[ ص: 90 ] مسألة ; قال : ( ومن
أقر بشيء ، واستثنى من غير جنسه ، كان استثناؤه باطلا ، إلا أن يستثني عينا من ورق ، أو ورقا من عين ) في هذه المسألة فصلان : ( 3819 ) أولهما : أنه لا يصح الاستثناء في الإقرار من غير الجنس ، وبهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة إن استثنى مكيلا أو موزونا ، جاز ، وإن استثنى عبدا أو ثوبا من مكيل أو موزون ، لم يجز . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يصح الاستثناء من غير الجنس مطلقا ; لأنه ورد في الكتاب العزيز ولغة
العرب ، قال الله تعالى : {
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن } . وقال الله تعالى : {
لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما } . وقال الشاعر :
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
وقال آخر :
عيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا أواري لأيا ما أبينها
ولنا أن الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاستثناء عما كان يقتضيه لولاه .
وقيل : هو إخراج بعض ما تناوله المستثنى منه ، مشتق من ثنيت فلانا عن رأيه . إذا صرفته عن رأي كان عازما عليه . وثنيت عنان دابتي . إذا صرفتها به عن وجهتها التي كانت تذهب إليها . وغير الجنس المذكور ليس بداخل في الكلام ، فإذا ذكره ، فما صرف الكلام عن صوبه ، ولا ثناه عن وجه استرساله ، فلا يكون استثناء ، وإنما سمي استثناء تجوزا ، وإنما هو في الحقيقة استدراك . " وإلا " هاهنا بمعنى " لكن " . هكذا قال أهل العربية ; منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة ، وحكاه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه .
والاستدراك لا يأتي إلا بعد الجحد ، ولذلك لم يأت الاستثناء في الكتاب العزيز من غير الجنس إلا بعد النفي ، ولا يأتي بعده الإثبات ، إلا أن يوجد بعده جملة .
وإذا تقرر هذا ، فلا مدخل للاستدراك في الإقرار ; لأنه إثبات للمقر به ، فإذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلا ، وإن ذكره بعد جملة كأن
قال : له عندي مائة درهم إلا ثوبا لي عليه . فيكون مقرا بشيء مدعيا لشيء سواه ، فيقبل إقراره ، وتبطل دعواه ، كما لو صرح بذلك بغير لفظ الاستثناء . وأما قوله تعالى : {
فسجدوا إلا إبليس } فإن إبليس كان من الملائكة ، بدليل أن الله تعالى لم يأمر بالسجود غيرهم ، فلو لم يكن منهم لما كان مأمورا بالسجود ، ولا عاصيا بتركه ، ولا قال الله تعالى في حقه : {
ففسق عن أمر ربه } . ولا قال : {
ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك . } وإذا لم يكن مأمورا فلم أنكسه الله وأهبطه ودحره ؟ ولم يأمر الله تعالى بالسجود إلا الملائكة . فإن قالوا : بل قد تناول الأمر الملائكة ومن كان معهم ، فدخل إبليس في الأمر لكونه معهم .
قلنا : قد سقط استدلالكم ، فإنه متى كان إبليس داخلا في المستثنى منه ، مأمورا بالسجود ، فاستثناؤه من الجنس ، وهذا ظاهر لمن أنصف ، إن شاء الله تعالى . فعلى هذا ، متى قال : له علي ألف درهم
[ ص: 91 ] إلا ثوبا . لزمه الألف ، وسقط الاستثناء ، بمنزلة ما لو قال : له علي ألف درهم ، لكن لي عليه ثوب . ( 3820 ) الفصل الثاني : إذا
استثنى عينا من ورق ، أو ورقا من عين ، فاختلف أصحابنا في صحته ; فذهب
أبو بكر عبد العزيز إلى أنه لا يصح ; لما ذكرنا .
وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن . وقال
ابن أبي موسى : فيه روايتان . واختار
nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي صحته ; لأن قدر أحدهما معلوم من الآخر ، ويعبر بأحدهما عن الآخر ، فإن قوما يسمون تسعة دراهم دينارا ، وآخرون يسمون ثمانية دراهم دينارا ، فإذا استثنى أحدهما من الآخر ، علم أنه أراد التعبير بأحدهما عن الآخر ، فإذا قال : له علي دينار إلا ثلاثة دراهم ، في موضع يعبر فيه بالدينار عن تسعة ، كان معناه : له علي تسعة دراهم إلا ثلاثة .
ومتى أمكن حمل الكلام على وجه صحيح ، لم يجز إلغاؤه ، وقد أمكن بهذا الطريق ، فوجب تصحيحه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب لا فرق بين العين والورق وبين غيرهما ، فيلزم من صحة استثناء أحدهما من الآخر صحة استثناء الثياب وغيرها . وقد ذكرنا الفرق . ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر ، أو يعلم قدره منه ، ورواية البطلان على ما إذا انتفى ذلك ، والله أعلم .