من حديث المصراة ، فلو كان عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن خيار المصراة ثابت بالشرع من غير شرط كيف كان يستنبط منه جواز اشتراط الخيار ثلاثا في البيوع ، ويحتمل أن يقال : إن ثبوته بالشرع مع عدم الجهالة فيه مسوغ لاشتراطه ، وهذا أقرب إلى ظاهر الحديث ، فإنه ليس فيه تعرض للشرط ، والله تعالى أعلم .
( التنبيه الثاني ) : أن الحديث باللفظ الذي أورده المصنف رحمه الله .
[ ص: 223 ] على الاحتمال المقابل لما أبديته في مأخذ nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق يقتضي إثبات الخيار ثلاثة أيام ، ابتداؤها بعد الحلب ، وهذا لا أعلم أحدا قال به ، لا nindex.php?page=showalam&ids=11976أبا حامد ولا غيره ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=12918أبا بكر بن المنذر فإنه قال : له خيار ثلاثة أيام بعد الحلب على ظاهر الحديث ، وإنما قال nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد بأنها من آثار العقد كخيار الشرط على ما سأذكره إن شاء الله تعالى لكن الحديث بهذا اللفظ لم يصح ، والله أعلم .
( التنبيه الثالث ) أن الألفاظ الصحيحة في الحديث ورد فيها " فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها " وفي الألفاظ الصحيحة في رواية أخرى " فهو بالخيار ثلاثة أيام " فاللفظ الأول يقتضي أن الخيار بعد الحلب . واللفظ الثاني يقتضي أن مدة الخيار ثلاثة أيام . ويلزم من مجموع ذلك أن يكون الخيار ثلاثة أيام ابتداؤها من الحلب ، وهو الذي لم أعلم أحدا قال به غير nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ( وأما ) أن يعمل بالحديثين ويجعل أحدهما مبينا للآخر ، فيلزم هذا الذي لم يقل به أحد فيما علمت غير nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ( وأما ) أن يجعلا متعارضين ، فتقف الدلالة على ترجيح أن الخيار يمتد ثلاثة أيام . ( والجواب ) عن هذا أن قوله " فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها " محمول على الغالب لأن الرضا والسخط إنما يكون بعد الحلب ، وتبين الحال ، والحلب الغالب أنه يقع في الثلاثة ، فإثبات الخيار ثلاثة أيام اقتضى زيادة على ما اقتضاه قوله : " بعد أن يحلبها " فعلمنا بالزائد المبين ، وحملنا الآخر على الغالب ، وهذا الحمل لا يأباه اللفظ بخلاف حمل قوله : " فهو بالخيار ثلاثا " على الغالب ، فإنه يأباه اللفظ ، واللائق بإرادة ذلك المعنى أن تقول : فهو بالخيار بعد ثلاث .
( التنبيه الرابع ) أن الأصحاب يعبرون عن الخلاف في هذه المسألة بأن الخيار هل هو خيار شرع أو خيار عيب ؟ فالأول قول nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد ، والثاني قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ، ومنهم من يعبر بأنه هل هو خيار شرط أو خيار عيب ، والأول قول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ، والثاني قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ، وقد علمت معنى ذلك فيما تقدم ، وأن nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة يوافق nindex.php?page=showalam&ids=11817أبا إسحاق في أصل الخيار خيار عيب ، والثلاثة عنده ثابتة بالشرط لا لأجل التصرية ، بل بشرط المتعاقدين ، فكلام الأصحاب كلهم مصرح بأن الخيار [ ص: 224 ] عند nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد بالشرع لا بالعيب ، وفرعوا على ذلك فروعا سأذكرها إن شاء الله تعالى وكأنهم أخذوا بالتسليم أن خيار العيب لا يكون إلا على الفور . وأنت إذا تأملت ما قدمته في جواب nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة في التنبيه الأول توجه ذلك المنع لذلك ، فإنا نقول : لا تنافي بين الأمرين ، وما المانع من أن يكون الشرع جعل خيار هذا العيب ثلاثة أيام كخيار الشرط ؟ لأنه غالبا إنما يظهر فيها ، ولا يحتاج إلى أكثر منها ، ولا يكون ذلك من باب التعبد المحض الذي لا يعقل له معنى ، فهذا أقرب إلى المحافظة على اتباع النصوص والمعاني ، وقد قال الماوردي في الإقناع : إن التصرية عيب يرد بها المشتري إلى مدة ثلاثة أيام ، وظاهر هذا الجمع بين جعلها عيبا أو امتداد الخيار ثلاثا ، لكنه ليس نصا فيما أقوله ، فإنه يحتمل أن يرتدا به أي وقت ظهر له التصرية في الأيام الثلاثة يرد على الفور ولا يرد بعدها ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ولذلك لم أورده ولم أروه ، ولذلك لم أذكره مع الموافقين لشيخه nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري في إثبات الثلاثة لأجل هذا الاحتمال كما قدمت الإشارة إليه ، وقد يظهر لهذا البحث أثر في التفريع الذي سنذكره إن شاء الله تعالى .
( التنبيه الخامس ) أنه تقدم عن الغزالي التردد في إلحاق خيار التصرية بخيار العيب أو بخيار الخلف . وههنا في الأوجه الثلاثة جعلناها راجعة إلى أنه هل هو خيار شرع أو شرط أو عيب ؟ ولم يذكر الخلف ( فالجواب ) أن خيار العيب وخيار الخلف يشتركان في أن كلا منهما على الفور ، وإنما لا يفترقان فيما لا يكون من فعل البائع كتحفل الشاة بنفسها ، هل يثبت أصل الخيار أو لا يثبت ؟ فالذي يقول ههنا بأنه على الفور ، لا يختلف نظره ، وكان التعبير عن ذلك بالعيب وبالخلف سواء .
( التنبيه السادس ) أنه قد تقدم أن الأصح عند صاحب التهذيب وغيره ثبوت الخيار فيما إذا تحفلت بنفسها ، وتخريج ذلك على أنه يسلك به مسلك العيب ، وذلك مستمر على صحيح صاحب التهذيب هنا أنه على الفور ( وأما ) على ما صححته ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عليه وقاله [ ص: 225 ] nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد من أن الخيار بالشرع ، فهل يكون الحكم بثبوت الخيار ثلاثا مستمرا أو لا ؟ فإن كان مستمرا فلا مستند له ، فإن الحديث لم يشمل إلا التي صريت ، وإلحاقه بالعيب لا يقتضي إثبات الثلاث ، وإن لم يثبت خيار أصلا كان ذلك مخالفة لصاحب التهذيب ، وقد تقدم موافقته هناك ، وإن ثبت الخيار على الفور كان ذلك موافقة له هنا ، فأحد الأمرين لازم ( إما ) مخالفة صاحب التهذيب هناك ( وإما ) موافقته هنا . ( والجواب ) أنه يثبت الخيار ثلاثا ; لأن المعنى الذي يثبت لأجله في محل النص موجود هنا ، وهو فوات الظن ، وكونه من باب العيب لا يمنع إثبات الثلاث لما تقدم في التنبيه الرابع أنه لا منافاة بين ذلك وأن الدليل الدال على إثبات الثلاث هنا أخص من الدليل فيما سواه من العيوب ، فلا يلزم من موافقة صاحب التهذيب في ثبوت الخيار هناك لوجود معنى الحديث موافقته ههنا في عدم اعتبار الثلاث ، لما في ذلك من مخالفة ظاهر الحديث .
( التنبيه السابع ) أن قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المذكور وقع في نقله ما ينبغي التثبت فيه ، فمنهم من يجعله كما حكيته فيما تقدم ، وأنه يمتنع عليه الرد قبل الثلاث وبعدها وإنما له الرد عند انقضاء الثلاث ، صرح بذلك الروياني وهو مقتضى كلام الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد . وظاهر هذا الكلام إذا أخذ على إطلاقه يشمل ما إذا علم التصرية قبل الثلاث بإقرار البائع أو بينة ، وامتناع الرد إذا أقر البائع أو قامت بينة لسببه ، ففيه بعد . والذي يقتضيه كلام nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين أن له الرد في هذه الحالة على كل قول عند العلم ، فإنه حكى الأوجه الثلاثة من غير تعيين قائلها ، فقال : منهم من قال هو خيار التصرية يمتد إلى ثلاثة أيام ; لأنه لا يتحقق دونها حتى لو علم بعيب التصرية في الحال ، بأن أقر به أو شهد له البينة يكون على الفور ، ومنهم من قال هو للتروية كما في الشفعة في قول يمتد إلى ثلاثة أيام ( ومنهم ) من قال أراد به إذا شرط الخيار ثلاثا ; لأن خيار التصرية خيار عيب ونقيصة ، فهو على الفور . انتهى .
[ ص: 226 ] والقول الثاني ) في كلامه هو قول nindex.php?page=showalam&ids=11975أبي حامد المروروذي . ( والثالث ) هو قول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة والأول هو والله أعلم قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق وقد صرح عليه بثبوت الخيار إذا علم . وصاحب التتمة لم يحك إلا قول nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد وقول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق . وصرح على قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق بأنه إذا علم التصرية بإقرار أو تنبيه وأخر الفسخ بطل خياره ، فتعين أن يحمل كلام غيرهما ممن حكى المنع عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق كالروياني وغيره ، على أنه يمتنع عليه الرد إذا ظهر له التصرية بحلبة أو حلبتين ; لأن ذلك لا يفيد العلم لاحتمال أن يكون بخلل في العلف أو لبدل الأيدي . ( أما ) إذا حصل العلم بقول البائع أو ببينة ولا مانع من ثبوت الخيار وحينئذ يكون في هذا موافقة nindex.php?page=showalam&ids=12535لابن أبي هريرة في ثبوت الخيار في الثلاثة على الفور إذا حصل العلم ، لكنه مع ذلك يخالفه في أن nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة يثبت الخيار إذا حصل الاطلاع على التصرية بعد الثلاث . nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبو إسحاق لا يثبته على ما حكاه الروياني ، ولم يتعرض nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين لذلك بموافقة ولا مخالفة . مع أن منع الرد بعد الثلاث أيضا مع وجود العيب بعيد . والذي حكاه الماوردي تفريعا على قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق أن له الرد إذا اطلع بعد الثلاث ، ولم يحك الخلاف إلا بين nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبي إسحاق ، قال : ثبت عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ما صرح به الروياني ومن وافقه ، فالخلاف بين nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبي إسحاق متحقق ، وإن كان nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق يقول بالرد بعد الثلاث أيضا كما قاله الماوردي ، وقبلها ، كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين . فحينئذ يتحد قوله وقول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ، لكن الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبا حامد مصرح بما قاله الروياني . ولم يحك الخلاف إلا بين nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=11976وأبو حامد لا يرد نقله ، فهي ثلاثة أوجه محققة ، ويبعد كل البعد أن يقال إنها أربعة تمسكا بظاهر ما قاله الروياني عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق من امتناع الرد قبل الثلاث ، وبما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين ولم ينسبه . فيكون ذاك قولا مغايرا للثلاثة ، وبه تصير أربعة . هذا بعيد لا ينبغي المصير إليه ، وليس ذلك إلا للاختلاف في النقل والتعبير عن وجه واحد وتنبيه كلام صاحب التتمة .
