[ ص: 150 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أولج في فرج امرأة ميتة وجب عليه الغسل ، لأنه فرج آدمية ، فأشبه فرج الحية ، وإن أولج في دبر امرأة أو رجل أو بهيمة وجب [ عليه ] الغسل ; لأنه فرج حيوان ، فأشبه فرج المرأة ، وإن أولج في دبر خنثى مشكل وجب عليه الغسل ، وإن أولج في فرجه لم يجب ، لجواز أن يكون ذلك عضوا زائدا فلا يجب الغسل بالشك ) .
( الشرح ) هذه المسائل كلها متفق عليها عندنا ، كما ذكرها المصنف ، ودليلها ما ذكره .
( فرع ) في مسائل تتعلق بالفصل ( إحداها ) قد ذكرنا أنه إذا أولج ذكره في قبل امرأة أو دبرها أو دبر رجل أو خنثى أو صبي أو في قبل بهيمة أو دبرها وجب الغسل بلا خلاف ، وسواء كان المولج فيه حيا ، أو ميتا ، أو مجنونا ، أو مكرها أو مباحا كالزوجة ، أو محرما ، ويجب على المولج والمولج فيه المكلفين وعلى الناسي والمكره . وأما الصبي إذا أولج في فرج امرأة أو دبر رجل ، أو أولج رجل في دبره ; فيجب الغسل على المرأة والرجل ، وكذا إذا استدخلت امرأة ذكر صبي فعليها الغسل ، ويصير الصبي في كل هذه الصور جنبا ، وكذا الصبية إذا أولج فيها رجل أو صبي ، وكذا لو أولج صبي في صبي ، وسواء في هذا الصبي المميز وغيره ، وإذا صار جنبا لا تصح صلاته ما لم يغتسل كما إذا بال لا تصح صلاته حتى يتوضأ ، ولا يقال : يجب عليه الغسل ، كما لا يقال يجب عليه الوضوء ; بل يقال : صار محدثا ، ويجب على الولي أن يأمره بالغسل إن كان مميزا ، كما يأمره بالوضوء . فإن لم يغتسل حتى بلغ لزمه الغسل ، كما إذا بال ثم بلغ يلزمه الوضوء ، وإن اغتسل وهو مميز صح غسله ، فإذا بلغ لا تلزمه إعادته . كما لو توضأ ثم بلغ يصلي بذلك الوضوء ، وقد سبق في آخر باب [ ص: 151 ] نية الوضوء وجه شاذ أنه تجب إعادة طهارته إذا بلغ ، والصبية كالصبي فيما ذكرنا ، ولو أولج مجنون أو أولج فيه صار جنبا ، فإذا أفاق لزمه الغسل .
( الثانية ) لو استدخلت امرأة ذكر رجل وجب الغسل عليه وعليها ، سواء أكان عالما بذلك ، مختارا أم نائما أم مكرها ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم واتفق عليه الأصحاب ولو استدخلت ذكرا مقطوعا ففي وجوب الغسل عليها وجهان هما كالوجهين في انتقاض الوضوء بمسه ، حكاهما الدارمي والمتولي والروياني وآخرون . قال الدارمي : ولا حد عليها بلا خلاف ، ولا مهر لها لو أولج المقطوع فيها رجل ، ولو استدخلت ذكر ميت لزمها الغسل ، كما لو أولج في ميت . ولو استدخلت ذكر بهيمة لزمها الغسل ، كما لو أولج في بهيمة . صرح به الشيخ أبو محمد الجويني والدارمي والمتولي وآخرون . ونقله الروياني عن الأصحاب قال إمام الحرمين : وفيه نظر من حيث إنه نادر ، قال : ثم في اعتبار قدر الحشفة فيه كلام يوكل إلى فكر الفقيه .
( الثالثة ) وجوب الغسل وجميع الأحكام المتعلقة بالجماع يشترط فيها تغييب الحشفة بكمالها في الفرج ، ولا يشترط زيادة الحشفة ولا يتعلق ببعض الحشفة وحده شيء من الأحكام ، وهذا كله متفق عليه في جميع الطرق ، إلا وجها حكاه الدارمي وحكاه الرافعي عن حكاية ابن كج أن بعض الحشفة كجميعها ، وهذا في نهاية من الشذوذ والضعف ، ويكفي في بطلانه قوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=9661إذا التقى الختانان وجب الغسل } " أما إذا قطع بعض الذكر فإن كان الباقي دون قدر الحشفة لم يتعلق به شيء من الأحكام باتفاق الأصحاب ، وإن كان قدرها فقط تعلقت الأحكام بتغييبه كله دون بعضه ، وإن كان أكثر من قدر الحشفة فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف في مواضع من المهذب ، منها باب الخيار في السماح في مسألة العنين ، ورجح المصنف منهما أن لا يتعلق الحكم ببعضه ولا يتعلق إلا بتغييب جميع الباقي .
