( والثاني ) لا يستأنف الوضوء . فعلى هذا يكفيه المسح على الخفين .
( والطريق الثاني ) أن نزع الجرموق لا يؤثر لأن الجرموق مع الخف تحته بمنزلة الظهارة مع البطانة ولو انقلعت الظهارة بعد المسح لم يؤثر في طهارته .
( الطريق الثالث ) أن الجرموق فوق الخف كالخف فوق اللفافة ، فعلى هذا إذا نزع الجرموق نزع الخف كما ينزع اللفافة ، وهل يستأنف الوضوء أم يقتصر على غسل القدمين ؟ فيه قولان ) .
( الشرح ) هذه الطريقة مشهورة في المذهب لكن بعض الأصحاب يسميها طرقا ، وبعضهم يسميها أوجها ، وهذه طريقة الجمهور ، وهذه الأوجه ذكرها ابن سريج ، واتفق الخراسانيون على نقلها عنه ونقلها عنه من العراقيين المحاملي في المجموع وابن الصباغ وآخرون ، وقد تقدم بيانها مع شرح ما يتعلق بها موضحا في مسائل مسح الجرموقين ، وأورد nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب على الطريق الأول فقال : هذا باطل بل يجب استئناف الوضوء بلا خلاف لأن جواز المسح على الجرموق إنما هو على القديم وفي القديم لا يجوز تفريق الوضوء ، فأجاب عنه صاحب الشامل بأنه لا يمتنع أن يرجع عن وجوب استئناف الطهارة بنزع الخفين ولا يرجع عن مسح الجرموق فيصح أن يخرج فيه القولان . قلت : هذا الجواب ضعيف ولكن يجاب بجوابين حسنين : أجودهما أن جواز مسح الجرموق ليس مختصا بالقديم بل هو منصوص عليه في الإملاء كما ذكره المصنف وجميع الأصحاب ، والإملاء من الكتب الجديدة التي يجوز فيها تفريق الوضوء . والثاني : أن ذلك متصور على القديم أيضا فيما إذا نزع الجرموق عقب المسح . والله أعلم .
[ ص: 561 ] الثانية ) قال أصحابنا : سليم الرجلين لو لبس خفا في إحداهما لا يصح مسحه ، وقد صرح المصنف بهذا في مسألة الخف المخرق ، فلو لم يكن له إلا رجل واحدة جاز المسح على خفها بلا خلاف . ولو بقيت من محل الفرض في الرجل الأخرى بقية لم يصح المسح حتى يسترها بما يجوز المسح عليه ثم يمسح عليهما جميعا ، فلو كانت إحدى رجليه عليلة بحيث لا يجب غسلها فلبس الخف في الصحيحة قطع الدارمي بصحة المسح ، وقطع صاحب البيان بمنعه وهو الأصح ; لأنه يجب التيمم عن الرجل العليلة فهي كالصحيحة .
( الثالثة ) مسح الخف هل يرفع الحدث عن الرجل ؟ فيه خلاف مشهور حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي والروياني وآخرون قولين ، وحكاه : جماعة من الخراسانيين وجهين ، وقال إمام الحرمين وآخرون هما قولان مستنبطان من معاني كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه ويؤيد كونهما قولين أنهم بنوا مسألة من نزع الخفين هل يستأنف أم يكفيه غسل القدمين على أن المسح يرفع الحدث أم لا ؟ ولولا أنهما قولان لم يصح البناء ، إذ كيف يبنى قولان على وجهين ؟ . ثم اتفق الجمهور على أن الأصح أنه يرفع الحدث ، وخالفهم الجرجاني فقال في التحرير : والأصح أنه لا يرفع ، وحجة من قال بهذا أنه طهارة تبطل بطهور الأصل فلم ترفع الحدث كالتيمم ، ولأنه مسح قائم مقام الغسل فلم يرفع كالتيمم وفيه احتراز من مسح الرأس فإنه ليس ببدل ، وحجة الأصح في أنه يرفع الحدث أنه مسح بالماء فرفع كمسح الرأس ، ولأنه يجوز أن يصلي به فرائض ، ولو كان لا يرفع لما جمع به فرائض كالتيمم وطهارة المستحاضة . والله أعلم .
( الرابعة ) إذا لبس الخف وهو يدافع الحدث لم يكره وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ونقل عنه أنه كان إذا أراد أن يبول وهو على طهارة لبس خفيه ثم بال ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل رضي الله عنه يكره كما تكره الصلاة في هذه الحال ، ودليل عدم الكراهة أن إباحة المسح على الخف مطلقة ولم يثبت نهي ، ويخالف الصلاة فإن مدافعة الحدث فيها يذهب الخشوع الذي هو مقصود الصلاة وليس كذلك لبس الخف . قال إمام الحرمين : لو كان على طهارة [ ص: 562 ] وأرهقه حدث ووجد من الماء ما يكفيه لوجهه ويديه ورأسه دون رجليه ووجد خفا يمكنه لبسه ومسحه فهل يلزمه ذلك ؟ فيه احتمالان أظهرهما لا يلزمه ، وقد عبر الغزالي في الوسيط عن هذين الاحتمالين بالتردد ، فقد يتوهم منه وجهان وستأتي المسألة في باب التيمم مبسوطة حيث ذكرها إن شاء الله تعالى
( الخامسة ) أنكر على الغزالي رحمه الله قوله مسح الخف يبيح الصلاة إلى إحدى غايتين : مضي يوم وليلة حضرا وثلاثة سفرا ، وترك غايتين أخريين وهما إذا وجب عليه غسل جنابة وحيض ونحوهما أو دميت رجله ولم يمكن غسلها في الخف ، وقد سبق ذلك مبينا ، وأنكر عليه وعلى nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني أشياء سبقت مفرقة في مواضعها من الباب . والله أعلم وله الحمد والمنة .