[ ص: 227 ] ولولا تصريح الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد وغيره بالخلاف بين nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة لكنت أقول : إن كلامهما يرجع إلى معنى واحد ، وهو أن الخيار على الفور ، وإنه وجه واحد مقابل لوجه nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد . وهما الوجهان اللذان ذكرهما المصنف ، لكن الأصحاب مطبقون على ذكر الخلاف بين nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة ، والله تعالى أعلم .
( التنبيه الثامن ) أن قول المصنف : " ومنهم من قال : إذا علم بالتصرية يثبت له الخيار على الفور " يحتمل أن يكون مراده إذا علم بالتصرية في الثلاثة الأيام ويحتمل مطلقا . فإن كان المراد الثاني فالقول المذكور وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة كما ذكرناه فيما تقدم لأنه القائل بجواز الرد قبل الثلاث وبعدها على الفور . ويكون قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق حينئذ قولا ثالثا في المسألة لم يتعرض المصنف لحكايته . وإن كان المراد الأول ، وإن فرض المسألة في الثلاث خاصة فالقول المذكور هو قول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة باتفاق الناقلين ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق أيضا على ما تقدم عن nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين ، فإنه يوافق على الرد قبل الثلاث على الفور ، ولا يكون حينئذ في مسألة الكتاب إلا وجهان ، وتكون مسألة العلم بعد الثلاث مسكوتا عنها ، وفيها أيضا وجهان بين nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبي إسحاق ، فهما متفقان قبل الثلاث ، ويوافق nindex.php?page=showalam&ids=11817أبا إسحاق في امتناع الرد بعدها .
( التنبيه التاسع ) أن اتفاق nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبي إسحاق على جواز الرد على الفور قبل الثلاث إذا حصل العلم بإقرار البائع وببينة ظاهر لا إشكال فيه ، ولا شك أن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبا إسحاق لا يعتبر العلم بغير ذلك من ظهور التصرية بالحلبة والحلبتين كما تقدم ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة فلم يصرحوا عنه في ذلك بشيء ، ويحتمل أن يكون موافقا nindex.php?page=showalam&ids=11817لأبي إسحاق في ذلك ، فإن الحكم بإحالة تناقص اللبن على التصرية مع احتمال إحالته على اختلاف العلف وتبدل الأيدي غير مجزوم به ، ويحتمل أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة مخالفا nindex.php?page=showalam&ids=11817لأبي إسحاق في ذلك ، ويكتفى في جواز الرد بظهور ذاك بالحلبة والحلبتين حيث لا معارض لذلك كما يعتمد عليه في الثلاث ، فيكون nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبو إسحاق مختلفين قبل الثلاث من بعض الوجوه دون بعض .
[ ص: 228 ] التنبيه العاشر ) قول المصنف : " إذا علم " يحتمل أن يريد به حقيقة العلم بإقرار البائع أو بالبينة ، وذلك يسمى علما في الحكم ، وحينئذ يحصل الاتفاق بين nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبي إسحاق في جواز الرد قبل الثلاث ، ويحتمل أن يريد به مطلق الإطلاق ، ولو بدلالة الحلب ، فيعود فيه الكلام الذي قدمته الآن ، والله أعلم .
( التفريع ) لو اطلع على التصرية بعد الثلاث ( فعلى ) قول nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد قالوا ليس له الرد لأن ذلك خيار ثبت بالشرع للتروي كخيار الشرط ، فيفوت بانقضاء الثلاث ( وعلى ) قول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبي إسحاق فقد تقدم حكمه ، وقال الجوري : إذا علم بالتصرية بعد الثلاث فله الرد كسائر العيوب ، وإنما جعل الثلاث فسحة له إذا علم في أول يوم بالتصرية ، أو في الثاني أن يؤخر الرد إلى الثلاث ، وينقطع بآخر الرد بعد ثلاث .
وأما إذا لم يعلم فهو كسائر العيوب ، وهذا حسن ، ويوافقه ما سنذكره عن الإبانة والوسيط ، ولو اشتراها وهو عالم بالتصرية ، فعلى قول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبي إسحاق لا يثبت كسائر العيوب عندهم إلا nindex.php?page=showalam&ids=11976أبا حامد ، قالوا : يثبت له الخيار لأنه خيار شرع ، وشبهوه بما إذا تزوجت عنينا عالمة بعنته ، وعلى قول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبي إسحاق لا يثبت كسائر العيوب وهو الأظهر في المستظهري . واعلم أن الحكم بعدم الرد بعد الثلاثة وثبوته إذا اشتراها عالما بالتصرية ميل إلى جانب التعبد ، وكل المفرعين ذكروا ذلك على قول nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد حتى الماوردي ، وقد نبهت فيما تقدم على أنه لا تنافي بين إثبات الثلاث وجعل ذلك من باب العيب ، ويؤيده ما تقدم عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله أنه صرح في الأم بأن التصرية عيب ، مع ما تقدم من الحكاية عن نصه أن الخيار ثلاثة أيام ، فالجمع بين هذين النصين يقتضي ما قلته .
ومقتضى ذلك أنه إذا اطلع بعد الثلاث له الخيار على الفور كسائر العيوب ، مع قولنا : إن الخيار يمتد [ ص: 229 ] إلى ثلاثة أيام ، وإن كان الزمن الذي قدره الشرع للخيار على سبيل التروي قد مضى ، كما يكون له الخيار بعيب يطلع عليه بعد خيار الشرط ، وقد يتفق أن المشتري يغفل عن ملاحظتها في مدة الثلاثة الأيام بأن يكون في يد وكيله أو البائع أو غيرهما ، ثم يطلع بعد الثلاث على التصرية دون تناقص اللبن في الحلبات الماضية . وأما إذا اشتراها وهو عالم بالتصرية فيحتمل أن يقال : ثبوت الخيار كما ذكروه في التفريع على هذا القول مع كونه عيبا ; لأن هذا العيب لا يوقف على حقيقته في العادة إلا بالثلاث ، فلا يفيد العلم بكونها مصراة حتى يحلبها ثلاثا ، فحينئذ يعلم مقدار لبنها الأصلي ، وقبل ذلك يكون رضا بأمر مجهول ، كما يقول في بيع العين الغائبة إذا قلنا بصحته أنه ينفذ فسخه قبل الرؤية ، ولا ينفذ إجازته على الأصح على قول بيع الغائب ، فكذلك ههنا ، وفي ذلك تمسك بظاهر الحديث ومراعاة المعنى وبه يتجه إثبات الخيار مع العلم ، ولا يلزم منه إسقاط الخيار إذا اطلع على التصرية بعد الثلاث .
ومما يرشد إلى المعنى في ذلك ما ورد في الحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=16461بيع المحفلات خلابة ، ولا تحل الخلابة لمسلم } روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، والوقف أصح ، والرفع ضعيف ، ولكن حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بذلك في المعنى ، وهو يرشد إلى إلحاق هذا الخيار بخيار العيب ، كما أن من باع عينا علم عيبها ولم يبين فقد حصلت منه الخلابة ( وهي الخديعة ) وأما الذي يشترط وصفا في المبيع بحيث إذا ظهر خلافه يرد عليه ليس حاله حال المخادع ، فأفادنا الأثر المذكور أن الخديعة في البيع على تلك الصورة ، وأن التصرية وإن لم تكن من البائع تثبت الخيار ; لأنه بالبيع معها من غير تبيين مخادع ، كما أن بائع العين المعيبة مخادع ، وإن كان العيب ليس منه ، فهذا المعنى يقتضي ثبوت الخيار أي وقت اطلع عليه . ثم في المصراة معنى آخر ، وهو أنه لا يوقف على عيبها في العادة إلا بثلاثة أيام فزيد فيها هذا الحكم ، ولم يسقط بالعلم كغيرها من العيوب ; لأن العلم بالتصرية لا يفيد الغرض ، وينخرم به [ ص: 230 ] الخدش على مقدار اللبن الأصلي ، فهذا ما ظهر لي في هاتين المسألتين ، وأنه يثبت الخيار ثلاثا مع العلم ، ويثبت إذا اطلع على عيب التصرية بعد ثلاث على الفور ، وقد قدمت عن الجوري القول بذلك ، nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر لما نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وناس من أهل الحديث أنهم يجعلون لمشتريه خيار ثلاثة أيام .
قال : وفي مذهب بعض المدنيين : له الخيار متى تبين له أنها مصراة أن يردها ( قلت ) وهذا هو قول nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ، وقد خرج صاحب التتمة بأنه إذا علم التصرية لا خيار له وحكى الوجهين فيما إذا توهمها أو أخبره بها من لا يثق بخبره ثم تحقق ذلك عنده . وقال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد رحمه الله : إذا علم التصرية ثم لم يدم اللبن بل عاد إلى ما كان عليه قبل التصرية ، فهل له الرد ؟ فيه وجهان ، وهذا الكلام يوهم أنه لو دام على ما أشعرت به التصرية لم يكن له الرد ، وأن الخلاف مقصور على ما إذا رجع إلى ما كان عليه ، ويؤيده أنهم قد شبهوا ذلك بما إذا تزوجت عنينا عن غيرها على رجاء أن لا يكون عنينا عنها ، فإذا تحققت عنته عنها أيضا ثبت لها الخيار ولا شك أنه لو لم يعن عنها لم يثبت لها خيار . لكن الخلاف في مسألة المصراة مطلق ; لأن مأخذ إثبات الخيار أنه خيار شرع ثابت بالحديث ، وذلك لا يختلف ، نعم يمكن أن يقال : إن جعلنا الخيار خيار شرع فيثبت في حالة العلم بالتصرية ، سواء دام اللبن أو لم يدم ، وإن جعلناه خيار عيب فيأتي فيه الخلاف كما أشعر به كلام nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد ، وللمأخذ الذي ذكره من الإلحاق بمسألة العنين . وفي الإبانة والوسيط الجزم بأنه إن كان بعد مضي الثلاث فالخيار على الفور وإن كان قبله فوجهان ، وهذه العبارة قد يؤخذ منها أنه على أحد الوجهين يمتد الخيار إلى ثلاثة أيام ، وأنه إن اطلع بعد الثلاث كان على الفور ، وهو الذي تقدم اختياري له ، لكني لا أعلم من قال بذلك من الأصحاب .
