( 5127 ) مسألة ; قال : (
وليس عليه أن يعطي لكل هؤلاء الأصناف ، وإن كانوا موجودين ، إنما عليه أن لا يجاوزهم ) وذلك لأن الآية إنما سيقت لبيان من يجوز الصرف إليه ، لا لإيجاب الصرف إلى الجميع ، بدليل أنه لا يجب تعميم كل صنف بها . وقد ذكر الله تعالى في آية أخرى صرفها إلى صنف واحد ، فقال سبحانه : {
إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=32لمعاذ حين بعثه إلى
اليمن : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1263أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ، فترد في فقرائهم } . متفق عليه .
فلم يذكر في الآية ولا في الخبر إلا صنفا واحدا . وقال النبي صلى الله عليه وسلم
لقبيصة حين تحمل حمالة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1504أقم يا قبيصة ، حتى تأتينا الصدقة ، فنأمر لك بها } . فذكر دفعها إلى صنف ، وهو من الغارمين . وأمر
بني زريق بدفع صدقتهم إلى
سلمة بن صخر . وهو شخص واحد . رواه
أبو داود وبعث إليه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه بذهيبة في تربتها ، فقسمها بين المؤلفة قلوبهم ، وهم صنف واحد . والآثار في هذا كثيرة ، تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعتقد في كل صدقة ثابتة دفعها إلى جميع الأصناف .
ولا تعميمهم بها ، بل كان يدفعها إلى من تيسر من أهلها ، وهذا هو اللائق بحكمة الشرع وحسنه ، إذ غير جائز أن يكلف الله سبحانه من وجبت عليه شاة ، أو صاع من البر ، أو نصف مثقال ، أو خمسة دراهم ، دفعها إلى ثمانية عشر نفسا ، أو أحدا وعشرين ، أو أربعة وعشرين نفسا ، من ثمانية أصناف ، لكل ثلاثة منهم ثمنها ، والغالب تعذر وجودهم في الإقليم العظيم ، وعجز السلطان عن إيصال مال بيت المال مع كثرته إليهم على هذا الوجه ، فكيف يكلف الله تعالى كل من وجبت عليه زكاة جمعهم وإعطاءهم ، وهو سبحانه القائل : {
وما جعل عليكم في الدين من حرج } . وقال : {
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . وقال : {
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .
وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه ، ولا يقدر على فعله ، وما بلغنا أن النبي
[ ص: 337 ] صلى الله عليه وسلم فعل هذا في صدقة من الصدقات ، ولا أحدا من خلفائه ، ولا من صحابته ، ولا غيرهم ، ولو كان هذا هو الواجب في الشريعة المطهرة لما أغفلوه ، ولو فعلوه مع مشقته لنقل وما أهمل ، إذ لا يجوز على أهل التواتر إهمال نقل ما تدعو الحاجة إلى نقله ، سيما مع كثرة من تجب عليه الزكاة ، ووجود ذلك في كل زمان ، وفي كل مصر وبلد ، وهذا أمر ظاهر ، وقد سبقت هذه المسألة والكلام فيها فيما تقدم .