وكذا رجحه الشاشي ونقله الماوردي عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ورجح الأكثرون تعلق الحكم بقدر الحشفة منه ، وقطع به الفوراني وإمام الحرمين والغزالي والبغوي وصاحب العدة وآخرون وصححه الرافعي وغيره .
( الرابعة ) إذا كان غير مختون فأولج الحشفة لزمهما الغسل بلا خلاف ، [ ص: 152 ] ولا أثر لذلك . ولو لف على ذكره خرقة وأولجه بحيث غابت الحشفة ولم ينزل ففيه ثلاثة أوجه حكاها الماوردي والشاشي في كتابيه ، والروياني وصاحب البيان وغيرهم ( الصحيح ) وجوب الغسل عليهما ، وبه قطع الجمهور لأن الأحكام متعلقة بالإيلاج وقد حصل ( والثاني ) لا يجب الغسل ولا الوضوء لأنه أولج في خرقة ولم يلمس بشرة ، وصححه الروياني ، قال : وهو اختيار الحناطي ( والثالث ) إن كانت الخرقة غليظة تمنع اللذة لم يجب ، وإن كانت رقيقة لا تمنعها وجب ، وهذا قول أبي الفياض البصري والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين وقال الرافعي في هذا الثالث : الغليظة هي التي تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر ، ووصول الحرارة من أحدهما إلى الآخر ، والرقيقة ما لا تمنع . قال الروياني : ويجري هذا الخلاف في إفساد الحج به ، وينبغي أن يجري في كل الأحكام .
( الخامسة ) إذا أولج ذكر أشل وجب الغسل على المذهب ، وبه قطع الأكثرون . وحكى الدارمي فيه وجهين .
( السابعة ) لو كان له ذكران ، قال الماوردي في مسائل لمس الخنثى : إن كان يبول منهما وجب الغسل بإيلاج أحدهما ، وإن كان يبول بأحدهما تعلق الحكم به دون الآخر ، وقد ذكرنا هذا في باب ما ينقض الوضوء . وذكرت هناك إيلاج الخنثى المشكل والإيلاج فيه مبسوطا .
( التاسعة ) ذكر المتولي وغيره في الموجب للغسل ثلاثة أوجه ( أحدها ) إيلاج الحشفة ، أو نزول المني لأنه حكم يتعلق بالجنابة فتعلق بسببه كقراءة [ ص: 153 ] القرآن ومس المصحف والصلاة وغيرها .
( والثاني ) القيام إلى الصلاة لأنه لا يلزمه قبله ( والثالث ) هو الصحيح : يجب بالإيلاج مع القيام إلى الصلاة أو بالإنزال مع القيام إلى الصلاة ، كما أن النكاح يوجب الميراث عند الموت ، والوطء يوجب العدة عند الطلاق ، وتقدم مثل هذه الأوجه في موجب الوضوء ، وبسطت الكلام في شرح هذا كله بسطا كاملا في آخر صفة الوضوء .
( العاشرة ) إذا وطئ امرأة ميتة فقد ذكرنا أنه يلزمه الغسل ، وهل يجب إعادة غسل الميتة إن كانت غسلت ؟ فيه وجهان مشهوران ، أصحهما عند الجمهور لا يجب لعدم التكليف ، وإنما يجب غسل الميت تنظيفا وإكراما ، وشذ الروياني فصحح وجوب إعادته ، والصواب الأول . قال أصحابنا : ولا يجب بوطئها مهر . قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب وغيره : كما لا يجب بقطع يدها دية ، وفي وجوب الحد على الواطئ أوجه ( أحدها ) يجب لأنه وطء محرم بلا شبهة .
( والثاني ) لا لخروجها عن المظنة .