وما اقتضاه كلام الفوراني المذكور يقوي التمسك به في ذلك ; لأنه لم ينقل عن شخص معين أنه قال بمجموع ذلك ، وإنما اقتصرت [ ص: 231 ] على قول الفوراني بعد الثلاث ، وعلى الوجهين قبله ، وكان الأولى في الترتيب في الصنف خلافه ، إلا أن يكون عنده وجه بذلك ، فيكون موافقا لما اخترته ، ويمكن أن يقال : لا حاجة إلى نقله عن غيره ، بل كلام الفوراني وحده يكون في إثبات طريقة في المذهب في الجزم بالفور بعد الثلاث ، والتردد قبلها ، ومن ذلك يخرج القول المختار ففيه وجهان : ( أحدهما ) له الخيار للتدليس ( والثاني ) لا ; لعدم الضرر .
( فرع ) إذا قلنا بأن الخيار يمتد إلى ثلاثة أيام ، فهل ابتداؤها من حين العقد ، أو من التفرق ، فيه الوجهان في خيار الشرط ، هكذا قال الرافعي رحمه الله تبعا للشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد وصاحب التتمة ( والأصح ) من الوجهين في خيار الشرط أن ابتداءه من العقد . وقد قال الجوري هنا : إن الأصح أن الأول وقت الثلاث من التفرق ، قال : لأن الفرقة تبيح له التبسط بالحلب وغير ذلك ، وقبل التفرق ممنوع من التصرف ، وخيار المجلس لهما جميعا ، وإذا تفرقا بطل خيار البائع ، وحصل للمشتري خيار الثلاث ، وفي المجرد من تعليق nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد أن ابتداء الثلاث على مذهب المروزي التفرق ، وعلى مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة على وجهين .
( فرع ) لو اشترط خيار الثلاث للبائع في المصراة ، قال الجوري : لم يجز لأن الخيار يمنع المشتري من الحلب وسائر التصرف ، وترك الحلب والتصرف في الشاة يؤدي إلى الإضرار بالشاة ، هكذا قاله الجوري ، ووقفت عليه في كتابه ونقله ابن الرفعة عنه وسكت عنه ولك أن تقول : لم لا يكون الحلب وجواز التصرف لمن الملك له ؟ فإن حكم بأن الملك للبائع فله الحلب وإلا فللمشتري ولا يحصل بذلك إضرار بالشاة ، نعم ذلك يؤدي إلى محظور على قولنا : إن الملك للبائع في زمن الخيار ; لأن اللبن الحادث يكون تبعا للملك وإن تم العقد على الأصح فاللبن الموجود عند العقد للمشتري لدخوله في العقد واختلاطهما معلوم . فلو شرط الخيار للبائع وحكم بأن الملك له في اللبن الحادث للزم هذا المحذور فيؤدي إلى بطلان البيع بخلاف خيار المجلس ، [ ص: 232 ] فإن مدته قصيرة غالبا ، وأيضا فالقول بأن الملك للبائع في خيار المجلس ضعيف ، بخلاف خيار الشرط إذا كان للبائع وحده . وقد يقال : إن ما علل به الجوري صحيح ، وإن التصرف في المبيع أو في جزئه ، وإن حكمنا بأن الملك للبائع ممتنع ، وإن كان إذا تصرف يصح كما ذكر الأصحاب في بعض التصرفات . وأما الحل فلم يذكروه فإن ثبت تحريم على التصرف لزم ما قاله الجوري ; لأن التصرف بالحلب تصرف في المبيع وإذا منعنا من ذلك أدى إلى الإضرار بالشاة كما قال ، والله أعلم .
( فرع ) لو اشترط للمشتري وحده . قال ابن الرفعة : فيشبه أن يكون ابتداء الثلاث في التصرف من انقضاء خيار الشرط للمشتري . إذا قلنا عند فقده : أنه من انقضاء خيار المجلس . حذرا من اجتماع متجانسين كالأجل ذلك . قلنا : إن ابتداء خيار الشرط من حين التفرق ( قلت ) وهذا بعيد لأن التصرية تتبين في الثلاثة الأولى ، فإثبات ثلاثة أخرى لا وجه له ، والأولى أن نقول على هذا القول : إنه لا حاجة إلى شرط الخيار للمشتري ; لأنه ثابت بالشرع ، فكان كما لو شرط خيار المجلس ، فإن ذلك لغو لا فائدة فيه ، والله أعلم .
فإن صح ذلك فتكون هذه المسألة من المسائل التي يثبت فيها خيار المجلس ولا يثبت فيها خيار الشرط للبائع وحده ، ولا للمشتري وحده ، وأما شرطه لهما فيحتمل أن يمتنع أيضا أخذا مما قاله الجوري ومما قلته ، ويحتمل أن يجوز ، ولا يمتنع التصرف بالحلب ; لأن الأصل استمرار العقد ومنه ثبتا ، وفي الصورة التي ذكرها الجوري نظر في أنه إذا كان الخيار للمشتري بالشرع لأجل التصرية ، فلو صححنا اشتراط الخيار مع ذلك للبائع هل يكون ثبوت الخيار لهما بهذين الشيئين كثبوته بالشرط حتى لا يحكم بالملك حينئذ أو لا ؟ لا ; لاختلاف سببهما وهو الظاهر ، والله أعلم .
( فرع ) إذا اشتراها وهي مصراة ولم يعلم بها حتى ثبت لبنها على الحد الذي أشعرت به التصرية وصار عادة بتغير المرعى ، ففيه وجهان : ( أحدهما ) : له الخيار للتدليس ( والثاني ) : لا ; لعدم [ ص: 233 ] الضرر . قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب : والأول أصح ( قلت ) وهذا على رأيه في أنه خيار عيب ، وشبهوا هذين الوجهين بالوجهين فيما إذا لم يعرف العيب القديم إلا بعد زواله ، وبالقولين فيما إذا أعتقت الأمة تحت عبد ولم يعلم عتقها حتى عتق الزوج ، وفي تعليق سليم عنnindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد ، قال الشيخ : أما القولان فعلى ما قال . وكذلك مسألة العيب ، فأما هذه المسألة فلا أعرف لإثبات الخيار وجها لأن نقصان اللبن ليس بعيب في الأصل ، وإنما كانت تثبت الخيار للجمع وقد استدام له ذلك . ( قلت : ) وليس الأمر كذلك بل له وجه ظاهر ; لأن هذه الأمور العارضة على خلاف الجبلة لا يوثق بدوامها ، بخلاف اللبن المعتاد من أصل الخلقة . ومن المعلوم أن الكلام في هذا الفرع إذا جعلنا له الرد من باب العيب . أما من يجعل الخيار بالشرع ويبين ذلك في الثلاثة فله الرد بلا إشكال ، وبنى الجرجاني الوجهين على أن الخيار هل هو خيار خلف أو خيار عيب ؟ فإن جعلناه خيار خلف فلا يثبت ههنا ; لأنه لم يخلف ، وإن جعلناه خيار عيب فينبني على أن من اشترى سلعة وبها عيب فلم يعرف إلا بعد زواله هل يثبت له الخيار ؟ .
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن اختار رد المصراة ; رد بدل اللبن الذي أخذه ، واختلفت الرواية فيه ، فروى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة { nindex.php?page=hadith&LINKID=20661صاعا من تمر } وروى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر { nindex.php?page=hadith&LINKID=34905مثل أو مثلي لبنها قمحا } واختلف أصحابنا فيه ، فقال أبو العباس ابن سريج : يرد في كل بلد من غالب قوته ، وحمل حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة على من قوت بلده التمر ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر على من قوت بلده القمح ، كما قال في زكاة الفطر : " وصاعا من تمر أو صاعا من شعير " وأراد التمر لمن قوته التمر ، والشعير لمن قوته الشعير . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق : الواجب صاع من التمر لحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وتأول حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عليه إذا كان مثل لبنها من القمح أكثر قيمة من صاع التمر فتطوع به ) .
[ ص: 234 ] الشرح ) رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر تقدم بيانهما وأن الرواية إلى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر غير قوية . ( أما الأحكام ) فالمشتري للمصراة إما أن يختار إمساكها وإما أن يختار ردها ، وإذا اختار الرد فإما قبل الحلب وإما بعده ، وإذا كان بعده فإما مع بقاء اللبن وإما بعد تلفه ، فهذه أربعة أحوال سكت المصنف عن الحالتين الأولتين لسهولة الأمر فيهما . وذكر الحالتين الآخرتين إحداهما في هذه القطعة من الفصل ، والأخرى في القطعة التي ستأتي في كلامه إن شاء الله تعالى فلنذكر الأحوال الثلاث ونقدم الصور التي فرضها المصنف وهي ما إذا أراد ردها . وصورة المسألة إذا كان ذلك بعد الحلب ، وكان اللبن تالفا . فقد اتفق الأصحاب على جواز ردها ورد بدل اللبن ، ولا يخرج ردها على الخلاف في تفريق الصفقة ، لتلف بعض المبيع وهو اللبن اتباعا للأخبار الواردة في الباب ، على أن اللبن على رأي لا يقابله قسط من الثمن وسيأتي في الحالة الثالثة تحقيق النقل في هذا الرأي ولا أعلم أحدا حكى خلافا في جواز الرد ، إلا ابن أبي الدم فإنه قال : فيه وجه حكاه الإمام أنه إذا حلب اللبن فتلف امتنع عليه رد الشاة ، قياسا على رد العبد القائم بعد تلف الآخر ، ولا وجه لهذا الوجه مع الحديث .
( قلت : ) وهذا الوجه لم أقف عليه في النهاية . ولعله اشتبه بالوجه الذي سنذكره في الحالة الثالثة إذا ردها بعيب غير التصرية . قال ذلك الوجه في النهاية ، أما ههنا فلا . ثم اختلفوا في المضموم إلى المصراة الرد في جنسه وقدره لأجل اختلاف الأحاديث الواردة أما الجنس وهو الذي ذكره المصنف فقد حكى المصنف فيه وجهين ، والأول منهما نسبه الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد فيما علق سليم عنه والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب إلى ابن سريج كما نسبه المصنف رحمه الله وإن الواجب عنده في كل بلد غالب قوتها ونسبه الماوردي إلى أبي سعيد الإصطخري ونسبه الروياني إليهما . وقال في الحلية : إنه القياس . ونسبه المحاملي والشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في تعليق البندنيجي عنه إلى nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة وهو غريب ، ونسبه [ ص: 235 ] الجوري لما تكلم في مسألة الجارية إلى ابن سلمة . قال : فكان ابن سريج وابن سلمة يردانها مع صاع من أقرب قوت البلد ، فإن صحت هذه النقولات فلعلهم الأربعة قائلون بهذا الوجه .
