صفحة جزء
[ ص: 132 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( فأما غير الماء من المائعات فلا يجوز الاستنجاء به لأنه ينجس بملاقاة النجاسة فيزيد في النجاسة ، وما ليس بطاهر كالروث والحجر النجس لا يجوز الاستنجاء به [ لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الاستنجاء بالروث ] ولأنه نجس فلا يجوز الاستنجاء به كالماء النجس ، فإن استنجى بذلك لزمه بعد ذلك أن يستنجي بالماء لأن الموضع قد صار نجسا بنجاسة نادرة فوجب غسله بالماء . ومن أصحابنا من قال : يجزئه الحجر ; لأنها نجاسة على نجاسة فلم تؤثر ) .


( الشرح ) إذا استنجى بمائع غير الماء لم يصح ، ويتعين بعده الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الأحجار بلا خلاف ، لما ذكر المصنف . وأما قول صاحب البيان : " إذا استنجى بمائع فهل يجزئه بعده الحجر ؟ فيه وجهان " فغلط بلا شك ، كأنه اشتبه عليه كلام صاحب المهذب فتوهم أن قوله : ومن أصحابنا من قال : يجزئه الحجر ، عائد إلى المسألتين وهما الاستنجاء بالماء وبالنجس كالروث ، وهذا وهم باطل ; لأن مراد صاحب المهذب الخلاف في المسألة الثانية وحدها ، وأما مسألة المائع فمتفق فيها على أن الماء يتعين ، لأن المائع ينشر النجاسة ، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله : فيزيد في النجاسة . والله أعلم .

وأما النجس وهو الروث والحجر النجس وجلد الميتة والثوب النجس وغيرها فلا يجوز الاستنجاء به ، فإن خالف واستنجى به لم يصح بلا خلاف ، وهل يتعين بعده الاستنجاء بالماء أم يجوز بالأحجار ؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما ، الصحيح عند الجمهور يتعين الماء ، وبه قطع إمام الحرمين والغزالي في البسيط والبغوي وغيرهم ، وصححه الجمهور وخالفهم المحاملي فقال في التجريد ، قال أصحابنا : إذا استنجى بنجس لزمه أن يستنجي بثلاثة أحجار طاهرة . قال : حتى لو استنجى بجلد كلب أجزأه الحجر بعد ذلك ; لأن النجاسة الطارئة تابعة لنجاسة النجو . قال : وقال الشيخ أبو حامد : الذي يجيء على المذهب أنه لا يجزئه إلا الماء ، هذا كلام المحاملي ، ورأيت أنا في تعليق الشيخ أبي حامد خلاف ما نقله [ ص: 133 ] عنه فقطع بأنه إذا استنجى بجامد نجس كفاه بعده الأحجار . قال : فلو استنجى بكلب فالذي يجيء على تعليل الأصحاب أنه يجزئه الحجر ، ولا يحتاج إلى سبع مرات إحداهن بالتراب ، هذا كلامه ، ولكن نسخ التعليق تختلف وقد قدمت نظائر هذا ، والصواب في مسألة الاستنجاء بجلد كلب أنه يجب سبع غسلات إحداهن بتراب ، والصحيح في سائر النجاسات أنه يتعين الماء .

( فرع ) قد ذكرنا أنه لا يجوز الاستنجاء بنجس ، هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء ، وجوزه أبو حنيفة بالروث . دليلنا حديث أبي هريرة المتقدم في الفصل قبله . { وقوله صلى الله عليه وسلم : ولا تأتني بعظم ولا روث } " وحديثه الآخر : " ونهى عن الروث والرمة " وحديث ابن مسعود : " فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال : إنها ركس " وهذه أحاديث صحاح تقدمت قريبا . وعن سلمان : " { نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروث والعظام } " رواه مسلم . وعن جابر : " { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسح بعظم أو بعر } " رواه مسلم . وعن أبي هريرة " { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بعظم أو روث وقال : إنهما لا يطهران } " فرواه الدارقطني وقال إسناد صحيح . وعن رويفع بن ثابت قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " { يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم ، فإن محمدا منه بريء } " رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية