( الشرح ) صورة المسألة أن يضر تركها ، ولا يضر قلعها ، وقد تقدم الكلام فيها في باب بيع الأصول والثمار ، وظاهر كلام المصنف هنا أن الخيار ثبت ، ويسقط بقول البائع ذلك ، والذي تقدم هناك وذكره الرافعي وغيره أنه يؤمر البائع بالقلع والنقل ولا خيار للمشتري ، والصواب ما قاله المصنف رحمه الله هنا وأنه يثبت الخيار ثم يسقط . وكلامهم هنا محمول على هذا ، ألا ترى أن الرافعي وغيره قاسوا ذلك على ما لو اشترى دارا يلحق بسقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال ، أو كانت منسدة البالوعة فقال البائع : أنا أصلحه وأبيعها لا خيار للمشتري فهذا الكلام ناطق بأن عدم الخيار مرتب على قول البائع ، ويظهر أثر هذا فيما لو بادر المشتري وفسخ قبل أن يقول البائع ذلك ، فعلى ما قلته ينفذ فسخه ولا عبرة بقول البائع بعد ذلك ، وإطلاق المصنف والرافعي وغيرهما أيضا السقوط بقول البائع : أنا أقلع ينبغي أن يكون محمولا على ما إذا قلع . أما إذا اقتصر على القول فسقوط الخيار به غير متجه لبقاء العيب . والعبارة المحررة ما ذكروه في كتاب الإجارة ويقتضيه كلامالإمام هنا أيضا أن الخيار ثابت إلا إذا بادر المكتري إلى الإصلاح . هذا إذا كان اشتمال الأرض على الحجارة المذكورة منقصا لها ، وهو ما يقتضيه ذكرهم لذلك في العيوب ، فإن فرض أن الحجارة المذكورة لقرب زمان نقلها لا يعد اشتمال الأرض عليها عيبا صح إطلاقه أنه لا خيار ويلزم البائع بنقلها ، ولكن ذلك خلاف المفروض وأيضا لا يبقى حينئذ بقول البائع : أنا أقلع أثر ; لأنه يلزم به ولا خيار للمشتري قبله ولا بعده .
[ ص: 361 ] فالصواب ما يوافق عباراتهم في الإجارة ، فإن الخيار ثابت إلا إذا بادر البائع إلى القلع في مدة لا أجرة لمثلها . وحينئذ تكون العلة أن ضرر العيب زال . وأما تعليل المصنف بأنه يزول فيناسب عدم ثبوت الخيار أصلا ، وهو لم يقل به ، ولا ينحى عن ذلك إلا أن يقال : إن بقاء الأحجار مع امتناع البائع من قلعها عيب ، وبدون امتناعه ليس بعيب وهو بعيد ; إذ يقال : إن إشغال الأرض بالحجارة مانع من كمال صفة القبض فيها كما تقدم . وذلك عن بعض الأصحاب ، فامتناع الحجارة مع امتناع البائع من قلعها كالعيب الحادث قبل القبض . ولم يذهب أحد هنا إلى ثبوت الخيار مع مبادرة البائع إلى القلع أخذا من أن وجود الأحجار في الأرض عيب ، وزوالها بقول البائع أو بفعله كزوال العيب قبل الرد ، وفيه وجه كما تقدم . وكأن الفرق ضعف الخيار ههنا ، لكون البائع مسلطا على إسقاطه ، أو لأنه زال قبل كمال القبض ، وليس كالعيب الزائل بعد القبض ، أو لأن هذا الزوال بفعل البائع ففيه استدراك للظلامة ، بخلاف الزوال بنفسه . وبعد أن كتبت ذلك رأيت ابن معن أورده على المصنف رحمه الله وزعم أنه تناقض بين ما ذكره هنا وفي الإجارة من سقوط الخيار ، وبين ما تقدم من حكايته الوجهين في زوال العيب قبل الرد ، وادعى الأولوية في طرد الوجهين هنا ، وكذلك ابن الردي قال : أرى أن تكون المسألة الثانية كالمسألة الأولى على وجهين ، بل أولى لأنه إذا كان بعد رد العيب وجهان ، فمع بقائه أولى . وما ذكرته جواب عنه ، وليس المصنف مختصا بذلك .
وقوله : لا أجرة لمثلها ، قيد لا بد منه ليتحقق عدم الإضرار ، ولو كانت الحجارة يضر قلعها ، أو قلعها وتركها ، فقد تقدم الكلام في ذلك فيما لا يضر في باب بيع الأصول والثمار . وقوله : مدفونة ، يحترز عن المخلوقة . وقد تقدم حكمها . ومن الواضحات أن فرض المسألة في حالة جهل المشتري بالحجارة .