وظاهر كلام هؤلاء الناقلين أنه لا يجوز على هذا الوجه التمر إذا لم يكن غالبا . أو يكون حكمه كما لو عدل إليه عن القوت الواجب في زكاة الفطر ، وفيه خلاف . والجوري جعل محل الخلاف فيما إذا علم الثمن فحكى فيه قولين ( أحدهما ) يعتبر غالب قوت البلد ( والثاني ) لا يجوز إلا التمر . وصاحب التتمة قال : إنه لا يختلف المذهب أنه لو رد التمر جاز وأنه لو رد بدله شيئا آخر كالحنطة أو الشعير ففيه وجهان : ( أحدهما ) عليه رد الثمن ولا يجب على البائع قبول غيره ( والثاني ) يجوز أن يرد بدله صاعا من قوته وكلا هذين الصنفين يخالف ظاهر إطلاق الأولين وكلام الرافعي يوافق كلام صاحب التتمة فإنه صور كلامه بأنه يرد التمر . ثم حكى الخلاف في تعينه وقيام غيره مقامه ، والمراد بعدم الجواز هنا أنه لا يجبر البائع على قبوله . أما عند التراضي فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى فإذا جمعت ما قاله الجوري وصاحب التتمة مع اقتضاء كلام الأكثرين حصل لك في رد الغالب من قوت البلد ثلاثة أوجه ( أحدها ) أنه واجب ( والثاني ) أنه جائز ، وهو مقتضى كلام الرافعي وصاحب التهذيب ( والثالث ) التفرقة بين أن يكون التمر موجودا فيمتنع ، أو معدوما فيجوز ، ويكون حينئذ هو الواجب ، ويحتمل أن تكون هذه ثلاثة أوجه محققة من قائلين مختلفين .
ويحتمل أن يكون اختلافا في تحقيق قول واحد . أما عن بعض الأصحاب كابن سريج أو عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كما اقتضاه إطلاق الجوري قولين ، وبالجملة فلك أن تعتمد على ذلك في حكاية الخلاف على هذه المقالات الثلاث ، وكلها ضعيفة والصحيح خلافها كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقد نقل الأئمة عن ابن سريج أنه جعل اختلاف الأحاديث على ذلك . وأن النبي صلى الله عليه وسلم اختلف لفظه لذلك فقال : " صاعا من تمر بالمدينة " لأن غالب قوتها التمر وكانت الحنطة بها عزيزة [ ص: 236 ] وقال : " صاعا من طعام لا سمراء " حيث يكون الغالب من القوت الشعير أو الذرة أو الأرز ، وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34953مثل لبنها قمحا } وأراد به الصاع لأن الغالب أنه مثل اللبن الذي في الضرع . وقصد به اللبن الذي يكون ذلك غالب قوته . ووراء هذه الأوجه الثلاثة غير القول بتعين التمر الذي ذكره المصنف رحمه الله وجه رابع أنه يرد صاعا من أي الأقوات المزكاة شاء . من تمر أو بر أو شعير أو زبيب ، ويكون ذلك على التخيير . نقله الماوردي عن nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة وقد تقدم نقل المحاملي عنه للوجه الأول والله أعلم وقال الماوردي بعد حكاية هذا القول : وقوله : { مثلي لبنها قمحا } لأنه في الغالب يكون صاعا لأن الغالب في الغنم أن تكون الحلبة نصف صاع . يعني ويكون تردد الرواية في ذلك محمولا على التنويع ، مثل لبنها إن كان كثيرا ، وقدر لبنها إن كان كبيرا قدر صاع ، أو مثلي لبنها إن كان قليلا ، وهو الغالب على الشياه في بلادهم .
وممن ذهب إلى هذا الوجه أبو بكر أحمد بن إسماعيل الإسماعيلي ، فإنه قال في كتابه المستخرج على صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وفي قوله : " صاع من تمر لا سمراء " دليل على أن المعنى هو المقصود لا الاقتصار على اللفظ ; لأن التمر اسم لنوع معروف ، وقوله : " سمراء " لو كان نوع التمر هو المقصود لم يكن لقوله لا سمراء معنى ، فثبت أن المعنى التمر ، وما قام مقامه لا يكنى سمراء . ( قلت : ) ولا يلزم ذلك . وليست ( لا ) متعينة في الإخراج ، وإنما هي هنا عاطفة ، مثلها في قولك : جاءني رجل لا امرأة والمعنى في ذلك نفي توهم أن تكون السمراء مجزئة . فهذه الأوجه الأربعة مشتركة في أن التمر غير متعين . بل يقوم مقامه غيره ، وهؤلاء الذين قالوا بأن غيره يقوم مقامه قصروا ذلك على الأقوات كما في صدقة الفطر ، وإنما الخلاف ههنا في التخيير أو في اعتبار الغالب من قوت البلد ، وهو الصحيح على القول بعدم التمر . قال الإمام : لكن لا نتعدى هنا إلى الأقط بخلاف ما في صدقة الفطر للخبر . وهذا الذي قاله الإمام يوافقه ما تقدم عن الماوردي في نقل قول التخيير . [ ص: 237 ]
( وقوله ) : إن ذلك في الأقوات المزكاة وإن كان قد أطلق النقل في قول الإصطخري ووراء هذه الأوجه الأربعة على القول بأن التمر لا يتعين وجه خامس عن حكاية الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد ، واختلف في التعبير عنه ( فقال ولده إمام الحرمين ) وهو أعرف بمراده : ذكر شيخي مسلكا غريبا زائدا على ما ذكره الأصحاب في طرقهم فقال : من أصحابنا من قال : يجرى في اللبن على قياس المضمونات فإن بقي عينه ولم يتغير ; رده وليس عليه رد غيره ، وإن تغير مثله . فإن اللبن من ذوات الأمثال . فإن أعوز المثل فالرجوع إلى القيمة . وقد أومأ إليه صاحب التقريب ولم يصرح . وهذا عندي غلط صريح وترك لمذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله بل هو حيد عن مأخذ مذهبه . ويبطل عليه مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مسألة المصراة ، ولم يبق إلا الخيار فإن اعتمدنا فيه الخبر لم يبعد من الخصم حمله على شرط الغزارة مع تأكيد الشرط بالتحفيل ، فهو إذن هفوة غير معدودة من المذهب لا عود إليها . هذا ما ذكره الإمام في ذلك وهو أعرف بمراد والده والأمر في تضعيفه كما ذكره فإن ذلك مجانب للحديث والمذهب . ويقتضي أن التمر ليس الواجب أصلا وأنه عند تلف اللبن الواجب رد مثله والرافعي رحمه الله صدر كلامه بأنه يرد التمر ثم جعل ما حكاه الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد رحمه الله على أنه يقوم مقام التمر غيره حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند إعواز المثل أجبر البائع على القبول اعتبارا بسائر المتلفات ، وفي هذا تأويل لكلام الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد رحمه الله وأن إيراده يرده إن شاء ، وليس عليه رده حتما ، وذلك موافق لما سيأتي في الكتاب في هذا الفصل أن البائع يجبر - على وجه - على قبول اللبن إذا كان باقيا ، ومال ابن الرفعة إلى هذا التأويل ، وقال : إن كلام الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد رحمه الله في السلسلة ينطبق عليه ، لكن هذا التأويل يأباه ظاهر حكاية الإمام عنه .
( وقوله ) : إنه يجرى في اللبن على قياس المضمونات ، وأيضا فإن الوجه الذي سيأتي في كلام المصنف رحمه الله إنما هو في حالة بقاء اللبن ، والإمام - وإن كان كلامه عن الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد في حالة بقاء اللبن أيضا - لكن قوله : إنه على قياس المضمونات نعم ، وأيضا كلام الرافعي في ذلك : إنما هو في حالة التلف ، فإن حمل على هذا التأويل على بعده وأن [ ص: 238 ] الواجب الأصلي هو التمر وله أن يعدل عنه إلى مثله فعلى بعده ليس على قياس المضمونات كما اقتضاه كلامالإمام عنه ، وهو وجه آخر غير ما ذكره الأصحاب في الحالتين أعني حالة تلف اللبن ، وحالة بقائه خلافا لما قاله ابن الرفعة ، أن ذلك ليس خارجا عن كلام الأصحاب ، وإن كان المراد ظاهر ما نقله الإمام ، ففي ذلك مخالفة لما نقله الرافعي ، وهو في غاية المصادمة للحديث والمذهب . قال ابن الرفعة : لكن له وجه ، فإن اللبن الكائن في الضرع قبل الحلب يسير لا يتمول فصار تابعا لما في الضرع كما إذا اختلط بالثمرة المبيعة ونحوها شيء من مال البائع لا قيمة له فإنه لا يمنع وجوب التسليم عليه للمشتري ، ولهذا حكى الماوردي طريقة قاطعة بأنه إذا اشترى رطبة فلم يأخذها حتى طالت أن الزيادة تكون للمشتري ككبر الثمرة ، وقد حكى الإمام مثل ذلك عن شيخه فيما إذا باع صاعا من اللبن الذي في الضرع ، وقد رأى منه أنموذجا فقال : وكأن شيخي سابق في التصوير ، ويقول : إذا ابتدر حلبه واللبن على كمال الدرة لم يظهر اختلاط شيء به ، له قدر به سألاه وإن فرض شيء على ندور لمثله محتمل ، كما إذا باع جزة من قرظ .
قال ابن الرفعة : والخبر على هذا محمول على ما اقتضاه ظاهره فإنه يقتضي أن الرد بعد ثلاث ، واللبن إذ ذاك يكون تالفا في الغالب ، نعم المشكل قوله : عند تعيين اللبن ، يعني بالحموضة بوجوب رد مثله . والخبر إذا خرج مخرج الغالب يوجب رد غيره ، فالغرابة في هذا ، لكنه قياس إيجاب رد اللبن عند عدم التغير نظرا إلى جعل زيادة اللبن بالحلب تابعة ، وإذا وجب رد المثل فتعذر كان الواجب قيمته . ( قلت ) وهذا التكلف على طوله ليس فيه محافظة على ظاهر ما نقل عن الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد من الجري على قياس المضمونات فإن ما ذكره ابن الرفعة مقتصر على حالة بقاء اللبن ، وحمل الحديث على الغالب ثم ذلك غير متجه من وجهين : ( أحدهما ) أن مقتضى ذلك أن لا يجوز الرد قبل ثلاث ، وهو لا يقول بذلك على ما هو المشهور من المذهب ( والثاني ) أن غاية ذلك إبداء وجه من القياس لرد اللبن ، ونحن [ ص: 239 ] لا نذكر أن القياس قد يقتضي ذلك ولكن المتبع في ذلك الحديث وهو عمدة المذهب في ذاك فالعدول عنه خروج عن المذهب ، وكلام الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد في السلسلة مقتصر بظاهره على حالة التلف فإنه قال في حكاية الوجه : للمشتري جبر البائع على قبول المثل إن كان المثل موجودا ، وإلا عدل إلى الدراهم كسائر المتلفات ، والله تعالى أعلم .