( والثالث ) - وقيل : إنه منصوص إن كانت ممن لا يحد بوطئها في الحياة وهي الزوجة ، والأمة ، والمشتركة ، وجارية الابن ونحوهن ، فلا حد وإلا فيحد ، والأصح أنه لا يجب مطلقا . قال أصحابنا : وتفسد العبادات بوطء الميتة ، وتجب الكفارة في الصوم والحج .
( الحادية عشرة ) قال صاحبا الحاوي والبيان في كتاب الصداق : قال أصحابنا : الأحكام المتعلقة بالوطء في قبل المرأة تتعلق بالوطء في دبرها إلا خمسة أحكام : التحليل للزوج الأول ، والإحصان ، والخروج من التعنين ، ومن الإيلاء ( والخامس ) لا يتغير به إذن البكر ، بل يبقى إذنها بالسكوت . هكذا ذكراه ، وذكره المحاملي في اللباب ( سادسا ) وهو أن الوطء في الدبر لا يحل بحال بخلاف القبل ( وسابعا ) وهو أن خروج مني الرجل بعد الاغتسال من دبرها لا يوجب غسلا ثانيا ، وخروجه من قبلها يوجبه على تفصيل سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى ( قلت ) وهذا الذي ذكروه ضابط نفيس يستفاد منه فوائد ، وقد يخرج من الضابط مسائل يسيرة في بعضها وجه ضعيف ، كالمصاهرة وتقرير المسمى في الصداق ونحو ذلك ، ولكنها وجوه ضعيفة شاذة لا تقدح في الضابط والله أعلم . [ ص: 154 ] الثانية عشرة ) في مذاهب العلماء في الإيلاج . قد ذكرنا أن مذهبنا أن الإيلاج في فرج المرأة ودبرها ، ودبر الرجل ، ودبر البهيمة وفرجها ، يوجب الغسل وإن لم ينزل ، وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود : لا يجب ما لم ينزل . وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم ثم منهم من رجع عنه إلى موافقة الجمهور ، ومنهم من لم يرجع .
وأما الآثار التي عن الصحابة رضي الله عنهم ; فقالوها قبل أن يبلغهم النسخ ، ودليل النسخ أنهم اختلفوا في ذلك ، فأرسلوا إلى nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها فأخبرتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=9847إذا جلس بين شعبها الأربع وجهدها وجب الغسل } " فرجع إلى قولها من خالف . وعن nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي قال : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب { nindex.php?page=hadith&LINKID=12449أن الفتيا التي كانوا يفتون إنما الماء من الماء . كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ، ثم أمر بالاغتسال بعد } . وفي رواية : " ثم أمرنا " حديث صحيح رواه الدارمي وأبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة . قال الترمذي : هو حديث حسن صحيح . [ ص: 156 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=17053محمود بن لبيد قال : " سألت nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل قال : يغتسل ، فقلت إن nindex.php?page=showalam&ids=34أبيا كان لا يرى الغسل فقال nindex.php?page=showalam&ids=47زيد : إن nindex.php?page=showalam&ids=34أبيا نزع عن ذلك قبل أن يموت " هذا صحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ بإسناده الصحيح ، قوله : نزع أي رجع ، ومقصودي بذكر هذه الأدلة بيان أحاديث المسألة والجمع بينها ، وإلا فالمسألة اليوم مجمع عليها ، ومخالفة nindex.php?page=showalam&ids=15858داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور والله أعلم .
واحتج nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في منع الغسل بإيلاجه في بهيمة وميتة بأنه لا يقصد به اللذة ، فلم يجب كإيلاج أصبعه . واحتج أصحابنا : بأنه أولج ذكره في فرج فأشبه قبل المرأة الحية . فإن قالوا : ينتقض هذا بالسمك ; فإن في البحر سمكة يولج فيها سفهاء الملاحين ببحر البصرة ، فالجواب ما أجاب به القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب ، ونقله الروياني عن الأصحاب ، أنه إن كان هذا هكذا وجب الغسل بالإيلاج فيها ، لأنه حيوان له فرج . والجواب عن دليلهم من وجهين .
( أحدهما ) أنه منتقض بوطء العجوز الشوهاء المتناهية في القبح العمياء الجذماء البرصاء المقطعة الأطرف ، فإنه يوجب الغسل بالاتفاق مع أنه لا يقصد به لذة في العادة .
( والثاني ) أن الأصبع ليست آلة للجماع ، ولهذا لو أولجها في امرأة حية لم يجب الغسل بخلاف الذكر والله أعلم .