صفحة جزء
( 5879 ) مسألة ; قال : ( وإذا قال لها : أمرك بيدك . فهو بيدها ، وإن تطاول ، ما لم يفسخ أو يطأها ) وجملة ذلك أن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه ، وبين أن يوكل فيه ، وبين أن يفوضه إلى المرأة ، ويجعله إلى اختيارها ; بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه ، فاخترنه . ومتى جعل أمر امرأته بيدها ، فهو بيدها أبدا ، لا يتقيد ذلك بالمجلس . روي ذلك عن علي رضي الله عنه . وبه قال الحكم ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وقال مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي : هو مقصور على المجلس ، ولا طلاق لها بعد مفارقته ; لأنه تخيير لها ، فكان مقصورا على المجلس ، كقوله : اختاري . ولنا ، قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها ، قال : هو لها حتى تنكل . ولا نعرف له في الصحابة مخالفا ، فيكون إجماعا . ولأنه نوع توكيل في الطلاق ، فكان على التراخي ، كما لو جعله لأجنبي ، وفارق قوله : اختاري . فإنه تخيير . فإن رجع الزوج فيما جعل إليها ، أو قال : فسخت ما جعلت إليك . بطل .

وبذلك قال عطاء ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، والأوزاعي ، وإسحاق . وقال الزهري ، والثوري ، ومالك ، وأصحاب الرأي : ليس له الرجوع ; لأنه ملكها ذلك ، فلم يملك الرجوع ، كما لو طلقت . ولنا ، أنه توكيل ، فكان له الرجوع فيه كالتوكيل في البيع ، وكما لو خاطب بذلك أجنبيا . وقولهم : تمليك . لا يصح ; فإن الطلاق لا يصح تمليكه ، ولا ينتقل عن الزوج ، وإنما ينوب فيه غيره عنه ، فإذا استناب غيره فيه كان توكيلا لا غير ، ثم وإن سلم أنه تمليك ، فالتمليك يصح الرجوع فيه قبل اتصال القبول به ، كالبيع . وإن وطئها الزوج كان رجوعا ; لأنه نوع توكيل ، والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة . وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل ، كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل .

( 5880 ) فصل : ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ، ما لم ينو به إيقاع طلاقها في الحال ، أو تطلق نفسها . ومتى ردت الأمر الذي جعل إليها ، بطل ، ولم يقع شيء ، في قول أكثر أهل العلم ; منهم ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، ومسروق ، وعطاء ، ومجاهد ، والزهري والثوري والأوزاعي والشافعي . وقال قتادة : إن ردت ، فواحدة رجعية . ولنا ، أنه توكيل ، أو تمليك لم يقبله المملك ، فلم يقع به شيء ، كسائر التوكيل والتمليك ، فأما إن نوى بهذا تطليقها في الحال ، طلقت في الحال ، ولم يحتج إلى قبولها ، كما لو قال : حبلك على غاربك .

التالي السابق


الخدمات العلمية