فهذه الخمسة الأوجه على ما اقتضاه كلام الرافعي يجمعها القول بأن التمر لا يتعين ، وعلى ما يشعر به ظاهر كلام الإمام : الأربعة الأولى مشتركة في ذلك ، وهذا الخامس لا يشاركها بل يتعين عليه رد اللبن أو مثله أو قيمته على الأحوال التي ذكرها ، ويقابل ذلك كله الوجه الثاني الذي ذكره المصنف عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي اتباعا لحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ممن صحح هذا الوجه الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد في السلسلة ، والرافعي والنووي وممن نسبه إلى nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق كما نسبه المصنف رحمه الله الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ وغيرهم . واختلف القائلون لهذا الوجه فقال الماوردي : على هذا لا يجوز العدول إلى غير التمر . ولو أعوز التمر أعطى قيمته . وفي قيمته وجهان : ( أحدهما ) قيمته في أقرب بلاد التمر إليه ( والثاني ) قيمته بالمدينة . وقال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والبغوي عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق : إنه إن عدل إلى ما هو أعلى منه جاز ، وإن عدل إلى ما هو دونه لا يجوز إلا برضا البائع ، هكذا قال البغوي وفيه التنبيه على أنه إذا عدل إلى الأعلى جاز من غير رضا البائع ، وكلام البغوي يقتضي أن الحنطة أعلى من التمر ، وكلام nindex.php?page=showalam&ids=11872أبي الطيب مصرح بأنها قد تكون أعلى وقد تكون أدون ، وكأنه راعى في ذلك القيمة ، وكأن البغوي راعى في ذلك الاقتيات فحصل من هذين النقلين عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق وجهان .
والعجب أن الرافعي رحمه الله عمدته التهذيب : ولم يحك عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ما حكاه البغوي فيه ، وإنما حكى عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ما حكيناه عن نقل الماوردي ، ولم يحك عن الماوردي أيضا عند الإعواز إلا اعتبار قيمة المدينة ، وكلام المصنف منطبق على ما حكاه القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والبغوي .
فقد اجتمع في جنس المردود مع المصراة سبعة أوجه ، ولك [ ص: 240 ] في ترتيبها طريقان ( أحدهما ) أن تقول : في الواجب ثلاثة أوجه : ( أحدها ) : على قياس المضمونات على ظاهر ما حكاهالإمام . ( والثاني ) : التمر ( والثالث ) : جنس الأقوات ( فإن قلنا ) بالتمر فهل نعدل إلى أعلى منه أو إلى غالب قوت البلد ، أو يفرق بين أن يكون التمر موجودا فتعين ، أو معدوما فيعدل إلى الغالب ؟ أربعة أوجه ( وإن قلنا ) بالأقوات فهل يتعين الغالب أو يتخير ؟ وجهان . ( والطريقة الثانية ) أن نقول : الواجب التمر ، وهل يتعين ؟ وجهان ( فإن قلنا ) يتعين فهل يعدل إلى أعلى منه ؟ وجهان .
( وإن قلنا ) لا يتعين ، فهل يقوم مقامه الأقوات ، أو الأقوات وغيرها ؟ وجهان ( الثاني ) قول الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد وإن قلنا : الأقوات وحدها ، فهل يتخير أو يتعين الغالب ؟ وجهان ، وهذه الطريقة مقتضى ترتيب الرافعي ، وليس في كلام الرافعي رحمه الله إلا أربعة أوجه ، ولم يحك وجه العدول إلى الأعلى ولا التفرقة بين أن يكون التمر موجودا أو معدوما ولا وجه الجري على قياس المضمونات على ظاهر ما حكاه الإمام وليس لك أن تأخذ من هذا الكلام إثبات وجه ثامن جمعا بين ما اقتضاه كلام الإمام وكلام الرافعي في النقل عن الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد ; لأن ذلك اختلاف في فهم كلام رجل واحد من الأصحاب ، وإنما يصح إثبات وجهين لو ثبتا جميعا عنه ، أو قائلين : وليس الأمر ههنا على هذه الصورة . ( فإن قلت : ) ما ذكرت أن الرافعي سكت عنه مما حكاه صاحب التهذيب عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق قد شمله قول الرافعي رحمه الله إن الاعتبار بغالب قوت البلد يعني في القيام مقام التمر فهذا هو العدول من التمر إلى أعلى منه . ( قلت ) ليس كذلك ; لأنه ليس غالب قوت البلد أعلى من التمر على الإطلاق لا في الاقتيات ولا في القيمة ، فقد يكون بلد غالب قوته قوت هو أدنى من التمر قوتا وقيمة ، وقد نقل الأصحاب عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق أنه جعل ترتيب الأخبار على القول المنقول عنه ، كما أشار المصنف رحمه الله إليه ، فصرح بالتمر في حديث وفي آخر قال : " من طعام " [ ص: 241 ] وأراد التمر . وفي آخر قال : " قمحا " وذلك إذا كان القمح أعز ، ورضي بذلك . وحيث قال : " مثل " أو " مثلي لبنها " أراد إذا كان قدر ذلك صاعا ، وهذا الترتيب يوافق ما حكاه عنه المصنف والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والبغوي ، وهو مقتضى كلام الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد عنه . ( وأما ) ما حكاه الماوردي والرافعي فلا يوافق ذلك ; لأنه لا يجوز إخراج غير التمر أصلا .
( فإن قلت ) ما الصحيح من هذه الأوجه ؟ قلت : الصحيح أن الواجب هو التمر ; لأن الأحاديث الصحيحة مصرحة بالتمر ، والتي فيها الطعام مطلقا محمولة عليه ; لأن المطلق محمول على المقيد . وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الذي فيه القمح فقد تقدم التنبيه على ضعف طريقه ، ولا حاجة إلى ما تأوله ابن سريج nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبو إسحاق عليه فيكون الصحيح أن الواجب هو التمر لا شبهة فيه . لكن هل يتعين ولا يجوز غيره كما نقله الماوردي عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ؟ أو يقوم مقامه ما هو أعلى منه كما نقله الباقون ؟ هذا محل النظر ، وقد قال الرافعي : إن الأصح عند الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد وغيره أنه يتعين التمر ولا يعدل عنه ولم يحك الرافعي عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق غير ذلك . وظاهر ذلك تصحيح لما نقله الماوردي . وأن غير التمر لا يجوز . كذلك هو في المحرر . وصححه النووي أيضا ، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث ، اللهم إلا أن يكون ذلك برضا البائع وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى لكن قد يتوقف في هذا التصحيح لأمرين : ( أحدهما ) أن حكاية الأكثرين عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق أنه يجوز العدول إلى الأعلى ، كما اقتضاه كلام المصنف وغيره ، وكثرة القائلين لذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق يقتضي على ما نقله الماوردي عينه وتبين مراد nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ولا يبعد أن يتناول كلام الماوردي وإن كان خلاف الظاهر ليوافق كلام الأكثرين . وإذا لم يتحقق هذا الوجه عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق . وليس منقولا عن غيره فكيف نقضي بصحته ؟ ( الثاني ) : أن الأصحاب اتفقوا في زكاة الفطر على أنه يجوز العدول عن القوت الواجب إلى قوت أعلى منه . فإذا عدل عن التمر إلى ما هو أعلى ينبغي أن يجوز . [ ص: 242 ]
( والأصح ) أن الاعتبار بزيادة الاقتيات . والقمح أعلى بذلك الاعتبار ، وإن اعتبرنا القيمة على الوجه الأخير فقد يكون القمح في بعض الأوقات أكثر من قيمة التمر . فلو كان التمر في المصراة متعينا حتى لا يجوز غيره ، وإن كان أعلى . ( فالجواب ) : أما اختلاف النقل عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق وكون ذلك يقتضي التوقف في نسبة هذا القول إليه أو إلى غيره ، ويلزم من ذلك أن لا يكون متحققا ، فهو بحث صحيح . ولكن لنا أن نتمسك في أن الواجب هو التمر بظاهر كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله . وقوله : أن يرد صاعا من تمر ، وقوله : إن ذلك ثمن واحد وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان نص الحديث ونص صاحب المهذب يقتضي أن بدل اللبن هو التمر فيمكن للمشتري من إعطاء بدله بغير رضا مستحقه على خلاف القواعد ، ولا يدل عليه دليل . ويكفي التمسك في الصحيح بنص صاحب المهذب المستند إلى دليل . وأما من يشترط في التصحيح موافقة معظم الأصحاب فيحتاج إلى بيان ذلك ههنا في هذه المسألة . ولم أقف من كلام الأصحاب على ما يقتضي ذلك ، ولا على نسبة القول المذكور إلى غير nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق . نعم الإمام قال : ذهب ذاهبون إلى أن الأصل التمر فلا معدل عنه . وهذا الذي نقله الإمام يوافق ما نقله الماوردي عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ، فيحتمل أن يكون مراد الإمام بالذاهبين nindex.php?page=showalam&ids=11817أبا إسحاق ومتابعيه ، ويعود ما تقدم من جهة اختلاف النقل عنه .
وبالجملة فمستند من لم يقل من الأصحاب على كثرتهم بتعين التمر اختلاف الرواية ومجيء القمح في بعض الروايات . وقال الإمام : إن ذلك الذي مهد لأصحاب القوت مذهبهم وإلا فالأصل الاتباع ، وأنت إذا وقفت على ما تقدم من التنبيه على ضعف رواية القمح المطلق على المقيد في بقية الروايات التي أطلق فيها الطعام تارة وذكر التمر أخرى ، لم تبال بمخالفة كثير من الأصحاب إذا اتبعت الحديث . ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من غير تأويل . وأما الجواب عن اتفاق الأصحاب في زكاة الفطر على أنه يجوز العدول إلى الأعلى ، فإن المقصود في زكاة الفطر سد خلة المساكين والحق فيها لله تعالى ، فلا يحصل فيها من التنازع والخصومة ما يحصل [ ص: 243 ] في غيرها . وهذان الأمران مقصودان في مسألة المصراة فإن الحق فيها للآدمي مقصود الشارع فيها قطع النزاع مع ما فيها من ضرب العبد . فقد بان ووضح لك أن الصحيح وجوب التمر وتعيينه ، ولا يجوز العدول عنه إلى غيره سواء كان أعلى أو أدنى إلا برضا البائع فسيأتي الكلام فيه . وهذا الصحيح خلاف الوجهين المذكورين في الكتاب لما تبين لك أن مراده عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق أنه يعدل إلى الأعلى ، وصحح nindex.php?page=showalam&ids=12515ابن أبي عصرون في الانتصار قول ابن سريج ، والله أعلم .
هذا الكلام في جنس الواجب ، وأما مقداره ففيه وجهان ( أصحهما ) أن الواجب صاع قل اللبن أو كثر وإن زادت قيمته على قيمة الصاع أم نقصت لظاهر الخبر . وهذا الذي نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عليه رحمه الله في الجزء السادس عشر من الأم قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد : وإليه مال ابن سريج . والمعنى فيه قطع النزاع ; لأن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ، ويتعذر التمييز فتولى الشرع تعيين بدله قطعا للخصومة . وقد تقدم ذلك في الجواب عن الوجه الرابع من أسئلة الحنفية التي ادعوا فيها خروج الحديث عن القياس . ( والثاني ) أن الواجب يتقدر بقدر اللبن لرواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر التي فيها : " مثل أو مثلي لبنها " . وعلى هذا فقد يزداد الواجب على الصاع وقد ينقص ، وأن الأمر بالصاع كان في وقت علم أنه يبلغ مقدار اللبن . فإذا زاد زدنا وإذا نقص نقصنا ، وهذا الوجه بعيد مخالف لنص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ولنص الحديث . وقد تقدم ضعف الرواية التي تمسك بها . وهذان الوجهان حكاهما الفوراني nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي حسين والشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد وغيرهم من الخراسانيين هكذا على الإطلاق ، ومقتضى ذلك أنا ننظر إلى قيمة اللبن ، ونؤدي بقدرها على هذا الوجه ، وبه صرح الروياني . وكذلك الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد في السلسلة ذكر الوجهين فيما إذا زاد لبن التصرية على قيمة صاع من تمر .
وكذلك الإمام في النهاية ، وقال الروياني : إنه ضعيف ، والأمر كما قال فإن كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في الأم يصرح بخلافه فإنه قال : ردها وصاعا من تمر ، كثر اللبن أو قل ، كان قيمته أو أقل من قيمته ; لأن ذلك شيء وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن جمع فيه [ ص: 244 ] بين الإبل والغنم ، والعلم يحيط أن ألبان الإبل والغنم مختلفة الكثرة والأثمان ، فإن ألبان كل الإبل وكل الغنم مختلفة . وهذا الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله هو الحق الذي لا محيص عنه ولو كان الواجب يختلف باختلاف اللبن لفاوت النبي صلى الله عليه وسلم بين الإبل والغنم فلما لم يفاوت بينهما وأوجب فيهما صاعا من تمر ، علم قطعا بطلان هذا الوجه . ولم أر لهذا الوجه ذكرا في طريق العراقيين على هذا الإطلاق ، وإنما في كلامهم وكلام بعض الخراسانيين كالغزالي حكاية الخلاف فيما إذا زادت قيمة الصاع على قيمة نصف الشاة أو كلها ما سيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى ولولا أن الرافعي اعتد بهذا الخلاف وحكاه ، وتصريح الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد والإمام والروياني لكنت أقول : إنه يجب تنزيله على ما في كتب العراقيين ، ولكن هؤلاء الأئمة ذكروه صريحا .
والرافعي حكى الأمرين فقال : إن منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة . وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف ، ومنهم من أطلقه إطلاقا . وليس في كلام الرافعي هذا ما يؤيد تنزيل هذا الإطلاق على ما في كتب العراقيين . ولكن ما حكاه الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد والإمام والروياني صريح وكذلك يقتضيه كلام nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين ، وفي كلام الإمام كشف ذلك ، فإنه حكى الوجهين في أنه هل يتعين الصاع أو يجب من التمر بقيمة اللبن ؟ فإن اعتبرنا الصاع فكانت قيمته بقدر الشاة أو أكثر ففي وجوبه وجهان عن العراقيين . فجعل حكاية العراقيين الوجهين تفريعا على اعتبار الصاع ، وأفاد كلامه حصول ثلاثة أوجه في المسألة ( أحدها ) وجوب الصاع مطلقا ( والثاني ) وجوب قدر قيمة اللبن مطلقا ( والثالث ) الفرق بين أن تكون قيمة الشاة أو لا ، فإن لم تكن بقيمة الشاة وجب الصاع وإلا وجب بالتعديل . والأوجه الثلاثة المذكورة متفقة على أن المردود هو التمر ، إما صاع أو أقل أو أكثر وسيأتي في كلام المصنف رحمه الله ما يخالفه وكذلك قوله على الوجه الثالث باعتبار التعديل مخالف لكلام المصنف وأكثر الأصحاب كما ستعرفه هناك إن شاء الله تعالى ، وفي بعض شروح المهذب المجموعة من الذخائر وغيرها ذكر الوجهين المذكورين وذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ثم قال العراقيون : أراد الخبر أنه يجب المثل إذا كان [ ص: 245 ] اللبن صاعا ويجب مثلاه إذا كان اللبن نصف صاع ، وهذا يجب حمله على ما قاله الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد وغيره من اعتبار قيمة الصاع إلا أن يكون اللبن صاعا كما هو ظاهر هذه العبارة ، وبالجملة فهذا الوجه في غاية الضعف ، مخالف لصريح نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله والحديث وممن حكاه أيضا ابن داود في شرح المختصر ، والله أعلم .
وإذا ضممت الخلاف في المقدار إلى الخلاف في الجنس ، زادت الأوجه فيما يرده بدل اللبن ، والله أعلم . وسأتعرض لذلك إن شاء الله في فرع عند الكلام فيما إذا زاد الصاع على قيمة الشاة ، والله أعلم .
( فرع ) هذا كله فيما إذا لم يرض البائع ، فأما إذا تراضيا على غير التمر من قوت أو غيره أو ذهب أو ورق أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه ، قال الرافعي : فيجوز بلا خلاف ، كذا قاله صاحب التهذيب وغيره ، وعبارة صاحب التهذيب أنه يجوز على الوجهين ، قال الرافعي : ورأيت القاضي ابن كج حكى وجهين في جواز إبدال التمر بالبر عند اتفاقهما عليه .
( قلت : ) وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر في الإشراف : إنه لا يجوز أن يدفع مكان التمر غيره ; لأن ذلك يكون بيع الطعام قبل أن يستوفى ، وهو أحد قولي المالكية ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وهذا يقتضي أن ذلك من باب الاعتياض ، فإن كان كذلك فالمنع من الاعتياض في ذلك مخالف لنص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله فإنه قال في باب السنة في الخيار : ومن كان له على رجل طعام حال من غير بيع فلا بأس أن يأخذ به شيئا من غير صنفه ، إذا تقابضا من قبل أن يتفرقا ، واحترز nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله بالحال عن المؤجل . وقد تقدم في باب الربا في الاعتياض عن الطعام المؤجل أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله نص على منعه ، وما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر هنا لم يتعرض الأصحاب له هناك فيحتمل أن يكون ابن كج موافقه في المنع من الاعتياض عن الطعام مطلقا ، ويحتمل أن يخص ذلك بهذه المسألة لما فيها من ضرب من البعد ، فتلخص أن المذهب جواز الاعتياض عنه مطلقا ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر المنع مطلقا ، وما حكاه ابن كج المنع في اعتياض البر عن التمر .
والظاهر أنه يعدى ذلك إلى كل مطعوم فأما أن يقول قولا [ ص: 246 ] فارقا بين المطعوم وغيره فيكون قولا ثالثا ، وإما أن يكون يعمم المنع في الجميع تشبيها له بالثمن في الذمة ، فيكون قد وافق nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر في الحكم وخالفه في المأخذ ، وإما أن يكون موافقا له في الحكم والمأخذ معا ، ويمنع الاعتياض عن الطعام في الذمة وإن كان حالا وهو خلاف نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وليس في عبارة صاحب التهذيب نفي الخلاف مطلقا كما ذكره الرافعي رحمه الله حتى يستدرك عليه كل خلاف ، وإنما قال على خلاف الوجهين ، يعني قول ابن سريج وقول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق رحمهم الله وليس في كلامه أيضا في النسخة التي وقفت عليها ذكر القوت ، وإنما ذكر الذهب والفضة وما لا يقتات ورد اللبن وأما حكايته وحكاية الرافعي عنه الاتفاق على جواز رد اللبن عند بقائه ، فينبغي أن يكون صورة ذلك إذا تراضيا على أخذه بدلا عن الواجب ، ويشترط في ذلك اللفظ . هذا إذا جعلنا ذلك من باب الاعتياض كما تقدم ، أما إذا اقتصر على الرد فهل يكفي ; لأنهما تراضيا عليه فيرد الرد عليهما أو لا يكفي ; لأن الواجب غيره فليس ذلك من باب الرد على صورة الفسخ والله أعلم .
وسنتعرض له في كلام المصنف رحمه الله إن شاء الله تعالى . وفي فرع الآن فتنبه له .
( فرع ) التمر الذي يجب رده هل يتعين نوع منه ؟ أو ذلك إلى خيرة المشتري ما لم يكن معينا ؟ قال أحمد بن بشرى فيما نقله من نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : صاعا من تمر البلد الذي هو به تمر وسط بصاع النبي صلى الله عليه وسلم فظاهر هذا الكلام يقتضي أنه لا يعطي تمرا دون تمر بلده ، وإن كان سليما ولم أر من تعرض لذلك ولا اعتد به لا هنا ولا في زكاة الفطر ، والذي اقتضاه النص من تعيين تمر البلد يشهد له ما ذكره في الشاة الواجبة عن خمس من الإبل ، وأنه لا يجوز العدول عن قيمة البلد على المذهب وما ذكر في الدراهم المأخوذة في الجبران في الصعود أو النزول وأنه يتعين نقد البلد قطعا ، فإذا ثبت التعين ههنا فالتعيين في زكاة الفطر أولى ; لأن أطماع الفقراء تمتد إلى قوت البلد ونوعه . نعم : إن كان في البلد أنواع فقد ذكروا في الشاة المخروجة عن خمس من الإبل أوجها . نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه فيها ، [ ص: 247 ] وهو الذي قطع به صاحب المهذب بتعين غالب البلد ، وأصحها على ما ذكره الرافعي أنه يخرج من أي نوعين شاء ، وقياس ذلك أن يأتي ههنا ذلك الخلاف بعينه . ( فإن قلت : ) قد قال الماوردي رحمه الله : أنه إذا أعوز التمر أخرج قيمته بالمدينة على وجه وهو الذي اقتصر الرافعي على حكايته وهو الذي قاله المصنف على قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ، فيما إذا زادت قيمة الصاع على الشاة ، واعتبار قيمة الحجاز يدل على أن المعتبر تمر الحجاز ; لأن القيمة بدل عنه ، فلو كان الواجب تمر البلد لأخرج قيمته ( قلت ) ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي هنا من تعين تمر البلد وتأيد بالنظائر ، يدل على أن الأصح هو الوجه الثاني الذي نقله الماوردي أنه عند إعواز التمر يعتبر قيمته في أقرب بلاد التمر إليه ، وإن كان الرافعي لم يذكره .
وأما ما ذكره المصنف وغيره من الأصحاب على قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق واقتصروا عليه ، وأن المعتبر قيمة الحجاز ، فذلك إنما قالوه على قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ، وقد يكون nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق لا يوافق على ما اقتضاه النص من تعين البلد وهو بعيد أو يوافق على أن المعتبر عند الوجود تمر البلد ، فإن أعوز رجع إلى قيمة الحجاز وهو بعيد أيضا ولا يلزم من حكاية الأصحاب ذلك أنهم يعتبرون قيمة الحجاز عند الإعواز على المذهب ، ولا شك أن مقتضى قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق اعتبارها ، فإنه إذا اعتبرها في غير حالة الإعواز ففي حالة الإعواز أولى ، فتخلص أن التمر الذي يجب رده هو تمر البلد على ظاهر النص ، وفيه على قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ما ذكرته . وإذا أوجبنا تمرا فعدل إلى تمر أعلى منه جاز ، كما قالوه في زكاة الفطر ، وفي الشاة المخرجة عن الإبل ، ولو عدل إلى ما دونه لم يجزه ، كما ذكروه في الشاة . هذا عند الوجود ، وعند الإعواز الواجب قيمته بأقرب البلاد إليه ، وقيل : بالمدينة ، وهو مقتضى قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق ، وقد يقال : إنه إذا عدل عند الوجود إلى نوع أعلى ينبغي أن يكون كالعدول إلى جنس آخر ، كما قيل بمثله في السلم : إن اختلاف النوع كاختلاف الجنس ، وحينئذ فلا يجوز ههنا بغير [ ص: 248 ] التراضي ، ويجوز بالتراضي ; لأن هذا يجوز الاعتياض عنه على الأصح ، كما تقدم بخلاف المسلم فيه . وأما العدول إلى نوع أدنى فلا يجوز إلا بالتراضي ، إلا إذا فرعنا على قول التخيير ، وكذلك في الزكاة إذا وجبت عليه الزكاة من نوع لم يعدل إلى نوع دونه إلا إذا اعتبرنا القيمة ، ففيه خلاف وكذا لا يخرج عن الكرائم إلا كريمة .
( فرع ) الصاع الذي يجب رده بدل اللبن ، هل ينزل منزلة العين الأخرى ، الذي شملها العقد ، حتى أنه يتوقف الرد على رده مع الشاة ، أو نقول : إنه يرد الشاة ، ويبقى بدل اللبن في ذمته ؟ لم أقف في ذلك على نقل ( وقوله ) في الحديث : " ومعها صاعا من تمر " يشعر بالأول ، ويؤيده أن إفراد إحدى العينين بالرد لا يجوز في غير هذا الكتاب ، فجعل التمر قائما مقام اللبن للرد عليهما أقرب إلى المحافظة على ذلك ، وإذا صح ذلك فلا يكون اتفاقهما على أخذ بدل التمر من باب الاعتياض حتى يحتاج إلى لفظ كما تقدم ; لأن التمر لا ثبوت له في الذمة على هذا البحث ، وإنما يقام مقام اللبن ليرد الرد عليهما ، ويشكل أخذ بدله لا لأجل التعليل الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر بل لهذا المعنى ، وهذا الذي وعدت به فلتتنبه له . ( نعم ) اتفاقهما على رد اللبن واضح على هذا التقدير ، ولا يحتاج حينئذ إلى اعتياض ; لأن ذلك هو الأصل وإنما عدل إلى التمر خوفا من اختلافهما فإذا تراضيا عليه جاز وورد الرد عليهما ويحصل الفسخ في جمع المعقود عليه ، ويخرج من ذلك أنه يجوز اتفاقهما على رد اللبن ولا يجوز اتفاقهما على بدل آخر غيره لا يعدو إلى غيره ، ولم أر أحدا صرح بمجموع هذا فلتتنبه لهذه الدقائق .
( فرع ) يمكن أن يقال : إذا جعلنا التمر قائما مقام اللبن على ما تقدم من البحث ، وتراضيا على رد الشاة وأن يبقى التمر في ذمته ، يجوز كما يجوز في الشفعة ، حيث يكتفى برضا المشتري بذمة الشفيع عن تسليم العوض ، ويمكن أن يقال : لا يكفي ذلك هنا ; لأن الشفعة تملك جديد . وههنا رد ، والرد يعتمد المردود ، [ ص: 249 ] فعلى الاحتمال الأول يستمر ما قاله البغوي والرافعي رحمهما الله من أخذ البدل عن التمر ; لأنه قد صار في الذمة ، فيأخذ عنه ما يقع الاتفاق من مقدار غيره ، ويأتي فيه خلاف nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وتعليله وعلى الاحتمال الثاني يتعين ما تقدم وأنه يتعين رد التمر أو اللبن باتفاقهما ; لأنه الأصل ، ولا يجوز غير ذلك ; لأن ذلك إقامة لغير المبيع مقام المبيع في حكم الرد ، وذلك إنما يكون من جهة الشرع .
( فرع ) ولو كانت المصراة اثنين أو أكثر ، هل يرد أداء الواجب بذلك ؟ لم أقف لأصحابنا على نقل في ذلك ، لكن أبو الفرج بن أبي عمر الحنبلي رحمه الله نقل في شرح المقنع على مذهبهم ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وبعض المالكية أنه يرد مع كل مصراة صاعا ; لقوله : " من اشترى غنما " . ( قلت ) وممن ذهب إلى ذاك nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم الظاهري وزعم ابن الرفعة أن ذلك ظاهر الحديث ( قال ) وما أظن أصحابنا يسمحون بذلك ، وهذا منه يدل على أنه لم يقف في ذاك على ما نقل ، وكذلك أنا لم أقف على نقل إلا ما قدمته من نقل بعض الحنابلة عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه وهو مقتضى المذهب ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : ينبغي أن لا يجب في لبن شياه عدة أو بقرات عدة إلا الصاع عبادة وتسليما .
( فرع ) اتفق أصحابنا رحمهم الله وأكثر العلماء على أنه لا يجب رد مثل اللبن التالف ; لأن الصاع بدل اللبن بدليل قوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=24350ففي حلبتها صاع من تمر } ، ويفهم المعنى . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : يجب رد مثله مع التمر إن كان تالفا ، وعينه إن كان باقيا ، وذاك في اللبن الموجود عند العقد ، وأجاب عن الحديث بأن الحلبة مصدر وإطلاقه على المحلوب مجاز ، ولا دليل عليه واتفقوا على أنه ليس عليه رد اللبن الحادث عنده ، والله أعلم .
وقد روى ابن أبي عدي حديث المصراة بلفظ فيه : { nindex.php?page=hadith&LINKID=39541وإن شاء ردها وصاعا من تمر وكان بما احتلب من لبنها } وهو يدل على أنه بدل المحلوب ولكن في سنده سليمان بن أرقم وهو ضعيف [ ص: 250 ] فرع في مذاهب العلماء قال nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف : يرد معها قيمة اللبن هكذا نقل عنهما nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وغيره . ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عنهما أنه يرد قيمة صاع . وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في أحد قوليه : يؤدي أهل بلد صاعا من أغلب عيشتهم . وهكذا قول ابن سريج من أصحابنا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رضي الله عنهما : إذا كان اللبن تالفا ليس له ردها ، لكن يرجع بقيمة العيب فقط ، وإن كان باقيا رده ، ولا يرد معها صاع تمر ولا شيئا هكذا نقل nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عنه . والمشهور عنه أنه إذا حلبها امتنع عليه الرد . ونقل بعض أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أنه إذا حلبها سقط خياره ، وتعين حقه في الأرش . وهذا خلاف الحديث ، وعن بعض المالكية أنه لا يرد معها شيئا ; لأن الخراج بالضمان .
( الحالة الثانية ) أن يختار الرد قبل حلب اللبن . وهذا إنما يكون على غير الوجه الذي نقله الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والروياني ومن وافقهما عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق في أنه يمتنع الرد قبل الثلاث ، والمشهور خلافه . فإذا أراد الرد قبل الحلب ; ردها ولا شيء عليه وفاقا . فإن قوله : وإن سخطها ردها وصاعا من تمر ، المراد به إذا كان بعد الحلب ، والجمع بين طرق الحديث يبين ذلك وأيضا المعنى يرشد إليه ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنه لا خلاف فيه . ولا يعكر ذلك على قولنا : أنه له الخيار قبل الحلب . ( الحالة الثالثة ) أن يختار إمساكها قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : إذا رضي بإمساكها ثم وجد بها عيبا قديما غير التصرية فله ردها بالعيب . ويرد بدل اللبن الموجود حالة العقد . وعلى رواية الشيخ أبي علي وجه أنه كما لو اشترى عبدين وتلف أحدهما وأراد رد الآخر فيخرج على تفريق الصفقة ، والمذهب الأول وبه جزم كثيرون ، وهو الذي نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في المختصر . وقال الإمام : قطع الإمام وصاحب التقريب والصيدلاني أجوبتهم بذلك . وعني بالإمام والده الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبا محمد ثم استشكله من طريق القياس بأن المعنى يرشد إلى أن الصاع بدل عن اللبن والبهيمة [ ص: 251 ] مع اللبن في ضرعها كالشجرة مع ثمرتها ، فإذا بلغت الثمرة وأراد رد الشجرة دخل هذا في تفريق الصفقة ، قال : هكذا حكم القياس . ولكن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وجميع الأصحاب حكموا بما ذكرناه يعني من عدم التخريج على تفريق الصفقة ( قال ) والسبب فيه أنالرد بالعيب القديم في معنى الرد بالخلف قطعا ، واللبن في الواقعتين على قصة واحدة فرأى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلحاق الواقعة بالواقعة كما رأى إلحاق الأمة بالعبد في قوله عليه السلام : { nindex.php?page=hadith&LINKID=35807من اشترى شركا له في عبد } وذكر الشيخ أبو علي في شرح التلخيص أن من أصحابنا من رد هذه المسألة إلى موجب القياس وخرجها على تفريق الصفقة .
( قلت : ) وكلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في الرسالة في باب الاجتهاد ، يقتضي أن رد التمر في هذه الصورة بالحديث لا بالقياس ، لكن مراد الإمام بالإلحاق الإلحاق في أصل الرد ، لا في ضمان بدل اللبن ، واعتذر الغزالي عن التخريج على تفريق الصفقة في حالة رد المصراة بأن اللبن لا يقابله قسط من الثمن على رأي ، فهو في حكم وصف آخر لا يوجب زواله عيب الباقي . بخلاف العيب الحادث . فإن قلنا : يقابله قسط من الثمن فلا وجه لمخالفة الحديث ، فلنؤيد به جواز تفريق الصفقة ، فإنه المختار ، لا سيما في الدوام وهذا الذي قاله الغزالي من أن اللبن لا يقابله قسط من الثمن على رأي الإمام ، ذكره في لبن غير المصراة تخريجا على الحمل فقال : الوجه أن نجعل اللبن كالحمل في أنه هل يقابل بقسط من الثمن على رأي الإمام ؟ ذكره في لبن غير المصراة تخريجا على الحمل ، فقال : الوجه أن يجعل اللبن كالحمل في أنه هل يقابل بقسط من الثمن ؟ وذكره الغزالي والرافعي هنا في المصراة . قال ابن الرفعة : ولبن المصراة مخالف لذلك ; إذ هو مقصود فيها بخلافه في غيرها ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : إنه إذا أراد رد غير المصراة بعيب لا يرد بدل اللبن ولم يقل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ولا أحد من الأصحاب بذلك في المصراة .
وقال ابن الرفعة : إن الغزالي أثبت احتمال الإمام وجها ، ونقله إلى لبن المصراة ، وهو خلاف ما عليه الأصحاب وقال عما ذكره : إنه إن قاله تبعا للغزالي فلا عبرة به ، وإلا ففيه تعضيد لما ذكره الغزالي . [ ص: 252 ] قلت ) وما حكاه الإمام عن الشيخ أبي علي مفروض في المصراة ، لكن في هذه الحالة التي يتكلم فيها وهي ما إذا اختار إمساكها ثم أراد الرد بعيب التصرية فلم يقل أحد فيما علمت بالتخريج على تفريق الصفقة ; لأن ذلك يكون مصادما للحديث ، وإذا كان كلام الشيخ أبي علي مفروضا في المصراة كان مستندا لما نقله الغزالي في المصراة من أن اللبن لا يقابله قسط من الثمن على رأي ، وإلا لم يخرج على تفريق الصفقة عند إرادته الرد بعيب آخر ، وأما امتناع التخريج عند إرادة الرد بالتصرية فيصد عنه الحديث ، فلذلك لم يصر إليه صائر ، ويبقى فيما عداه على مقتضى القياس ، فليس ما نقله الغزالي والرافعي خارجا عما عليه الأصحاب . وأما نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في غير المصراة فسيأتي الكلام فيه ، وأن ظاهر المذهب خلافه ، وقد اعترض ابن الرفعة على ما نقله الشيخ أبو علي من التخريج وقال الإمام : إنه القياس بأنا إنما نخرج على تفريق الصفقة ما هو مقصود كله كأحد العبدين ونحوهما ، وما نحن فيه ليس كذلك ، فإن اللبن غير مقصود كالشاة بل هي المقصودة ، واللبن إن قصد فتابع ولهذا اغتفرت الجهالة فيه ، والتوابع إذا فاتت لا تلحق بالمتبوعات ; ألا ترى أن المبيع إذا ظهر عيبه ، وامتنع رده ، لا نقول : يخرج القول في الباقي على تفريق الصفقة ؟ وإن كانت السلامة من العيب مقصودة ، لكنها تابعة لا تفرد بالعقد فاللبن مثلها .
( قلت : ) وهذا أميل إلى أنه لا يقابل بقسط من الثمن مع إنكاره له ، وإلا فمقتضى المقابلة أنه إذا أراد بتفريق الصفقة يرده ، وقد حكى الجوري قولا يوافق ما حكاه الشيخ أبو علي في امتناع الرد ويخالفه في المأخذ . فقال : إن ظهر على عيب التصرية فلم يرد حتى ظهر على عيب آخر بعد مدة ففيها قولان : ( أحدهما ) لا يرد كما لا يرد سلعة اشتراها فظهر منها على عيب فلم يردها حتى ظهر منها على عيب آخر ; لأنه رضيها معيبة . ( والقول الثاني ) يرد ، والفرق بينه وبين السلع أنه يرد معها صاعا بدلا للبن المصراة ، فكأنه يرده بعيب واحد ، وسائر السلع [ ص: 253 ] لا يرد معها شيئا ، وكان قد رضيه فلا شيء له . قال الجوري : قد يجيء في السلع أنه يرد المصراة ; لأنه رضي بعيب واحد دون الآخر .
( قلت : ) وهذا الاحتمال الذي قاله الجوري هو القياس ولا يلزم من الرضا بعيب الرضا بجميع العيوب ، والذي قاله أولا من أن سائر السلع غير المصراة إذا ظهر منها على عيب فلم يرد حتى ظهر على عيب آخر أنه يمتنع الرد بعيد لا وجه له ، وما أظن الأصحاب يساعدونه على ذلك كما حكاه الجوري من القولين ، بل صرح الماوردي والشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وغيرهما بخلافه فإنهم قالوا في هذه المسألة : إن من رضي بعيب ثم وجد غيره لم يمنعه الرضا بما علم من الرد بما لم يعلم ، وجعلوا ذلك دليلا على الرد ههنا . لكني رأيت في تعليق الطبري عن nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ما يوافقه ، فإنه قال في ذلك : منزلته منزلة المشتري سلعة فوجد بها عيبين فرضي بأحدهما ، كان له أن يرد بالعيب الثاني ، وقد قيل : إنه لا يرد ولكن يرجع بأرش العيب الثاني ، قال : وهو ضعيف ، على أن قوله في هذا الكلام : وقد قيل يحتمل أن يكون في المصراة في المسألة المقيس عليها ، وبالجملة فالمذهب المشهور أن ذلك غير مانع ونقله ابن بشرى في منصوصات nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه . وقد حكى ابن الرفعة عن الجوري هذا عند الكلام في بيع البراءة ، وقال : لعل وجهه أن في رده إبطال عفوه عن الأول فلم يجز ولهذا نظر يأتي في الجنايات وما حكاه الجوري من القولين في المصراة قد وجه هذا القول بالمنع منهما بالقياس على غيرهما من السلع ونحن نمنعه حكم الأصل إما جزما وإما على المذهب المشهور ، ولئن سلم فالفرق ما ذكره .
وتبين بذلك أن مأخذ القول بالمنع الذي حكاه الجوري غير مأخذ الوجه الذي حكاه الشيخ أبو علي رحمه الله من التخريج على تفريق الصفقة قوي من جهة القياس ، والحديث يصد عنه ، غير أن القول الذي حكاه الجوري على غرابته وضعفه يعتضد به الوجه الذي حكاه الشيخ أبو علي وإن اختلفا في المأخذ لتواردهما على حكم واحد وهو امتناع الرد وكلاهما شاهد للرأي الذي حكاه الغزالي والرافعي من أن اللبن لا يقابله قسط من الثمن وهو مع ذلك ضعيف لمخالفته نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله . [ ص: 254 ] ولا وجه لمنع التخريج على تفريق الصفقة إلا اتباع الحديث ، وإلا فلقائل أن يقول : إن كان اللبن مقابلا بقسط من الثمن وجب أن لا يرد بدله ، وقد دل الحديث على رد البدل ، ولذلك جزم nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وأكثر الأصحاب بأنه مقابل بقسط ، وقطعوا بذلك في باب الربا واستدلوا له هناك بحديث المصراة كما تقدم والوجه الذي حكاه الشيخ أبو علي والجوري في غاية الغرابة ، وما قاله ابن الرفعة من كون اللبن تابعا تقدم الجواب عنه ، وليس أوصاف السلامة يتقسط الثمن عليها حتى إذا فات بعضها يتخرج على تفريق الصفقة بخلاف اللبن فإنه يوافق على أنه يقابله قسط من الثمن ، وكون الشيء مقابلا بقسط من الثمن أخص من كونه مقصودا هذا ما ذكره كثير من الأصحاب . وفصل الماوردي رحمه الله فقال : إن كان بعد العقد علم بالتصرية ورضي ثم وقف على عيب آخر فله الرد ، لا يختلف أصحابنا فيه ، ويرد معها صاعا من تمر وإن كان علمه بالتصرية مع العقد ثم وقف على عيب آخر فوجهان ، خرجهما nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة من تفريق الصفقة فتحصلنا في هذه المسألة على ثلاث طرق ، وفي الرونق جزم بردها . وحكى في رد الصاع التمر معها قولين ، وهذه طريقة رابعة غريبة ، فهذه الأحوال الثلاث اللاتي تقدم الوعد بذكرهن ، والحالة الرابعة وهي ما إذا كان اللبن باقيا سيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى .
( فائدة ) قال الجوري : إن قال قائل : إذا كان الصاع إنما يرده بدلا للبن التصرية الذي تضمنه العقد ، فقد ردت العين مع قيمة النقص ، فهلا كان هذا أصلا لكل نقص عند المشتري أنه يرده وقيمة النقص ؟ قيل : لأن المقصود في الشاة عينها واللبن تابع فقد رد العين بكمالها ورد قيمة التالف وإذا أراد شيئا نقصت عينه لم يرد العين بكمالها ; لأن الكل مقصود ، ولو جاز أن يردها وقيمة النقص لجاز أن يرد قيمتها كلها إذا تلفت ( فإن قيل ) كذا نفعل ; لرد قيمتها كلها [ ص: 255 ] وإن تلفت وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور ( قلنا ) هذا تدفعه السنة ; لأنه قيل " فهو بالخيار فيها إن شاء ردها وصاعا من تمر " ، فإنما جعل له الخيار في قيمتها ، والله أعلم .
( فرع ) إذا لم يعلم بالتصرية إلا بعد تلف الشاة تعين الأرش ، وقد تقدم الآن عن nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور أنه يرد قيمتها ، والله أعلم .
( فائدة ) قول الغزالي رحمه الله فيما تقدم قريبا فهو في حكم وصف آخر لا يوجب زواله عيب الباقي بخلاف العيب الحادث . قال ابن أبي الدم : إنه كذلك وصوابه أن يقول بخلاف أحد العبدين الباقيين ، فإن موت أحدهما يوجب في الباقي عيبا ، وهو تفريق الصفقة ، وليس للعيب الحادث ههنا حدث ، بل العيب يمنع الرد بالعيب القديم . قال ولمتكلف أن يتكلف تصحيح كلامه بجواب بعيد فيقول : مراده بالعيب الحادث الحاصل بتفريق الصفقة في أحد العينين بعد تلف العين الأخرى ، وهذا تكلف بعيد . انتهى . ولم يتعرض ابن الرفعة لهذا السؤال .